مقالات

بيـن الدعم الغبي والدعم المتفلّت/يوسف لحود

المحامي يوسف لحود:
الدول لا تقوم بـدون تخطيـط ورسـم إسـتراتيجيّات بعيدة المـدى، وإذا قامـت فـلا تستمرّ ولا تتطوّر.
والتخطيط يعني أيضًا التنسيق بين السلطات في الدولة، وأقلّه التنسيق بين المراجع في السلطة الواحدة، وهذا ما يلمس اللبناني فقدانه تماماً بيـن الوزارات المعنية بالشؤون الإجرائية.
وإنّ مسألة الدعم هي خير مثال على ذلك، فالتخبّـط الذي تعاني منـه السلطة التنفيذيـة لهـذه الناحية (كما للعديـد مـن النواحي الهامّـة الأخرى)، إنّما يـدلّ على تآكل فـي هيبة الدولة وصولًا إلى تفسّخها وانحلالها،
ولن ندخل في مظاهر الإنحلال المخيفة التي بدت نافرة في الأيّـام الأخيرة وطاولت السـلطة القضائية، وهي الأخيـرة التي نعوّل عليها لتكون الوسـيلة المتبقية والناجعة لاستعادة دولة القانون.
فالدعم الغبي الممارس حتّى الآن لا يفيد الفقير المحتاج إلّا بالنزر اليسير ، إذ إنّ غالبيـة مردود هذا الدعم الغبي يصبّ خـارج لبنان أو في مصلحة الميسورين..(وهذا أمر واضح دونما حاجة لتناوله بالتفصيل).
ورغـم أنّ أموال الناس الخاصة كما المال العام، تتطايـر وتندثر أمام أعين المسؤولين، فـإنّ أيّ اندفاع أو مسارعة لإنهاء الدعم الغبي لم يبرز بعد إلى حيّز التنفيذ.
وثمّة فكرة مقابلة مطروحة لتحلّ مكـان الدعم الغبي، أيّ البطاقة التموينيّـة أو الدعم المادي المباشر للأسر المحتاجـة وهـي فكرة أفضـل بالطبع من الدعم الغبي، لأنّها تحصر صرف الأموال بالمحتاجين (هـذا في مـا لو سـلّمنا جدلًا أنّ المحسوبيات والفساد لـن يتدخّلا في تنظيم لوائح الأسر المحتاجة، إذ حتّى لو حصل ذلك فـإنّ الدعـم يبقى داخل الدائـرة الإقتصادية الداخلية، ولن يطاول الأثرياء بالطبع)،
ولكن ثمّة فكرة ثالثة نودّ طرحها علّها تجد سبيلًا للمفاضلة أو للتكامل مع البطاقة التموينيّة.
وترتكز الفكرة البديلة، على كون الدولة اللبنانية ومؤسّساتها، بما فيها سلطاتها الثلاث، بحاجة لأعمال عديـدة منهــا: الأرشفة، الإصلاحات في الأبنية، إزالة النفايات وإتلافها من الأحراج والطرقات، الحراسة الليليـة، الدعم للقوى العسكرية والأمنيـة، شراء مولّدات كهرباء وتشـغيلها مناطقيـًا، وسوى ذلك..
فبدلًا من صرف الأموال مجّانًا، فإنـّه يجب بادىء ذي بدء دراسة وتحديد المبالغ التي يمكن للدولة تخصيصها للدعم (وهي حسب الدعم الغبي تبلغ مليارات الدولارات سنويًا) ، واقتطاع جزء صغير منها للمعوزين المسنّين، ثمّ تحديد مجالات الاختصاص وهي لا تتطلّب اختصاصات جامعيّـة، وحتّى لو تطلّبت ذلك فالكثير من المتخرّجين يعانون من البطالة وتنظيـم تسديد المبالغ المتبقية للدعم مقابل العمل المنتـج والمفيد،
فبعد تحديد الأعمال المطلوبة للدولة: البلديات، المحاكم، أيّ مؤسّسة أو وزارة … يُفتـح المجال أمام اليد العاملة المحليّة لقاء أجور على ألّا تكون خاضعة لأيّ تعويض وغيـر معتبرة كعمل مستمرّ وثابت (بموجب قانون أو مرسوم …)،
كما يمكن للعمل أن يكون جزئيًا وليس كاملًا، أيّ يمكن للعامل أن يبقى في عمله الأصلي في ما لو كـان يعمل (مع الأفضلية للعاطلين عن العمل)، ويسـتفيد من العمل الإضافي،
ويكون ما قبضه من رصيد الدعم المخصّص سنويًا لقاء أعمال تستفيد الدولة منهـا: البلديات وقصور العدل والمؤسّسات الرسمية وسـواها.
وتقتصد حينها موفـّرة أيّ ميزانيات مخصّصة لأعمال لها تنفّذها بواسطة اليد العاملة الأجنبيّة.
وهكذا لا يكون الدعم غبيًا، ولا يكون مجانيًّا، بل لقاء عمل منتج يسـتفيد منه الفرقاء جميعًا بما يشكّل منفعـة للدولة، كما منفعة للمحتاج الذي يعمل بكرامته ولا يكون من عـداد المسـتعطين.
وإنّ الأفكـار متعـدّدة في ما لو كـان ثمـّة مسؤول ينوي إيجاد مخـارج للأزمة المالية والاقتصادية التـي يتخبّط فيها لبـنان، ولكنّ الأزمة هي في رؤوس لا تجيد سوى التناحر ولا تفقه المصلحة العليا ولا وقت لها للتفكير بل للتدمير.
فعسى الرؤوس الحامية تبرد قليلًا ويتحوّل البخار المنبعث منها، إلى أفكار إيجابية منتجة.
“محكمة” – الأربعاء في 2021/4/21

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!