الهيئة العامة للتمييز تبحث نقاطاً مهمّة في قانون تنظيم مهنة المحاماة/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
حسمت الهيئة العامة لدى محكمة التمييز المؤلّفة من الرئيس الأوّل سهيل عبود والرؤساء التمييزيين جوزيف سماحة وكلود كرم وميشال طرزي وروكس رزق وسهير الحركة وعفيف الحكيم وجمال الحجّار، عدّة نقاط قانونية في القرار الصادر عنها. فاعتبرت أنّ المادة 62 من قانون تنظيم مهنة المحاماة توجب تعيين مستشار قانوني للشركة من أجل صحّة إنشائها. ولم تثبت أنّه تمّ تعيين مستشار آخر غير المحامي الذي سبق تعيينه. كما اعتبرت المحكمة أنّ المادة 775 موجبات وعقود تنصّ على أنّه لا يجوز إعطاء الوكالة إلاّ بالصيغة المقتضاة للعمل الذي يكون موضوع التوكيل، ما لم يكن هناك نصّ قانوني مخالف، وأنّ المحكمة مصدرة القرار المشكو منه، باستنادها إلى أحكام المادة 62 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، توصّلاً إلى القول بثبوت صفة المطلوب إدخاله كمستشار قانوني، وتالياً باستحقاق أتعاب له عن وكالته الإلزامية الثابتة في نظام الشركة، تكون قد طبّقت النصّ الخاص الذي يرعى حالة المطلوب إدخاله، ولا تكون بالتالي قد خالفت القواعد العامة للوكالة الواردة في قانون الموجبات والعقود.
كما اعتبرت المحكمة أنّه وعملاً بأحكام المادة 62 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، تكون الشركة المدعية ملزمة بأن توكّل محامياً بأتعاب سنوية، ولاسيّما أنّ توكيله هو شرط لتسجيلها، وهي لا تمارس أعمالها دون وكيل سنوي، فلا يؤخذ على المحكمة تقرير بدل أتعاب للمطلوب إدخاله، بعد اعتباره وكيلاً سنوياً إلزامياً للمدعية، وذلك بصرف النظر عن قيامه بأعمال واستشارات أو عدمه، ولاسيّما أنّه سنداً للمادة 63 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، لا يحقّ للمحامي أن يقبل توكيلاً بأتعاب سنوية عن أكثر من خمس شركات تجارية من الشركات الملزمة بتوكيل محام وفقاً للمادة 62 المذكورة، ما يجعل الجدّية غير متوافرة في إدلاءات المدعية، ومستوجبة الردّ لهذه العلّة.
وأخيراً، إعتبرت المحكمة العليا أنّ عدم إحالة الملفّ أمام نقابة المحامين لتقدير الأتعاب لا يشكّل خطأ جسيماً خصوصاً وأنّ المحكمة اعتمدت الحدّ الأدنى المحدّد من قبل النقابة، علماً بأنّ رأي النقابة غير ملزم.
وقضت بردّ الدعوى لعدم توافر الجدّية.
وممّا جاء في القرار الصادر بتاريخ 2020/1/13:
ثانياً: في مدى جدّية الأسباب المدلى بها
في السبب الأوّل والثاني والثالث
وحيث إنّ المدعية تعيب على المحكمة مصدرة القرار المشكو منه، ضمن السبب الأوّل، الخطأ الجسيم المتمثّل في الإهمال وعدم التدقيق في وقائع الدعوى، وعدم التمحيص في الأدلّة وتقييمها، ومخالفة الفقرة 10 من المادة 537 أ.م.م.، وبالتحديد عدم التدقيق في الإفادة الصادرة عن أمانة السجّل التجاري التي أبرزها المطلوب إدخاله، والتي تبيّن أنّ محامي الشركة ووكيلها السنوي هو المحامي ب.ع.، وذلك باعتبارها، خلافاً لمندرجات الإفادة المذكورة، ولأحكام المادة 537 أ.م.م.، أنّ المطلوب إدخاله يحوز على وكالة سنوية إلزامية.
وحيث إنّ المدعية تعيب على المحكمة مصدرة القرار المشكو منه، ضمن السبب الثاني، الخطأ الجسيم المتمثّل في مخالفة المواد 624 و769 و775 م.ع.، والمادة 65 من قانون تنظيم مهنة المحاماة باعتبارها أنّ للمطلوب إدخاله صفة الوكيل الرسمي إنطلاقاً من المادة 65 المذكورة، في حين أنّ المطلوب إدخاله لا يحوز على وكالة رسمية بالصيغة المفروضة وفق هذه المادة، والتي تشكّل شرطاً لصحّتها وليس فقط لإثباتها، وأنّ المطلوب إدخاله ليس وكيلاً لها، إنّما عيّن مستشاراً لها بموجب المادة 30 من نظامها، وفي اعتبارها أنّ دعوى المطلوب إدخاله مبنية على أتعاب وكالة سنوية، في حين أنّها تمثّل بدل خدمات، لأنّ المشورة والآراء القانونية والنصائح التي يعطيها المحامي المعيّن كمستشار قانوني، تدخل في إطار الخدمات، وتنطبق عليها الفقرة 2 من المادة م.ع.، وليس أحكام الوكالة السنوية.
وحيث إنّ المدعية تعيب على المحكمة مصدرة القرار المشكو منه، ضمن السبب الثالث الخطأ الجسيم المتمثّل في مخالفة المواد 68 و69 و71 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، والمبدأ القائل بأن لا أجر دون عمل، بترتيبها الأتعاب للمطلوب إدخاله دون قيامه بأيّ عمل، وذلك بعدما أخطأت في توصيف تعيين هذا الأخير كمستشار لها، على أنّه توكيل بموجب وكالة سنوية، في حين أنّ أتعاب المطلوب إدخاله تتعلّق حصراً بالإستشارات القانونية المفترض أن يؤدّيها إليها، إذ إنّه لم يتمّ تنظيم أيّ توكيل لمصلحته، بل تمّ توكيل المحامي ب.ع. بعلم المطلوب إدخاله ورضاه، والذي قام بكلّ ما هو مطلوب من الناحية القانونية، مقابل عدم قيام المطلوب إدخاله بأيّ عمل إستشاري لصالحها، فلا تترتّب له تبعاً لذلك أيّ أتعاب بذمّتها، كما خالفت المحكمة مصدرة القرار المشكو منه نصّ المادة 69 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، بتحديدها لأتعاب غير متوجّبة، دون إحالة الملفّ إلى مجلس نقابة المحامين في بيروت قبل فصل القضيّة.
وحيث إنّ المحكمة مصدرة القرار المشكو منه اعتبرت أنّ العلاقة بين المحامي المطلوب إدخاله كمستشار قانوني، وبين الشركة المدعية، ثابتة بموجب وكالة إلزامية بمقتضى نظامها التأسيسي، وأنّ المسألة المثارة خاضعة لأحكام الوكالة السنوية الإلزامية، التي توجب عن مثل هذه الوكالة بمجرّد ثبوتها أتعاباً سنوية إلزامية، وذلك دون أيّ اعتبار لقيامه بموجبها أو عدم قيامه بأعمال لصالح الشركة الموكلة، والتي تستحقّ له عنها عندها أتعاب مستقلّة، كما اعتبرت أنّه لا يستقيم كلّ ما تدلي به الشركة المدعية، نفياً للوكالة السنوية الإلزامية الصادرة عنها لصالح المحامي والمثبتة بموجب المادة 30 من نظام تأسيس الشركة، طالما أنّها وفي مطلق الأحوال، لم تثبت وجود أيّ وكيل سنوي إلزامي آخر لها وفق مندرجات قيود السجّل التجاري، أو نقابة المحامين، وطالما تستحقّ لهذا الوكيل أتعابه عن وكالته السنوية بمجرّد ثبوت صفته كمستشار قانوني لها، وأنّ الوكالة العامة لتي نظّمتها الشركة في العام 2001 باسم المحامي ب.ع.، لا تنفي صفة المطلوب إدخاله كمستشار سنوي إلزامي لها وفق ما تثبته قيود السجّل التجاري الرسمية.
وحيث إنّه يتبيّن من نحو أوّل، من مراجعة المستندات المرفقة ربطاً بالاستحضار، ولاسيّما نظام الشركة المدعية والتعديلات التي أدخلت عليه، أنّه تمّ تعيين المطلوب إدخاله مستشاراً قانونياً للشركة، بموجب المادة 30 من نظامها، وأنّه بتاريخ 2001/1/23 تمّ إدخال تعديلات عدّة على هذا النظام، دون أن تطال هذه التعديلات المادة 30 المذكورة، كما ورد صراحة في محضر جمعية الشركاء تعديل للمواد 3 و4 و6 و11، وأنّ “الباقي دون تعديل”، فيكون من الثابت أنّ نظام الشركة المدعية والتعديلات التي أدخلت عليه، لم يتضمّن أيّ منها تعيين مستشار قانوني آخر للشركة بديلاً عن المطلوب إدخاله.
وحيث إنّ المحكمة مصدرة القرار المشكو منه، حدّدت إطار النزاع المطروح أمامها، معتبرة أنّ المطلوب إدخاله حصراً بأتعابه المستحقّة عن أعمال وكالته السنوية عن الشركة المدعية، المنصوص عليها في المادة 62 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، التي توجب على كلّ شركة مغفلة وكلّ شركات الأموال بما فيها الشركة المحدودة المسؤولية، والتي يبلغ رأسمالها المدفوع مليون ليرة لبنانية وما فوق، عاملة في لبنان، أن توكل محامياً دائماً من المحامين العاملين المقيّدين في جدول النقابة بأتعاب سنوية، وبالتالي يكون موضوع النزاع محصوراً بالأتعاب المتوجّبة للمطلوب إدخاله، بنتيجة تعيينه مستشاراً قانونياً للشركة المدعية، الأمر الذي توجبه إلزامياً المادة 62 المذكورة من أجل صحّة إنشائها، كما أوضحت المحكمة أنّ الوكالة العامة المنظّمة باسم المحامي ب.ع. لا تنفي صفة المطلوب إدخاله كمستشار سنوي إلزامي للشركة.
وحيث إنّه، وبثبوت تعيين المطلوب إدخاله مستشاراً قانونياً للشركة المدعية بموجب المادة 30 من نظامها، وبثبوت عدم إدخال أيّ تعديل على المادة 30 المذكورة منذ إنشاء الشركة في العام 1998، وتالياً عدم تعيين مستشار قانوني آخر لها، لا ينسب إلى المحكمة مصدرة القرار المشكو منه أيّ إهمال في التدقيق في مستندات الدعوى، وبالتحديد في الإفادة الصادرة عن السجّل التجاري التي وإنْ لحظت اسم المحامي ب.ع. عند تعدادها لأسماء الشركاء، فإنّ الشركة لم تثبت بالمقابل تعيينه مستشاراً قانونياً لها بوكالة سنوية إلزامية وفق ما توجبه المادة 62 المذكورة، ولاسيّما أنّ التاريخ الوارد بجانب اسمه في الإفادة الصادرة عن السجّل التجاري هو “1998/4/30″، أيّ في الوقت الذي كان لا يزال فيه محامياً متدّرجاً بإقرار الشركة المدعية، التي لم تثبت إدخال أيّ تعديل على صفة المطلوب إدخاله حتّى بعدما انتقل المحامي ب.ع. إلى الجدول العام لنقابة المحامين في العام 2001، رغم أنّ التعديلات التي أدخلت إلى نظام الشركة تمّت في هذا العام دون أن تطال المادة 30 المنوّه عنها أعلاه.
وحيث إنّه استناداً إلى ما تقدّم، لا تكون المحكمة مصدرة القرار المشكو منه قد أهملت التمحيص في الأدلّة المتوافرة أمامها، أو التدقيق في المستندات، ولم تخالف بالتالي أحكام المادة 537، الفقرة 10، أ.م.م. وهي لحظت الوكالة العامة المنظّمة باسم المحامي ب.ع.، التي اعتبرت أنّها لا تنفي صفة المطلوب إدخاله كمستشار سنوي إلزامي للشركة وفق ما هو مفصّل أعلاه، فلا تكون الجدّية متوافرة في إدلاءات المدعية، ما يجعلها مستوجبة الردّ لهذه العلّة.
وحيث إنّه من نحوٍ ثان، أوضحت المحكمة مصدرة القرار المشكو منه، أنّ الأتعاب تستحقّ للوكيل عن وكالته السنوية بمجرّد ثبوت صفته كمستشار قانوني للشركة، وميّزت تالياً بين هذه الصفة، وبين الوكالة العامة التي نظّمتها المدعية للمحامي ب.ع.، كما أنّها وفي إطار ردّها على الدفع بمرور الزمن، إعتبرت أنّ القانون أجاز للوكيل القيام بأعمال قانونية أخرى غير الدعاوى والطلبات التي يرفعها إلى القضاء نيابة عن موكّله، كإعطاء الآراء والإستشارات القانونية أو وضع نظام تأسيسي، والتي أجاز القانون القيام بها بوكالة أو بغير وكالة.
وحيث إنّه من البيّن إذاً، أنّ المحكمة مصدرة القرار المشكو منه لم تستند إلى أحكام المادة 65 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، إنّما إلى أحكام 62 من القانوني المذكور، مميّزة بين الوكالة السنوية الإلزامية التي صدرت عن المدعية لصالح المطلوب إدخاله بموجب المادة 30 من نظام الشركة وعملاً بأحكام المادة 62 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، وبين أعمال المرافعة والمدافعة عن الشركة أمام القضاء، واستندت إلى ثبوت صفة المطلوب إدخاله كمستشار قانوني للمدعية بموجب المادة 30 من نظام هذه الأخيرة للتوصّل إلى استحقاق أتعابه عن هذه الوكالة الإلزامية الثابتة في نظامها، هذا من جهة.
وحيث إنّه، ومن جهة أخرى، تنصّ المادة 775 م.ع.، على أنّه لا يجوز إعطاء الوكالة إلاّ بالصيغة المقتضاة للعمل الذي يكون موضوع التوكيل، ما لم يكن هناك نصّ قانوني مخالف، وأنّ المحكمة مصدرة القرار المشكو منه، باستنادها إلى أحكام المادة 62 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، توصّلاً إلى القول بثبوت صفة المطلوب إدخاله كمستشار قانوني، وتالياً باستحقاق أتعاب له عن وكالته الإلزامية الثابتة في نظام الشركة، تكون قد طبّقت النصّ الخاص الذي يرعى حالة المطلوب إدخاله، ولا تكون بالتالي قد خالفت القواعد العامة للوكالة الواردة في قانون الموجبات والعقود.
وحيث إنّه إضافةً إلى ما تقدّم، لم تثر المدعية أمام المحكمة مصدرة القرار المشكو منه، مسألة اعتبار أتعاب المطلوب إدخاله تمثّل بدل خدمات، وتنطبق عليها الفقرة 2 من المادة 624 م.ع.، وليس أحكام الوكالة السنوية، فلا يمكنها من ثمّ أن تنسب إلى هذه الأخيرة الخطأ الجسيم في عدم توصيف أعمال المطلوب إدخاله في إطار الخدمات، علماً أنّ النتيجة التي توصّلت إليها جاءت منسجمة مع أحكام المادة 62 من قانون تنظيم مهنة المحاماة ومع أحكام المادة 30 من نظام الشركة وفق ما هو مفصّل أعلاه.
وحيث إنّه استناداً إلى ما تقدّم، لا تكون الجدّية متوافرة في إدلاءات المدعية، ما يقتضي معه ردّها لهذه العلّة.
وحيث إنّه من نحو ثالث، وعملاً بأحكام المادة 62 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، تكون الشركة المدعية ملزمة بأن توكّل محامياً بأتعاب سنوية، ولاسيّما أنّ توكيله هو شرط لتسجيلها، وهي لا تمارس أعمالها دون وكيل سنوي، فلا يؤخذ على المحكمة تقرير بدل أتعاب للمطلوب إدخاله، بعد اعتباره وكيلاً سنوياً إلزامياً للمدعية، وذلك بصرف النظر عن قيامه بأعمال واستشارات أو عدمه، ولاسيّما أنّه سنداً للمادة 63 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، لا يحقّ للمحامي أن يقبل توكيلاً بأتعاب سنوية عن أكثر من خمس شركات تجارية من الشركات الملزمة بتوكيل محام وفقاً للمادة 62 المذكورة، ما يجعل الجدّية غير متوافرة في إدلاءات المدعية، ومستوجبة الردّ لهذه العلّة.
وحيث إنّه من نحو رابع، وفي ضوء عدم وجود اتفاق على قيمة الأتعاب السنوية، واستناداً إلى طلب المطلوب إدخاله، اعتمدت المحكمة الحدّ الأدنى المحدّد من قبل مجلس نقابة المحامين، فلا ينسب إلى المحكمة أيّ خطأ عند تقديرها لهذه الأتعاب وفقاً للحدّ الأدنى المذكور، دون إحالة الملفّ إلى مجلس نقابة المحامين، علماً أنّ رأي هذا المجلس هو غير ملزم للمحكمة، وبالتالي لا تكون الجدّية متوافرة في إدلاءات المدعية، ما يجعلها مستوجبة الردّ لهذه العلّة.
“محكمة” – الأحد في 2020/7/26