المشاركـة السياسية للمرأة محلّياً*/حلا كبّارة
المحامية حلا كبــــارة:
تنامى الوعي العالمي بقضية “الديمقراطية والعدالة الاجتماعية” اذ أصبحت هذه القضية هاجس الحركات العالمية في فضاء “ما بعد الإشتراكي” تفرضه العولمة على عالمنا المعاصر، عالم متسم بتشظي الخطابات وتنوّع الأطراف في رؤيتها للعدالة.
وعندما نتكلم عن الديمقراطية التي مرتكزاتها “المساواة – العدالة – الحرية” فإن “التكافؤ في المشاركة” هو الاساس لكل عدالة.
تكافؤ يفرض المساواة المتاحة للناس جميعاً بتوسيع الخيارات، القدرات، الطريقة، أخيراً وذلك يكون بإعادة “قراءة” الواقع الاجتماعي/السياسي/الاقتصادي/الديني.
هذه الحركات انعكست لقيام “بذور مقاومة جديدة” في العديد من بلدان العالم العربي فقامت انتفاضات سعت بمطالبها “لضمان حقوق الانسان”، و”مزيد من الشفافية تجاه المسؤولين السياسيين”، والى وضع حد “لرأسمالية الريع” والمحسوبية.
وكانت النساء جزءاً من هذه “الحركات الانتفاضية” العالمية والعربية، أدت الى طرح الضرورة الملحة:
1 – لتعزيز تمثيل النساء في الأطر الحزبية والنقابية ليصبحن طرفاً فاعلاً في صنع القرار.
2 – ضرورة إدماج مبدأ المساواة الجندرية ضد التمييز والعنف.
3 – تفكيك منظومة الصورة النمطية.
4 – وتعزيز الشراكة بين الرجال والنساء تحت عنوان “المواطنة الحقة” كعنصر انتماء…
حين تقاس هنا درجة نمو المجتمعات بمقدار قدرتها على تمكين النساء وتعزيز قدراتهن في قضايا المجتمع العامة والخاصة في بناء الأوطان.
لماذا مفهوم “المشاركة السياسية للمرأة”:
بالنسبة الينا إن للمفهوم “قيمة معنوية” في بلادنا قبل ان تكون مادية.
فكما قال أحد الحكماء “لا تكافح من اجل النجاح، كافح من أجل القيمة”، حين تكون “اللغة هي وعاء الفكر”، وذلك لأن التمييز على اساس الجنس لا يعكس فقط “القوة كسلطة” بين “الرجال والنساء” فقط وانما ايضاً تعكس السلطة التي تشمل في القوة الاجتماعية والسياسية بين “الحكام والمحكومين”، كما يقول احد فلاسفة الإجتماع ميشال فوكو.
اي العنف المؤسسي (عنف الدولة) لسلطة الدولة والعنف القائم على “نوع الجنس” على شكل النظام الأبوي لسلطة الثقافة الاجتماعية، كمؤسسة تدير السياسة العامة وتسن القوانين فهما يعكسان بعضهما البعض.
فمسألة نضال المرأة العربية في انتزاع حقوقها جزء من حقوق “الفرد العربي” ونحن نتحدث عن “تحرير العقل العربي الاسير” وثورتها جزء من ثورته على كل ما يشكل “إعتداءً على انسانيته”.
فالمرأة العربية “كمواطنة” تعاني من كل القيود التي يعاني منها المواطن العربي لكن يضاف اليها سلطة “الثقافة الاجتماعية خلال الافكار الموروثة، هي نفس المعادلة.
* إلقاء الضوء على المشاركة السياسية للمرأة العربية، يتبين تآكل حصتها، إقصاء وتهميش وهي مشاركة دون المستوى رغم التقدم الذي شهده وضع المرأة في بقية المجالات، حيث لم تقترن بإنجازات في الميدان السياسي وحصتها في المشاركة هي أدنى الحصص في العالم، حيث توجد هوة بين التوجهات والقرارات الدولية وبين واقع “تمكين المرأة العربية سياسياً”، فلا بد من توافر الارادة السياسية الداعمة لوصول المرأة الى مراكز القرار في “الممارسة الفعلية” لا في “النصوص القانونية” فقط، بأن تصبح جزءاً من قوى التغيير الوطني رغم اعتماد الكوتا في بعض الدول العربية مثل تونس والجزائر والاردن حيث لا تمثل النساء أكثر من 16%.
في المشاركة السياسية في الحياة العامة في لبنان:
إن “التركيبة الذكورية للعائلة” تمتد الى الثقافة السياسية في لبنان حيث تكاد تكون جميع الكتل السياسية قائمة على التحالفات الأسرية والولادات الشخصية “للقائد الزعيم” أو “لمرجعياتهم الدينية”.
التكتلات السياسية مكونة من عائلات والمناصرين يقبلون إرث إبن الزعيم وما من شأنه ان يُمأسس “التوريث السياسي”. اثّر التوريث على مشاركة المرأة في السياسة كناخبة ومرشحة.
تم منح اللبنانيات جزء من التصويت والحصول على مقعد في البرلمان عام 1953، لكن “التوريث السياسي” كان هو الطريق لدخول البرلمان، “فالنساء اللبنانيات يدخلن البرلمان متشحات بالسواد”، غالباً بعد وفاة قريبها الذكَـر.
مستوى المشاركة في لبنان هو الادنى حكومة فيها امرأة واحدة من اصل 24 و4 نواب من اصل 128 ووفق الدراسات هو من أسوأ 10 بلدان لجهة المشاركة السياسية.
إضافة الى ان النظام والثقافة الانتخابية لم تتغير، حيث بقيت مبنية على المحسوبيات الطائفية وهي حكر على الذكور وكانت مهمتها انتاج أُسر سياسية أو احزاب طائفية.
اضافة الى ضعف “آلية المساءلة السياسية” وتجذر النظام الانتخابي الطائفي القائم على اساس المحاصصة، وفشله في اعادة تشكيل النخب السياسية.
إن قضية تمكين المرأة سياسياً وتعزيز مشاركتها الفعالة لم تحظى باهتمام كبير على أجندة الأحزاب التي تشكل بيئة مثلى لتحقيق ذلك.
على الرغم ان العديد من الاحزاب تعتمد على النساء كناخبات لكن هناك تطوراً ملحوظاً شهدته بعض الاحزاب التي عينت في مواقع قيادية ومكاتبها السياسية تصل الى 40%.
ورغم ان الدستور نص في مقدمة الدستور على المساواة بين جميع المواطنين دون تمييز او تفضيل في الحقوق والواجبات، ونص على ان لبنان ملتزم بمنظمة الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان.
وتوقيعه على اتفاقية “الغاء جميع اشكال التمييز (CIDAW) ضد المرأة” وهو يعني كمفهوم اي تفرقة او استبعاد او تقييد على اساس الجنس، يكون من آثاره توهين وإحباط المرأة رغم التحفظات من لبنان لجهة منح المرأة الجنسية وتعارض مواد الاتفاقية مع صلاحية المحاكم الدينية.
ورغم وجود نساء لبنانيات رائدات في مواقع الفكر والتعليم والسياسي والنقابي والقضائي والقانوني ومشاركتها مسيرة النضال مع الرجل، فالوعد بالمساواة لا يزال وعداً وواقع المشاركة في البرلمان او الحكومة او السلطة المحلية ضئيل باستثناء الفوز بالبلديات الذي وصل الى 64%. ورغم ان العدد مهم في قاعدة النقابات لكن في القيادة هي مهمّشة. ورغم الانجازات المهمة التي حققتها وزارة شؤون المرأة على صعيد القوانين وعلى صعيد موقع القرار. حيث رفعت توصية الى تفعيل الكوتا في المراكز القيادية شملت التعيينات الاخيرة:
1 – تعيين 23 إمرأة (أي 27%) في وظائف السلك الدبلوماسي.
2 – تعيين 30% نساء في الهيئة المشرفة على الانتخابات.
3 – تعيين 23% نساء في المؤسسات الامنية والاجتماعية.
2 – تعيين 25% نساء في المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
الاسباب وراء هذا الانكماش:
1 – الذكورية لدى معظم السياسيين بتأثير البيئة العامة ورسوخ النظرة الدونية للمرأة.
2 – القانون الانتخابي الطائفي وتكاليف الحملة (اي ايضاً العائق الاقتصادي).
3 – غياب سياسة عامة وبرامج اعلامية هادفة تحث المرأة.
4 – غياب القوانين التي تجبر قادة الاحزاب والكتل على ترشيح النساء على لوائحهم.
5 – البطريركية او الذهنية الابوية التي تعطي الافضلية للذكر.
6 – القيم الدينية التي تجعل المرأة محصور دورها في الاسرة.
7 – شخصية المرأة وقلة ثقتها بنفسها وبات جنسها.
وللمشاركة النيابية فإن الكوتا هي الطريق وهي شكل من اشكال التدخل الايجابي لتعزيز حضور المرأة في مراكز القرار، في ظل الظروف السياسية والطائفية والابوية.
طوّر مؤتمر بكين 1995 مفهوم الكوتا، وهو نظام يعتمد على الحصص لتمثيل النساء من خلال تحديد نسبة الحد الادنى لعدد المقاعد في مستويات التمثيل، سواءً أكانت كوتا دستورية او قانونية او حزبية فإما يتم اعتمادها وفق القوانين او تعتمدها الاحزاب في قوانينها رغم معارضة البعض الذي يعتبر بها انها تشكل اخلالاً بمبدأ المساواة بين المواطنين وانه نظام يؤدي للإلغاء الجزئي لصوت الناخب وخياره في الاختيار.
ويدفع بالقطاعات الاخرى للمطالبة بحصة ويحول البرلمان الى تمثيل فئات بدلاً من تمثيل الامة.
نعم انه إجراء مؤقت لكنه ضروري لتعزيز المشاركة السياسية لبناء قيادات نسائية، فهل يحقق النظام الانتخابي الجديد القائم على النسبية مع الصوت التفضيلي هذا الامل؟؟
يكمن التحدي الاساسي في وصول المرأة اللبنانية الى المؤسسات الدستورية ولا سيما المجلس النيابي والحكومة بأعداد كبيرة دون تحفّظ.
وعلى المرأة في المقابل العمل بجدّ واصرار للوصول للمجلس ومواقع القرار لمواكبة الفرص المعطاة لها.
التوصيات :
– لا بد من وضع استراتيجية اعلامية للنهوض وبناء “خيال جمعي” من خلال نشر ثقافة المساواة ومحاربة الصورة النمطية للمرأة للوصول الى مساواة كاملة بين الرجل والمرأة.
– اقامة دورات تدريبية على حقوق الانسان وحقوق المرأة بالتعاون على مستوى الاحزاب والنقابات والدولة ومنظمات المجتمع المدني، وذلك لتغيير نظرة المرأة بحقوقها وتغيير نظرتها الى طبيعة ادوارها وخلق الاهتمام لديها بمتابعة الشؤون العامة والظهور في وسائل الاعلام والتعبير عن رأيها وخلق الاساس بالفاعلية السياسية من خلال تنمية القدرة على احداث تغيرات سياسية في المجتمع وتقليد النماذج النسائية الناجحة وقدرتهن لإحداث التوازن في المجتمعات عبر تدريبها على كيفية اعتماد الكوتا وكيف تعمل داخل الانظمة.
– تفعيل استمرار الحوار بين العاملين في مجال حقوق الانسان وحقوق المرأة على الصعيد المحلي والدولي.
بالنهاية أختم بكلمة لجبران “وجه أمي وجه أمتي”.
• ألقيت هذه الكلمة في مؤتمر “حقوق وواجبات مجتمعية نحو امرأة عربية قيادية في المناصب السيادية ” الذي نظّمته “جمعية المودّة المدني ” يوم الخميس الواقع فيه 18 كانون الثاني 2018 في فندق “الكومودور” في الحمراء في بيروت.
“محكمة” – الأحد في 2018/01/21