تأخير سداد مستحقات البلديات: إحتجاز أم إفلاس؟/جهاد اسماعيل
كتب جهاد اسماعيل:
لمّا كانت البلديات واتحاداتها من أشخاص القانون العام، ويُحتّم عليها، بصورة مبدئية، إكمال دور الدولة في تأمين الخدمات للمواطنين دون إبطاء، عملًا بمبدأ اللامركزية الإدارية، إلاّ أنّ الواقع الذي أرسته ضرورات البلاد، الصحيّة والإقتصادية والإجتماعية، فرض على البلديات واتحاداتها دورًا استثنائيًا يتجاوز النصوص والإمكانات على حدٍّ سواء، في ظلّ طغيان “الإهمال” الذي يطفو على سياسات الدولة ومؤسّساتها، في وقت يحتاج فيه الناس إلى حدٍّ أدنى من ” الخدمات” بهدف مواجهة أعباء ومتطلّبات الحياة التي لم تعد تُشبه مقوّمات المواطنين في شيء، ما أدّى إلى اتساع دائرة “الحاجة” لدور البلديات، كمرافق لصيقة بواقع الناس وهمومهم.
وبدلًا من أن تراعي الدولة المتغيّرات الراهنة، وتواكب عمل البلديات، من خلال تسديد المستحقّات العائدة لها عن عامي 2019 ، و2020، فإنّها تُمعن، بشكل كبير، في رهن المستحقّات، وتاليًا الخدمات، بقرار صادر عن وزارة المال التي قرّرت، رغمًا عن القانون والواقع، احتجاز جزء من عائدات البلديات واتحاداتها عن عام 2018، بعد صدور مرسوم في الجريدة الرسمية، في الأشهر القليلة الماضية، يرمي إلى تحويل كامل عائدات الصندوق البلدي المستقلّ، عن العام 2018، إلى حسابات البلديات واتحاداتها، فيما لم يتمّ، حتّى الساعة، تغذية هذه الحسابات إلاّ نصف المستحقّات عن العام 2018، وفي ذلك مخالفة صارخة للأحكام القانونية المرعية الإجراء!
فالمرسوم، لا سيّما التنظيمي، في الأصل، هو عمل إداري بطبيعته، حيث يمكن أن يعرّف بأنّه إفصاح الجهة الإدارية المختصة في الشكل الذي يتطلّبه القانون عن إرادة ملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين والأنظمة بقصد إحداث أثر قانوني معيّن، ويصبح نافذًا، أيّ مستحقًّا وواجبًا للمستفيدين منه، فور نشره في الجريدة الرسمية، وهذا ما أكدّه نصّ المرسوم الإشتراعي رقم 9 الصادر بتاريخ 21 تشرين الثاني 1939 المكمّل بالمرسوم الإشتراعي رقم 16 تاريخ 13 نيسان 1943 وفق المادة 1 على أنّ المراسيم تصبح من الآن فصاعدًا مرعية الإجراء في جميع أنحاء الجمهورية اللبنانية في اليوم الثامن الذي يلي نشرها في الجريدة الرسمية ما لم يكن هناك نصّ مخالف”.
لذلك، فإنّ نشر المرسوم، بشأن مستحقّات البلديات واتحاداتها، يستلزم تنفيذ مفاعيله دون تأخير أو تجزئه عملًا بأحكام المرسوم الإشتراعي السالف ذكره، وبالتالي إنّ تأخير سداد كامل المستحقّات عن عام 2018، بذريعة الإمكانات المالية، مخالفة قانونية يجب تصحيحها بتحويل المستحقّات اللازمة للبلديات واتحاداتها فورًا، على اعتبار أنّ التأخير في تنفيذ الإلتزام هو احتجاز، لا يبرّره الإفلاس الذي يتبدّد بتكديس الكتلة النقدية في المصارف، وتوظيف بعضها في البرامج الإنتقائية على أكثر من صعيد، وهذا من شأنه أن يعطّل الآثار القانونية للمراسيم التنظيمية النافذة فور نشرها، ويناقض، في المقابل، ذرائع التأخير في إيفاء الحقوق لأصحابها!
*باحث في القانون الدستوري.
“محكمة” – السبت في 2021/2/13