النقيب عصام كرم…ما حاجة الخيل والفرسان قد ماتوا/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
هكذا، وفي أسرع من وجع النفس، سكت الصوت العالي، وسكن العصب الثائر، وهدأ الذهن المتوقّد. ووقف القلب الكبير، قلب النقيب الحبيب عصام كرم.
النقيب عصام كرم، إبن دير القمر عاصمة الأمراء، لم يكن إنساناً عادياً. إنّه وبكلّ ثقة، أسطورة العصر.
ثقافته قلّ مثيلها. يستطيع أن يتكلّم في جميع المواضيع ساعات وساعات. فيغوص فيها بكلّ ثقة ومعرفة ودراية. فينصت جميع من حوله للإستفادة من معلوماته. وهذا ما كنا نفعله في المناسبات حيث كنا نتحلّق حوله للإستماع إليه وأنا شخصياً كنت أدوّن الكثير من أخباره ومداخلاته.
جرأته كانت محطّ إعجاب منذ بدء دخوله معترك الحياة. ولا ننسى مواقفه في المحاكم وفي المسائل الوطنية والمصيرية. وهو كان رجلاً شجاعاً ومقداماً. يساعده في ذلك علم وافر، وثقافة متشعّبة، وذكاء متقدّ، وذاكرة قلّ مثيلها. بالإضافة إلى النزاهة الفكرية والشفافية التي تسمح لمن يتحلّى بها من مقاربة جميع المواضيع بثقة وشجاعة بعيداً عن التزلّف والخنوع.
تربّى النقيب كرم في منزل عُرف بالعلم والإيمان والإحترام. وتابع مسيرته على هذا الأساس. كان دائم الحضور يقوم بواجباته المهنية والنقابية والانسانية والاجتماعية حتّى اليوم الأخير من حياته. وكان آخرها الاجتماع – الخلوة- الذي عقد في بيت المحامي يوم السبت الماضي ودام عشر ساعات، تابعه بكلّ اهتمام وجدّية، وكانت له المداخلات المفيدة والمثمرة والتي تصبّ في مصلحة النقابة.
وكان النقيب كرم يقرأ ويتابع أحدث الكتب باللغتين العربية والفرنسية، ويرتدي الثياب الأنيقة. وكان يقول عبارته الشهيرة: أحلى كتاب كتابي وأحلى ثياب ثيابي.
كما كان يتابع الندوات والمحاضرات والاجتماعات العلمية. ولا يتوانى عن تصحيح ما يرد من عبارات أو كلمات تستعمل خطأ بسبب ما يسمّى بالخطأ الشائع. فكنا جميعاً نتهيّب حضوره، وننتقي الكلمات الصحيحة حتّى لا يأتينا صوت جهوري، وإنْ كان محبّباً، من المقعد الأوّل في القاعة ليصحّح لنا هذه الكلمة أو تلك.
كان النقيب كرم محبّاً للحياة، يعيشها في أجمل معانيها. ويستشهد بكلام كتبه بول فاليري في مقدّمة أحد الكتب حيث قال: الحياة لا تساوي شيئاً ولكن شيئاً لا يساوي الحياة.
La vie ne vaut rien mais rien vaut la vie
كما كان مؤمناً بمبدأ التفضيل في هذه الحياة. ويقول إنّ السيّد المسيح قد فضّل يوحنا المعمدان عندما قال:” لم أجد رجلاً أكرم وجهاً من يوحنا المعمدان” كما أنّ نابوليون بونابرت قال عن “كورنيه” corneil:”لو وجد هذا الرجل في عهدي لكنت جعلته أميراً”.
ويوم ترافع عن رئيس حزب فاعل، وعندما وصل إلى عبارة “الأمر لي” روى واقعة قديمة مفادها أنّ صاحب مبنى فتّال الشهير في بيروت وضع لافتة على مدخل البناء الذي انتهى من تشييده كتب عليها: الملك لله. فجاء مصوّر مجلّة “الدبور” وصوّر اللافتة ونشر الصورة في المجلّة وكتب تحتها:” الملك لله والإيجار لفتّال”.
وفي إحدى مرافعاته، ولدى انتقاده أحد شهود الزور قال:”…في قوس هذا المحراب وقف هنا يقسم على قول الحقّ بلا زيادة أو نقصان، كما جاء في الكتاب: “كبرت أفواههم أن تقول كلمة إلاّ كذباً”.
لقد كان النقيب الحبيب عصام كرم محامياً لامعاً، وإنساناً لائقاً لبقاً خلوقاً. يدافع عن المظلوم، مساعداً لكلّ ذي حاجة يدافع عن الجميع، يسأل عن الجميع غير مميّز بين إنسان وإنسان، ولا بين طائفة وطائفة ولا بين حزبي وغير حزبي. أقربهم إليه أنفعهم لعيلته ووطنه.
فيا أيّها النقيب الحبيب. يصحّ فيك ما قاله الشاعر يوماً:
يا سائس الخيل قم للخيل وانحرها
ما حاجة الخيل والفرسان قد ماتوا
في القلب، وفي البال، نقيباً عزيزاً، وأباً واخاً وزميلاً وصديقاً محترماً مخلصاً..ألا فاعبر بسلام …فإنّك الآن حيث يليق بالأخيار والأنقياء الأصفياء.
“محكمة” – الأربعاء في 2020/3/4