تبرئة هنيبعل القذّافي من ذمّ القاضي حمادة وإبطال التعقّبات بحقّه لجهة التهديد/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
نزع القاضي المنفرد الجزائي في بيروت غسّان الخوري فتيل الحادثة التي حصلت بين القاضي زاهر حمادة بصفته محقّقاً عدلياً في جريمة خطف الإمام السيّد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمّد يعقوب والصحفي عبّاس بدر الدين، والمدعى عليه الموقوف هنيبعل معمّر القذّافي، بأن أعطى حكماً سليماً من الناحية القانونية قضى بإعلان براءة الأخير من جرم تحقير الأوّل، وإبطال التعقّبات بحقّه لجهة جرم التهديد.
واستند الخوري في تعليل حكمه إلى حقّ المدعى عليه المشروع في الدفاع عن نفسه أمام القضاء، مستنداً إلى أنّ المادة 417 من قانون العقوبات اللبناني أعطت “حماية للملاحق أمام القضاء بحيث لا يترتّب دعوى ذمّ أو قدح على الخطب التي تلفظ عن نيّة حسنة، وخلاف ذلك يكون بتوافر النيّة التامة في تهديد القاضي وتحقيره وليس النيّة المفترضة في الدفاع”.
ولم يجد القاضي الخوري في واقعة رفع القذّافي إصبعه بوجه القاضي حمادة وقوله بمعرفة الطريقة التي يخلى سبيله بها تهديداً، وذلك لإمكانية تفسيرها بأوجه عديدة، خصوصاً وأنّ القذّافي سلك الطرق القانونية في المراجعة أمام محكمة التمييز، وأنّ الشاهد الضابط في “فرع المعلومات” لم ير في كلام المدعى عليه تهديداً.
وعلى هامش هذا الحكم، صدرت مواقف اعتراضية، قال بعضها بأنّ محضر الحادثة منظّم من قاض أعلى درجة من قاضي الحكم، ولكن ليست لهذا الكلام أيّة أهمّية على الإطلاق، لأنّ المعيار ليس درجة القاضي وإنّما معطيات القضيّة المستندة إلى الاستجواب العلني والأدلّة، ولم يسبق في تاريخ القضاء اللبناني أن ورد في أيّ حكم في باب الأدلّة أنّ الوقائع تأيّدت بكون درجة القاضي مُنَظّم المحضر أعلى من درجة القاضي مُصدّر الحكم، وإنّما يشار إلى المحضر المنظّم من القاضي، وهذا ما هو وارد بشكل واضح في متن الحكم.
وأكثر من ذلك، فإنّ درجة القاضي يعتدّ بها فقط عند إحالة القاضي على هيئة التفتيش القضائي أو المجلس التأديبي حيث يفترض أن تكون درجة القاضي القائم بالتحقيق، أعلى من درجة القاضي المُسْتَجْوَب والخاضع للتحقيق، وما عدا ذلك ليس لدرجة القاضي أيّ اعتبار في معطيات الملفّ المفروش أمامه والمحال عليه حتّى ولو كان من قاض أعلى منه درجة، فالقول بالدرجة ليس ملزماً لتبيان الحقيقة وإنزال العدالة منزلتها السليمة، وإلاّ لما شارك القضاة المستشارون في محاكم التمييز على سبيل المثال، في فسخ حكم قاض يرأس محكمة استئناف كونه أعلى درجة منهم، وبالتالي فإنّ الدرجة القضائية ليست معياراً لتحديد صحّة الواقعة والقاعدة القانونية المتعلّقة بها.
وبشأن القول بأنّ المحضر المنظّم من القاضي زاهر حمادة رسمي ولا يمكن إثبات عكسه إلاّ بادعاء تزويره، فهو كلام صحيح من الناحية القانونية وما يفرضه قانون أصول المحاكمات المدنية في هذا الخصوص، ولكن يجوز إثبات عكس مضمون ما هو مدوّن في المحضر الرسمي، وإلاّ كيف يفسّر إنكار مدعى عليه خلال محاكمته فحوى تحقيق أوّلي مجرى أمام الضابطة العدلية، فمنظّم المحضر يقوم بتدوين الوقائع، وليس من وظيفته التحقّق من صحّة المعلومات التي تقوم المحكمة بالتدقيق فيها وبناء رأي وموقف قانوني منها.
“محكمة” تنشر حكم القاضي الخوري حرفياً بسبب أهمّيته والضجّة المثارة حوله، وتعلّقه بقضيّة أكبر هي خطف الإمام الصدر، وخطف القذّافي من سوريا:
باسم الشعب اللبناني
نحن غسّان الخوري القاضي المنفرد الجزائي في بيروت،
بعد الإطلاع على ادعاء النيابة العامة الاستئنافية في بيروت، بتاريخ 2016/12/23 بالجنحة المشهودة بوجه المدعى عليه:
هنيبعل معمّر القذّافي(والدته صفية،مواليد 1977، ليبي الجنسية) أوقف وجاهياً في 2016/12/23 ولا يزال،
وقد أسند إليه إقدامه على توجيه تهديد بالإشارات والكلام غير اللائق للقاضي زاهر حمادة أثناء انعقاد جلسة تحقيق عدلي، بالإستناد إلى المادتين 383 و386 من قانون العقوبات،
وبنتيجة المحاكمة العلنية، وبعد تلاوة كافة الأوراق، تبيّن ما يلي:
أوّلاً: في الوقائع:
بتاريخ 2016/12/23 تمّ تنظيم محضر من قبل القاضي زاهر حمادة بما جرى بالجلسة المنعقدة أمامه، بصفته محقّقاً عدلياً في قضيّة الإمام موسى الصدر والشيخ محمّد يعقوب والسيّد عباس بدر الدين، وقد ورد فيه بأنّه عند مباشرة جلسة الإستجواب والاستماع إلى المدعى عليه هنيبعل معمّر القذّافي، قام المذكور بتوجيه كلام غير لائق للمحقّق العدلي، كما استهزأ بالقضاء اللبناني وخرج عن حدود آداب الكلام برفع إصبعه بوجه المحقّق العدلي مهدّداً قائلاً:”إنّكم تخطفوني”، وبأنّه في حال” لم يقم بإخلاء سبيلي” فإنّه يعرف “الطريقة التي تجعله يخلى سبيله فيها”.
رفع الإصبع
وتبيّن أنّ المحقّق العدلي القاضي زاهر حمادة قام بالاستماع إلى شهود بهذه القضيّة، وهم وكلاء الجهة المدعية في الدعوى المقامة أمامه وهم السادة المحامون شادي حسين، وطارق الحجّار، وأديب بويز، وقد أورد أنّ “الأفعال الجرمية” تمّت بحضور آمر السوق الملازم أوّل جان وهبة من فرع الحماية والتدخّل في فرع المعلومات،
وتبيّن أنّه بتاريخ 2016/12/27 أحضر المدعى عليه أمامنا في جلسة علنية، وتمّ الإستماع إلى أقواله بعد تلاوة الادعاء بحقّه، فأفاد بأنّه ينفي ما نسب إليه، مشيراً إلى أنّ مشادة حصلت مع جهة الادعاء نظراً لاستهزائهم به، وأنّ المحقّق العدلي تدخّل لصالحهم، مضيفاً بأنّ المحقّق العدلي القاضي حمادة توجّه إليه بالكلام” بأنّ نظام والده المجرم القاتل هو الذي يخطف”، وأنّ وكيل الادعاء هو الذي قام بتوجيه الكلام له أوّلاً، وأنّ جهة الادعاء الشخصي كانت تتناول الكلام مع القاضي بوجهه وبأنّه لا صحّة لما ورد بأنّه قال كلاماً غير لائق، وبأنّه استهزأ بالقضاء اللبناني ذاكراً بأنّ رفع إصبعه جاء بعد أن ذكر القاضي له، بأنّ والده هو”المجرم”،
وتبيّن أنّه في جلسة المحاكمة العلنية، تمّ الاستماع إلى شهادة الملازم أوّل جان وهبة، آمر السوق بعد تحليفه اليمين القانونية، فأفاد بأنّ المدعى عليه في جلسة التحقيق إنفعل حينما ذكر المحقّق العدلي والده الرئيس الليبي السابق وأنّه والنظام الليبي”بالصفات العاطلة”، وأنّه هو من يخطف الناس وليس القضاء اللبناني، وقد طلب القاضي المحقّق العدلي من المدعى عليه عدم رفع إصبعه أثناء الكلام، وأضاف الشاهد بأنّه لم ير بالأمر تهديداً، ولا يعقل أن يكون قد هدّد القاضي.
وتبيّن أنّه في جلسة المحاكمة العلنية تمّ أيضاً الاستماع إلى الشهود المستمعين لدى المحقّق العدلي، وكلاء الجهة المدعية، وذلك على سبيل المعلومات دون تحليفهم اليمين القانونية، فأكّد المحامي شادي حسين بأنّ المدعى عليه هنيبعل القذّافي، ذكر أمام المحقّق العدلي بأنّه مخطوف، وأنّ المحقّق العدلي تدخّل حينها فكانت طريقة جواب المدعى عليه غير لائقة، وأنّه أشار إلى أنّه مخطوف من قبل القضاء اللبناني بالتنسيق مع أحد المدعين، وأنّ كلامه كان يُفهم منه تهديداً، وتبيّن أنّ المحامي طارق الحجّار والمحامي أديب بويز أكّدا الأمر أيضاً، بعد أن تمّ الاستماع إليهما على سبيل المعلومات.
كتاب المعلومات
وتبيّن أنّه في جلسة المحاكمة العلنية بتاريخ 2017/1/11 تمّ تلاوة الكتاب المحال من النائب العام التمييزي إلينا بتاريخ 2017/1/9 ، المنظّم من قبل رئيس شعبة المعلومات العميد عماد عثمان، بموضوع ما ورد في وسائل الإعلام من تحريف واجتزاء لإفادة الشاهد الملازم أوّل جان وهبة، فتمّ وضع الكتاب المشار إليه قيد المناقشة العلنية، وتبيّن أنّه أرفق بإفادة صادرة عن الشاهد الملازم أوّل المنوّه عنه، ورد فيها أنّه بسؤالنا له في جلسة المحاكمة أجاب بأنّه لم يصدر كلام مسيء للقاضي حمادة، إنّما تكلّم المدعى عليه بنبرة عالية، وقد ذكر أنّه مخطوف بعد سماعه بوجود وكيل النائب السابق حسن يعقوب كمدعي، ذاكراً بأنّه يقتضي هو أن يكون المدعي، وأنّ القاضي قال له إنّ”قضاء والدك هو الذي يخطف، وليس القضاء اللبناني”، وقد رفع المدعى عليه إصبعه في وجه القاضي متكلّماً.
وأنّه بسؤال وكيل المدعى عليه أجاب أنّه لا يعتقد بأنّ كلام المدعى عليه كان تهديداً، وأنّ هذه الشهادة التي أدلى بها أمامنا في جلسة سابقة، وليس كما وردت في وسائل الإعلام.
مرافعة مظلوم
وتبيّن أنّه بتاريخ 2017/1/17 ترافع وكيل المدعى عليه المحامي محمّد مظلوم، مشيراً إلى أنّ ما صدر عن موكّله لا يرقى إلى التهديد، ولا إلى إهانة القاضي، وطلب إعلان براءة موكّله، واستطراداً الاكتفاء بمدّة توقيفه. وأُعطي الكلام الأخير للمدعى عليه، فذكر بأنّه لم يقصد بكلّ ما جرى بجلسة التحقيق الإهانة، ويعتذر عن أيّ خطأ في حال صدوره عنه.
ثانياً: في الأدلّة
تأيّدت الوقائع بالأدلّة التالية:
– الادعاء العام- المحضر المنظّم من المحقّق العدلي – كتاب النائب العام التمييزي ومرفقاته،
– الشهود،
– مجريات المحاكمة العلنية،
ثالثاً: في القانون
حيث إنّ النيابة العامة الاستئنافية في بيروت قد نسبت للمدعى عليه هنيبعل معمّر القذّافي إقدامه على تحقير المحقّق العدلي بالكلام والحركات والتهديد، مستندة إلى المحضر المنظّم من المحقّق العدلي المنوّه عنه، وقد ادعت بالجرائم المنصوص عنها في المادتين 383 و386 عقوبات.
وحيث إنّه بالاستناد إلى المادة 186 أصول محاكمات جزائية، والتي تعطي القاضي المنفرد سلطة النظر بالظروف والوقائع التي لازمت الجريمة المدعى بها، والتي من شأنها أن تؤثّر في وصفها دون التقيّد بالوصف المعطى للفعل من أيّ مرجع آخر، وبالتالي نكون أمام وقائع محدّدة في محضر المحقّق العدلي يقتضي إعطاؤها الوصف القانوني الصحيح على ضوء التحقيقات الجارية أمام المحكمة في جلسة علنية دون التقيّد بالوصف المعطى من قبل المحقّق العدلي والنيابة العامة.
وحيث ثبت لنا أنّه أثناء جلسة التحقيق أمام المحقّق العدلي، طلب المدعى عليه هنيبعل القذّافي إخلاء سبيله، وقد ذكر بأنّه “مخطوف” وذلك بحضور وكيل النائب السابق حسن يعقوب الملاحق قضائياً بقضيّة خطفه، وأنّ المحقّق العدلي القاضي حمادة قام بالجواب على ذلك وفقاً لما أورده المدعى عليه والشاهد الملازم أوّل جان وهبة في باب الوقائع، وأنّ المدعى عليه حينها رفع إصبعه متوجّهاً للقاضي بأنّه يعرف الطريقة التي يُخلى سبيله فيها.
وحيث إنّ لكلّ فريق في التحقيق وسائل يمكن ممارستها، فللمحقّق أن يستعمل وسائل إشارة مشروعة بوجه المستجوب للوصول إلى غاية مشروعة لاسيّما على ضوء ملاحقة المدعى عليه بجرم كتم معلومات، إلاّ أنّ ذلك يخلق في المقابل حقوقاً للمدعى عليه قائمة على حقّه المشروع في الدفاع أمام القضاء.
وحيث إنّ قانون العقوبات اللبناني في المادة 417 منه، أعطى حماية للملاحق أمام القضاء، بحيث لا يترتّب دعوى ذمّ أو قدح على الخطب التي تلفظ عن نيّة حسنة، وفي حدود الحقّ المشروع للمدعى عليه في الدفاع أمام القضاء، وبالتالي فإنّ خلاف ذلك يكون بتوافر النيّة التامة في تهديد القاضي وتحقيره وليس النيّة المفترضة في الدفاع.
وحيث إنّ ما ذكره المدعى عليه من أنّه “مخطوف” لا يمكن فصله عن الملاحقة القائمة أمام القضاء بجرم خطفه من قبل فريق من الادعاء، وبالتالي فإنّ النيّة الحسنة مقدّرة هنا، فضلاً عن أنّ الشاهد الملازم أوّل وهبة أشار بإفادته المبرزة في المحضر المحال إلينا من النيابة العامة التمييزية، إلى أنّ المدعى عليه ذكر بأنّه “مخطوف” بعد أن “علم” بوجود وكيل النائب السابق حسن يعقوب الملاحق بجرم خطفه، وأنّه يقتضي أن يكون هو المدعي في تلك الدعوى.
وحيث إنّ ما ورد لجهة رفع إصبعه وقوله بمعرفة الطريقة التي يخلى سبيله بها، لا يمكن الأخذ بها كعبارة تهديد لقاض يتولّى مهمّة تحقيق عدلي، إذ يمكن أن تحمل إمكانية التفسير بعدّة أوجه، وما يعزّز ذلك، الطرق القانونية التي سلكها المدعى عليه ووكيله في المراجعة أمام محكمة التمييز وفقاً لما ورد في أقوال الجهة المدعى عليها، بالإضافة إلى ما ذكره الشاهد الملازم أوّل وهبة بأنّه لا يعتقد أنّ كلام المدعى عليه أمام المحقّق العدلي كان تهديداً، فضلاً عن قول المدعى عليه بأنّه لم يقصد من ذلك التهديد والإهانة.
وحيث نكون بالتالي أمام كلام صادر عن المدعى عليه في معرض ممارسة حقّه المشروع في الدفاع، وإنّ النيّة الحسنة مقدّر وجودها، ممّا يحول دون قيام دعوى الذم والقدح بحسب المادة 417 عقوبات.
وحيث إنّ ادعاء النيابة العامة الاستئنافية تناول أيضاً الجرم المنصوص عنه في المادة 386 عقوبات، والذي يفرض إقدام المدعى عليه على الذمّ بالمحاكم بإحدى وسائل النشر المحدّدة في المادة 209 عقوبات، وقد استندت النيابة العامة إلى ما اعتبره المحقّق العدلي في أقوال المدعى عليه استهزاء بالقضاء.
وحيث إنّ هذا الجرم يفرض توافر أدلّة كافية على ارتكابه، ولا يصحّ القول به قياساً أو تسلسلاً بمجرّد الادعاء بذمّ أحد القضاة.
وحيث لم يثبت لنا بأدلّة كافية أنّه تمّ التطرّق في الكلام الحاصل في جلسة التحقيق إلى المحاكم أو القضاء اللبناني بشكل عام من المدعى عليه، بعد التدقيق بمضمون الوقائع المادية المحدّدة من المحقّق العدلي، وبأقوال الشهود المحامين المذكورين، بالإضافة إلى الشاهد الملازم أوّل، وما ورد في إفادته المرفقة بالمحضر المرسل من النائب العام التمييزي والمنظّم من رئيس شعبة المعلومات في مديرية قوى الأمن الداخلي.
لذلك
نحكم بما يلي:
أوّلاً: بإبطال التعقّبات بحقّ المدعى عليه هنيبعل القذّافي والمبيّنة هويّته أعلاه، المسندة إلى المادة 383 من قانون العقوبات اللبناني، وذلك لتوافر عناصر المادة 417 منه لجهة حقّ المدعى عليه المشروع في الدفاع أمام القضاء.
ثانياً: بإعلان براءته من الجرم المنصوص عنه في المادة 386 من قانون العقوبات اللبناني لعدم كفاية الأدلّة.
ثالثاً: بإطلاق سراحه فوراً في هذه الدعوى سنداً للمادة 198 أصول محاكمات جزائية.
رابعاً: بحفظ النفقات.
حكماً وجاهياً صدر وأفهم علناً في بيروت بتاريخ 24/1/2017″.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 14 – شباط 2017).