المقاطعة: تغيير للموازين واسترداد للكرامة
بقلم المحامي فؤاد مطر( مقرّر لجنة مقاومة التوطين والتطبيع في نقابة المحامين في بيروت)
يضع الكيان الصهيوني المقاطعة على مستوى كبير من الإهتمام لأنّها تضغط بشدّة على نقطة ضعفه، وتخصّص حكومته إجتماعات لبحث كيفية مواجهته، ويضاعف الأموال المرصودة لمكافحتها، فهو يعيش بحالة قلق متزايد جرّاء تزايد المقاطعة له.
وسبق أن تنبّهت سلطة الإحتلال الصهيوني للأبعاد المترتّبة على المقاطعة، وأصدرت قانوناً إسرائيلياً مضاداً للمقاطعة، فأصدر القائد العسكري للضفّة الغربية أمراً عسكرياً تشريعياً منذ بدء الاحتلال عام 1967، وقام بتعديله في شهر أيلول عام 1972 تحت مسمّى “أمر بشأن إلغاء قوانين مقاطعة إسرائيل”.
خصّصت الحكومة الإسرائيلية ما يفوق مبلغ ثلاثين مليون دولار أميركي للقيام بحملة دعائية مضادة ومناهضة للشركات الأوروبية والأميركية التي تعلن المقاطعة.
واستطاعت إسرائيل إقناع الكونغرس الأميركي ومجلس النوّاب الكندي وغيرهما من سنّ قوانين تجرّم الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل وتضمينها إجراءات لمعاقبة دعاة المقاطعة والمشاركين فيها.
عام 1977 سنّ مجلس النوّاب الأميركي قانوناً فرض عقوبات وغرامات مالية باهظة على الشركات الأميركية الملتزمة بالمقاطعة العربية (مقاطعة الشركات العالمية الغربية التي تتعامل مع الشركات الموضوعة على قائمة المقاطعة من الدرجة الثانية) وتمّ تأسيس مكتب “التقيّد بمناهضة المقاطعة وإلحاقه بوزارة التجارة الأميركية”.
إنّ الخسائر الملموسة الناجمة عن المقاطعة لإسرائيل، أكّدها المفوّض العام للمقاطعة العربية لإسرائيل، وتقدّر الأرقام الحقيقية بأنّها تتجاوز مئة مليار دولار، كما أشار إلى أنّ خسارة العدو من جرّاء المقاطعة الاقتصادية بحدّها الأدنى ثلاث مليارات دولار سنوياً، وقد أصدرت وزارة المالية الإسرائيلية تقريراً نصّ على “أنّ المقاطعة هي أكبر خطر على الإقتصاد الإسرائيلي”.
إقترحت مجموعة من أعضاء الكنيست قانوناً يمنع المساس بدولة إسرائيل عن طريق المقاطعة، وفي عام 2010 تمّ التصويت والمصادقة عليه بصيغته النهائية بدعم حكومة بنيامين نتنياهو الذي يعمل جاهداً لإيجاد “جبهة واسعة لمحاربة المقاطعة”.
وأخيراً تقرّر إنشاء وزارة تحت مسمّى “مواجهة مقاطعة إسرائيل” بهدف التصدّي إلى نشاطات مؤيّدي وداعمي المقاطعة في العالم.
هذا ما يؤكّد أنّ المقاطعة هي إحدى الأساليب الهامة لإحداث تغيير في موازين القوى، والالتزام بها يؤدّي إلى جعل الكيان الغاصب معرّضاً لعزلة أشدّ من جدار العزل الفاصل الذي بناه لنفسه بنفسه حفاظاً على أمنه.
في هذا العام، طرد البرلمان المصري أحد أعضائه لطرحه دعوة أحد قيادات العدوّ.
وبتاريخ 9/10/2017 احتجّ نوّاب مغاربة داخل البرلمان على حضور وفد إسرائيلي لمؤتمر “تسهيل التجارة والاستثمارات في منطقة المتوسط وأفريقيا” التي تنظّمه “الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسّط”، والمنظّمة العالمية للتجارة، وقد توجّه أحد أعضاء البرلمان إلى وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق عمير بيريتس قائلاً له “أنت مجرم حرب ويجب أن تغادر المغرب” “أنت مجرم ضدّ الإنسانية قتلت الأطفال والأبرياء”، طالباً منه المغادرة مع الوفد المرافق له وهم أعضاء في الكنيست الإسرائيلي، ورفع البرلمانيون المغاربة العلم الفلسطيني وتجمّع مئات الناشطين أمام مبنى البرلمان تعبيراً عن رفضهم حضور الوفد الإسرائيلي.
وبتاريخ 18/10/2017 توجّه رئيس مجلس الأمّة الكويتي مرزوق الغائم بمداخلة أثناء اجتماع الإتحاد البرلماني الدولي المنعقد في بيتسبرغ – روسيا، إلى رئيس الوفد الإسرائيلي طالباً منه الخروج من القاعة لأنّه يمثّل أخطر أنواع إرهاب الدولة وقتل الأطفال، فأحدثت ردّات فعل إيجابية من كلّ برلمانات العالم الشريف، حيث جاءت تعبيراً عن ضمير الشعب العربي، ولقيت ارتياحاً واسعاً على مستوى الأمّة، ولا ننسى دعوته في العالم الماضي لقيام تحرّك عربي يطرد إسرائيل من عضوية هذا الاتحاد.
وبتاريخ 17/11/2017 عقد في الكويت مؤتمر لمقاومة التطبيع في الخليج العربي ناقش المؤتمرون فيه سبل تعزيز وتكثيف حملات المقاطعة بشكل ممنهج وفعّال، وقد جاء هذا المؤتمر لتأكيد وجهة النظر الشعبية الرافضة لكافة أنواع التطبيع مع الكيان الصهيوني وتوجيه الشباب لرفض الدعوات التي تصدر من البعض للتطبيع في عالم الفنّ والسينما والرياضة، واعتبره البعض استكمالاً لقيام الكويت بتشكيل معسكر داخل الدول الخليجية يناهض التطبيع.
وسبق أن رفضت شركة الخطوط الجوية الكويتية إستقبال راكب إسرائيلي على متن طائراتها على رحلة من فرانكفورت إلى بنكوك، وقد أقرّت المحكمة الألمانية في حيثيات حكمها بحقّ الشركة في إلغاء سفر الإسرائيلي إلتزاماً بقانون الكويت التي لا تعترف بدولة إسرائيل.
كما أنّه على صعيد الفنّ السينمائي، أدّى تصوير فيلم “الصدمة” للمخرج السينمائي زياد دويري إلى منع عرضه في الصالات اللبنانية ومعظم الدول العربية، وطالب مكتب مقاطعة إسرائيل التابع للجامعة العربية الدول الأعضاء بمنع عرضه في الصالات المحلّية لأنّ المخرج “قصد إسرائيل وصوّر مع بضعة ممثّلين إسرائيليين، وأقام فيها، وتعامل معها، وصوّر فيلمه في تل أبيب وضواحيها، وأجرى العقود، واتفق مع منتج ومنفّذ إسرائيلي” ممّا يقتضي ملاحقته وتطبيق أحكام المادتين الأولى والسابعة من قانون مقاطعة إسرائيل (الصادر في 23 حزيران سنة 1955) بحقّه والذي يحظّر عقد اتفاق مع مقيمين لإسرائيل بجنسيتهم، أو مقيمين فيها، أو يعملون لحسابها، أو لمصلحتها، أيّاً كانت طبيعة التعامل، ويكون وصف الجريمة جناية يعاقب مرتكبها بالأشغال الشاقة المؤقّتة من ثلاث إلى عشر سنوات، وتخالف نصوص أحكام قانون مقاطعة إسرائيل الصادر عن جامعة الدول العربية لا سيّما المادة 119 منه التي تنصّ على الحظر إذا كان الفيلم قد صوّر بكامله أو بعض أجزائه في إسرائيل، وأنّ سريان مرور الزمن في الجرائم المستمرّة أو المتمادية أو المتعاقبة لا تبدأ لا من تاريخ انتهاء الحالة الجرمية، وهنا نستغرب ما جرى على المستوى القضائي في تحديد الوصف الجرمي ونسجّل استهجاننا لعدم تطبيق القانون لقضية تتعلق بالأمن الوطني والقومي.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 24- كانون الأوّل 2017- السنة الثانية).
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.