الناس بين الجوع و”كورونا” يتزاحمون لتسديد غرامات السير وتقي الدين لا يهدأ/علي الموسوي
علي الموسوي:
مع عودة الحياة تدريجيًا إلى المؤسّسات ومرافق الدولة، والعدلياتُ واحدةٌ منها، بعد التخفيف من القيود الموضوعة من الحكومة لمواجهة التفشّي الناري لجائحة “كورونا”، تهافت الناس الذين نُظّمت محاضر سير ومخالفات بحقّهم خلال فترة الإقفال العام وما تبعها، على محاكم السير في بيروت وبقيّة قصور العدل لدفع الغرامات المالية المتوجّبة عليهم برغم الوضع الإقتصادي والمعيشي الصعب، وبرغم كلّ لوحات الإنهيار التي تحيط بالدولة من كلّ الجهات وتُحدق بمصير الناس من كلّ جانب.
وقد استبق القاضي المنفرد الجزائي الناظر في دعاوى المخالفات في بيروت القاضي باسم تقي الدين هذه الزحمة المتوقّعة، وذلك بوضع آلية توازي بين المحافظة على تدابير الحماية من “كورونا” وتسيير عمل الناس للإلتحاق بوظائفهم، أو العودة إلى ملازمة منازلهم من دون أيّ تأخير.
ودرءًا لأيّ اكتظاظ، منع تقي الدين وقوف الناس في صفّ طويل حتّى ولو كان منتظمًا، أمام بابي محكمة السير ومحكمة المخالفات، وأتاح لهم الدخول إلى قاعة المحكمة والجلوس على المقاعد الموجودة، مع الإلتزام بالتباعد والمسافة الآمنة وتشديد المراقبة لردع أيّ إخلال أو فوضى أو محاولة انتزاع الكمامة، ثمّ تولّى أحد المساعدين القضائيين جمع المحاضر منهم وإدخالها إلى القاضي تقي الدين للنظر في أمرها ضمن الأطر القانونية المتبعة مع مراعاة دقّة المرحلة الإقتصادية وقساوتها، إذ إنّ الجميع حضر طمعًا بتخفيض الغرامات حتّى ولو كانت توازي ثمن ربطة خبز في زمن باتت فيه القوّة الشرائية للعملة الوطنية ترزح في الحضيض، وتراجعت وتيرة الأعمال وقلّت الوظائف نتيجة الغلاء الفاحش.
ولم يكن تقي الدين يردّ قاصديه خائبين، وهو أحد القضاة الكثر المعروفين بتصرّفهم الإنساني ووقوفهم الدائم إلى جانب الناس ومساعدتهم بما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا.
وأمكن لـ“محكمة” أن تسجّل في هذا اليوم الطويل لمحكمة السير والمخالفات في بيروت الملاحظات التالية:
أوّلًا: لم يتهاون القاضي تقي الدين مع ذلك الرجل المصاب بـ”كورونا” والذي ضبطته دورية من قوى الأمن الداخلي متلبّسًا “بجرم” المشي على كورنيش البحر حيث نزل للترفيه والتمويه عن نفسه بعدما ضاق ذرعًا بالحجر المنزلي الخاضع له قبل أن يشفى نهائيًا، فنال محضرًا بمخالفته الظاهرة ورفض تقي الدين أن يخفّض قيمته المالية لكي يتعلّم من “كيسه” بأنّ ما فعله لا يغتفر، لا بل يستحقّ الحبس عليه!
ثانيًا: تساهل تقي الدين مع حملة الأذونات المسبقة والمستثنيين من الإقفال العام والذين نالوا محاضر سير ومخالفات بالجملة دون عذر مقنع من عناصر قوى الأمن الداخلي، فعمل تقي الدين على وقف تنفيذها برمّتها، بعدما أبرز كلّ صاحب علاقة الإذن المعطى له، إذ لا يعقل أن يغرّم الممرّضون والممرّضات الذين كانوا في طريقهم إلى أماكن عملهم في المستشفيات لمجرّد تجاوزهم التوقيت المحدّد للخروج والولوج من الشارع إلى المنازل وبالعكس.
ثالثًا: تشدّد تقي الدين مع أصحاب المحال التجارية بمختلف تصنيفها وبضاعتها والذين كسروا قرار الإغلاق التام لمجرّد “اقتناعهم” بأنّ “كورونا” كذبة وبأنّ مواجهتها تكون بالإستهتار.
رابعًا: “جرّد” تقي الدين حملات منسقّة إلى قاعة المحكمة للوقوف على حالة الإلتزام والإجابة على أسئلة بعض الناس الذين أكّد لهم أنّه عامل الجميع بمساواة.
ولم تستطع محتسبية صندوق تعاضد القضاة ومحتسبية وزارة المال استيعاب كلّ هذه الزحمة في قاعة “الخطى الضائعة”، علمًا أنّ الموظّفين كانوا بكامل جاهزيتهم، واضطرّ مفوّض قصر العدل في نقابة المحامين في بيروت ناضر كسبار إلى التدخّل والحضور شخصيًا والإستعانة بعناصر قوى الأمن الداخلي لتنظيم رتل المنتظرين لأدوارهم بما لا يضرّ أحدًا، وخصوصًا على الصعيد الصحّي، فكمائن فيروس “كورونا” لا تفوّت أحدًا ومهما بلغت ضخامة جثّته، وضربُتها ليست مؤذية وحسب، بل مميتة، والحياة لا تتكرّر ثانية!
“محكمة” – الثلاثاء في 2021/3/9