الوزير.. علاقته بالمدير العام والمستشارين/عصام اسماعيل
الدكتور عصام نعمة اسماعيل*:
تفترض الإدارة الرشيدة أن تنتظم العلاقة بين الإداريين وفق حدود الصلاحيات المقررة لكّل جهةٍ، بحيث يعمل الجميع ضمن حلقة متماسكة هادفة إلى تحقيق المصلحة العامة وحسن سير المرفق العام، وهذا الانتظام للعمل يفترض أن يرعاه الوزير بصورةٍ أساسية لكونه بحسب المادة 66 من الدستور مناطاً به إدارة مصالح الدولة وتطبيق الأنظمة والقوانين، كل بما يتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته وبما خص به.
وتعني إدارة مصالح الدولة، أنه يقع على القيادة الإدارية لهذا المرفق، كما تعني عبارة تطبيق الأنظمة والقوانين أنه يسعى بقيادته أن لا يحيد عن القوانين النافذة أو يخالفها، ومن بين القوانين المرعية الإجراء التي يفترض بالورزاء حسن تطبيقها نجد المرسوم الاشتراعي رقم 111 تاريخ 1959/9/12 الذي جعل في مادته السابعة من المدير العام الجهة المسؤولة عن حسن تنفيذ القوانين والانظمة من قبل الموظفين التابعين له، وعن مراقبته المصالح العامة والمصالح المشتركة أو الخاصة الخاضعة لوصاية وزارته وعملاً بقاعدة المسؤولية، وتماشياً معها، فقد نصّت الفقرة الثالثة من هذه المادة على ان يؤشر المدير العام على مشاريع المراسيم والقرارات وجميع المعاملات التي تعرض على الوزير، أو يبدي مطالعته الخطية بشأنها وتربط المطالعة الخطية بالمعاملة وتحال معها الى المراجع المختصة.
إن هذه المادة ترسم علاقة الوزير بالمدير العام، فالأخير هو المرآة التي يطل من خلالها الوزير على أعمال الوزارة من خلال اقتران كافة المعاملات المحالة إليه بمطالعة أو تأشير المدير العام، كما وأن المدير هو أداة تنفيذ المقررات التي يتخذها مجلس الوزراء أو الوزير لكونه المسؤول عن حسن تنفيذ القوانين والأنظمة. وبحسب هذا الترسيم القانوني الواضح للعلاقة بين الرجلين فإنه يفترض أن تكون العلاقة بينهما قائمة على أساس التعاون المطلق لتحقيق الصالح العام، لأنه بحال الخلاف بينهما فإن هذا الخلاف سينعكس على أداء المرفق العام وتتعطل معه مصالح المواطنين.
واقعاً، الصورة لم تكن يوماً بهذه المثالثة، فالعلاقة بينهم أخذت أحد الأشكال الآتية: إما علاقة تعاون وهي الصورة الفضلى للإدارة الرشيدة، وإما علاقة تصادم إما تنتهي بغلبة أحدهما كما حصل في وزارة الصناعة حيث انتهى الصدام بإحالة المدير العام أمام الهيئة العليا للتأديب بموجب مرسوم صدر بعد موافقة مجلس الوزراء، وإما علاقة مساكنة بحيث لا يتواصل الرجلان وإنما لا يصطدمان ولا يعيق أحدهما عمل الآخر لتمرير مرحلة الوزارة التي هي أقصر زمنياً من عمر الإدارة العامة، أو أخيراً هي علاقة تغوّل بحيث يسيطر الوزير على صلاحيات المدير أو العكس يهيمن المدير العام على الوزير ويدير الوزارة ويكون دور الوزير محدوداً بتوقيع المعاملات المرفوعة له دون أن يكون له أي هامش في التقدير.
إن جميع هذه الصور موجودة نماذجها في الإدارة اللبنانية، وإن كنا نفضّل صورة التعاون التي اسهب الأستاذ حسن عمرو في إظهارها وبيان أهميتها في حوكمة الإدارة العامة، مساهماً في بحثه في تسليط الضوء على حلقة مهمة في الإدارة اللبنانية لم توفَّ نصيبها من الدراسة والتحليل، فكانت الحبكة التي اختارها الباحث في تحليل هذا الموضوع متقنة ومبينة لكافة جوانب مسألة العلاقة في الإدارة اللبنانية بين الجهات القيادية العليا.
وإذ ننوه بهذا العمل الذي أدّاه الباحث، نتمنى له التوفيق والمزيد من العطاءات.
* أستاذ القانون الإداري والدستوري في الجامعة اللبنانية. وقد كتب هذه المقدّمة لكتاب الباحث القانوني حسن فواز عمرو الصادر حديثًا بعنوان: “الوزير.. علاقته بالمدير العام والمستشارين”، والذي يوقّعه مؤلّفه في حفل يقام في قاعة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي الكائن في بيروت – كورنيش النهر، وذلك في تمام الساعة الرابعة من يوم الخميس الواقع فيه 27 تموز 2023.
“محكمة” – الإثنين في 2023/7/24