الوضع القانوني للأقساط المدرسية في ظلّ وباء “COVID-19″/وائل شعيب
المحامي الدكتور وائل علي شعيب:
لقد انتهى العام الدراسي 2018-2019 وفق المجرى الطبيعي للأمور بالرغم من الوضع الاقتصادي الصعب الذي بدأت تشهده البلاد، واستلم الأهالي الجزء الأوّل من القسط المدرسي المتوجّب دفعه للفصل الأوّل من العام 2019-2020 عند بداية العطلة الصيفية.
بدأ العام الدراسي لهذه السنة كما جرت العادة في بداية شهر أيلول من العام 2019 وكان معظم الأهالي قد قاموا مسبقاً بتسديد الجزء الأوّل من القسط المتوجّب عن الفصل الأوّل، وسارت الأمور بشكل طبيعي حتّى تاريخ 17/10/2019 تاريخ بدء الحركة الشعبية المطلبية في لبنان ممّا أدّى إلى إقفال المدارس، وبقي التلاميذ في المنازل لحوالي الشهر تقريباً ما أدّى إلى خسارتهم هذه المدّة الدراسية من الفصل الأوّل المدفوع سلفا!
بدأ الفصل الثاني من العام الدراسي 2019-2020 في بداية شهر كانون الثاني من العام 2020 وكان من المفترض أن يستمرّ حتّى الثامن من شهر نيسان من العام ذاته، تاريخ بدء عطلة عيد الفصح المجيد حيث، تمّ تسديد الجزء الثاني من القسط المتعلّق بالفصل المنوّه عنه أعلاه بكامله، بالإضافة إلى بدل النقل والطعام والقرطاسية (بالنسبة للمدارس التي تقدّم هذه الخدمات والتي لا تدخل في أساس القسط المدرسي السنوي) كما هو الحال في الجزء الأوّل من القسط المسدّد عن الفصل الأوّل.
إلاّ أنّ الأوضاع العامة في البلاد، كما في العالم أجمع نتيجة انتشار وباء الكورونا وما يعرف بـ “COVID-19” حال دون إكمال الفصل الثاني أيضاً حيث صدر قرار عن معالي وزير التربية والتعليم العالي قضى بتوقّف المدارس وتعطيلها ابتداء من تاريخ 28/2/2020 والتي لا تزال مقفلة حتّى تاريخ كتابة هذه الكلمات، ممّا أدّى إلى خسارة التلاميذ حوالي الشهر ونصف الشهر دراسة فعلية من الفصل الثاني المنوّه عنه أعلاه.
حتّى هذه المرحلة يكون أهل التلاميذ قد سدّدوا كامل قيمة الجزئين من القسط (بالإضافة إلى بدل النقل والطعام والقرطاسية عن العام 2019-2020 ) وبقي الجزء الثالث من القسط السنوي.
إنّ أبناءنا التلاميذ قد خسروا حقّهم بالحصول على التعليم خلال السنة الدراسية للعام 2019-2020 وذلك على النحو التالي:
– حوالي مدّة الشهر من الفصل الأوّل.
– حوالي الشهر ونصف الشهر من الفصل الثاني.
– فضلاً عن عدم استفادتهم من خدمة النقل والطعام (للمدارس التي تقدّم هذه الخدمات والتي لا تدخل في أساس القسط المدرسي) ولم يستخدموا أيّ أداة من الأدوات التي تقدّمها المدرسة من قرطاسية وخلافه، وهي موجبات ملقاة على عاتق المدرسة – الفريق الأوّل في العقد.
وبالرغم من كافة هذه الخسائر، قام أهالي التلاميذ – الفريق الثاني في عقد التعليم- على إنفاذ الموجب الملقى على عاتقهم من دفع وسداد كامل قيمة الجزئين الأوّل والثاني من القسط وقيمة بدل النقل والطعام والقرطاسية.
ومؤخّراً، قامت المدارس الخاصة بإرسال الجزء الثالث من القسط المدرسي للعام الدراسي 2019-2020، غير المؤكّد توجّبه واستحقاقه في ضوء أزمة وباء الكورونا التي حتّى تاريخ كتابة هذه السطور غير معروف وقت انتهائها أو توقّف العمل بإجراءاتها، دون أيّ حسم أو مراعاة للوضع وخاصة الوضع الاقتصادي الصعب التي تعاني منه البلاد في ضوء استيلاء المصارف على أموال المودعين تعسّفاً دون وجه حقّ ووصولاً إلى توقّف الحركة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان كما في كافة دول العالم.
وإنّ ما يثير الدهشة في هذا الإطار هو توجّه معظم المدارس إلى اعتماد تقنية التعليم عن بُعْد، معتبرة نفسها أنّها لا تزال تقوم بواجبها المفروض عليها وهو التعليم، إذ لم يثبت مدى فعالية هذه التقنية حتّى تاريخه كما ولم يتمّ التأسيس لها بشكل متطوّر ومنظّم بطريقة يستطيع فيها التلميذ متابعة التعليم والمنهج التعليمي المحدّد سلفاً للسنة الدراسية، وحتّى لم يستطع معظم التلاميذ الاستفادة منها بشكل متساو مع الآخرين. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ التلاميذ في صفوف الروضة والابتدائي، وهي صفوف تتطلّب عادة منهجاً وأسلوباً خاصاً بالتعليم، لم يستفيدوا أبداً من هذه التقنية بشكل يسمح لهم باكتساب المعرفة والعلم اللازمين لعمرهم.
إنّ موضوع الأقساط المدرسية في المدارس الخاصة غير المجانية يرعاه القانون رقم 1996/515 المعنون بـ “تنظيم الموازنة المدرسية ووضع أصول تحديد الأقساط المدرسية في المدارس الخاصة غير المجّانية وأحكام متفرّقة”، بحيث عرّفت المادة الأولى منه القسط المدرسي على أنّه “أ- (…) ما تفرضه المدرسة على التلميذ من مبالغ، أيّاً كانت تسميتها، عن سنة دراسية في مقابل ما تقدّمه له من تعليم ونشاطات تربوية وإلزامية وتأمين ضدّ الأخطار ورقابة طبّية (…)”.
كما أكّدت المادة الثانية من القانون 96/515 في بندها الثاني على أنّه “تتكوّن الإيرادات من مجموع الأقساط المدرسية الموازي لمجموع عناصر باب النفقات المحدّدة في أوّلاً من هذه المادة”.
وبما أنّه وفقاً للوقائع المسردة أعلاه، ونظراً للظروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد، فإنّ نفقات المدارس للعام الدراسي الحالي قد تدنّت بشكل كبير، في ضوء الإقفال الحاصل والمتكرّر لها، وبالتالي بات القسط المدرسي متجاوزاً للنفقات، الأمر الذي يخالف بشكل واضح المادة الثانية من القانون 1996/515 المذكورة أعلاه.
ومن جهة ثانية، إنّ عقد التعليم، الذي بموجبه يقوم أولياء الأمور بتسجيل أولادهم في المؤسّسة التربوية التي يختارونها بعد موافقة هذه الأخيرة على الطلب المقدّم، هو من العقود المتبادلة التي عرّفتها المادة 168 م.ع. بحيث إنّ كلّ فريق فيه ملزم تجاه الآخر بموجب ملقى على عاتقه؛ فالمدرسة أو من يمثّلها، ملقى على عاتقها موجب التعليم للتلميذ مقابل قيام أولياء الأمور بدفع القسط المدرسي وفقاً للمادة الأولى من القانون 96/515 المذكورة أعلاه. كما وأنّه من نوع العقود المتتابعة أيّ أنّ الموجب المفروض على كلّ من طرفيه يتمّ بعمل مستمرّ.
وبما أنّ التلاميذ حرموا جزئياً من حقّهم بالتعليم في الفصلين الأوّل والثاني من العام الدراسي الحالي، وغير مؤكّد مدى إمكانية استحصالهم على هذا الحقّ في الفصل الثالث، فيكون الموجب الملقى على المؤسّسات التربوية وفقاً للعقد التعليمي المشار إليه أعلاه والمتمثّل بالتعليم غير منفّذ من قبلها، إنْ بصورة أكيدة وجزئية بالنسبة لما ذكر للفصلين الأوّل والثاني، وإنْ بصورة غير مؤكّدة بالنسبة للفصل الثالث في ضوء انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع بالنظر لوباء الكورونا.
وإذا ما تمّ اعتبار أنّ مرض الكورونا والظروف التي أدّت إلى إقفال المؤسّسات التربوية في الفصل الأوّل من العام الدراسي الحالي هي بمثابة “القوّة القاهرة”، وبالتالي استناد المؤسّسات التربوية على هذه الحجّة لتبرير استحالة إنفاذ الموجب الملقى على عاتقها المتمثّل بالتعليم، فإنّه يعود لأهالي التلاميذ، وهم الفريق الثاني في العقد، بالمطالبة بإسقاط الموجب الملقى على عاتقهم أيضاً المتمثّل بدفع الأقساط، وذلك عملاً بأحكام المادة 243 موجبات وعقود التي نصّت على أنّه “إذا استحال تنفيذ موجب أو عدّة موجبات بدون سبب، من المديون، سقط ذلك الموجب أو تلك الموجبات بمجرّد الإستحالة وفاقاً لأحكام المادة 341 وإذا كان الأمر متعلّقاً بموجبات ناشئة عن عقد متبادل، فالموجبات المقابلة تسقط بسقوط ما يقابلها فيتمّ الأمر كما لو كان العقد منحلاً حتماً بدون واسطة القضاء، أو بعبارة أخرى إنّ المخاطر تلحق المديون بالشيء الذي أصبح مستحيلاً فيحمل الخسارة دون أن يستطيع الرجوع بوجه من الوجوه على معاقده(…)”.
لكلّ ما تقدّم أعلاه، ونتيجة لعدم قيام المدارس أو من يمثّلها بالموجبات المترتّبة على عاتقها عملاً بالعقد المتبادل في ما بينها وبين أولياء أمور التلاميذ، يكون من حقّ لجان الأهل وأولياء الامور المطالبة على أدنى تقدير:
1- بحسم قيمة شهر من الجزء الأوّل للقسط المدرسي العائد للفصل الأوّل، كما حسم قيمة شهر ونصف الشهر من الجزء الثاني للقسط المدرسي العائد للفصل الثاني.
2- حسم قيمة بدل النقل والطعام والقرطاسية عن الفترة عينها المذكورة في البند (1) أعلاه للأسباب المذكورة أعلاه.
3- إعتبار المبالغ المذكورة في البندين (1 و2) أعلاه بمثابة رصيد دائن لمصلحة أولياء الأمور عن أولادهم المسجّلين في المدارس تحسم قيمته من أيّ قسط مدرسي لاحق ومستقبلي مقابل استحصال التلاميذ على التعليم الفعلي المتعارف عليه والمفروض قانوناً في حرم المدرسة.
4- المطالبة بوقف استحقاق كامل قيمة الجزء الثالث من القسط السنوي للعام الدراسي الحالي 2019-2020 وذلك لحين معاودة التدريس الفعلي المتعارف عليه في الفصل المذكور ليبنى على الشيء مقتضاه، وإلاّ في حال عدم حصول هذا الأمر، إلغاء كامل القيمة المذكورة.
أخيراً، لا بدّ من أنّ نناشد ضمائر القيّمين على المؤسّسات التربوية للأخذ بعين الإعتبار الوضع الراهن إنْ على صعيد الأزمة المالية الحادة أو بالنسبة للوضع الاقتصادي للمواطن نتيجة وباء كورونا أو ما يعرف بـ ” COVID-19 “.
“محكمة” – الأربعاء في 2020/4/15