بالأرقام الرسمية.. جرائم القتل في لبنان في ازدياد/فريال الأسمر
كتبت المحامية فريال الأسمر
إنطوت سنة 2017 المليئة بالجرائم والمضرّجة بدماء الأبرياء، بعدما رست بورصتها السنوية على 137 جريمة قتل، وهو رقم مخيف بالنسبة لبلد صغير كلبنان.
وافتتحت سنة 2018 أيّامها بدفعة جديدة من جرائم القتل.
وأكّدت مصادر أمنية لـ”محكمة” أنّ سنة 2017 شهدت تزايداً ملحوظاً في عدد هذا النوع من الجرائم، فبعدما كان الرقم 118 جريمة في العام 2016، إرتفع 19 جريمة قتل بأشكال متعدّدة ولأسباب مختلفة، وفي غير منطقة لبنانية.
فمن منا لا يتذكّر الجريمة التي وقعت في بلدة قب الياس البقاعية. رصاصتان خرجتا من مسدّس إبن الثالثة والعشرين ربيعاً أحدثتا صاعقة في البلدة. دماء سالت لأسباب جدّ تافهة. وهل نسينا جريمة عائلة شور في 24 أيّار 2017، والتي خسرت ثلاثة من أبنائها في جريمة مروّعة إرتكبها الوالد بحقّ زوجته وابنته القاصر قبل أن يسدل الستارة بإفراغ رصاصة الإنتحار في نفسه؟
وجريمة مقتل الشاب روي حاموش، الإسم الذي لا يمكن أن ننساه، فقد دفع هذا الشاب في مقتبل العمر حياته ثمناً نتيجة السلاح المتفلّت والقتل المجّاني على طرقات لبنان بسبب حادث سير بسيط لا يعوّل عليه، علماً أنّ إشكالات كثيرة تحصل من جرّاء أفضلية المرور وبعضها يتطوّر إلى العراك واستخدام السلاح وهذا ما تشي به التقارير الأمنية وما يرد إلى النيابات العامة من محاضر رسمية.
ومن يستطيع أن ينسى جريمة مزيارة الشمالية حيث رحلت ريا الشدياق إبنة الـ 26 عاماً بعد جريمة بشعة بحقّها إرتكبت على يد الناطور السوري الجنسية الذي هو “إبن البيت”، وكان يعيش من نعيم أهل هذا البيت.
وانتهى العام 2017 بجريمة قتل الموظّفة في السفارة البريطانية في بيروت ريبيكا دايكس على يد سائق تاكسي يدعى طارق ح. الذي رماها جثّة على أوتوستراد المتن السريع وهرب قبل أن يلقى القبض عليه.
ولا يمكن للبنانيين أن يغفلوا مسلسل مقتل العديد من النساء على يد أزواجهنّ بسبب خلافات عائلية يمكن أن تنتهي بشكل آخر بالطلاق مثلاً وليس بإزهاق الروح وإراقة الدماء، وغيرها من الجرائم المتواصلة التي تقشعّر لها الأبدان، في ظاهرة رعب جعلت المجتمع برمّته يشعر بعدم وجود أيّ رادع يخفّف من وطأة هذه الجرائم أو يمنع وقوعها، فهل يعقل أن يصبح حلّ الأمور لا يتمّ إلاّ بالقتل ثمّ “إعلان” الندم في بعض الحالات بعد فوات الأوان؟
وأطلّ العام 2018، بجريمة حصلت في السادس من كانون الثاني منه، وذهبت ضحيتها الفلسطينية ظريفة زيدان(مواليد العام 1995) على يد زوجها اللبناني ف.ع.(مواليد العام 1984) الذي لم يتوان عن ذبحها وطعنها بسكّين ثمّ دفنها على شاطىء الرميلة إلى أن اكتشف أمره سريعاً فأوقف ومثّل جريمته كما يتبدّى من الصورة المنشورة على الصفحة الأولى.
ولا شكّ أنّ تزايد جرائم القتل يثير موجةً من التساؤلات حول الأسباب التي أدّت إلى تكاثرها بهذا الشكل العمودي، وهذا ما أدّى إلى إعلاء الصوت والمطالبة بتنفيذ عقوبة الإعدام بحقّ المرتكبين والجناة لكي يكونوا عبرة لمن يعتبر، وعدم الإكتفاء بهذه العقوبة في متن الأحكام، وهذا ما لاح مراراً ومع كلّ جريمة على مواقع التواصل الإجتماعي”الفايسبوك” حيث نشطت المنشورات الداعية إلى تفعيل عقوبة الإعدام كونها تمثّل برأيهم رادعاً يخفّف من جرائم القتل إنْ لم يمنع حصولها سواء في لحظة غفلة أو عن سابق إصرار وترصّد.
وحصلت“محكمة” من شعبة العلاقات العامة في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي على جدول رسمي يظهر أرقام جرائم القتل وكيفية توزّعها مناطقياً، إذ لم تسلم محافظة منها، وذلك في الفترة الزمنية الواقعة بين 2011/1/1 و 2016/12/31.
وبحسب هذا الجدول، يتبيّن أنّ عدد جرائم القتل في ازدياد، فوصلت الذروة في العام 2014 إلى 171 جريمة، وهو الأعلى في آخر سبع سنوات، يليه العام 2015، فالعام 2017، كما يلاحظ أنّ النسب تختلف من منطقة إلى أخرى، إذ إنّ النسبة الأكبر تقع في البقاع وجبل لبنان، ثمّ الشمال والجنوب وبيروت التي تحوز النسبة الأقلّ.
والسؤال الرئيسي ماهي الأسباب التي أدّت إلى ازدياد نسبة الجرائم في لبنان؟
إنّ تفشّي تجارة المخدّرات وتعاطيها هو أحد أبرز أسباب ازدياد حالات جرائم القتل في لبنان، وخاصة انتشارها لدى جيل الشباب، بالإضافة إلى السلاح المتفلّت، والتراخي الأمني في بعض الفترات، وعدم تطبيق الإعدام كوسيله عقاب رادع، وعدم التوعية، ومحاربة الفساد سواء من قبل الدولة، والأهل، والمدارس، والأزمة السورية وانعكاستها السلبية على لبنان على شتّى الصعد، وكثرة أعداد النازحين السوريين ووجودهم في كلّ القرى والمناطق اللبنانية وبطريقة غير مدروسة تجعلهم “قنبلة موقوتة” في لحظة ما، لاسيّما وأنّ هناك جرائم كثيرة اقترفها نازحون سوريون.(نشرت”محكمة” تحقيقاً واسعاً في العدد السادس الصادر في نيسان 2016 بعنوان:” النزوح السوري يخنق المحاكم.. الجرائم تتكاثر والسلطة “تتفرّج”).
ولا يمكن أن نطرح جانباً سلسلة أخرى من أسباب جرائم القتل في لبنان ومنها على سبيل المثال، الفقر والعوز، والشحن الطائفي والسياسي، وما يحصل حولنا من حروب ودمار.
واللافت للنظر أنّ هناك تفنّناً في طرائق اقتراف الجرائم، إذ اختلفت الأساليب بين ذبح وحرق وتعذيب وإطلاق نار وتتويج العملية بالإنتحار في بعض الأحيان كتسليم نهائي بعدم القدرة على تغيير ما حصل أو منعه قبل وقوعه. كما أنّ هناك جرائم تدلّ على انهيار الرابطة الأسرية وانحلال واضح للرادع الديني والأخلاقي وتفوّق الأسباب التافهة على الأسباب القديمة لجرائم القتل وفي مقدّمتها الشرف والثأر كما كان يحدث في الماضي القريب.
ولم يتأخّر المشرّع اللبناني في تحديد عقوبة الإعدام كجزاء في القانون اللبناني لمن يقدم على القتل قصداً إذا ارتكب في حالات حدّدها نصّ المادة 549 عقوبات، فأحكام الإعدام ما زالت تصدر بوتيرة عالية، ولكن دون تنفيذ، ولا يوجد إلغاء لهذه العقوبة القاسية، ولا تنفيذ لها في آن معاً كأنّها معلّقة صورياً.
وتختلف نظرة الرأي العام باختلاف طبقاته وشرائحه وأهله، إلى عقوبة الإعدام، فهناك من يعتبر أنّها لا تشكّل رادعاً لخفض معدّل جرائم القتل، فيما آخرون يرون فيها الوسيلة الوحيدة للإقتصاص من المجرم.
وأخيراً، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ السجون غير صالحة لتأهيل السجناء، بل لا تراعى فيها أدنى حقوق الإنسان، وثمّة حالات عن خروج السجناء بعد تمضية محكوميتهم وفي نيّتهم ارتكاب جرائم مماثلة أو أفظع، فيما هناك من يندم على فعلته ولكن بعدما يكون قد خسر عمره خلف القضبان.
وعليه، فالعمل المتكامل هو من يؤدّي إلى الحدّ من جرائم القتل، أيّ تعاون الدولة، والأهل، والمدراس، وغيرها، وإلاّ فإنّنا سنكون أمام ارتفاع في وتيرة هذا النوع من الجرائم التي لا يعوّض الإنسان فيها سواء أكان هو القاتل أو الضحيّة.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 27 – آذار 2018- السنة الثالثة).
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.