اليوم العالمي للأعمال الخيرية: “إذا كنت لا تستطيع إطعام مائة شخص فأطعم شخصاً واحداً فقط”/هانيا فقيه
بقلم الدكتورة هانيا محمد علي فقيه:
في الخامس من أيلول من العام ٢٠٢١، إجتمعت الهيئة العامة للأمم المتحدة، لتعلن أنّ هذا التاريخ قد أصبح يوماً عالمياً للأعمال الخيرية، ودعت جميع الدول الأعضاء فيها ووكالاتها والمنظّمات الدولية والإقليمية للإحتفال بهذا اليوم، كمناسبة لاستذكار دور الجمعيات الخيرية العاملة في مختلف المجالات، والتي تهدف إلى تقديم المساعدات المادية والمعنوية للفئات الأكثر حرماناً، والتشجيع على العمل الخيري عبر حث الأفراد والمنظمات غير الحكومية، وجميع الجهات الفاعلة في العالم، على مساعدة الآخرين من خلال الأنشطة التطوعية والخيرية.
ويمثّل هذا التاريخ الذكرى السنوية لوفاة القديسة الأم تيريزا(اسمها الحقيقي Agnès Gonxha Bojaxhiu)، وهي راهبة كاثوليكية ومبشّرة ولدت عام ١٩١٠، حائزة على جائزة نوبل للسلام عام ١٩٧٩، لعملها في مجال مكافحة الفقر والعوز الذي يهدّد السلام العالمي . وكانت الأم تيريزا قد كرّست حياتها للعمل الخيري، وخدمة الفقراء والمرضى والأيتام والمهمّشين، فأسّست في العام ١٩٥٠ جمعية “مرسلات المحبة” للأعمال الخيرية في كالكوتا – الهند. لاحقًا تم إعلان قداستها في الرابع من شهر أيلول من العام ٢٠١٦.
ويشكّل العمل الخيري، حلاً سريعاً وفعالاً، لتعزيز قدرة المجتمع على الصمود ومواجهة تحدّيات الأزمات الاقتصادية والنكبات والنزاعات والحروب والكوارث الطبيعية التي قد يتعرّض لها، والتخفيف من آثارها، ويساهم في تأمين الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية وحماية الأطفال والأشخاص المهمّشين والمحرومين، ويعزّز الثقافة والعلوم، والرياضة ويهدف أيضاً الى حماية التراث الثقافي والطبيعي.
والعمل الخيّر، هو صفة إنسانية لازمت البشرية عبر العصور وحثّت عليها الشرائع السماوية، إذ قال الله عزّ وجلّ في محكم كتابه الكريم، في سورة المؤمنون الآية ٦١ : “أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون”؛ كما جاء في الإنجيل المقدس، مبادئ وعهود ٣٧-٣٣:٦ : “لا تخافوا من فعل الخير يا أبنائي لأنّ ما تزرعونه تحصدونه أيضاً، ولذلك اذا زرعتم الخير، فإنكم ستحصدون خيراً لمكافأتكم”،؛ كما أنّ كافة الأعراف والعادات الإجتماعية تشدد على أهمية فعل الخير: وكما نعبر دائما: زيادة الخير خير.
ويكتنف عمل الخير في مضامينه قيم الشهامة والنبل والشجاعة والشعور مع الغير. وفي تعريف الإنسان، قيل إنّه الذي يتميّز بسمو خلقه ، وفي الحديث الشريف، قيل إنّ رجلاً جاء إلى رسول الله (ص) فسأله عن أيّ نوع من الناس أحبّ الى الله ، فأجابه: أحبّ الناس الى الله أنفعهم للناس.
تُمكّن الأعمال الخيرية إذن، من إقامة رابطة إجتماعية قوية وحقيقية ومتماسكة، فهي ترتكز على الصداقة والتضامن بين جميع الأمم، والتآخي، وعلى احترام القيم الأساسية للإنسانية، وعلى تعزيز حقوق الإنسان وكرامته، ولا سيّما حقّه في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحّة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الإجتماعية الضرورية، بالإضافة الى حقّه في ما يأمن به الغوائل أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه(المادة ٢٥ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في العاشر من شهر كانون الأول من العام ١٩٤٨) وحقّه في التعليم(المادة ٢٦ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان).
ومن المعلوم أنّه خلال الأزمات الإنسانية وما بعدها، تتدّخل جهات فاعلة غير حكومية، لتنفيذ هذه المبادئ الإنسانية، وتلبية مختلف حاجات الشعوب المعرّضة للخطر، وتلعب هذه الجهات دوراً فاعلاً في هذا المجال بالتنسيق مع الأمم المتحدة. إلا أنّها قد تواجه عقبات عدّة قد تقف حائلاً أمام أدائها مهامها ، ولا سيّما تلك المتعلّقة بالتمويل، وحجم الميزانية المخصّصة للأعمال الخيرية، بالإضافة إلى الأسباب السياسية والأمنية التي قد تمنعها من تلبية جميع حاجات المجتمع. من هنا كانت أهمية دعم المجتمعين المحلي والدولي لمنظّمات العمل الخيري سواء بالتبرّعات المالية أو عبر التطوع وتقديم العمل والوقت والجهد وحسن التصرف، لإنجاح أهدافها الحقيقية.
وبالفعل، شكّل العمل الخيري في المنظمات غير الحكومية، إنْ كان عبر تحويلات المغتربين، أو الأيادي البيضاء من مختلف أرجاء العالم- التي تتهافت على مدّ يد العون إلى الفقراء والمحرومين والى كلّ شخص معرّض للخطر، عير إمداده بالمال والغذاء والدواء، أو بالتعليم أو بتقديم المنح الدراسية، أو بإنشاء مشاريع خدماتية حيوية لتأمين حاجات المجتمع الجوهرية، كالتبرّع بتكلفة إنشاء مشاريع الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء واستخراج المياه أو إنشاء مشاريع لتكرير المياه وشبكات الصرف الصحّي وغيرها من الأعمال الخيّرة والإنسانية- بارقة أمل لأناس وأطفال لم يحلموا بأكثر من حياة تشبه الحياة!
في الختام، لا بدّ من كلمة شكر وتقدير لأهل الخير والعطاء سواء أكانوا متبرّعين أم متطوّعين في العمل الخيري، لما له من أثر كبير في خدمة المجتمع، وفي خدمة الذات على حدّ سواء، ذلك أنّ شعور الطمأنينة والفرح والراحة النفسية ، لا يشعر به، الا من ساهم بإدخال السرور على قلب محتاج، وأزال الضيق والكرب عن روح محرومة.
ونختم كما بدأنا بقول للأم تيريزا : علينا جميعاً أن نعطي، وأن نكون سبباً لسعادة غيرنا، وأن نجمع بين الأغنياء والفقراء ليكونوا نقطة التقاء، مركزها فعل الخير، وكل عام وأنتم بألف خير.
“محكمة” – الثلاثاء في 2022/8/30