الهيئة الوطنية للمفقودين: “إن شاء الله خير”/آمال خليل
آمال خليل*:
بعد تسعة عشر شهراً على إقرار مجلس النوّاب لقانون المفقودين والمخفيين قسراً، شكّل مجلس الوزراء أوّل من أمس “الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً”. خطوة اعتبرتها لجنة أهالي الضحايا أولى الخطوات الفعلية لإنصاف أبنائهم وذويهم بعد 30 عاماً على صدور العفو العام عن جرائم الحرب الأهلية.
لن تكون الهيئة هي الأمل الأوّل الذي سيتعلّق به أهالي الضحايا لكشف مصير أبنائهم. حكومة الرئيس سليم الحص شكّلت أوّل هيئة تحت اسم “لجنة التقصّي عن مصير المفقودين والمخطوفين”. لكنّها بعد عمل أشهر، توصّلت إلى إعلان وفاة جميع من فُقد أثرهم في الحرب! إعتراض الأهالي أدّى إلى تشكيل هيئة “تلقّي الشكاوى” على عمل اللجنة الأولى. وبعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، شكّلت الهيئة اللبنانية السورية لكشف مصير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية.
سنوات طويلة فصلت بين هيئة وأخرى وصولاً إلى إقرار قانون المخفيين قسراً وتشكيل الهيئة المنبثقة عنه، توفّي خلالها العشرات من الأهالي. فهل تحتاج الهيئة الجديدة إلى سنوات لتصل إلى حقيقة ما؟
عشرة أعضاء اختيروا من بين عشرات المرشّحين الذين وصلت أسماؤهم إلى وزارة العدل بناءً على اقتراحات من لجنة حقوق الإنسان النيابية والهيئات المعنية بالقضية مثل لجنة أهالي المفقودين والمخفيين قسراً في الحرب الأهلية هم: القاضيان في منصب الشرف خالد زودة وجوزيف معماري والمحاميان وليد أبو دية ودوللي فرح والأستاذ الجامعي زياد عاشور والطبيب الشرعي عبد الرحمن أنوس والناشطان في حقوق الإنسان(النائب السابق) غسّان مخيبر وكارين أبو جودة والناشطان في الجمعيات الممثّلة لذوي المفقودين وداد مراد حلواني وجويس نصار.
الأعضاء الذين تتعلق آمال أهالي الضحايا بهم، عيّنهم مجلس الوزراء لولاية تمتد لخمس سنوات غير قابلة للتجديد. خطوتهم الأولى “ستكون أداء قسم اليمين أمام رئيس الجمهورية ميشال عون. أمّا الثانية فانتخاب رئيس ونائب له وأمين سرّ ووضع نظام اللجنة الداخلي والمالي وعرضها على مجلس الوزراء ليقرّها بمراسيم”، وفق ما قال لـ”الأخبار” رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية النائب ميشال موسى الذي شارك في إعداد القانون وإقراره مع زميله السابق غسّان مخيبر.
النظام الذي تتشابه وجوه حكامه مع وجوه زعماء ميليشيات الحرب الأهلية، سوف يواكب عمل الهيئة التي “تتمتّع بالشخصية المعنوية والإستقلال الإداري والمالي ويؤدّي أعضاؤها والموظّفون التابعون لها مهامهم باستقلال كامل عن أيّ سلطة أخرى في إطار أحكام قانون المخفيين قسراً”. أما أعضاؤها، فيشترط في رئيسهم التفرّغ لمهمّته وعلى زملائه عدم الجمع بين عضوية الهيئة ورئاسة أو عضوية الوزارة أو مجلس النوّاب أو الترشّح للإنتخابات البلدية أو الإختيارية أو النيابية قبل انقضاء سنتين كاملتين على انتهاء عضويته أو أن يتولّى أيّ منصب عام سياسي أو إداري.
في زمن السلم، يضمن القانون حصانة الأعضاء وملاحقتهم (فيما خلا الجرم المشهود) ويمنع تفتيش مكاتبهم أو تعليق عملهم حتّى في حالات الطوارئ والحروب.
حمّلت النصوص الهيئة مهاماً شاقة بحجم القضيّة التي تحمل اسمها. مع ذلك، يشير موسى إلى أنّ رئيسها وأعضاءها “لا يتقاضون أجراً عن مهامهم. لكنّ النظام المالي المنتظر إقراره يتعلّق بالتوظيف وتشكيل مقرّ وسنسعى لتأمين موازنتها بشكل ثابت من ضمن موازنة رئاسة مجلس الوزراء”. فماذا ينتظر الأهالي؟
يقرّ موسى بأنّ “الأولويات في البلد أخّرت في إقرار الهيئة التي تحتاج إلى نضال مستمرّ من قبل الأهالي والجمعيات المعنية للضغط على أعضائها وعلى الحكومة لتسريع الإنجازات”. لكنّ مريم السعيدي والدة المفقود منذ 38 عاماً ماهر قصير، ليست مستعجلة أو متحمّسة. في حديث لـ”الأخبار”، تقول إنّها لا تنتظر شيئاً من هذه الهيئة: “أنا كأمّ لن يُشفى غليلي ما دام الحكّام هم أنفسهم في الحرب والسلم، والمجرمون يعيشون بسلام فيما نحن لا نزال نبحث ونسأل”.
تستذكر مصير الهيئات الثلاث السابقة لتعزّز يأسها وأملها المفقود. “الهيئة الجديدة ستفيد الأجيال اللاحقة وتحميها وتنصفها من جرائم قد تحصل. أمّا نحن وأولادنا فقد أصبحت مأساتنا من الماضي”.
سوسن الهرباوي شقيقة المفقود أحمد لا تملك سوى أن تتأمل خيراً. والدتها توفّيت منذ سنوات قبل أن يبرد قلبها. سوسن تسلّمت لواء القضيّة من بعدها. “إن شاء الله خير”.
إن صدقت نوايا الهيئة ومن خلفها الدولة، فالأعضاء سيجتمعون مرّة على الأقلّ في الشهر وسيبادرون سريعاً إلى “الاتصال بالسلطات والأجهزة اللبنانية أو الأجنبية والطلب منها تزويدها بالمستندات أو المعلومات التي تراها مفيدة لحسن ممارسة مهامها. وعلى السلطات والأجهزة اللبنانية المعنية الاستجابة للطلب من دون إبطاء”، كما ينصّ القانون. علماً بأنّ من مهامها “نبش أماكن الدفن والتعرّف إلى هويّات الرفات المدفونة فيها وتقفّي آثار المفقودين وضحايا الإخفاء القسري واقتراح آليات جبر الضرر للمفقودين والمخفيين قسراً وأُسرهم، وتقديم الدعم للأُسر”.
*المصدر: الأخبار.
“محكمة” – السبت في 2020/6/20