الهيئة الاتهامية في البقاع تقوّم الأخطاء في ملف داني الرشيد/رئيف خوري
الدكتور رئيف خوري:
بتاريخ 21 آذار 2024 صدر القرار الرقم 2024/211 عن الهيئة الاتهامية في البقاع المؤلفة من كل من الرئيس الاول القاضي السيدة كلنار سماحة والمستشارين وسيم التقي و انطوان بو زيد .
أثار القرار المشار اليه عدة تساؤلات لدى العامة ، خاصة لدى أهالي البقاع وزحلة . بسبب موضوعه المرتبط بملف اعتداء المدعى عليه داني الرشيد ورفاقه على المهندس عبد الله حنا المشرف على املاك آل سكاف العقارية في منطقة عميق – البقاع الغربي ، على خلفية ما كان قد ظهر للعلن من تنازع في ما بين ميريام طوق سكاف وابنها جوزف على ارث المرحوم الوزير والنائب الاسبق ايلي سكاف.
بحيث تحول هذا الملف الى قضية رأي عام تفاعلت تداعياته الجرمية عند العامة وتركت اثرها على النفوس. لا سيما بعد ان تناولت وسيلة اعلامية محترمة هذا القرار، وسلطت الضوء عليه من وجهة نظر اعلامية بحتة ، بعيدة عن مقتضيات العلم القانوني والاجتهاد والفقه . بينما يحتاج التطرق الى تفاصيله ومضمونه الى الغوص بالقانون الجزائي والالمام به .
خلال تصدي الهيئة الاتهامية في البقاع لهذا الملف، واجهتها المسائل القانونية التالية:
– المسألة الاولى : التثبت من مدى انطباق الفاعل المعنوي على أعمال داني الرشيد.
– المسألة الثانية : البحث العلمي في مدى صحة تأليف جمعية اشرار.
– المسألة الثالثة : التدقيق في مدى صحة محاولة القتل.
أولا – في مدى انطباق الفاعل المعنوي على أعمال داني الرشيد:
انكر داني الرشيد طيلة امد كافة مراحل التحقيق الاستنطاقي ما هو مسند اليه ، إلا ان الهيئة الاتهامية توقفت عند المعطيات والواقعات الاساسية الثابتة في الملف ، وهي على النحو ألآتي:
أ – وجود نزاع عائلي ومداعاة بين كل من ميريام طوق سكاف وابنها جوزف الياس سكاف .
ب – اقرار داني الرشيد بالوقوف الى جانب جوزف في مواجهته لوالدته ميريام.
ج – يعمل المدعي عبد الله حنا لصالح ميريام سكاف ويشرف على عقارات العائلة في البقاع .
د – وجود دعاوى قضائية مقامة من جوزف سكاف بوجه عبد الله حنا على خلفية عدم تسديد الاخير لمستحقات مالية يعتبرها جوزف سكاف من حقه.
هـ – اصر داني الرشيد في التحقيق الاستنطاقي على ان ميريام طوق سكاف هي من كانت وراء اطلاق النار عليه بتاريخ 16 تموز 2023 من دون ان يتمكن من توفير الدليل عليها .
و – ثبوت تواصل داني الرشيد مع المدعى عليه الآخر ملهم مطر المعروف بانه من اصحاب السوابق والسمعة السيئة في المنطقة ، والمتسبب بعدة مشاكل لدرجة انه ملقب ” بالخطير “.
ز – أفاد ابن ملهم مطر المدعو ماهر ملهم أن والده تواصل مع المدعى عليه داني الرشيد في فترة الاعتداء على عبد الله حنا.
ح – اكدت بسما مطر زوجة المدعى عليه ملهم مطر ان داني الرشيد طلب اللقاء بزوجها، فذهب الاخير للقائه من دون هاتفه الخليوي.
ط – أكد أحد اعضاء المجموعة المدعى عليه سامي حاطوم بأن المدعى عليه ملهم مطر اخبره بأن المدعى عليه داني الرشيد ” بدو يربي عبد الله حنا ويعملو قتلة ” ، وبأنه كلفه القيام بالاعتداء . كما اكد على ان المدعى عليه ملهم مطر قبض الاموال من داني الرشيد بعد حصول الاعتداء .
ي – اعترف ملهم مطر بلقاء داني الرشيد قرب منزل الاخير عقب الاعتداء على عبد الله حنا.
ك – لم ينكر داني الرشيد حصول ذاك اللقاء لكنه عزا سببه لاعطاء ملهم مطر مساعدة مالية كناية عن مبلغ مئتي دولار.
ل – من الثابت بالملف انه بعد لقاء داني الرشيد مع ملهم مطر تولى الاخير توزيع الاموال على المشاركين معه في الاعتداء على عبد الله حنا . ثم اعطى زوجته مبلغ اربعماية دولار قبل ان يغادر الى سوريا ، وكان تعليق زوجته امام ابنه ” الله يستر منين جابون ” .
م – تناقض كل من داني الرشيد مع افادة ملهم مطر بشكل جلي وواضح حول ما دار بينهما من حديث خلال لقائهما الاخير .
ن – تم تزويد ملهم مطر برقم هاتف ” أمني ” طيلة التحضير للاعتداء ( 2023/12/3) وحتى تاريخ الانتهاء (2023/12/7). بحيث لم يكن ليحصل على هذا الرقم الا بتدخل شخصي من اصحاب النفوذ.
ص – عند مواجهة داني الرشيد بحذفه لداتا الاتصالات والنصوص ومحادثاته بتاريخ توقيف ملهم مطر ، أجاب على ذلك معتبرا انها ” صدفة “.
امام هذه الوقائع المثبتة في الملف اقتنعت الهيئة الاتهامية بأن المدعى عليه داني الرشيد هو من كلف ملهم مطر بتنفيذ الاعتداء على المدعي عبد الله حنا لقاء دفع مبلغ مالي له ، فاستعان ملهم مطر بالمدعى عليهم الآخرين ليتم الاعتداء بتاريخ 2023/12/6.
لذا ، قررت الهيئة الاتهامية ان افعال داني الرشيد تنطبق على الفاعل المعنوي او الفاعل غير المباشر لأنه امر وطلب تنفيذ جريمة ولو لم يقم بأي عمل مادي لاقترافها. بحيث يكون الفاعل المعنوي المدعى عليه داني الرشيد مسؤولا عن نتائج جميع الافعال الجرمية التي حصلت ، مما يقتضي ادانته بصفته هذه .
ثانيا – البحث في مدى صحة تأليف جمعية اشرار :
خلافًا للقرار الظني الصادر عن قاضي التحقيق بالانابة ، فلقد تأكدت الهيئة الاتهامية في البقاع من عدم انطباق افعال المدعى عليهم داني الرشيد ورفاقه على احكام المادة 335 عقوبات وما بعدها التي تنص على تأليف جمعية اشرار.
اعتبرت الهيئة الاتهامية انه لم يثبت بأوراق الملف بأنّ المدعى عليهم عمدوا الى تأليف عصابة بقصد ارتكاب الجنايات على الناس والاموال بشكل عام غير محدد ، بحيث تطال افعالهم الجرمية من تصادفهم او تخطط للنيل من العامة ، كما تقتضي احكام المادة 335 عقوبات .
لا، بل اعتبرت الهيئة الاتهامية ان اتفاق المدعى عليهما داني الرشيد ورفيقه ملهم مطر اقتصر على ضرب المدعي عبد الله حنا لوحده ، وبشكل محدد بشخصه ، والاقتصاص منه بمفرده من دون غيره. ولم يتعد هذا الاتفاق بينهما الى اطار الاعتداء على عامة الناس بشكل عشوائي ومتكرر.
انه من شروط تطبيق احكام تأليف جمعية اشرار ، قيام افرادها بتنفيذ عمليات سطو لعدة مرات ، وبعدة عمليات على عدة اشخاص او اموال ، وان تتوفر النية الجرمية من كافة افراد عصابة الاشرار. وحيث ان مجرد الاتفاق او تأليف الجمعية بين داني الرشيد ورفاقه لا يكفي لتطبيق المادة 335 عقوبات ما لم يكن الاتفاق يرمي الى غاية عامة . إذ لا يكفي ان يتفق شخصان او اكثر على ارتكاب جناية ما لاعتبارهم من مؤلفي جمعيات الاشرار بل لا بد من وجود عنصر آخر هو الدافع الخاص لتأليف الجمعية بحيث يجب ان يستهدف عاقدوا الجمعية او الاتفاق ارتكاب الجنايات على الناس او الاموال بصورة عامة ، اي من دون تحديد هذه الجنايات مقدما عند عقد الاتفاق الجنائي . وبشرط عدم تعيين شخص او اشخاص معينيين يكونون ضحايا جرائمهم .
وبما انه ثابت بالملف المطروح امام الهيئة الاتهامية ، ان المدعى عليهم اتفقوا في ما بينهم على القيام بالتعدي على المدعي عبد الله حنا دون غيره ، وتقيدوا بغاية المدعى عليه داني الرشيد الذي ثبت انه “بدو يربي عبد الله حنا ويعملو قتلة ” من دون سائر عامة الناس ، ومن دون العشوائية في الانتقاء ، وبحيث انتهت مهمة المجموعة عند اقتراف فعل الايذاء.
الامر الذي يفيد عدم ارتكاب الجنايات على الناس والاموال بصورة عامة من دون تحديد الضحايا عند عقد الاتفاق الجنائي . بحيث ينتفي انطباق احكام المادة 335 عقوبات على الملف المبسوط امام الهيئة الاتهامية . فقررت عدم توفر عناصر المادة 335 عقوبات في سياق الشكوى ، مما يوجب منع المحاكمة عن المدعى عليهم لهذه الناحية.
ثالثًا – في مدى صحة محاولة القتل:
بحثت الهيئة الاتهامية في ما اذا كان المدعى عليهم ينوون قتل المدعي عبد الله حنا أم فقط ايذائه . فتبين لها انه من الثابت في الملف قيام المعتدين عمدا بضرب عبد الله حنا على رأسه ووجهه ، واستعملوا لهذه الغاية اياديهم ومسدسًا غير صالح للاستعمال ( خلبي ) كان بحوزتهم .
وتبين من التحقيقات ان المدعى عليه ملهم مطر يختزن في منزله مجموعة كبيرة من الاسلحة وذخائرها لكنه لم يأت باحداها عند تنفيذه للمهمة الموكلة اليه.
ليتبين ايضًا نزع المعتدين مسدس المدعي عبد الله حنا الذي شهره عليهم ، ولم يستعملوا هذه المسدس الصالح والمذخر لاطلاق النار عليه وقتله.
كما انه بعد الاعتداء تمكن المدعي عبد الله حنا مباشرة من الاتصال الهاتفي مع عائلته ، ثم استطاع قيادة سيارته بنفسه الى منزله ، وبعدها توجه الى مستشفى تل شيحا التي افادت ان وضعه مستقر من جراء تقطيب جرح في الرأس ، وتحطم سنين من اسنانه.
يظهر مما تقدم ان المعتدين ارادوا ايذاء المدعي وليس قتله ، والا لكانوا قد عمدوا الى توجيه اصابات اكثر خطورة له، او احضروا سلاحًا معهم واطلقوا النار عليه مباشرة ، او عند سرقتهم لمسدس المدعي كان باستطاعتهم استعماله واطلاق النار منه. لا سيما وانه ثبت في التحقيقات من اقوال بعض المدعى عليهم ان غاية الاعتداء على المدعي اقتصرت على ” ضربه ” .
ومن دواعي ما يلفت النظر ان النائب العام لدى محكمة التمييز اشار بعد اطلاعه على كافة مجريات التحقيق باصدار بلاغ بحث وتحري بحق احد المدعى عليهم بجرم ” ضرب و ايذاء ” وليس بمحاولة قتل.
عليه، وحيث ان فعل المدعى عليهم داني الرشيد ورفاقه لجهة قيامهم بعملية ضرب وايذاء المدعي عبد الله حنا بعد ان كمنوا له وترصدوه ، واكتفائهم بما اقدموا عليه بقرارهم الذاتي من دون اي تدخل خارجي أعاق تنفيذهم . فإنّ أفعالهم الجرمية لا تشكل محاولة القتل لأن المحاولة تفترض عدم العدول الا بسبب خارجي مستقل عن ارادة الفاعلين . في حين ان عدول المدعى عليهم عن ارتكاب محاولة القتل قد تم بمحض ارادتهم من دون ان يتوفر سبب خارجي حملهم على ذلك . كما انه لم يتبين للهيئة الاتهامية وجود محاولة قتل بنوعيها لا ناقصة ، ولا خائبة ، منعت اتمام الفعل الجرمي .
ولا غرو من الاشارة الى انه بالنسبة للمحاولة ، يفترض ان تكون ارادة الفاعلين متجهة الى ارتكاب الجريمة كاملة ، بمعنى انه يجب توفر القصد الجرمي . في حين توفر للفاعلين امكانية زهق روح المدعي لو شاؤوا ذلك .
مما اقتضى من الهيئة الاتهامية منع المحاكمة عن المدعى عليهم من جناية المادة 201/549 لعدم توفر عناصر محاولة القتل.
الخلاصة:
إلتقت الهيئة الاتهامية في البقاع مع ما كان القرار الاتهامي الصادر عن قاضي التحقيق المنتهي الى ادانة المدعى عليه داني الرشيد واعتباره الفاعل المعنوي . لكن الهيئة الاتهامية صححت ما يتعلق بتأليف عصابة اشرار ، وما يتعلق بمحاولة قتل، لعدم توفر شروطهما.
غير ان الهيئة الاتهامية وفقا لما لها من صلاحيات نصت عليها المادة 134 من قانون اصول المحاكمات نظرت تلقائيا بالجنايات المتلازمة ، فتبين لها ان كل من ادعاء النيابة العامة الاستئنافية في البقاع والقرار الظني لم يتناولا مسألة سرقة المدعي اثناء الاعتداء عليه . وبالتالي تبين لها ان المدعى عليهم اقدموا على سرقة مسدس المدعي عبد الله حنا تحت تأثير السلاح وبالعنف ، الافعال التي تشكل جناية المادة 640/639 من قانون العقوبات .
لذلك ، قررت الهيئة الاتهامية اتهام المدعى عليهم بالجناية المنصوص عليها في المادتين 639 و 640 من قانون العقوبات ، واصدار مذكرات توقيف بحقهم وسوقهم موقوفين امام محكمة الجنايات في البقاع لمحاكمتهم بما اتهموا به.
أمام هذه النتيجة التي توصلت اليها الهيئة الاتهامية في البقاع، يمكن القول انها احسنت تطبيق القانون. بينما تناولت بعض الاقلام شن حملات على هذا القرار قبل ان تطلع عليه وتسبر اغواره ، وانبرى العديد للتعرض والتجريح بأعضاء الهيئة الاتهامية من دون الالمام بتفاصيل القرار ، وبالاجتهاد الجزائي ، وصولًا عن غير حق الى تخطي حدود اللياقة وآداب التخاطب.
الهيئة الاتهامية في البقاع تقوّم الأخطاء في ملف داني الرشيد بقلم الدكتور رئيف خوري
“محكمة” – الإثنين في 2024/4/1