تأثير الأحداث في غزة على حقل قانا في المياه اللبنانية!/ كنده عبد الساتر
الدكتورة كنده جمال عبد الساتر:
ها هي هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان تخرج عن صمتها حيال نتائج الاستكشاف في البلوك رقم 9 بعد أيام من الحديث عن توقف الحفر في هذا البلوك، علماً أن التقرير الصادر عن هذه الهيئة يتشابه مع التنبؤات حول إمكانية اندلاع الحرب في لبنان (لا أبيض ولا أسود وإنما التنبؤ متروك رهن التطورات في المنطقة)، بل وأكثر من ذلك يحتاج هذا التقرير إلى قراءة ما كتب بين السطور حتى يتمكن الخبراء في قطاع البترول من معرفة ما إذا كان هذا البلوك يحتوي على مكامن من النفط أو الغاز أم لا (هذا وإن تمكنوا من ذلك!).
فما أبرز ما تضمنه هذا التقرير؟ وهل لتوقيت صدوره علاقة بالأحداث الجارية على الأراضي الفلسطينية أو تلك الدائرة على الحدود اللبنانية-الفلسطينية؟
منحت شركة توتال رخصة لاستثمار البترول في البلوك رقم 9 منذ العام 2018، غير أن أسباب أمنية وسياسية حالت دون البدء بأعمال الاستكشاف في هذا البلوك على خلاف ما حصل في البلوك رقم 4، لكن وعلى الرغم من ذلك لم تتنازل الشركة عن هذا البلوك وإنما انتظرت الوقت المناسب للبدء بأعمال الاستكشاف.
تزامن هذا الوقت مع الانتهاء من المسار المعقد للمفاوضات غير المباشرة بين الدولة اللبنانية والكيان الاسرائيلي حول ترسيم الحدود البحرية، إذ تم الإتفاق في تشرين الأول 2022 على متابعة الكيان الإسرائيلي استثمار حقل كاريش في مقابل منح لبنان الحق باستثمار كامل حقل قانا في البلوك 9 اللبناني والذي يتجاوز الخطوط اللبنانية، فحقل قانا تابع بأكمله للبنان وله الحقوق الحصرية في تطويره والاستفادة منه، غير أنه وتبعاً لوقوع أجزاء منه في المياه الفلسطينية، تقوم شركة توتال الفرنسية بصفتها المشغلة في هذا البلوك بالاتفاق مع الكيان الصهيوني لتعويضه عن حصته من أرباح الشركة الخاصة وليس من أرباح لبنان، يمكن القول إذاً أننا لسنا أمام ترسيم للحدود بالمعنى التقني والقانوني وإنما أمام اتفاق محدود النطاق بهدف تسيير أمور الطرفين.
فبعد هذا الاتفاق انطلقت أعمال الحفر (من قبل ائتلاف الشركات: توتال الفرنسية، إيني الإيطالية وشركة قطر للطاقة بقيادة شركة توتال باعتبارها الشركة المشغلة) في جو من التفاؤل والتأكيد المستمر على أن هذا البلوك يحتوي على كميات من الغاز، لتنتهي هذه الأعمال بالتزامن مع انطلاق معركة ” طوفان الأقصى ” من داخل قطاع غزة، وهذا ما أثر بدوره على نتائج هذا الحفر.
فبدأ الحديث عن أن حقل قانا لا يحتوي إلا على الماء ليصدر من بعدها تقرير عن هيئة إدارة قطاع البترول نهار الخميس الفائت يفيد بأنه : ” “بعد استكمال أنشطة حفر بئر الاستكشاف قانا 31/1 في موقع الحفر في الرقعة رقم ٩ في المياه البحرية اللبنانية من قبل المشغل شركة توتال انرجيز، وبعد استكمال جمع البيانات والعينات الناجمة عن أنشطة الحفر ليل الأحد – الاثنين الفائت، وبانتظار التقرير التقني المفصّل الذي تعدّه توتال، والتزاماً بمبادئ الشفافية التي دأبت الوزارة وهيئة إدارة قطاع البترول على اتباعها، يهمنا أن نبيّن ما يلي:
إن اختيار موقع البئر في حوض قانا غير المستكشف هدف الى الاجابة على سؤالين محوريين لمستقبل عمليات الاستكشاف في البحر اللبناني :
1- تأكيد أو نفي وجود مكامن (Reservoirs) ونوعيتها خاصة بالبحر اللبناني ، في طبقة جيولوجية لم يتم اكتشاف مكامن فيها في الحوض المشرقي بعد.
2- مدى تشابه وامتداد الطبقات الجيولوجية التي تم تسجيل اكتشافات غازية فيها في بحر فلسطين المحتلة بمثيلاتها في البحر اللبناني وتأكيد او نفي وجود مكامن غازية (Reservoirs) ونوعيتها.
لقد تمّ من خلال الحفر اختراق الطبقات المستهدفة وتأكيد وجود مكمن بنوعية جيدة يحتوي على الغاز في الطبقة الخاصة بلبنان التي اشرنا اليها اعلاه. إن اكتشاف هذا المكمن في حوض قانا يوجب إجراء دراسة موسعة لفهم أعمق يسمح برسم خارطة لهذا النوع من المكامن في حوض قانا وعلى امتداد البلوك 9 والبلوكات المحيطة بهدف تحديد أماكن المكامن التي يمكن أن تحتوي مواد هيدروكاربونية بكميات تجارية.
كما تم تأكيد امتداد الطبقات الجيولوجية التي سجلت فيها اكتشافات غازية في بحر فلسطين المحتلة إلى البحر اللبناني وتم تأكيد وجود مكامن (Reservoirs) بنوعية جيدة جدا والتي احتوت على آثار للغاز في الموقع الذي حفرت فيه البئر. سينصب الاهتمام في الأشهر المقبلة، على استعمال البيانات والعينات التي تم الاستحصال عليها من داخل البئر من اجل نمذجة ادق لحوض قانا بهدف تحديد الامتداد الجغرافي للمكامن المكتشفة داخله وفي المناطق المحيطة به ورفع نسبة النجاح لتحقيق اكتشافات غازية مستقبلا في حوض قانا والمناطق المحيطة والتي تمتد على عدة بلوكات بحرية.
بالرغم من عدم حصول اكتشاف لمواد هيدروكاربونية نتيجة لحفر هذا البئر، إلا أن البيانات والعينات التي تم الاستحصال عليها من داخل البئر ستشكل أملاً جديداً ومعطيات ايجابية لاستمرار عمليات الاستكشاف في البلوك 9 والبلوكات الأخرى وبالأخص تلك المحيطة ببلوك 9، كما أنها تعطي قوة دفع إضافية للإستكشاف في البحر اللبناني “.
تعليقاً على هذا التقرير يمكن القول بأنه وأمام واقع أن قطاع البترول قائم على احتمال الربح والخسارة، وأن نتائج أي استكشاف تبقى احتمالية لحين الانتهاء الفعلي من أعمال الحفر والدراسات المقترنة بها، غير أن تزامن هذه النتائج مع التطورات الأمنية في المنطقة وانحياز ودعم الدولة الفرنسية للأعمال الإرهابية وجرائم الحرب المرتكبة من قبل العدو الاسرائيلي يدفعنا إلى التساؤل حول مدى صحة هذه النتائج ومدى مصداقية التقارير الصادرة عن الشركة الفرنسية (علماً، أن الحفر توقف على عمق 3900 متر خلافاً للاتفاق الذي يقضي بأن يكون الحفر على عمق 4400).
بانتظار المزيد من التوضيحات من شركة توتال تبقى الفرضية الأقوى بأن استخراج الغاز اللبناني يستخدم كوسيلة ضغط لإنقاذ العدو، لذلك على الدولة اللبنانية عدم إهمال هذا الملف وحثّ شركة توتال على تقديم كافة المعلومات والتقارير المفصلة ذات الصلة بهذا الموضوع لإجراء رقابة قانونية وتقنية فعلية على عمل هذه الشركة.
“محكمة” – الجمعة في 2023/10/20