النقيب جورج جريج لـ “محكمة”: الفساد يضرب في كلّ مكان بما فيه تطبيق القوانين
أجرى الحوار علي الموسوي ونسرين نصّار:
حقّق النقيب جورج جريج الكثير من أمنيات المحامين، والكثير من الضمانات الحياتية المعوّل عليها كثيراً في زمن القحط اللبناني على كلّ الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، مطرزاً بذلك إنجازات ربّما كانت تحتاج إلى ردح من السنوات، أو جملة نقباء دفعة واحدة، باعتبار أنّ النقابة هي النقيب، لكي تبصر النور.
لكنّ تواضعه وتهذيبه الجمّ يدفعانه إلى الإعتراف بمشاركة أعضاء مجلس النقابة له في حياكة هذه الإنجازات التي “هي مادة نضال وثمرة عمل جماعي”، وهو كان يطمح إلى تحديث الإدارة القضائية وإطلاق المحاكمات الإلكترونية، غير أنّه اصطدم بعقبات الروتين الإداري المستفحل وقلّة الموارد المالية.
ويعتبر جريج في حديث مع “محكمة” عشية انتهاء ولايته النقابية، أنّ انتخاب النقيب مباشرة من الجمعية العامة دون المرور بالعضوية “فكرة جيّدة”، ولكنْ مع بعض الشروط، ومنها أن يكون قد شَغَل العضوية مرّة واحدة على الأقلّ، مشيراً إلى أنّه في موضوع المحامين المخالفين أعطى خبزه للجنة تنقية الجدول، “ولا كبير في المخالفات”.
وبكثير من الدبلوماسية والتروّي يجيب جريج على مسألة فرض صندوق تعاضد القضاة رسوماً إضافية من دون الإستناد إلى قانون صريح، ويقول:” لسنا ضدّ الرسوم غير المباشرة، لكنْ شرط أن تنهض وفق القانون”، متجنّباً الخوض بما فيه الكفاية، في قضيّة محاولة وزير العدل اللواء المتقاعد أشرف ريفي تمرير مرشّحين رسبوا في مباراة القضاء والتي كان للمُحَاوِر اليد الطولى في الدفع صحافياً إلى إلغائها، وذلك بسبب مخالفتها الواضحة للقانون.
وفي الشقّ السياسي، يتمنّى جريج لو أنّ نقابة المحامين تملك سلطة حلّ المجلس النيابي لفعلتها، مذكّراً بالضغط الذي مارسته للحؤول دون تفريغ الرئاسة الأولى، ويرى أنّ “الفساد يضرب في كلّ مكان بما فيه تطبيق القوانين”، وأنّ الدعوات إلى “مؤتمر تأسيسي خلال أزمة وجودية وفراغ رئاسي، ضربٌ في العبث”!.
وهنا وقائع الحوار:
• حقّقت إنجازات كثيرة خلال ولايتك صار المحامون يتباهون بها في مجالسهم الخاصة، وهي صارت على كلّ شفة ولسان، فكيف يمكنك الإضاءة على هذه الإنجازات باختصار؟.
– الإنجازات ليست مادة تندّر أو شوف حال، الإنجازات هي مادة نضال وثمرة عمل جماعي خلال سنتين، وهي غطّت كلّ برنامجي الانتخابي وأكثر، سواء المظلّة الصحّية، أو المالية.
في الأولى، حقّقنا المركز الصحّي الذي يؤمّن الدواء للأمراض المزمنة، وهنا لا بدّ من شكر المساهمات التي تقوم بها وزارتا الصحّة والشؤون الاجتماعية، والـ “.”YMCA
كما أنشأنا صندوق التعاضد الصحّي، وبالتالي، إنتقلنا من استئجار الخدمات الاستشفائية، إلى الإتكال على الذات، مع ما أمنّه هذا الانتقال منذ السنة الأولى من وفْر على صندوق النقابة، من دون أيّ مساس بنوعية الخدمة.
وفي الثانية، تمكنّا من تأمين القروض المصرفية الميسّرة للمحامين، بالتعاون مع مجموعة “الاعتماد اللبناني”، وإلزامية براءة الذمّة من المحامي في أعمال السجّل التجاري، وركّزنا العمل على مكننة النقابة، وإطلاق الموقع الالكتروني الجديد لنقابة المحامين، وتطبيق نقابة المحامين على الهواتف الذكيّة، والبوّابة القانونية.
وبين الإنجازات المحقّقة: توقيع بروتوكول التعرفة المخفّضة للمخابرات الخليوية.
وسعيت شخصياً مع الدكتور فرنسوا باسيل الذي كان متجاوباً وكريماً كالعادة، ووضع بتصرّف القضاء مبنى لـ “بنك بيبلوس” في جبيل، بالإضافة إلى تحديث وتأهيل مراكز النقابة في المناطق، وإطلاق مركز التحكيم الدولي.
والانفتاح على الخارج من خلال لقاءات في الأمم المتحدة، ومع الاتحاد الدولي للمحامين في نيويورك، وفلورانسا، ومعاهدات تعاون بين نقابة المحامين في بيروت ونقابات المحامين في باريس وكاين (النورماندي) ومدريد، وتعزيز علاقات التعاون مع نقابات المتوسّط واتحاد المحامين العرب، والكويت، والإمارات العربية المتحدة، وتونس.
تحديث الإدارة القضائية
• هل هناك أمر ما كنت ترغب في تنفيذه ولم تتمكّن من ذلك لسبب ما؟ ما هو؟ وكيف يمكنك التعاون مع النقيب الجديد ضمن سنتك الثالثة كعضو للقيام به وإضافته إلى سلّة الإنجازات؟.
– أعتقد أنّني ومجلس النقابة حقّقنا إنجازات قياسية في فترة قصيرة، كنّا في سباق مع الوقت، كنّا في تحدّ مع الزمن. كنت أرغب أن نصل إلى تحديث الإدارة القضائية، بل بلوغ مستوى المحاكمات الالكترونية، لكنّ هذا الأمر دونه عقبات ليس أقلّها وضع الإدارات الرسمية التي تعاني من الروتين والتردّد في اتخاذ القرارات التحديثية، والشحّ في التمويل.
وفي السنة الثالثة من ولايتي، سأمارس خدمتي مع النقيب الجديد كائناً من يكون، لأنّني أؤمن بالنقابة، وليس فقط بالنقيب، وقد خدمت النقابة قبل أن أكون نقيباً، وسأخدمها طالما أنا محام، وبقاموسي، أنت محام إلى الأبد، سأتعاون مع النقيب في كلّ المجالات، وسأضع خبرتي بالتصرّف، وأعتقد أنّ دوري سيكون حارساً للإنجازات، خاصة وأنّ المشروع الصحّي بحلّته الجديدة قابلٌ للتطوير السريع، والتفعيل، وتوسيع مساحة الخدمات، وهذا ما يجب أن ننتظره من مجالس النقابة المقبلة.
التصرّف بأمر من ولي أو وصي
• بعد تجربتك وتجارب عدد من النقباء السابقين، هل تشجّع وصول الحزبي إلى سدّة النقابة؟ وكيف يمكن التوفيق بين التطلّعات النقابية والشخصية، والرغبات الحزبية والسياسية؟.
– أشجّع كلّ محام كفوء أن يصل إلى منصب نقيب، سواء أكان منتمياً، أم مستقلاً، لأنّني وحتّى إشعار آخر، وبمرور لحظة الانتخاب، ينسى المحامي إنتماءه السياسي، ويتصرّف كنقيب للمحامين، لا كممثّل لحزب، أو تيّار، أو جهة، أو طائفة، أو سفارة… تصريف الانتماء السياسي يتمّ في لحظة الاقتراع وفي صندوقة الاقتراع، وبعد ذلك يكون النقيب هو الخاسر، وليس النقابة، إذا ما تصرّف بأمر من ولي أو وصي.
إنتخاب النقيب مباشرة ولكنْ
• هناك من يدعو من زملائك المحامين إلى إعادة النظر في قانون تنظيم مهنة المحاماة لجهة انتخاب النقيب مباشرة دون المرور بالعضوية، فما هو رأيك في هذه الدعوة؟.
– الفكرة جيّدة لأنّها من جهة، تحرّر مقاعد العضوية، ومن جهة ثانية، تحرّر المرشّح لمركز نقيب من خوض معركة العضوية، وبالتالي تحريره من قواعد إشتباك قاسية ليس أقلّها محاولة إسقاطه في العضوية للخلاص منه في الدورة الثانية. لكنْ يجب ربّما وضع بعض الشروط الإضافية التي يجب توافرها للترشّح لمركز نقيب قد يكون في أساسها أن يكون المرشّح قد انتخب عضواً على الأقلّ مرّة واحدة.
• يلاحظ أنّ فنّ المرافعة في الشقّ الجزائي يتراجع لدى شريحة لا بأس بها من المحامين، وثمّة قلّة قليلة تواظب على السير على خطى الكبار أمثال إميل لحود، وجبرايل نصّار، وبهيج تقي الدين، ونصري المعلوف، وسليم عثمان، ومنيف حمدان… كيف يمكن للنقابة أن تعيد صقل المحامين ومرافعاتهم، وتستعيد أمجاد هؤلاء الكبار التاريخيين؟.
– سأجيب على مستويين. الأوّل أنّ المحاماة اليوم، صارت مادة خطيّة أكثر منها شفهية، والثاني أنّ لغات العالم تداخلت وفرضت نفسها، الفرنسية واليوم الانكليزية، وهذا أثرّ على المستوى اللغوي لدى المحامي، ولدى القاضي.
والاستلحاق الذي نقوم به هو من خلال تكثيف الندوات والورش، خاصة في معهد المحاماة، وفي المحاكمات الصورية التي تتمّ دورياً.
• هناك محامون يتعاطون مهناً أخرى غير المحاماة مخالفين بذلك قانون تنظيم مهنة المحاماة، وبعضها يتعارض وأخلاق المحاماة ورسالتها، وسبق للنقيب بطرس ضومط أن اتخذّ قرارات عملانية بحقّ المخالفين كتبت عنها وسائل الإعلام، فماذا فعلت أنت في هذا الميدان؟.
– أعطيت خبزي إلى الخبّاز أيّ إلى لجنة تنقية الجدول برئاسة الأستاذة عزيزة صقر. ولا كبير في المخالفات، وأعتقد، ودون أن أسمّي، أنّني لا أتردّد في توقيع قرار الفصل، أو التجميد، مهما كان الاسم، وكائناً من كان.
• لم تعلّق نقابة المحامين على قرار وزير العدل أشرف ريفي الرامي إلى “تنجيح” راسبين بمباراة الدخول إلى القضاء واعتبارهم “طلاّباً مستمعين”، فماذا تقول عن هذا الأمر؟.
– نحن نؤمن بمبدأ فصل السلطات، إلاّ إذا كان الوضع مشوباً بعيب لا يجوز السكوت عنه. أعتقد أنّ الوضع عاد إلى نصابه الصحيح، وفي أيّ حال هناك أجهزة رقابة قادرة أن تلعب دورها، وتعيد أيّ أمر غير قانوني إلى نصابه الصحيح.
تراخي التفتيش
• لماذا سكتت نقابة المحامين عن عدم إجراء تشكيلات قضائية شاملة والاقتصار على مناقلات جزئية طوال السنوات الخمس الأخيرة، ممّا أدّى إلى إرهاق المحاكم بالانتدابات، وتشتيت القضاة، وهو ما يؤثّر في انتظام العمل؟ وهناك تململ في صفوف المحامين من التأخير الحاصل في بعض المحاكم في إصدار الأحكام لشهور، وإرجاء الجلسات فترات طويلة. كيف يمكن معالجة هذا الوضع الشاذ والمتناقض مع ضرورة إرساء العدالة بالشكل المناسب؟.
– غير صحيح، لم نسكت، طالبنا بصوت عال، حذّرنا، وعملنا أكثر مع وزير العدل ومع رئيس مجلس القضاء الأعلى لملء الشواغر، وإجراء حركة تعيينات شاملة تفيد العدالة وتحرّك عجلة القضاء. إنّ التأخير في صدور الأحكام مردّه إلى النقص في الطاقم القضائي، وإلى التراخي في التفتيش، من دون أن ننسى الازدياد في عدد الدعاوى للأسباب التي باتت معروفة.
• فرض صندوق تعاضد القضاة رسوماً على بعض المعاملات القانونية في قصور العدل من دون الإستناد إلى قانون صريح يخوّله هذا الحقّ، ممّا ولّد استياء لدى المحامين الذين قيل لهم بعد مراجعة المعنيين في القضاء، إنّ نقابتكم وافقت على هذا الأمر، فهل هذا صحيح وأين هي الحقيقة؟.
– لسنا ضدّ الرسوم غير المباشرة، لكنْ شرط أن تنهض وفق القانون، وأن تكون غير مرهقة وغير عشوائية، وبالتالي نحن مع توفّر شرط القانونية، والجدوى، والرسم العادل.
ثقافة صمود القضاة بوجه المغريات
• بعد تفشّي التدخّلات السياسية لدى القضاة، تطوّرت الآلية المتبعة في هذا التدخّل المفسد، ولم تعد مقتصرة على السياسيين، بل وصلت إلى حدّ تدخّل مستشاري الوزراء ومنهم من هم من “أهل القضاء” في عمل المحاكم ودوائر التحقيق والنيابات العامة. كيف تفسّر هذه المعضلة المزمنة وهذا التطوّر؟ وكيف يمكن لنقابة المحامين أن تقاوم هذه الحقيقة المرّة؟.
– الحلّ بيد القاضي، ولا أحد غير القاضي، خاصة لدى بعض “القضاء الواقف” الذي هو أكثر عرضةً للتدخّلات السياسية، مقابل عامل المال لدى بعض “القضاء الجالس”، والحلّ يبدأ باكتساب ونشر ثقافة الصمود بوجه المغريات.
الفساد يضرب
• برأيك متى تتطابق الجمهورية اللبنانية مع معايير العدالة والقانون، فهناك قوانين كثيرة ولكن لا يُعمل بها، وإنْ حصل فعلى خجل، ولا تطبّق على كلّ فئات الشعب؟.
– القانون ليس تطبيق نصّ، القانون هو أولّاً تشريع أي وضع النصّ الملائم الذي يرعى ويحكم حالة معيّنة. وفي الواقعين، لدى وضع النصّ، ولدى التطبيق، تتولّد حالة المساواة، مساواة الجميع أمام القانون وإلاّ نصبح في حالة مخالفة للدستور الضامن للمساواة أمام القانون. لكنْ لا شكّ أنّ الفساد يضرب في كلّ مكان بما فيه تطبيق القوانين.
سلطة حلّ المجلس النيابي
• الفراغ يأكل الجمهورية اللبنانية على كلّ الصعد، لا رئيس للجمهورية، والمجلس النيابي معطّل بعدما مدّد لنفسه، ومجلس الوزراء شبه مجمّد، ومطالب الشعب المصاب بالإشمئزاز، كثيرة، فماذا يمكن لنقابة المحامين أن تفعل في هذا المجال للخروج من هذا المأزق؟.
– نقابة المحامين لا تؤمنّ نصاباً، نقابة المحامين لا تنتخب، عندها سلطة واحدة وهي تستخدمها ولا تفرّط بها، سلطة النفوذ المعنوي، والضغط النقابي، وتكوين الرأي العام، وهذا ما تفعله، فعلناه يوم قصدنا قصر بعبدا فارغاً تحت الشماسي، فعلناه إستباقياً يوم قصدنا قصر بعبدا مليئاً، والتقينا رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ولم نترك مناسبة إلاّ واستخدمناها، حبّذا لو كان عندنا سلطة حلّ المجلس.
• كيف ترى نقابة المحامين دعوات بعض السياسيين إلى قيام “مؤتمر تأسيسي” للجمهورية اللبنانية في ظلّ الجمود القابض على مفاصل الدولة؟.
– المؤتمر التأسيسي، أو المؤتمر التعديلي، لأنّهما يندرجان في الإطار السياسي، لكنْ أن يأتي المؤتمر التأسيسي خلال أزمة وجودية وفراغ رئاسي، فهذا ضربٌ في العبث، وخبط في المجهول.
• هل أنت الوزير المقبل لحزب الكتائب اللبنانية في أيّة حكومة مستقبلية؟.
– أحيلك إلى قيادة الكتائب.
(نشر في مجلّة”محكمة”- العدد الأوّل- تشرين الثاني 2015)