المرتضى: الجامعة اللبنانية تواجه باللحم الحيّ والسلاح الأبيض التحدّي المفروض عليها
أطلق وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال القاضي محمّد وسام المرتضى، السنة الدراسية للعام الجامعي 2023/2022 في كلّية الحقوق والعلوم السياسية والادارية الفرع الأوّل في المجمع الجامعي في الحدث بحضور رئيس الجامعة الدكتور بسام بدران وعميد كلّية الحقوق الدكتور كميل حبيب ومدير الفرع الأوّل لكلّية الحقوق الدكتور جهاد بنوت وحشد من الأساتذة والطلاب.
وألقى المرتضى كلمة بالمناسبة رأى فيها أنّ “الأزمات التي عانينا ونعاني منها، وآخرها الفراغ الرئاسي، لا تزال تؤكّد لي أزمة بعد أخرى أن تراخي قبضة القانون والسعي إلى التفلّت من أحكام الدستور، بتفسيره على غير روحيته ومقصده، حتّى درجة العبث والفوضى، هما المشكلة الأساس في عيشنا الوطني”، مشيرًا إلى أنّه يقول هذا “وفي الصدر غصّة، إذ ليس لقاض أن يشكو هذه الشكوى ويقول هذا الكلام، لكنّ الصراحة التي اعتنقتها شعارًا في الحياة تدفعني إلى ذلك، وأنا أتوجّه إلى طلاب حقوق وعلوم سياسية على كواهل أقلامهم ومواقفهم سيرتفع البناء القانوني اللبناني ويزدهر”.
وقال المرتضى: “تجيء بي إلى ههنا أشواق عمر جميل قضيته طالبًا للحقوق في الفرع الأوّل من الجامعة اللبنانية، زمان كان مقرّه في الصنائع حيث تقوم الآن المكتبة الوطنية ومكتب لوزير الثقافة. وتنتابني المشاعر نفسها التي تخفق اليوم في قلوب الطلاب المقبلين على عام جديد من الدرس والبحث في طوايا الكتب والمراجع والمصنّفات، ومن السكنى في جيرة القوانين والاجتهادات. ويعود إليّ ما يجول هذه اللحظة في خواطر طلاب السنة الأخيرة الذين بات لكلّ واحد منهم شأن ابن الملوّح القائل:
أعدّ الليالي ليلة بعد ليلة وقد عشت دهرًا لا أعدّ اللياليا
وتابع: “فهم يستعجلون الزمن ليفرغوا من الدرس ويذهبوا إلى ميدان العمل من أجل بناء مستقبلهم، مدركين في الوقت عينه أنّ العدالة، بجناحيها القضاء والمحاماة، تحصيل دائم ودراسة لا تنتهي؛ أو هكذا ينبغي لهم أن يعرفوا. والحقيقة أنّ العمر الجامعي أجمل الحياة، إذا قيّض للطلاب أن يعيشوه كما يستحقّونه ويستحقّهم ذلك أنّه منبر التعاطي مع القيم الإنسانية والاجتماعية بكامل وجوهها الخيّرة، والوقت الذي يجسّد بأبهى الصور مقولة العيش الوطني المشترك، بين طلاب يجيئون من مشارب ومناطق كثيرة ليلتقوا في ظلّ الجامعة الوطنية حيث ينصرفون، من جملة ما يفعلون، إلى حيوية النقاشات الفكرية في مختلف الشؤون العامة والخاصة، كيما يكوّن كلّ منهم شخصيته الثقافية المتميزة، ويجمعون بين أيديهم أدوات صناعة المستقبل الشخصي والوطني على السواء”.
وأضاف: “وربما كان هذا الجيل من الطلبة اللبنانيين، قد عانى خلال دراسته الجامعية ما لم يعانه جيل آخر، في ظل الأحوال العامة التي اعترت الوطن، بدءًا من جائحة كورونا وصولًا إلى الانهيار النقدي والاقتصادي العام، وانعكاسات هذا كلّه على أوضاع الجامعة اللبنانية، وتاليًا على ظروف التعليم الجامعي. لكن ما يستحقّ الثناء هذه الإرادة التي لا تنثني، لرئاسة الجامعة متمثّلة بالصديق الدكتور بسام بدران وعمداء كلّياتها وأساتذتها وطلابها في جميع الفروع؛ هؤلاء كلّهم لا يزالون مصرّين على تجاوز الصعاب مهما قست، وعلى تأدية رسالة العلم البناء، وإنّ كانوا بين حين وحين يرفعون النداءات لإنصافهم.
وإذا كان لي في هذا الصدد من نصيحة أسديها أو أمنية أدلي بها، فهي أن تبقى الجامعة اللبنانية بهيكلياتها كافة على قدر التحدّي المفروض عليها، والذي تواجهه باللحم الحيّ والسلاح الأبيض، ريثما ينجلي هذا الكرب النازل بنا. وأنا على يقين بأن الحافز الرسولي الذي يقود تطلعاتها وجهود أساتذتها وموظفيها سيبقى كنه كينونتها وهديها في ما تقوم به خدمة للوطن وأجياله الحية”.
وأردف المرتضى: “أمّا طلّاب كلّية الحقوق، فألفت أنظارهم إلى عظمة الاختصاص الذي اختاروه. لا أقول هذا انحيازًا، ولا تقليلًا من شأن الاختصاصات الأخرى، العلمية أو الإنسانية، بل لأنّ بناء الأوطان يلزمه انتماء إلى الحقّ وعمل في ميدانه. فالحقّ من أسماء الله الحسنى، وفي الإنجيل قال يسوع: “تعرفون الحقّ والحقّ يحرّركم”. من هنا اقترنت رسالتا القضاء والمحاماة بصفات النبل والرقي ورفعة الأخلاق كما تثبت منظومتا الآداب اللتان ترعيانهما، فينبغي دائمًا الالتزام بالمناقب والأصول، لأنّ فيها مفاتيح النجاح المعنوي والمادي.”
وتابع: “أمّا الثقافة العامة فهي بيت القصيد في عمل أهل الحقّ وخبزهم اليومي. وأعني بها ما يجب على الطلّاب إحرازه من مدارك وعلوم وآداب، خارج نطاق الدروس القانونية؛ ذلك أنّ الثقافة تنشر آفاقًا وسيعة أمام القاضي والمحامي، كما أمام جميع الناس، فيزداد من خزائن المعرفة كنوزًا تفوق كلّ قيمة”.
وقال: “أيّها الأحباء، أرى قلمي قد أخذ بيدي إلى درب النصائح والإرشادات التي لا أحبّ سلوكها، وخصوصًا في مثل هذه الحضرة الجامعية المثقّفة بامتياز. لكن الأزمات التي عانينا ونعاني منها، وآخرها الفراغ الرئاسي، لا تزال تؤكّد لي أزمة بعد أخرى أن تراخي قبضة القانون والسعي إلى التفلّت من أحكام الدستور، بتفسيره على غير روحيته ومقصده، حتّى درجة العبث والفوضى، هما المشكلة الأساس في عيشنا الوطني. أقول هذا وفي الصدر غصّة، إذ ليس لقاض أن يشكو هذه الشكوى ويقول هذا الكلام. لكنّ الصراحة التي اعتنقتها شعارًا في الحياة تدفعني إلى ذلك، وأنا أتوجّه إلى طلّاب حقوق وعلوم سياسية على كواهل أقلامهم ومواقفهم سيرتفع البناء القانوني اللبناني ويزدهر”.
وتوجّه المرتضى إلى الطلّاب بالقول: “ذلك أختم كلامي بطلب أخير إليهم:”كونوا الصوت الصارخ في برية هذا الوطن؛ وتمّموا رسالة الحقّ واجعلوا سبله مستقيمة”.
بنوت
وألقى مدير الفرع الأوّل الدكتور جهاد بنوت كلمة جاء فيها:”كم جميل هذا اللقاء على مقاعد الدراسة في الجامعة اللبنانية في الحدت بعدما أعاقت ظروف عدّة هذا اللقاء الجامع. أرحّب بكم جميعًا في يوم انطلاقة الدراسة في كلّية الحقوق والعلوم السياسية والادارية هذه الكلّية التي خرّجت طلائع ونخب المجتمع في الحقوق والقضاء والسياسة والادارة.”
وتوجّه إلى الطلاب وقال: “ها هو وزير الثقافة القاضي محمّد وسام المرتضى ورئيس جامعتنا البروفسور بسّام بدران وعميد كلّيتنا البروفسور كميل حبيب وأساتذتنا يشاركوننا اليوم هذا الفرح يوم انطلاقة عامكم الجامعي، ونأمل لكم النجاح والتفوّق والإبداع. وها هي الحياة عادت لتدبّ في الجامعة اللبنانية وهذا عندما تحدّيتم وتحدّينا كلّ محاولات إضعافها وهدمها وتفتتح اليوم لتعلن فجر العلم حضوريًا على مقاعدها”.
وأضاف:”معالي الوزير نفتخر اليوم وتفتخر كلّية الحقوق وأنتم من طلائع خريجيها برعايتكم انطلاق عامها الجامعي بعدما أعاقت الأزمات دورة العلم فيها. وتعتزّ كلّيتنا أيضًا برئيس جامعتنا الوطنية الذي يجاهد كلّ صباح لتأمين وسائل وتكاليف استمرار أداء مهام هذه الجامعة لتعزّز مكانتها في جودة التعليم في ظلّ الحرمان الذي يطالها”.
وختم:”في هذا اليوم الجامعي الجميل، لننطلق وتنطلق حياة كلّيتنا وجامعتنا ولِتعلُ قبّعات خريجيها فخرًا ولتصدح حناجرهم إلى العلى دعوتنا وقلبك يضمّنا وحضنك حمانا، فأنت أمنّا، ومن أعظم من الأمّ مدرسة ومعلّمة. عشتم وعاشت الجامعة اللبنانية”.
حبيب
وألقى العميد حبيب كلمة قال فيها:”نحن نفرح عندما تزور الدولة جامعة الدولة والوطن، فكيف إذا كان الزائر قاضيًا ووزير ثقافة تجمعنا به علامات احترام وأواصر محبّة ورباط العلم والمعرفة. فأهلًا وسهًلا بكم معالي الوزير محمّد وسام المرتضى في رحاب كلّية الحقوق وريثة بيروت أمّ الشرائع والتي ورثت على محيا عينيك المكتبة الوطنية في منطقة الصنائع وما يحمله ذلك الفرع من ذكريات عزيزة على قلوبنا جميعًا”.
وأضاف:”سأعرض أمامكم ثلاثة مطالب لا غير مع تقديري لموازنة الوزارة المتواضعة:
1- السماح لأساتذتنا وطلابنا استعارة الكتب من المكتبة الوطنية لإغناء بحثهم العلمي.
2- شراء الإنتاج الفكري والسياسي والقانوني والدستوري من الأساتذة الباحثين لمساعدتهم في هذا الظرف العصيب.
3- تفعيل العمل ببرنامج “أعرف بلادكم” لتعريف الجيل الجديد على بلادهم”.
بدران
وألقى البروفسور بدران كلمة جاء فيها: “مناسبة عزيزة ومباركة تجمعنا اليوم في رحاب كلّية الحقوق والعلوم السياسية لنعلن رسميًا من هنا وفي هذه اللحظة بالذات أنّ الجامعة اللبنانية تبدأ عامها الجديد بالتصميم والعزم على تقديم أفضل التعليم الحضوري بعد نجاحنا بتأمين مستلزماته. وهنا نثمّن الدور المحوري الذي لعبه دولة رئيس مجلس النوّاب الأستاذ نبيه بري وكتلة “الوفاء للمقاومة” وكتلة “التنمية والتحرير” في رفع موازنة الجامعة.
لن ندور في خلقة مفرغة، نردّد معزوفة المشاكل والعقبات وما أكثرها، ونحن أهل الجامعة أدرى بها بعدما اكتوينا جميعًا بنيرانها. لكنّي أصارحكم القول إنّه كلّما تراكمت أمامي الصعاب جرّاء مواجهة ارتدادات الإنهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي كلّما كنت أرى نفسي أشدّ تصميمًا على المواجهة، يشجّعني على ذلك تعاون زملائي معي والتزامي العميق أمام كلّ طالب كن طلّابنا الأعزاء.
حضوركم اليوم يعزّز شعوري بالمسؤولية ويزيدني تصميمًا على المواجهة لأنّنا أصبحنا على أبواب تحقيق الرهان الذي سألخّصه بما يلي:
1- قرار الجامعة بالتعليم الحضوري لا رجعة عنه لأنّنا حريصون على إعطاء الطالب حقّه بحياة جامعية تؤمّن ظروف الدراسة الطبيعية والنجاح والتفوّق.
2- من موقعي كرئيس للجامعة أعرف تمامًا كلّ متطلّبات العودة الحضورية وأنا أعمل بلا هوادة وبلا تردّد على تأمينها.
والنجاح في هذه المهمّة يتطلّب تضافر جهود الجميع من أساتذة وموظّفين وطلّاب كلّ حسب موقعه واختصاصه وقدرته. مخطىء من يظنّ أنّني لا أعرف معاناة أساتذتنا وموظّفينا من تدهور القيمة الشرائية لرواتبهم إلى ضعف التقديمات الصحية والتعليمية وغيرها. كيف لا أعرفها وأنا أعيشها مثلكم.
3- حقوق الأساتذة والموظّفين محفوظة وهي أقرّت بقوانين وقد باشرنا بإجراء اللازم لتحويل المستحقّات والرواتب لا بل باشرنا بتحويلها وسوف تستكمل فور انتهاء بعض المعاملات الإدارية. وهنا أؤكّد لكم أنّني أحرص على إنهائها بالسرعة الممكنة ونحن على تواصل يومي مع وزارة المالية وديوان المحاسبة وهيئة التشريع لإتمام المعاملات ودفع المستحقّات.
قد يحصل تأخير نتيجة روتين اداري لا تتحمّل رئاسة الجامعة مسؤوليته خاصة بالنسبة لعقود المصالحة.
4- العودة إلى التعليم الحضوري تتطلّب إعادة تأهيل المجمعات وقد باشرنا العمل وانطلقت أعمال الصيانة في مجمّع الرئيس رفيق الحريري وغيره وقد حصلت على وعد من الشركة الملتزمة بإنهاء المهمّة خلال أسبوعين.
لقد استطعنا تأمين المحروقات لكلّ المباني والمجمعات لتأمين عودة التيّار الكهربائي وتشغيل المختبرات وباقي القاعات والمدرّجات.
5- بالنسبة للسكن الجامعي، أعدّ طلّابنا الأعزاء بأنّ غرفهم ستكون جاهزة فور استكمال الصيانة وإعادة تأهيل الغرف والأساس وستكون البدلات مدروسة ويستطيع الطالب أن يتحمّلها.
6- بالنسبة للأساتذة والكفاءات العالية ممن اضطرتهم ظروف الحياة إلى الهجرة أقول لكم بأنّكم ستبقون معنا وسنحافظ عليكم ولن نتخلّى عن أيّ أستاذ وذلك ضمن ما توفره لنا الأنظمة والقوانين من حلول وسنعالج كلّ حالة بأقصى درجات المرونة”.
وختم: “أتوجّه إلى الأحبّة الطلاب متمنّيًا لكم بداية عام مثمر، مطالبا إيّاكم بأن تكونوا كما عهدناكم مثابرين مجتهدين ناجحين متفوّقين. نحن نبذل كلّ جهد لتحقيق أمانيكم بحصولكم على شهادات مرموقة تخوّلكم دخول سوق العمل بكفاءة علمية وأخلاقية أو متابعة دراساتكم العليا بسلاسة واقتدار. لزملائي الأساتذة وللموظّفين أقول إنّ سمعة الجامعة وتقدّمها وعالميتها وترتيبها بين الجامعات المرموقة في لبنان والعالم أمانة في أعناقنا جميعًا. إسمحوا لي أن أؤكّد باسمكم أنّنا على العهد بأن نحفظ هذه الأمانة ونسير بجامعتنا كما ننشد جميعًا”.
“محكمة” – الإثنين في 2022/11/28