الموازنة لا تعطّل المجلس النيابي والملفّات المعيشية!/جهاد إسماعيل
كتب جهاد إسماعيل
إثنان وخمسون يوماً، هو الرقم الذي يفصل اللبنانيين عن الإستحقاق النيابي، ويمارسون من خلاله الحقّ الدستوري بعد تسع سنوات من حجبه عن القواعد الديمقراطية وما رافق ذلك من تعطيل وتهميش على مستوى القضايا المعيشية والحياتية، وإنْ كان ثمّة أمل يعلّق الناس عليه جرّاء الوعود الإنتخابية على أكثر من صعيد، خاصة في ظلّ توقيع عقد إستثنائي لمدّة أسبوع من أجل البحث في الموازنة والإقتراحات المحالة إلى المجلس، وسط اقتراب بداية العقد التشريعي وذلك إعتباراً من الثلاثاء في 20 آذار.
إلاّ أنّ توقيع العقد الاستثنائي قبل أسبوع من العقد العادي، لم يخل من انتقادات وتحفظّات، إذ وصفه رئيس مجلس النوّاب نبيه بري بأنّه”لزوم ما لا يلزم” بسبب اقتراب العقد التشريعي العادي، وصعوبة إنهاء درس مشروع الموازنة في لجنة المال والموازنة النيابية قبل أسبوعين”، ما يوجب خروج بند الموازنة عن برنامج العقد الاستثنائي، وتأجيل إقرارها في الهيئة العامة إلى العقد العادي، على غرار المشاريع والاقتراحات الأخرى، لكن عدم إقرار مشروع قانون الموازنة، بحسب اعتقادنا، لا يمنع المجلس في البحث باقتراحات القوانين المحالة إلى المجلس سواء في العقد الإستثنائي أو العادي، تبعاً للسياق الآتي:
• سياسياً، توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون مرسوم دعوة المجلس النيابي إلى عقد استثنائي إعتباراً من الثلاثاء 13 آذار لغاية 19 الجاري ضمناً، من أجل البحث في الموازنة العامة للعام 2018 والموازنات الملحقة، ومشاريع القوانين المحالة إلى المجلس والتي ستحال إليه، وسائر مشاريع القوانين والاقتراحات والنصوص التي يقرّر مكتب المجلس طرحها على البرلمان، يعني إجازة صريحة للبرلمان في تشريع الاقتراحات التي تمّ درسها في اللجان المختصة، باستثناء مشروع الموازنة، لأنّ التقييد في عمل تشريعي معيّن لا يجد أساسه إلاّ في نصّ خاص يمنعه، وهذا ما لا يتوافر في البرنامج التشريعي، وتبعاً لذلك، يستطيع المجلس أن يعقد جلسة عامة من أجل إقرار اقتراحات قوانين إلى حين درس الموازنة، لا سيّما وأنّه في بعض الأحيان لم يتقيّد البرلمان بكامل البرنامج، حيث يعمل ببعضه ويترك البعض الآخر.
• دستورياً، إنّ ادعاء بعض رجال السياسة بوجوب إقرار موازنة 2018 قبل البحث في الإقتراحات الأخرى، وإسناد هذا الإدعاء إلى نصّ المادة 32 من الدستور، يُدْحَض بمسألتين:
المسألة الأولى: بحسب نصّ المادة 32 من الدستور، يجتمع المجلس في كلّ سنة في عقدين عاديين، فالعقد الأوّل يبتدىء يوم الثلاثاء الذي يلي الـ15 من شهر آذار وتتوالى جلساته حتّى نهاية شهر أيّار، والعقد الثاني يبتدىء يوم الثلاثاء الذي يلي الـ15 من شهر تشرين الأوّل وتخصّص جلساته للبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كلّ عمل آخر، وتدوم مدّة هذا العقد إلى آخر السنة، ما يعني أنّ المدّة الدستورية الواجبة الاتباع لإقرار موازنة 2018 قد انقضت، وبالتالي، فإنّ إلزام التفرّغ في البحث بالموازنة قبل كلّ عمل آخر سقط بسقوط شروطه وطبيعته، لأنّ المشرع اللبناني يقرّ بقاعدة سنوية الموازنة، والتي تعني بأنّ حياة الدولة المالية محدّدة بسنة مالية واحدة، لا أكثر ولا أقلّ، بصورة تلحظ معها جميع التغييرات وظروف النفقات والواردات لجميع فصول السنة، بما يمكنها من إعطاء صورة واضحة وصحيحة عن الوضع الإقتصادي والإجتماعي للدولة.
المسألة الثانية: عدم تطبيق هذه القاعدة الدستورية في الواقع السياسي اللبناني بسبب تخطّي المهل والإلتزامات المتعلّقة بقطع الحساب وسائر العمليات المالية، يتطلّب أوضاعاً خاصة وجديدة، لأنّه، وإنْ كان إقرار الموازنة في أقرب وقت ممكن ضرورياً وملحّاً تبْعاً لضروريات الإستقرار المالي والسياسي، إلاّ أنّ الإعتبارات الإجتماعية، بما فيها الملفّات الحياتية والمعيشية للمواطن، لا تقلّ أهمّية عن الناحية الموازناتية، ولا يمكن للمشرّع الدستوري أن يغفلها، لأنّها محكومة بخصوصية لا يمكن فصلها عن نظرية “الضرورة” أو الظروف الاستثنائية الثابت اعتمادها، بحسب الفقه الدستوري، في الإجتهاد الدستوري قياساً على الإجتهاد الإداري، باعتبار أنّ الوضع المعيشي للمواطنين، من شؤون وظيفية وصحّية وإجتماعية، معلّق بعودة التشريع إلى طبيعته، وأنّ عدم إقرارها، عبر دعوة المجلس النيابي للإنعقاد، من شأنه أن يزيد من التفاوت والتوتّر الإجتماعي، وهذا ما لا ينسجم مع مقدّمة الدستور في بعض فقراتها، ولا مع فلسفة وغاية المجالس النيابية.
لذلك، لم يعد مقبولاً التنصّل من مسؤولية تعطيل المجلس النيابي، سواء أمام الشعب أو الدستور، ووضع اعتباراته في سياق الموازنة ومقتضياتها ونصوصها، لأنّ هناك حاجة ضرورية وملحّة في معالجة القضايا المعيشية قبل إنجاز الاستحقاق النيابي، إذ لا مناص من الوفاء بالإلتزامات أو الوعود بحسب ما يطالبون به أصحاب الملفّات العالقة في المجلس النيابي، من مثل، الأساتذة الناجحين في مباريات التعليم الثانوي الذين ينتظرون تعيينهم بإقرار القانون المتعلّق بهم بعد تصديق لجنة التربية النيابيه عليه، أو الناجحين الثانويين في كلّية التربية، المتعاقدين في الإدارات العامة ووزارة الاقتصاد، وغيرها من الملفّات التي كانت تتطلّب عقداً إستثنائياً منذ أشهر، وهي موجبة البحث في العقد الإستثنائي الحالي أو في أوّل جلسة تشريعية منوي عقدها.
“محكمة” – الخميس في 2018/03/15