بعد تهاون الدولة و”القضاء الواقف”: “الثأر بديلاً” لإعدام الشهيد حميّة
كتب علي الموسوي:
لو أنّ الدولة تحمّلت مسؤوليتها بالكامل في قضيّة اختطاف الإرهاب التكفيري المتمثّل بتنظيم”داعش” و”جبهة النصرة” العسكريين من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، وسعت إلى تحريرهم فوراً في أرض المعركة في قلب بلدة عرسال، دون النظر إلى اعتبارات غير منطقية وحسابات سياسية لا ترحم، لما أقدم معروف حمية على الثأر لنجله الشهيد محمّد حمية الذي أعدمته “النصرة” في 20 أيلول 2014.
ولو أنّ بعض السياسيين في لبنان وتحديداً أهل السلطة منهم، لم يؤمّنوا الحماية السياسية “بفذلكة” غير قانونية وغير شرعية وتتعارض ومفهوم الدولة الحقيقية، للمدعو مصطفى الحجيري الشهير بـ”أبي طاقية”، لما فكّر معروف حميّة بالإنتقام لنجله من تلقاء نفسه، وترك الأمر للقضاء وللدولة أن تأخذ حقّه وحقّهما وحقّ جميع اللبنانيين بالقانون تحت قوس العدالة.
ولو أنّ القضاء العسكري وتحديداً النيابة العامة، وأحد قضاة التحقيق، تعاطى بحسّ المسؤولية مع رئيس بلدية عرسال السابق علي الحجيري المكنّى بـ “أبي عجينة” ومع “أبي طاقية” وحاشيتهما الفضفاضة والأكبر من حجمهما في بلدة عرسال نفسها، عند التحقيق معهم أو مثولهم أمامه، لما تجرأ معروف حمية على قتل حسين محمّد الحجيري بدم بارد وإلقاء جثّته فوق ضريح إبنه الشهيد في بلدته طاريا البعلبكية، إيذاناً بافتتاح موسم العودة إلى الثأر بشكله البغيض وتداعياته الخطرة على الوطن برمّته.
فكيف يراد من حمية أن يركن إلى منطق العدالة المتهرّبة من إحقاق الحقّ، وأن يلجأ إلى “قضاء الملاحقة” الخاضع بحكم التجربة والعقلية السلطوية اللبنانية، لأهل السياسة دون وجه حقّ ودون فصل في السلطات، ممّا أفقده صوابه برؤية دم ابنه يهدر أمامه مرّتين، الأولى على يد الإرهابيين، والثانية على يد الحماية السياسية لمجرمين لا توجد رأفة في قلوبهم المتحجّرة؟.
لا يزال اللبنانيون يذكرون كيف تصرّف القضاء العسكري عند مثول علي الحجيري أمامه في العام 2013، بداعي أنّه “شاهد” في قضيّة قتل الشهيد النقيب بيار بشعلاني ورفيقه المعاون أوّل إبراهيم زهرمان، وبعدما استمع إليه وتركه ينصرف عائداً إلى مسقط رأسه وما لديها من حصانة سياسية مشفوعة بطائفية مقيتة مارسها بعض السياسيين، إستيقظ الوعي القضائي بأنّ العدالة تقتضي أن يكون هذا الحجيري مدعى عليه، فتمّ الادعاء عليه في مشهدية لا يمكن أن تمرّ على عاقل، بينما الواجب كان يفترض الادعاء عليه فوراً وتوقيفه مباشرة، وعدم السماح له بالفرار من وجه العدالة والتواري عن الأنظار بهذا الشكل المعيب قانوناً.
لم يكن المخْرج القضائي موفّقاً في وضع لمساته على “تهريب” الحجيري من وجه العدالة، فكيف تريدون من معروف حمية أن يرى هذا الوضع المأساوي لئلاّ نقول كلاماً آخر، ويستكين لهدر دم نجله على يد السلطة السياسية وهكذا “قضاء واقف” بالإسم فقط؟.
صحيح أنّ “القضاء الواقف” تابع للسلطة السياسية ويأتمر بإشارتها حفاظاً على “مصلحة الدولة العليا”، ولكن هل السماح للحجيري بالفرار، هو من مقتضيات مصلحة الدولة العليا؟. أليست العدالة الوطنية أرقى وأهمّ من هذه المصلحة الشخصية والطائفية لطرف سياسي أراد أن يختصر لبنان كلّه بتأمين الحصانة لمجرم شارك بطريقة ما في تنفيذ جريمة قتل الشهيدين بشعلاني وزهرمان، ثمّ عاد وشارك في إطالة أمد اعتقال العسكريين وربّما في تسهيل اختطافهم وإعدام بعضهم؟.
ومتّى يتمّ التعاطي بجدّيّة أكبر في حالات مماثلة “بتهريب” المجرم ثمّ الادعاء عليه واتهامه لاحقاً بجناية، فمن تقوم عليه الشبهة في جريمة كبرى، يجب أن يُوقف للتحقيق معه، وفي ضوء المعلومات والمعطيات والاستجواب يُبنى الموقف القضائي السليم، فإذا لم تكن له أيّة علاقة، يترك حرّاً، وإذا كان مذنباً، فيجب إعمال مذكّرة التوقيف الوجاهية بحقّه فوراً ومن دون تردّد.
ليس من حقّ معروف حمية أن يلجأ إلى الاقتصاص من قتلة إبنه أو المساهمين أو المحرّضين أو المتدخّلين، أو المشاركين في استباحة شبابه الوردي بدم بارد، وهو مخطئ في ما ذهب إليه، وما توسّله من طريقة عشائرية كريهة نهت عنها الأديان السماوية والفكر الإنساني الحرّ والعقلاني، ولكنّه لم يستطع تهدئة غليان العاطفة الأبوية في نفسه، لذلك لجأ إلى سلوك بات مسؤولاً عنه أمام القضاء أيضاً، فالقتل لا يبادل بالقتل، وإنّما بالمعالجة القضائية الحكيمة بعيداً عن مسلسل التساهل والتسويف.
فقد أقدم معروف حمية، والد الشهيد محمّد حمية، في 24 أيّار 2016، على قتل الشاب حسين محمّد الحجيري(18 عاماً) إبن شقيق “أبو طاقية” تحت عنوان الثأر، متوعّداً بالانتقام أيضاً من “أبي عجينة” و”أبي طاقية” وشقيقه المختار “أبي علي العصفور” الذين يتهمهم بالضلوع في إعدام إبنه في وضح نهار مشمس وعلى مرأى من عجز الدولة، وعلى مرأى من الرأي العام الذي لا يحرّك ساكناً إلاّ للسير في مواكب الانتخابات النيابية والبلدية.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 8 – حزيران 2016).