بعلبك – الهرمل وعكّار والشرخ القضائي!/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
أفرزت التشكيلات القضائية تحت مسمّيات طائفية، محاكم ومراكز مستحدثة في مناطق لا تحتاجها، أو بالأحرى تعيش تخْمة وجودها، وحُرمت في المقابل، مناطق من قضاة في كلّ المواقع لانتشال الفراغ القضائي المستشري هناك، وبين هاتين الحالتين، العدالةُ تتأخّر ولا تحقّق المرتجى منها.
إنّ من يتحمّل مسؤولية هذا الفرز هم المعنيون في القضاء في الدرجة الأولى، لأنّه بمقدورهم أن ينفّذوا القانون، وأن يعدّلوا، وأن يفعلوا، وأن يفعّلوا، وأن يصوّبوا، وألاّ يكتفوا بالتفرّج، فالمهمّ توافر النيّات والإرادة والرغبة، وهذا هو ثلاثي الحياة والنجاح.
فمن يستطيع أن يضيف محكمة في بيروت وجبل لبنان وطرابلس والجنوب والنبطية وزحلة، يمكنه أن يفعلها وينشىء محاكم مماثلة وشبيهة بها في بعلبك – الهرمل وعكّار. يمكنه أن يخرق صمت الإهمال بشحطة مسؤولية ورغبة في إحداث تغيير يُشعر المواطنين اللبنانيين القاطنين في الملحقات والأرياف وخارج حدود الإهتمام بأنّهم سواسية مع أبناء وطنهم الساكنين في بيروت وجبل لبنان، أصليين كانوا، أم نازحين أم “جلباً”؟. التعتير ليس سمة وطنية، وليس من جوهر العدالة، التمييز بين هذا وذاك.
أغلبية قضاة لبنان يصوّبون على بيروت وبعبدا في الدرجة الأولى، وتليها جديدة المتن. يريدون مراكزهم فيها، بينما بقيّة المناطق فهي خارج الإهتمام، خارج دائرة الضوء، يراد لها البقاء في العتمة، تماماً مثل تعاطي الدولة مع هذه المحافظات، فمتى ينتهي هذا الدلع اللاقانوني والمتعارض مع مفهوم العدالة الحقيقية؟ ومتى تتحقّق المساواة مناطقياً وبين الناس؟.
ليس مجبراً مجلس القضاء الأعلى أن يقف على خاطر القضاة ويسألهم أيّ مركز تريدون. عليه أن يوزّعهم مداورةً، هنا وهناك وهنالك، ومن يرفض فليستقل، وأقلّه فليقتنع بأنّ القضاء ليس وظيفة وبأنّ وجوده في المحكمة ليس مجرّد عمل مأجور غايته راتب آخر الشهر، وإنّما رسالة حكمة، ومن يحبّذ الإستنكاف عن إحقاق الحقّ، فهذا دليل على رغبة جامحة لديه في الإحتكام إلى البطالة، ولا بطالة في معرض القانون وتحقيق العدالة.
لماذا تولد المحاكم في بيروت وبعبدا وجديدة المتن بسهولة تامة، وهي في الأساس تعاني “تخمة برجوازية” لا أساس لها في القانون، ولا تعترف العدالة بها؟.
لماذا لا ينظر إلى بعلبك – الهرمل وعكّار بالمنظار نفسه؟
بُعْد المسافة كذْبة كبيرة. من يريد أن يعمل وأن تعمّ العدالة أرجاء وطنه، لا يرفض تحمّل مشقة السفر علماً أنّه يمكن التعويض عليه بتوفير تسهيلات وتقديمات وخدمات أخرى له. إذا كان المنصب مدعياً عاماً أو قاضياً أوّل للتحقيق، أو رئاسة محكمة، يدخل الأمر قيد الدرس، وسرعان ما يمنح جنسية الموافقة. أمّا قاضي منفرد ومستشار فأعوذ بالله! تحويل العدالة إلى هرطقة، جرم يعاقب عليه الوطن وناسه.
وما دام التفكير بهذه الطريقة اللاعادلة، فلماذا لا يجري إلغاء كلّ قصور العدل والمحاكم في المحافظات، ولتُحْصر العدالة ببيروت وبعبدا وهما بالمناسبة، يحتاجان إلى قصري عدل يليقان بالعدالة الحقّة؟.
بات لزاماً تكريس نيابة عامة وقضاة تحقيق في جديدة المتن.
وبات ضرورياً فصل كسروان وجبيل عن بعبدا وتخصيصها بنيابة عامة وقضاة تحقيق ومحاكم بداية واستئناف وقضاة منفردين.
وبات واجباً وطنياً أن تحظى بعلبك – الهرمل بنيابة عامة وقضاة تحقيق خاصين بها وألاّ تبقى مُلحقة بزحلة، وأن يصبح لديها محاكم بداية واستئناف وقضاة منفردون أسوة بغيرها من المناطق. عدد سكّانها يفوق القاطنين في زحلة وقضائها والبقاع الغربي وراشيا مجتمعين. وإلزام المواطن بدفع ثمن تحقيق العدالة ليس عدلاً على الإطلاق. والمواطن في أقاصي الهرمل ليس مضطرّاً أن يمضي يومه في التنقّل من أجل تقديم دعوى أو مواكبة ملفّه في قصر عدل زحلة. إبن الهرمل وقراها يحتاج إلى ساعة ونصف الساعة لكي يصل إلى قصر عدل زحلة، بينما إبن زحلة “بينطّ بيجي بقلب هذا” القصر المحتاج إلى عناية شديدة في البناء والملفّات، فأين هي المساواة؟.
وبات أكثر من مُلحّ أن يكون لعكّار نيابة عامة وقضاة تحقيق ومحاكم بداية واستئناف وقضاة منفردون، وأن تفصل عن طرابلس. من حقّ المواطن العكّاري أن يشعر هو أيضاً، بوجود العدالة الفعلية على أرضه.
يوجد قضاة كثر من هذه المناطق. من كسروان وجبيل وبعلبك والهرمل وعكّار، فلماذا لا يبادرون إلى وضع أنفسهم بتصرّف إنماء مناطقهم عدلياً؟. وما دام مجلس القضاء الأعلى طرّز تشكيلات طائفية ومناطقية ووضع قضاة في مناطقهم، فلماذا تغاضى عن تزويد بلاد الحرمان في بعلبك – الهرمل وعكّار بقضاة من أبنائهم؟!.
لم يعد مقبولاً في القرن الواحد والعشرين إبقاء مناطق لبنانية منكوبة قضائياً!.
العالم قرية صغيرة. نعم، ولكنْ إعلامياً، وبفضل سواعد وسائل التواصل والإتصالات، بينما العدالة القضائية في لبنان لا تزال تزحف ببطء شديد، فمتى تصل إلى بعلبك – الهرمل وعكّار؟.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 23- تشرين الثاني 2017- السنة الثانية)