النقيب كسبار في حفل قسم يمين 240 محاميًا: كونوا على مستوى خياركم
خاص “محكمة”:
من أجمل ما قيل في حفلات قسم اليمين في نقابة المحامين في بيروت، ما صدح به صوت النقيب ناضر كسبار أمس، أمام المحتشدين في القاعة الكبرى في “بيت المحامي” حيث بدت كلمته المكتوبة بإتقان، متماسكة ومباشرة ومحمّلة بالعبر، وهذا ما عبّر عنه عدد لا بأس به من الحاضرين من السياسيين والقضاة والمحامين والأهالي.
فقد دعا النقيب ناضر كسبار المحامين المتدرّجين البالغ عددهم 240 محاميًا، إلى “احترام موكليكم وزملائكم، وبوجه أخصّ إحترام القضاء لأنّه توأمكم في إحقاق الحقّ ونشر العدالة. إيّاكم والتهشيم بقاضٍ أو زميل. فإذا أخطأ الزميل تحاسبه نقابته، وإذا أخطأ القاضي، وكلّنا معرّضون للخطأ، فما عليكم سوى اللجوء إلى وسائل تصحيح الخطأ عبر الطعن بأحكامه أو مراجعة الهيئات المولجة محاسبته.”
بدأ الحفل بدخول هيئة محكمة الاستئناف في بيروت والمؤلّفة من الرئيس الأوّل القاضي حبيب رزق الله والمستشارين كريستال ملكي وشادي الحجل ونقيب المحامين ناضر كسبار وأعضاء مجلس النقابة، وتبعهم المحامون المتدرجون على وقع موسيقى الفخر والإعتزاز.
الخطيب
وبعد النشيد الوطني اللبناني ونشيد نقابة المحامين، قدّم أمين سرّ مجلس النقابة المحامي سعد الدين الخطيب الحفل مرحّباً بالمحامين الجدد الذين هم مستقبل المهنة، وتضمّنت كلمته التالي:
من دواعي سروري وامتناني أن أتشرّف اليوم بأن أكون عريفاً لحفل قسم اليمين لزميلات وزملاء جدد، إختاروا بإصرار وقناعة رسالة المحاماة مهنة لهم في ظلّ هذه الظروف الصعبة التي تعصف بالبلاد. فأهلاً وسهلاً بكم في نقابة المحامين في بيروت، بيروت أم الشرائع.
لقد اجتزتم المرحلة السهلة، وهي الإختبارات الشفهية والخطّية، وأنتم مقبلون على المرحلة الصعبة وهي مرحلة التدرّج وإثبات الذات. صحيح أنّ فترة التدرّج محدّدة بالنصوص بثلاث سنوات تكتسبوا فيها المناقبية وآداب المهنة وكيفية التعامل والتعاطي اليومي في قصور العدل والإدارات الرسمية والأمنية، برفعة وكبر، إلّا أنّه في الواقع، فترة التدرّج لا مدّة ولا مهلة لها، فهي مستمرّة طيلة ممارستكم للمهنة، لأنّ تحصيل المعرفة والحنكة القانونية يحتاج إلى تطوير ودراسة وتثقيف مستمرّ، فلا تتباخلوا وانكبوا على البحث العلمي القانوني واجعلوا من المحاماة نمط حياة لكم في جميع تفاصيلها، فأنتم منذ اليوم أصبح يطلق عليكم فرسان العدالة، فكونوا على قدر الثقة والمسؤولية.
واجعلوا من أهلكم الذين ضحوا وسهروا وتعبوا فخورين ليس فقط بانتسابكم إلى نقابة المحامين في بيروت، إنّما بما ستحقّقونه بمسيرتكم المهنية في المستقبل.لا تنساقوا إلى مغريات الحياة ولا تستعملوها، فالمستقبل أمامكم وتواضع الكبار مع العلم مفتاح نجاحكم المهني.
مبروك لكم إنتسابكم وقسم اليمين، فشعلة النقابة تستمر بزميلات وزملاء أعزاء مثلكم.”
رزق الله
ثمّ وقف المحامون المتدرّجون لأداء قسم اليمين، وألقى القاضي رزق الله كلمة توجيهية شاملة داعياً المحامين المتدرجين التحلي بالأخلاق التي هي أساس المهنة، وتلاه عضوا مجلس النقابة مقرّرا التدرّج المحامي فادي المصري والمحامية مايا زغريني.
كسبار
وكلمة الختام كانت للنقيب كسبار الذي شدّد على أنّ مهنة المحاماة تقوم على ركيزتين: الأخلاق والعلم، ودعا المحامين المتدرجين إلى المواظبة على احترام أهلهم ونقابتهم، مستشهداً بقصيدة للأديب سعيد تقي الدين.
ومما قاله كسبار:
“نجتمع مجدّداً لنشهد حلف يمين كوكبة من الشابات والشباب الراغبين بالإنتساب إلى نقابة المحامين في بيروت. هذه النقابة التي ولدت رسمياً يوم ولادة لبنان بحدوده الحالية، والتي دُعيت بأمّ النقابات لأنّها تحمل رسالة تهدف إلى نشر العدالة وإحقاق الحقّ. ولا شيء يحرّر الإنسان بقدر ما يحرّره الحقّ.
الزميلات والزملاء الجدد،
إنّ مهنة المحاماة تقوم على ركيزتين، الأخلاق والعلم. ومن يفتقد إحداهما عليه أن يبتعد عنها وإلّا كونوا على ثقة، بأنها هي ستبعده وإنْ بعد حين.
الأخلاق تفرض عليكم إحترام الذات والآخرين وبخاصة إحترام موكليكم وزملائكم، وبوجه أخص إحترام القضاء لأنه توأمكم في إحقاق الحق ونشر العدالة. إياكم والتهشيم بقاضٍ أو زميل. فإذا أخطأ الزميل تحاسبه نقابته، وإذا أخطأ القاضي، وكلّنا معرضون للخطأ، فما عليكم سوى اللجوء إلى وسائل تصحيح الخطأ عبر الطعن بأحكامه أو مراجعة الهيئات المولجة محاسبته. ولتكن جبهتكم الداخلية محصّنة: يوم استعملت الطائرات العملاقة “ب 52” ومدافع الميدان عيار 155، سأل الصحفيون أحد الفيتكونغ البارزين الجنرال جياب، وهو كان في الأساس محامياً، سئل بأيّ قوّة سوف تواجهون هذه الحمم التي ستسقط عليكم، ومنازل قواتكم مصنوعة من ورق الموز والنبات في غالبيتها؟
فأجابهم الجنرال مستلهماً حكمة الشرق العميقة وقال: “يتكيّف الإنسان مع الجوّ الخارجي بسهولة مذهلة، فيعيش بدون خطر في جوّ حرارته أربعين درجة فوق الصفر، كما يعيش في جوّ حرارته أربعين درجة تحت الصفر، إنّما لا يقدر أن يستمرّ في الحياة إذا تدنّت حرارته الداخلية درجتين. وبالتالي إذا استمرّت جبهتنا الداخلية متماسكة، نقاوم ونصمد مهما اشتدت علينا الضغوط.” ولذلك فأنا أدعوكم أن تبقوا متضامنين متماسكين.
أمّا العلم، فيفرض عليكم الإطلاع على القوانين وآراء الفقهاء واجتهادات المحاكم. تذكّروا أنّ الملفّ الذي بين إيديكم ليس مجرّد كلمات وحروف جامدة، بل قد يخفي بين ثناياه مصير شخص أو عائلة أو مجموعة. فإيّاكم والإهمال الذي لا يؤدّي إلّا إلى الفشل والخراب.
الزميلات والزملاء الجدد،
في كتابه La parole est à la défense يقول إميل بولاك، كبير محامي مدينة Marseille الفرنسية: عملت بنصيحة جدّتي. فهي قالت لي: يا بني إذا أردت أن تكون سعيداً ليوم واحد فاذهب إلى الحانة وتناول الخمر حتّى السكر الشديد. وإذا أردت أن تكون سعيداً لشهر أو شهرين، فاذهب وتزوّج. وإذا أردت أن تكون سعيداً مدى العمر فاذهب ومارس المحاماة.
ولم يقل لنا بولاك ما إذا كانت جدّته على حقّ، بل الجواب نجده في كلام لنقيب المعلّمين الأسبق أنطوان السبعلي قاله يوم عيد المعلم منذ أكثر من خمسين سنة:”مهنة التعليم تقتلني، وإذا عدت إلى عمر الشباب وخيّرت من جديد، سأختار مهنة التعليم”.
فكونوا على مستوى خياركم، وتذكّروا أنّ الطريق شاق وطويل، وإيّاكم واليأس عند أوّل منعطف، لأنّ اليأس هو نقيض هذه المهنة وقاتلها.
الزميلات والزملاء الجدد،
واظبوا على احترام أهلكم الذين ربّوكم وتعبوا من أجل وصولكم إلى ما وصلتم إليه.
وإذا نادوكم، تماماً كما إذا نادتكم نقابتكم، لبّوا النداء، كما فعل الكاتب والأديب سعيد تقي الدين عندما نادته والدته مع أشقائه وكانوا في أعلى المراكز وحضروا وكتب قصيدته الشهيرة:
بنوكِ فديتِ يا أم البنينا هُمُ أهلُ الوفا لو تعلمينا
دعوتِهـُمُ فلبينا كأنّا رَجَعنا للصبا لما دُعينا.
أتمنّى لكم النجاح في مهمتكم الجديدة. وأشكر مجدداً النقيبين انطوان قليموس ونهاد جبر ولجنة الإختبارات، وعضوي المجلس مقرري التدرج الأستاذين فادي المصري ومايا الزغريني على جهودهم. كما أكرر شكري إلى هيئة المحكمة على حسن تعاونها. والله ولي التوفيق.”
“محكمة” – الخميس في 2022/8/18