تجربة مجلس الشيوخ الوحيدة في لبنان والشروط الدستورية المرتبطة بإنشائه وفقاً لوثيقة الوفاق الوطني/سامر بعلبكي
المحامي الدكتور سامر حسن بعلبكي*:
إن من البديهيات المعروفة في علم القانون الدستوري أن تنظيم البرلمان له أثره على مسار الحياة السياسية في الدولة. وقد اختلفت الدساتير حول كيفية تنظيم البرلمان، فكان هناك نظامان معروفان في تكوين البرلمانات: أحدهما نظام المجلس الواحد monocamerisme ،والآخر نظام المجلسين bicamerisme، ولكلّ من النظامين أنصاره وخصومه. والواقع أن اعتماد دولة معينة نظام المجلس الواحد أو نظام المجلسين لا يتوقف على قوة الحجَج والأدلة النظرية التي يقدَّمها الفقه في إبراز مزايا وعيوب كل من النظامين، وإنما الامر تحكمة ظروف كل دولة، سواء من الناحية التاريخية أو الإجتماعية أو السياسية.
يقوم نظام المجلس الواحد على أساس أن يتولى السلطة الإشتراعية مجلس واحد يمثل الشعب ويمارس الصلاحيات والاختصاصات المعروفة، ومن أهمها الوظيفة التشريعية المتمثلة بسنّ القوانين وإقرارها، هذا فضلاَ عن صلاحيات أخرى جعلها الدستور من اختصاص البرلمان وهي محاسبة السلطة التنفيذية في بعض الأنظمة الدستورية، الى الصلاحيات المالية والخارجية والتأسيسية.
أما نظام المجلسين، فإنه يقوم على دعامتين أساسيتين هما: الدعامة الأولى هي المغايرة في تكوين المجلسين بحيث يكون أحدهما ممثلاً للشعب،والآخر ممثلا”،إما لمناطق، أو لولايات،أو لفئات اجتماعية معينة، فلا يكون أحدهما مطابقاً للآخر. أمَّا الدعامة الثانية فتتمثل بمشاركتهما أساسا” وكقاعدة عامة في القيـام بمهمة التشريع، بحـيث يكـون للمجلس الأعلـى (مجلس الشيوخ، اللوردات..) سلطة تشريعية إلى جانب المجلس الأدنى. غير أنه يلاحظ أن الدساتير راحت تعمل على تمييز المجلس الأدنى (المجلس التمثيلي) المنتخب من الشعب مباشرة، عن المجلس الآخر، لذا فقدت المجالس العليا معظم اختصاصاتها في كثير من جوانب الوظيفة التشريعية وإقرار الميزانية، وفي مجال الرقابة على السلطة التنفيذية وغير ذلك من المسائل الهامة.
ولمعالجة موضوع مجلس الشيوخ ارتأينا تقسيم البحث الى قسمين:
القسم الاول : تجربة مجلس الشيوخ الوحيدة في لبنان
الفصل الاول : انشاء مجلس الشيوخ وتجربته
الفقرة الاولى : اسباب نشوئه
الفقرة الثانية : تأليفه
البند الأول: طريقة اختيار الاعضاء وتوزيعهم الطائفي
البند الثاني: شروط العضوية
البند الثالث: في قانون انتخاب مجلس الشيوخ ومدة ولايتهم
الفقرة الثالثة: صلاحياته
البند الاول: الاختصاص التشريعي
البند الثاني: الوظيفة السياسية
البند الثالث : انتخاب رئيس الجمهورية
الفقرة الرابعة : تجربة ودور مجلس الشيوخ
الفصل الثاني: الغاء مجلس الشيوخ
الفقرة الاولى : طريقة الالغاء
الفقرة الثانية : اسباب الالغاء
القسم الثاني : التعديل الدستوري رقم 1990/18 لجهة اعادة انشاء مجلس الشيوخ والشروط الدستورية المرتبطة بإنشائه.
القسم الاول: وثيقة الوفاق الوطني : الغاء الطائفية السياسية ام الابقاء عليها؟
الفقرة الاولى: وثيقة الوفاق الوطني
الفقرة الثانية: الاساس القانوني لانشاء مجلس الشيوخ
الفقرة الثالثة: الغاء الطائفية السياسية ام الابقاء عليها
الفصل الثاني: الشروط الدستورية المرتبطة بإنشاء مجلس الشيوخ والآثار الايجابية التي يمكن تحقيقها.
الفقرة الاولى: الاهداف والصلاحيات والمزايا التي يمكن لمجلس الشيوخ العتيد تحقيقه.
الفقرة الثانية: الحفاظ على حقوق الطوائف عبر انشاء مجلس الشيوخ المرتقب
الفقرة الثالثة: اختصاصات مجلس الشيوخ طبقاً للمادة 22 من الدستور اللبناني
الفقرة الرابعة: الآثار الايجابية التي يمكن لمجلس الشيوخ العتديد تحقيقها.
القسم الأول:تجربة مجلس الشيوخ الوحيدة في لبنان :
استمرت التجربة البرلمانية اليتيمة التي عاشها لبنان في ظل وجود مجلس ثانٍ (سمّي مجلس الشيوخ)، إلى جانب مجلس النواب، بموجب دستور عام 1926، سبعة عشر شهراً. وكانت الغاية منها، حسب تبريرات الانتداب الفرنسي ،عدم انحراف المجلس الواحد، وإعادة التوازن إلى مؤسسات الدولة الدستورية.
أما اللافت في تأليف مجلس الشيوخ فكان مشاركة الحكومة بتعيين عدد من أعضائه ،على أن يتم انتخاب الباقين، كما أعطي هذا المجلس صلاحيات موازية ،تقريباً، لصلاحيات مجلس النواب، إلاّ في مجال التشريع.
ولكن هذه التجربة لم تدم طويلاً، حيث تم إلغاؤه بتاريخ 17 تشرين الأول عام 1927،بتوجيه من السلطات المنتدبة ،بعدما شعرت بهيمنة السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية، التي كانت أداة طيّعة بيدها، وكذلك عدم إمكانية حله،إلاّ وفقاً لشروط صعبة التحقيق، وما زاد هذا الشعور خطورة الخلاف بين المجلسين.غير أنه منذ تاريخ إلغاء مجلس الشيوخ ،وحتى إقرار وثيقة الوفاق الوطني، مرّ لبنان في أزمات سياسية، كان لزعماء الطوائف الدور الأساسي في تغذيتها، من خلال التدخل في كافة مفاصل الحياة السياسية والدستورية، مما انعكس سلباً على أداء المؤسسات الدستورية وأعاق نموها. فجاءت وثيقة الوفاق الوطني، (الطائف) لتعطي للطوائف دوراً، من خلال نصها،الذي كرسته المادة 22 من الدستور،على إنشاء مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية ، محددة صلاحياته بالقضايا المصيرية، وذلك بعد انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي.
الفصل الأول: إنشاء مجلس الشيوخ وتجربته:
جاء في المادة السادسة عشرة من الدستور اللبناني بتاريخ 23 أيار 1926 “يتولى السلطة المشترعة هيئتان، مجلس الشيوخ ومجلس النواب”. وتم إلغاء مجلس الشيوخ بموجب القانون الدستوري، الصادر في 17 تشرين الأول 1927 ، بإيعاز من سلطات الانتداب وضم أعضائه لمجلس النواب، بعد أن تبين لهذه السلطات بأنه يعرقل الحياة البرلمانية.
فما هي أسباب نشوئه؟ وكيف كان تأليفه؟ وما هي صلاحياته ؟ وما هي الأسباب التي أدت الى إلغائه ؟
الفقرة الأولى: أسباب نشوئه:
طرح موضوع إنشاء مجلس الشيوخ في أكثر من مناسبة، كما أن المادة الدستورية التي تتعلق به طرحت للتصويت عليها، من قبل النواب ،فلم يناقشها أحد، وعند التصويت عليها، لم يعارضها سوى النائب صبحي حيدر، ” لأنه عارض مبدأ إنشاء مجلس الشيوخ”.
لذلك نلاحظ أن النواب لم يتفقوا على رأي واحد ، نتيجة عدم قناعة البعض بضرورة إنشاء مجلس للشيوخ. هذا فضلاً عن تغيير في العقلية السياسية اللبنانية، ولكن الحقيقة هي أن فكرة أحادية المجلس كانت تراود عدداً غير قليل من النواب، والسبب في ذلك ،يعود إلى أن الموالين لمبدأ الأحادية لم يقاوموا ولم يبدوا وجهة نظرهم ، في ما يتعلق بإمكانية إنشاء مجلس واحد، لاعتقادهم أن ممثل الانتداب ،الذي كان يسيطر على آراء الأكثرية النيابية، قد عمل كل ما بوسعه لبث فكرة إنشاء مجلس الشيوخ، وجعلها راسخة في أذهانهم، لدرجة أنه لا يمكن إقناعهم بعكس ما أوحى إليهم به.
ولكن المعارضين لمبدأ الثنائية قد برزت آراؤهم، بشكل جلي وواضح، عند دراسة المادة 17 من الدستور، والتي أولت رئيس الجمهورية ومجلس النواب حق اقتراح القوانين.
والسؤال الهام الذي طرح من قبل بعض النواب هو كيف يجوز أن يكون ثمة هيئة مشتركة هي مجلس الشيوخ ومجلس النواب، تقر القوانين وفي الوقت نفسه يحرم أحد المجلسين، أي مجلس الشيوخ، من حق اقتراح القوانين.
فأدلى ممثل الانتداب، آنذاك السيد سوشيه، برأيه في هذا الشأن قائلاً:
” إن نظام المجلسين خير من المجلس الواحد، لأنه آلية ديمقراطية لتأمين الاعتدال. وقد دلَت التجارب على ذلك، ثم أفاض في تبيان الحسنات الناتجة عن وجود مجلس الشيوخ، معتبراً أنه يعيد التوازن إلى المؤسسات،ويمنع انحراف المجلس الواحد… أما بالنسبة لحرمان مجلس الشيوخ من حق اقتراح القوانين فسببه يعود” إلى أن مجلس النواب يمثـل الأمة جمعاء،ويعود له وحده الحق في اقتراح القوانين، أما مجلس الشيوخ فإنه لا يخرج كله من إرادة الشعب، فيكتفى بأخذ رأيه وموافقته النهائية على مشاريع القوانين(1).
ولكن هذا التعليل تعرض لانتقادات كثيرة،منها أنه لا ينطبق على واقع الحال، ولا ينسجم مع الحقيقة، فالسلطة التي يكون لها الحق في سنّ القوانين، والتي لا يكون القانون نافذاً وساري المفعول إلا إذا اشتركت إرادتها في إقراره، لا يجوز أن تحرم من حق الاقتراح، وإلاّ كان مجلس الشيوخ ممسوخاً، حيث قال النائب جورج زوين، في ذلك الوقت:” خلقتم مجلس الشيوخ ثم بعد ذلك مسختموه”.
ثم صدر، بعد ذلك، الدستور اللبناني، بتاريخ 23 أيار 1926، فنص في بابه الثاني ، تحت عنوان “السلطات” في المادة السادسة عشرة: “يتولى السلطة المشترعة هيئتان: مجلس الشيوخ ومجلس النواب.”
الفقرة الثانية: تأليفه :
تحدثت المادة الثانية والعشرون من دستور 1926 عـن تألـيف مجلس الشيوخ ،فجاء فيها:” يؤلف مجلس الشيوخ من ستة عشر عضواً، يعين رئيس الحكومة سبعة منهم،بعد استطلاع رأي الوزراء وينتخب الباقون، وتكـون مدة ولاية عضو مجـلس الشيوخ ست سنوات، ويمكن أن يعاد انتخاب الشيوخ، الذين انتهت مدة ولايتهم، أو أن يجدد تعيينهم على التوالي”.
البند الأول: طريقة اختيار الاعضاء وتوزيعهم الطائفي :
إن أحكام المادة /22/ لم تطبق فور إقرارها، فنصت المادة الثامنة والتسعون من الدستور على ما يلي: “تسهيلا” لوضع هذا الدستور موضع التنفيذ، ومن أجل تأمين تنفيذه بالكامل، يعطى فخامة المفوض السامي للجمهورية الفرنسية الحق في تعيين مجلس الشـيوخ الأول ، وفقاً لأحـكام المادة \22\ من الدستور ،التي تحدد عدد أعضاء مجلس الشيوخ ، والمادة 96 التي تنص على التوزيع الطائفي، إلى مدة لا تتجاوز سنة 1928 ، حيث باشر فوراً القيام بمهامه، فأنتخب، بالاشتراك مع مجلس النواب ، رئيساً للجمهورية، بعد ثلاثة أيام من تعيينه، أي في 26 أيار 1926.
لذلك، يبدو أن هذه الهيئة التشريعية قد بدأت حياتها بتعطيل طابعها التمثيلي الجزئي، إذ قام المفوض الفرنسي هنـري دو جوفيينـل بإصدار قرار ،بتاريخ 24 أيار 1926 ، يحمـل الرقـم 305مكرر، عين بموجبه أعضاء مجلس الشيوخ الستة عشر، فكان الشيخ محمد الجسر، رئيساً، وحبيب باشا السعد، نائباً للرئيس.
نصت المادة السادسة والتسعون من الدستور، قبل إلغائها بالقانون الدستوري عام 1947، على تعيين أعضاء مجلس الشيوخ وطريقة انتخابهم، وذلك باعتماد قاعدة التمثيل الطائفي ،المنصوص عليها في المادة الخامسة والتسعين من الدستور ،التي لا يزال معمولاً بها حتى يومنا هذا. وكان يتم توزيع المقاعد في مجلس الشيوخ، على الطوائف ، على الشكل التالي:
5 موارنة و3 سنة و3 شيعة و2 من الأرثوذكس و 1 من الكاثوليك، وواحد من الدروز، وواحد من الأقليات.
البند الثاني : شروط العضوية:
يشترط في كلّ من ينتخب في مجلس الشيوخ أن يكون بالغاً الخامسة والثلاثين من العمر ، ويمكن تعيين الشيخ وانتخابه ، في موعد الانتخابات، حتى ولو كان مقيماً في الخارج ، وذلك وفقاً للمادة \23\ من الدستور، التي ورد فيها: “يشترط في عضو مجلس الشيوخ أن يكون لبنانياً، بالغاً من السن خمساً وثلاثين سنة كاملة، ولا يشترط لصحة انتخابه ، أو تعيينه عضواً في مجلس الشيوخ، أن يكون مقيماً في لبنان الكبير في موعد الإنتخابات سيوضع، قانون خاص تحدد بموجبه مناطق الانتخاب ، وأهلية المنتخبين وكيفية انتخابهم.”
لا يجوز الجمع بين المشيخة والنيابة، وفقاً لأحكام المادة\29\ من الدستور، ولم يصدر القانون الذي ينظم العضوية في مجلس الشيوخ ،بسبب قصر عمره. إلاّ أنه كان ممكناً الجمع، بين عضوية أي من مجلسي البـرلمان والـوزارة ،شـرط ألا يزيـد عـدد الــوزراء المأخوذين مــن المجلسين على ثلاثة ( المادة \28\ من الدستور).
البند الثالث : في قانون انتخاب الشيوخ ومدة ولايتهم:
كان من المفروض أن يصدر القانون، الذي يحدّد الطريقة التي يجب أن تتم فيها الانتخابات، والأصول الواجب اتباعها، والمناطق التي يتم فيها الانتخاب، والأهلية القانونية المطلوبة المادة (23)، ولكن هذا القانون لم يبصر النور، كما قلنا، بسبب إلغاء مجلس الشيوخ.
وبالعودة إلى نص المادة الثانية والعشرين من دستور 1926 ، يتبين أن مدة ولاية أعضاء مجلس الشيوخ حددت بست سنوات، وكان يمكن إعادة انتخابهم ،أو تعيينهم، من دون حدود. ولم يكن يحق لرئيس الجمهورية حل مجلس الشيوخ أيّاً كان السبب، بل كان حقه محصوراً في حل مجلس النواب، وذلك في حالات معينة وبعد أخذ موافقة مجلس الشيوخ (المادة 55 من الدستور).
الفقرة الثالثة: صلاحياته:
كان مجلس الشيوخ يتمتع بصلاحيات مجلس النواب إلاّ في مجال التشريع. وبالتالي يمكن تحديد الاختصاصات التي كان يتمتع بها قبل إلغائه على النحو الآتي:
البند الأول :الاختصاص التشريعي :
لم يكن يجوز لمجلس الشيوخ أو لأعضائه أن يقترحوا مشاريع القوانين، كما كان عليه الأمر، بالنسبة لمجلس النواب، بل كانت هذه الصلاحية محصورة، كما هي اليوم ، في الحكومة، من جهة، وفي مجلس النواب ،من جهة أخرى( المادة 18 من الدستور).
إلا أن إقرار القوانين كان يجب أن يتم، في الأصل، من قبل مجلسي البرلمان، كل منهما على حدة، وفي الدورة البرلمانية ذاتها ،ما لم يكن مشروع القانون متعلقاً بالأمور المالية، إذ يجب أن يطرح، بادئ ذي بدء،على مجلس النواب، حتى إذا ناقشه وأقره، أحيل على مجلس الشيوخ، لينظر فيه ويقره بدوره،(المادة 18) ولا يعتبر القانون ناجزاً وقابلاً للإصدار،إلاّ بعد إقراره من قبل المجلسين.
تلك هي القاعدة الأصلية، ولكن هناك حـالات استثنـائية تشذ عن هذه القـاعدة. فمشاريع القوانين، التي تقترحها الحكومة ويصادق عليها مجلس النواب، وكذلك مشاريع القوانين، التي يسنها مجلس النواب ،بالاتفاق مع الحكومة، لا تحتاج لطرحها على مجلس الشيوخ صراحة. ويتم طلبه على الوجه الآتي:
تبلّغ مثل تلك القوانين لمجلس الشيوخ، بعد إقرارها في مجلس النواب، فإذا أراد مجلس الشيوخ النظر فيها، عليه أن يعلم الحكومة برغبته تلك، في مهلة ثمانية أيام. فإذا انقضت هذه المهلة من دون أن يوجه مجلس الشيوخ طلباً إلى الحكومة، يعبر فيه عن إرادته في وضع القانون قيد البحث، حُسب هذا القانون موافقاً عليه (المادة 19- فقرة 2) وجرى إصداره.
البند الثاني :الوظيفة السياسية:
كان لمجلس الشيوخ، كما لمجلس النواب، الحق في منح الثقة للحكومة وسحبها منها وسؤالها واستجوابها وإجراء التحقيق البرلماني، إذا دعت الحاجة. هذا بالإضافة إلى حقه في سماع البيان الوزاري، الذي تقدمه الحكومات الجديدة ومناقشته والتصويت على الثقة، في جلسة مشتركة مع مجلس النواب أيضاً. وهذا ما حصل، فعلاً ،عندما أصدر الرئيس شارل دباس مرسوماً بتأليف الحكومة الأولى، برئاسة أوغست أديب، فمثلت أمام المجلسين وتلت بيانها ونالت الثقة منهما معاً.
البند الثالث: انتخاب رئيس الجمهورية:
كان يحق لمجلس الشيوخ المشاركة في انتخاب رئيس الجمهورية، في جلسة مشتركة مع مجلس النواب، وبالفعل، فإنّ أوّل عمل قام به المجلسان كان انتخاب الرئيس شارل دباس، أول رئيس للجمهورية، تحت سلطة الانتداب. كما أن الدستور اشترط موافقة مجلس الشيوخ لممارسة رئيس الجمهورية حق حل مجلس النواب.
إضافة إلى تلك الصلاحيات ،كان يدخل ضمن صلاحيات مجلس الشيوخ حق الفصل في مدى صحة نيابة أعضائه، كما كان عليه الحال بالنسبة لانتخاب أعضاء مجلس النواب، وذلك وفقاً لأحكام المادة \30\ من الدستور.
كانت مواعيد اجتماع المجلسين في العقود العادية وفي العقود الاستثنائية واحدة، أمــا بقية الصلاحيات والإجراءات فلا تختلف عما هي عليه في مجلس النواب.
الفقرة الرابعة: تجربة ودور مجلس الشيوخ:
بالإضافة إلى كافة الصلاحيات التي أنيطت بمجلس الشيوخ، فإن دوره الحقيقي، حسب مبررات إنشائه ، بصفته ممثلاً لكافة الطوائف بصورة عادلة، هو العمل على إعادة التوازن إلى المؤسسات ومنع انحراف المجلس الواحد، كما أنه يغني النظام ويؤمن الديمقراطية المدروسة، وتكمن أهميته أيضاً في أنه يتمتع بالأستقلالية، بحيث يؤمن المحافظة على القيم الاجتماعية، وذلك من خلال إقامة الحوار الوطني سياسياً وطائفياً.
لكن حقيقة ما حصل أنه لم يتسنّ لمجلس الشيوخ القيام بالدور الذي كان منوطاً به، طيلة فترة ولايته، التي استمرت سنة وخمسة أشهر ،بسبب التناقض الحاصل بين مبررات إنشائه وصلاحياته الفعلية، إضافة إلى العقلية اللبنانية التي كانت سائدة آنذاك.
اثناء ممارسة مجلس الشيوخ لدوره، بالصلاحيات المحددة ،مقارنة مع مجلس النواب، كان لا بدّ من اشتداد الأزمة بين المجلسين، نتيجة الخلافات والصدامات،التي كانت تحصل ،خصوصاً في ما يتعلق بالتشريعات المتعلقة بالمشاريع، التي كانت تتقدم بها الحكومة وبالموازنة ، وغيرها من الأمور، مما أدى إلى تعطيل الحياة البرلمانية.
خلاصة القول، إن ممارسة مجلس الشيوخ لدوره، طيلة الفترة التي عاشها، حسب ما جاء على لسان بعض الشخصيات البارزة في تلك الحقبة، أدى إلى عرقلة أعمال الحكومة وشل الحياة البرلمانية، من خلال الاختلاف المتكرر في وجهات النظر ، بين أعضاء المجلسين، كما انعكس هذا الخلاف على أعمال السلطة التنفيذية ،التي أصبحت بحكم المشلولة، وتسبب، أيضاً، في البطء بسن القوانين، بحيث أصبح لا بدّ من إلغائه.
الفصل الثاني: الغاء مجلس الشيوخ :
تم إلغاء مجلس الشيوخ اللبناني، بموجب القانون الدستوري، الصادر في17 تشرين الأول 1927، بعدما تبين أنه يعرقل أعمال الحكومة ويعيق الحياة البرلمانية، وذلك بإيعاز من سلطات الانتداب آنذاك، حيث أرسلت الحكومة إلى المجلسين مشروعاً بمرسوم، يحمل الرقم 284 ،طلبت فيه إعادة النظر في الدستور ، لجهة إلغاء مجلس الشيوخ، وتوحيد الهيئتين اللتين يتألف منهما البرلمان، في هيئة واحدة هي مجلس النواب.
الفقرة الأولى: طريقة الإلغاء:
بتاريخ 6 تشرين الأول 1927 ،عقد مجلس الشيوخ اجتماعاً رسمياً، درس خلاله مشروع الحكومة، فاتخذ قراراً مبدئياً بالموافقة عليه، على أن يتم تعديل الدستور، وفقاً للأصول المحددة في المادتين \76\ و\77\ منه، وذلك في هيئة مشتركة بين المجلسين، تسمى” المجمع النيابي”.
وبعد سنة ونحو خمسة أشهر أي 497 يوماً من إنشائه، أي في 17 تشرين الأول 1927، أصدر المجلسان، في جلسة مشتركة في “مجمع نيابي”، قانوناً دستورياً جديداً ،قضى بإلغاء مجلس الشيوخ، لأنه يعيق الحياة البرلمانية، ويهدد الاستقرار السياسي .وتم تعديل الدستور بجميع مواده، بما يتوافق مع هذا الإلغاء.(2)
في ذلك الوقت، كان شارل دباس رئيساً للجمهورية، وبشارة الخوري رئيساً لمجلس الوزراء. أما بالنسبة إلى الطريقة التي تم فيها إلغاء مجلس الشيوخ، فإنها تستفاد من نص المادة \51\ من القانون الدستوري الصادر بتاريخ 7\10\1927 ، والتي تناولت كيف تم هذا الإلغاء، حيث جاء فيها أنه تم دمج المجلسين في هيئة واحدة هي مجلس النواب:
تدبير مـؤقت، يلـتئم أعضـاء مجـلس الشيـوخ وأعضـاء مجـلس النـواب الحاليون، ليؤلفوا مجلس النواب، المنصوص عليه في هذا القانون، حتى نهاية المجلس النيابي الحالي، وإذا خلا مقعد أحد أعضاء مجلس الشيوخ، الحالي سواء كان بسبب وفاته أو استقالته، أو بسبب آخر، فيعيّن خلفاً له بمقتضى الشروط المذكورة في المادة \24\ من الدستور.
الفقرة الثانية: أسباب الإلغاء :
تشكلت الوزارة الأولى، في 29 أيار 1926 ، من سبعة أعضاء، برئاسة أوغست باشا أديب، إلاّ أن هذه الوزارة ما لبثت أن بدأت تصطدم بمجلس النواب، الذي كانت تسيطر عليه المعارضة تحت تأثير الحركة الوطنية في لبنان.(3)
وقد ازداد الوضع خطورة،واشتدت الأزمة،نتيجة الخلافات والصدامات،التي كانت تحصل بين المجلسين، خصوصاً في ما يتعلق بالتشريعات المتعلقة بالمشاريع التي تتقدم بها الحكومة، والموازنة، التي كان يتوجب على مجلس النواب مناقشتها والتصويت عليها ولكنه تأخر في ذلك ،لاسيما أن الدستور جعل من اختصاص مجلس النواب الحق في اقتراح القوانين والنفقات دون مجلس الشيوخ ، الأمر الذي أدى إلى تعطيل الحياة البرلمانية ،وتفاقم الوضع بين المجلسين ، ويعود السبب وراء ذلك، إلى أن مجلس النواب، كان يهدد الحكومة بنزع الثقة عنها، إذا ما أصرت على مشاريعها.هذا من جهة، ومن جهة أخرى، كان مجلس الشيوخ يلح عليها باستعجال الإصلاحات ،التي كان يراها ضرورية ، والتي لا يمكن تأجيلها إلى وقت آخر.
أمام هذا الواقع، رأت المفوضية السامية والحكومة أن هذا الوضع ،من شأنه أن يعرقل ويعيق عمل المؤسسات الجديدة، الأمر الذي دفع بالحكومة، أو بالأحرى بالدولــة المنتدبة من ورائها، إلى تقديم مشروع بتعديل الدستور، بما ينسجم مع الواقع. وقد جرى التعديل الذي أقره المجلسان وفقا” للأصول، المنصوص عليها في المادتين \76\ و\77\ من الدستور. وأصدر رئيس الجمهورية القانون المعدلّ، في 17 تشرين الأول 1927(4) الذي، بموجبه، تم إلغاء مجلس الشيوخ.
انطلاقاً ممّا تقدم، يمكن تعداد الأسباب التي أدت إلى إلغاء مجلس الشيوخ بالآتي:
1- الاختلافات بين مجلس النواب ومجلس الشيوخ
2- انعكاس هذه الخلافات على أعمال السلطة التنفيذية، الأمر الذي أدى إلى عرقلة أعمالها
3- البطء في سنّ القوانين مما أدى إلى تأخير عمل الحكومة وشل الحياة البرلمانية.
القسم الثاني: التعديل الدستوري رقم 18\1990 لجهة إعادة إنشاء مجلس الشيوخ والشروط الدستورية المرتبطة بإنشائه:
بعد إلغاء مجلس الشيوخ، اعتمد لبنان نظام المجلس الواحد، حتى اليوم، إلاّ أنه ورد في اتفاق الطائف نص على إعادة إنشاء مجلس للشيوخ، وقد ترجم ذلك بموجب التعديل الدستوري بالقانون رقم 18\1990.
في ما يلي، سوف نتطرق إلى وثيقة الوفاق الوطني وإمكانية إلغاء الطائفية السياسية، أو الإبقاء عليها (الفصل الاول)، لننتقل بعدها إلى تناول إعادة إنشاء مجلس الشيوخ، بموجب التعديل الدستوري رقم 18\1990، والشروط الدستورية المرتبطة بإنشائه (الفصل الثاني) .
الفصل الاول: وثيقة الوفاق الوطني :إلغاء الطائفية السياسية أم الابقاء عليها؟
من أسس الإصلاح التي تقتضيها مصلحة لبنان العليا،معالجة الطائفية السياسية،والقضاء على مساوئها. فإن هذه القاعدة تقًيد التقدم الوطني من جهة وسمعة لبنان من جهة أخرى. فضلاً عن أنها تسمّم روح العلاقات بين الجماعات الروحية المتعددة التي يتألف منها الشعب اللبناني. وقـد شاهدنا كيف أن الطائفية كانت في معظم الأحيان أداة لكفالة المصالح الخاصة ، كما كانت أداة لإيهان الحياة الوطنية في لبنان. ونحن على ثقة من أن الشعب على استعداد لتقبل الثقافة الوطنية الجامعة اذا ما سمح لها بالانتشار دون معوقات من الرؤوس الطائفية الحامية، الامر الذي يؤدي حتماً الى ابعاد النظام الطائفي المقيت عن مجتمعنا.
الفقرة الأولى: وثيقة الوفاق الوطني:
بتاريخ 23 تموز 1989 عقدت اللجنة العربية مؤتمراً لها في المغرب ، وشكلت لجنة ثلاثية من أجل معالجة الوضع المشؤوم، وإيجاد حل للمعضلة السياسية في لبنان، ودعت اللجنة أعضاء المجلس النيابي لعقد اجتماع في – مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية- وبعد عدة لقاءات ومناقشات استمرت حوالي الشهر، انتهى المؤتمر بإقرار النواب لوثيقة الوفاق الوطني، التي تم التصديق عليها في الاجتماع الذي عقده مجلس النواب في القليعات بتاريخ 15\11\1989 حيث انتخب النواب رئيساً جديداً للجمهورية.(5)
تناول هذا التعديل اثنتين وثلاثين مادة من أحكام الدستور، ومن بين هذه التعديلات تعديل المادة \22\ التي نصت على استحداث مجلس للشيوخ، تتمثل فيه جميع العائلات الروحية. يتميز هذا التعديل الدستوري إذا” بأنه أعاد مجلس الشيوخ، بعد إلغائه الأول.
وتنفيذاً لبنود اتفاق الطائف،أرسلت الحكومة مشروع الدستور إلى مجلس النواب، الذي انعقد بتاريخ 21\8\1990 ووافق على إعادة إحياء المادة \22\ الملغاة ، مع تعديلها بموجب القانون الدستوري بتاريخ 1990/9/21 واصبح النص الجديد(6):
” مع انتخاب أول مجلس نواب، على أساس وطني لا طائفي، يستحدث مجلس للشيوخ ،تتمثل فيه جميع العائلات الروحية، وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية”.
الفقرة الثانية: الأساس القانوني لإنشاء مجلس للشيوخ:
جاء في الفقرة السابعة من مقدمة الدستور ما يلي:
“إن إلغاء الطائفية السياسية، هدف وطني يقتضى العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية”.
كما إن المادة العاشرة من الدستور نصت على ما حرفيته:
” لا يمكن أن تمس حقوق الطوائف ، من جهة مدارسها الخاصة على أن تسير في ذلك وفقاً للأنظمة، التي تصدرها الدولة في شأن المعارف العمومية”.
في حين نجد أن المادة\22\ من الدستور، تلح على أن ينتخب مجلس النواب ،على أساس وطني لا طائفي… أما المادة \24\ من الدستور، فتؤكد على أن يضع مجلس النواب قانون انتخاب جديد بعيداً عن القيد الطائفي.
أما المادة \95\ من الدستور فقد جاء فيها ما يلي:
” على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، اتخاذ الإجراءات الملائمة، لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية، وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية،تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، شخصيات سياسية، وفكرية واجتماعية. تكون مهمة الهيئة دراسة اقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية السياسية ،وتقديم هذه الدراسة إلى مجلس النواب، والوزراء ومتابعة تنفيذ خطة مرحلية”.
على أن تلغى في هذه المرحلة الانتقالية، قاعدة التمثيل الطائفي ،ويعتمد الاختصاص والكفاءة ،في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العامة والمختلطة،وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني، باستثناء وظائف الفئة الأولى،وما يعادل الفئة الأولى، وفيها تكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة ،مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة.
وقد اعترف القرار رقم 1\91 تاريخ 23\1\1999 الصادر عن المجلس الدستوري اللبناني ، لكل طائفة من الطوائف بشخصيتها المعنوية ،وبحقوقها كافة للقيام بفرائضها الدينية، ووضع نظام أحوال أعضائها الشخصية، وتأليف مجالسها الطائفية، وتنظيم محاكمها المذهبية، والتشريع في المواد الداخلة في اختصاصاتها ،حيث جاء فيه …” مما يؤكد اعتراف الدستور للطوائف بالشخصية المعنوية من جهة، وبالاستقلال الذاتي في إدارة شؤونها بنفسها من جهة ثانية، وبحقها بالتالي في الدفاع عن استقلالها وخصائصها الدينية.”
نلاحظ أن هذه الأحكام، ارتكزت على ضرورة إنشاء هيئة وطنية لإلغاء الطائفية السياسية ،في ظل سيادة الدولة وإنشاء مجلس للشيوخ لأنه عند الوصول إلى إلغاء الطائفية السياسية، يبطل التمثيل على أساس طائفي في مجلس النواب، ويستعاض عنه بمجلس شيوخ ،يمثل كافة العائلات الروحية اللبنانية.
الفقرة الثالثة: إلغاء الطائفية السياسية أم الإبقاء عليها؟
في الواقع لا يوجد مصطلح الطائفية السياسية إلا في قاموس السياسة اللبنانية، الذي يقوم على مبدأ أساسي، وهو مشاركة كافة الطوائف في الإدارة والحكم ، بحيث يكون لكل طائفة من هذه الطوائف حصة معينة في المؤسسات العامة،والقضاء، وأجهزة الدولة كافة. فالمفترض أن لبنان، انطلاقا من ديمقراطيته وسيادته وحضارته ، يسعى إلى إلغاء الطائفية بدلاً من الإبقاء في الشرنقة، وبدلاً من اعتبار الطائفية السياسية الميزة الأساسية للنظام اللبناني، الذي تميزه عن سائر الدول. فهذه الميزة دلالة تأخر لا تقدم في العصر الحديث، ذلك لأنها تخلق من الشعب الواحد أو المجتمع الواحد مجتمعات متعددة، تتضارب ولاءاتها الوطنية والسياسية، تبعاً لولاءاتها الطائفية ، وهذا ما أثبتت التجربة ضرره رغم كلّ نظريات التعددية .(7)
وعلى هذا الأساس، وتعليقاً على المواد المتعلقة بإنشاء مجلس للشيوخ، وإلغاء الطائفية السياسية، يرى الدكتور عزت الايوبي أن هذه المواد الدستورية تناقض بعضها البعض، بحيث يجد أنه لا بدّ من إبداء بعض الملاحظات حول إلغاء الطائفية ومنها :
1- إن اعتماد المراحل لإلغاء الطائفية يعني بقاء هذه الطائفية السياسية لمدة طويلة، لأن التجربة دلت على أن الأمور المؤقتة يطول أمدها أكثر فأكثر من الأمور الموقوفة لمدة محددة، وهنا لا بد من ذكر المسلمة التالية: “لا شيء يدوم سوى المؤقت”.
2- ان إلغاء الطائفية التي يسعى إلى تحقيقها مجلس النواب، قد عطله اعتماد الطائفية في مجلس الشيوخ، المقترح خصوصاً في المادة \22\ من الدستور، التي نصت على استحداث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية.
3- إن تمسك مختلف العهود الرئاسية، والطبقة الحاكمة، لغاية اندلاع الحرب الأهلية في لبنان 1975، بالصيغة الطائفية هو لتكريس امتيازاتها ،ما يمنع تطويرها لجعلها متلائمة مع التغيرات البنيوية الحاصلة في المجتمع اللبناني، بل إن الاستمرار في تطبيق الطائفية السياسية، أدى إلى تجميد عملية التطور نحو مجتمع تغلب فيه الروح المدنية والانتماء الوطني السليم.
4- إن اعتماد مبدأ سيادة الشعب مصدراً للسلطات ،كما أقرت مقدمة الدستور اللبناني، بدلاً من اعتماد مبدأ سيادة الأمة مصدراً للسلطات، أسلوب محتمل لتأهيل الطائفية السياسية.
5- إن انصهار الطوائف المختلفة في لبنان في وحدة الأمة،التي تمثل مجموع الأفراد والهيئات، من شأنه أن يؤدي إلى القضاء على التعدد الطائفي، الذي على أساسه تقسم السيادة وتجزأ على أفراد الشعب المتعدد الاتجاهات الطائفية.(8)
إذن يمكن القول، إنه في كلّ منحى من مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في لبنان، تلعب الطائفية دوراً بارزاً. ويلاحظ أن الأساس يرجع، إلى أن الدستور اللبناني وضع المدماك الأول في هيكل الطائفية السياسية عبر مادته الشهيرة \95\ وعوضاً من أن يأتي عهد الاستقلال فيصدر دستوراً يتلاءم مع لبنان المستقل، كرس هذا العهد المادة \95\ ودعمها. وقد جاء التعديل الدستوري سنة 1990 ليلغي الطائفية نصاً، ولكن إلغاءها عملياً من النفوس ما زالت أمامه خطوات كثيرة لم تبدأ بعد، وتحتاج لبذل جهود كثيرة من أجل تحقيقها.
ورد في مقدمة الدستور في البند ” ج ” ما يلي:
” إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية”.
أما المادة \95\ من الدستور المعدلة فإنها لا تلغي الطائفية السياسية حقيقة إلاّ على مراحل، لم تبدأ خطواتها الجدية الفاعلة بعد. لذلك كان لا بدّ من تشكيل هيئة وطنية تضم، بالإضافة إلى الرؤساء الثلاثة، شخصيات سياسية واجتماعية وثقافية، بحيث تكون مهمتها دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية السياسية وتقديمها إلى مجلس النواب والوزراء، ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.
ولكننا لغاية الآن، لم نلحظ أي محاولة جادة على صعيد تأليف اللجنة المكلفة إلغاء الطائفية السياسية. وفي هذا الصدد ،يقول الدكتور سليم الحص: إن إلغاء الطائفية السياسية ليس مسألة آنية، ولا يمكن تحقيقه بقرار سياسي فوري، بل يجب الإعداد له كي تصير النفوس مهيئة لتتقبله.
ولكن الواقع العملي، أن تعدد الولاءات ،وتعدد السيادات، وكثرة الامتيازات، في لبنان أدت إلى حلول الطائفية السياسية مكان القومية والولاء الوطني، لدرجة أن الطائفية اتسعت حتى شملت كل أمور الحياة اللبنانية، وإلى درجة بات معها المواطن يشعر وكأن الطائفية شبح يلازمه اينما ذهب.
ومن خلال ما تقدم، نرى أن إلغاء الطائفية السياسية في لبنان، ليس بالأمر السهل، الذي يمكن تحقيقه بين ليلة وضحاها، بل يحتاج إلى وقت طويل لا نعلم مداه. والسبب في ذلك يعود إلى أن اللبنانيين لم يهتموا بموضوع إلغاء الطائفية. ولكن لا بدّ من القول ،إن من حق اللبنانيين أن يُقترح عليهم مغادرة الطائفية طوعاً والابتعاد عنها بالقدر الذي يطيقونه.
إن ما نسعى، إليه هو إقامة الدليل على أن وجود نظام لا طائفي لا ينتهي إلى سحق الأقليات الطائفية، ولا إلى إرسـاء طغيـان طائفـي جديد سـافر أو مقنـع، فـإذا تماسك هـذا البرهان، وجد اللبنانيون حوافز إلى الدخول، وهم مطمئنون في تشكيلات سياسية غير طائفية ،وتراخت الضغوط التي ما تزال تحدّ من خطورة ” اللاطائفي” في السياسة وفي غيرها سواء بسواء.(9)
وأخيراً يمكن القول، إن الجوهر والأساس أن يعي الجميع حقيقة الديمقراطية والإيمان بأن الشعب، كل الشعب هو صاحب القرار في مصيره. وإذا كانت عراقة اللبنانيين في طوائفهم، تملي عليهم مزيداً من التحوط، فإن وثيقة الطائف، نصت على ضمانة هامة جداً، تتمثل في إنشاء مجلس للشيوخ على القاعدة الطائفية.
ولا بدّ من الإشارة، في هذا الصَّدد،إلى أن رئيس المجلس النيابي الأستاذ نبيه بري،قد أبدى استعداده لتقديم المساعدات اللازمة ،من أجل هندسة دستورية تؤدي، كما أقَر اتفاق الطائف إلى إلغاء الطائفية السياسية وإنشاء مجلس الشيوخ.
أما الوزير السابق بطرس حرب ، فقد عارض فكرة إلغاء الطائفية السياسية، حيث اعتبر أنه من المفيد التروي في سبيل مقاربة طرح تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية ،لكي لا يخلق شرخاً وطنياً نحن بغنى عنه.(10)
ومهما يكن من أمر، فإن الطائفية هي المشكلة الأكثر تعقيداً ،والتي تتناقض مع تطور النظام اللبناني وتقدمه، وهي موجودة في النصوص والنفوس، وإن كانت تلك النصوص لم تحترم ،والنفوس لم ترتدع. وبالتالي فلا الطائفية طبقت بعدالة، ولا هي عولجت بحكمة، من أجل مصلحة البلاد العليا.(11)
فالممارسة العملية وعقلية أرباب النظام، الذين استفادوا كثيراً من وجود هذه النصوص ،كرست الطائفية من خلال ممارستهم، لأنها برأيهم غير المعلن تمثل السلاح الأمضى للحفاظ على مصالحهم.
وفي مطلق الأحوال، نرى أنه لا بدّ من إلغاء الطائفية السياسية من النصوص ومن النفوس في آنٍ واحد،لأنها تغذي الانتماء إلى الطوائف، وتقوي العصبيات فيها من ناحية، ومن ناحية أخرى، تفقد الولاء الوطني للمواطنين تجاه دولتهم.
الفصل الثاني : الشروط الدستورية المرتبطة بإنشاء مجلس الشيوخ والآثار الايجابية التي يمكن تحقيقها:
إن فكـرة إعـادة نظـام المجلسيـن، قد راودت الرئيس كميـل شمعـون فـي الخمسينـات. وفي السبعينات أعاد كمال جنبلاط، الذي كان على رأس الحركة الوطنية، طرح نظام المجلسين. كما أن عدداً غير قليل من رجال السياسة والمفكرين قد دافعوا عنه، حتى ولو بمضامين مختلفة، بدءاً من ألفرد نقاش في الأربعينات.(12)
كما أن كلاّ ” من وليد جنبلاط ،والأمير مجيد إرسلان، والمرحوم الشيخ محمد أبو شقرا، من الطائفة الدرزية قد تقدموا بمشروع لإنشاء مجلس الشيوخ(13)، ولكن نلاحظ، أنه بالرغم من كل الجهود التي بذلت، فقد بقيت مسألة انشاء مجلس شيوخ حلماً يراود بعض المخيلات الى يومنا هذا.
وتنفيذأ لبنود اتفاق الطائف أقر إحياء وإعادة المادة \22\ من الدستور الملغاة، بموجب القانون الدستوري الصادر بتاريخ 21 أيلول 1990 والتي تنص على ما يلي:
” مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، يستحدث مجلس للشيوخ، تتمثل فيه جميع العائلات الروحية ،وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية”.
اما الشروط الدستورية لإنشاء مجلس الشيوخ فهي كما يلي:
يستفاد من نص المادة 22 من الدستور حسبما ورد بعد إحيائها بموجب القانون الدستوري الصادر بتاريخ 21 أيلول 1990 ،أن إنشاء مجلس للشيوخ ،يكون معلقاً على شروط من جهة، ثم إن اختصاصات هذا المجلس محددة على سبيل الحصر من جهة ثانية.
بالعودة إلـى النص الدستـوري اللبنـاني ،نجد أن إنشـاء مجـلس الشيـوخ يفترض انتخـاب مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، أي انتخاب مجلس نواب لا يخضع للمادة \24\ من الدستور حيث جاء النص:”وإلى أن يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، توزع المقاعد النيابية وفقاً للقواعد والأسس التالية:
• بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين.
• نسبياً بين طوائف كل من الفئتين.
• نسبياً بين المناطق.
وإن انتخاب المجلس النيابي على أساس لا طائفي، ينسجم مع ما جاء في الفقرة “ج” من مقدمة الدستور والتي تنص على ما يلي:
” إلغاء الطائفية السياسية ،هدف وطني أساسي، يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية.”
نلاحظ أن هذه الفقرة مطابقة للفقرة “ز” من البند الثاني “الإصلاحات السياسية” من الباب الأول المبادئ العامة والإصلاحات من وثيقة الوفاق الوطني أو وثيقة الطائف.(14) ولكن إلى كل ما تقدم فقد أضاف اتفاق الطائف ما يلي:
” إلغاء الطائفية السياسية، هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية، وعلى مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق هذا الهدف ،وتشكيل هيئة وطنية ، برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ،ورئيس مجلس الوزراء، شخصيات سياسية، واجتماعية، وفكرية، تكون مهمة الهيئة، إعداد ودراسة واقتراح السبل الكفيلة بإلغاء الطائفية ،وتقديمها إلى مجلس النواب والوزراء ومتابعة الخطة المرحلية”. وتتابع الفقرة:
ويتم خلال هذه المرحلة الانتقالية ما يلي:
-أ-إلغاء قاعدة التمثيل النسبي ،واعتماد الكفاءة، والخبرة، والاختصاص ،في تولي الوظائف العامة والقضاء،والمؤسسـات العسـكرية،والأمنية،والمؤسسات العامة،والخاصة، والمختلطة، والمصالح المستقلة، وفقاً لوثيقة الوفاق الوطني، باستثناء وظائف الفئة الأولى ، وما يعادلها، تكون فيها هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة، مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة.
وقد تم إدخال هذه الفقرة في المادة \95\ من الدستور مع إجراء تعديل طفيف لجهة تمثيل الطوائف، بصورة عادلة في تشكيل الوزارة.
ب- العمل على إلغاء ذكر الطائفة أو المذهب في بطاقة الهوية”.
إضافة إلى كل ما تقدم، فقد جاء في المادة العاشرة من الدستور ما يلي:
” لا يمكن، أن تمس حقوق الطوائف، من جهة مدارسها الخاصة، على أن تسير في ذلك وفقاً للأنظمة التي تصدرها الدولة في شأن المعارف العمومية”.
ولا بد من الإشارة هنا، ومن خلال كل ما ذكر، إلى إن إنشاء مجلس للشيوخ في لبنان، يتطلب إلغاء الطائفية السياسية، أي إلغاء المادتين \24\ و\95\ من الدستور اللبناني، وقد جرى الحديث في الآونة الأخيرة،عن إمكانية إحياء مجلس الشيوخ، كمخرج للخلاص من الطائفية السياسية في مجلس النواب اللبناني ،وفي البلاد بعد أن تفاقمت إلى حدّ غير مقبول.
الفقرة الأولى: الأهداف والصلاحيات والمزايا التي يمكن لمجلس الشيوخ العتيد تحقيقها:
لقد سبق لنا أن ذكرنا، أن اتفاق الطائف ، ومن بعده القانون الدستوري ،رقم 18\90 الذي صدر تطبيقاً له ،نصّا على إنشاء مؤسسة دستورية في لبنان ” مجلس الشيوخ “، تتكون على أساس مشاركة الطوائف في تكوين السلطة، وممارستها، بشكل يضمن حقوق الطوائف إزاء بعضها البعض.
وعلى هذا الأساس، سوف نتناول أولاً ،الحفاظ على حقوق الطوائف ،عبر إنشاء مجلس الشيوخ المرتقب، ثم نتطرق ثانياً، لاختصاص مجلس الشيوخ المرتقب، ثم نتكلم بعد ذلك ثالثاً، عن الآثار الإيجابية التي يمكن لمجلس الشيوخ العتيد تحقيقها.
الفقرة الثانية: الحفاظ على حقوق الطوائف عبر إنشاء مجلس الشيوخ المرتقب:
يُفهم من مضمون المادة 22 ، أن مجلس الشيوخ العتيد، سيكون ممثلاً للطوائف، فهو يمثل نوعاً من الاتحادية بين الطوائف، وهي اتحادية ترسخت خلال السنوات الطويلة، كما سبق لنا أن ذكرنا.
ونلاحظ أن مجلس الشيوخ العتيد، يتشابه من هذه الزاوية مع المجالس الثانية في الدول الاتحادية، التي تتخذ تسميات مختلفة بين دولة اتحادية وأخرى، ففي الولايات المتحدة الأميركية ، يسمى مجلس الشيوخ ، وفي بريطانيا مجلس اللوردات.
وفي حين، أن بعض الدول الاتحادية ، تعتمد مبدأ المساواة في تمثيل الدول المنضوية في الاتحاد، بحيث يكون لكل دولة عدد من المقاعد مساوٍ لعدد مقاعد كل من الدول الأخرى في هذا المجلس، بغض النظر عن عدد سكان كل دولة ومساحة أراضيها، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية، وفي الاتحاد السويسري، إذ تتمثل كل دولة أو كانتون بعدد مساوٍ من الأعضاء،بينما نجد أن بعض الدول الأخرى، كالاتحاد السوفياتي سابقاً تأخذ بعين الاعتبار عدد السكان ومساحة أرض الدولة في التمثيل ضمن المجلس الاتحادي.
انطلاقاً مما تقدم ، يمكن الاستنتاج أن نسبة تمثيل الطوائف ضمن مجلس الشيوخ المرتقب، سوف تكون أمام خيارين:
الخيار الأول: أن تتمثل جميع الطوائف بعددٍ متساو من الأعضاء في مجلس الشيوخ، بصرف النظر عن عدد أبناء الطائفة.
الخيار الثاني: أن تتمثل كل طائفة بعدد من الأعضاء يتناسب مع عدد أبناء كل طائفة، كأن تتمثل الطوائف الست الكبرى بعددٍ متساوٍ، وتتمثل بقية الطوائف بعدد أقل.
وفي اعتقادنا أن الخيار الأول هو الأنسب، والأصلح للتطبيق،لأنه يمثل عدالة التمثيل بالنسبة لكل الطوائف،لأن تركيبة لبنان الطائفية تفرض التعايش بين كافة الطوائف، دون النظر إلى حجم كل طائفة.
فضلاً عن ذلك، فإن رئاسة المجلس، قد خُصصت للطائفة الدرزية(15) من خلال المناقشات التي جرت بين النواب في الطائف، ولطالما كان هذا المطلب مطلباً درزياً. والسبب في ذلك، يعود إلى توزيع الرئاسات الثلاث طائفياً، فرئاسة الجمهورية للطائفة المارونية، ورئاسة مجلس النواب للطائفة الشيعية، ورئاسة مجلس الوزراء للطائفة السنية.
أما بالنسبة لانتخاب أعضاء مجلس الشيوخ من كل طائفة،فلا بدّ من أن يتم من قبل أبناء الطائفة وحدها.
وقد أعدّت مسودة مشروع قانون دستوري،تم بموجبها العمل على إنشاء مجلس للشيوخ، يشكل مع مجلس النواب السلطة الاشتراعية في البلاد. وبالفعل تسلم رئيس الجمهورية آنذاك العماد اميل لحود مسودة المشروع للتدقيق فيها وتحويلها إلى مشروع قانون، إلا أن هذا المشروع بقي عند رئيس الجمهورية ،ولم يطرحه على مجلس الوزراء لمناقشته، وإقراره، وبالتالي لم يحوله على مجلس النواب لإبداء رأيه به، بل إن هذا المشروع بقي حبراً على ورق ولم يبصر النور حتى يومنا هذا. (16)
وأخيرا” لا بدّ من الإشارة، إلى أنه بعد النص الدستوري (م 22) فإن إنشاء مجلس الشيوخ وتنظيمه، ووضع نظامه الداخلي، وتحديد صلاحياته، واختصاصاته، يجب أن يتم بموجب نصوص دستورية وقانونية ،وذلك على غرار النصوص المتعلقة بمجلس النواب.
الفقرة الثالثةً: اختصاصات مجلس الشيوخ المرتقب طبقاً للمادة \22\ من الدستور اللبناني:
نصت المادة \22\ من الدستور كما تعدلت، بالقانون الدستوري رقم 1990/18 على صلاحيات مجلس الشيوخ العتيد،” فحصرتها في القضايا المصيرية”.
ان غموض هذه المادة لجهة عدم الوضوح في تمثيل جميع العائلات الروحية في مجلس الشيوخ ولجهة عدم تحديدها بشكل واضح للقضايا المصيرية، يدفعنا الى طرح السؤال التالي: ما هي “القضايا المصيرية” التي تدخل ضمن اختصاص مجلس الشيوخ العتيد؟
بطبيعة الحال فإن الاجابة على هذا السؤال تفتح باب النقاش حول ما اذا كان يجب ان نسترشد بما هو متبع في الدول الاتحادية لتحديد اختصاصات مجلس الشيوخ في لبنان، او اذا كان لا بد من ابتداع صيغة جديدة لتحديد الصلاحيات والقضايا المصيرية التي تتناسب مع تركيبة لبنان الطوائفية – التوافقية الفريدة.
وبمعنى اوضح، اما ان يكون مجلس الشيوخ كمجلس اعلى على غرار مجلس الشيوخ في الدول التي تعتمد نظام المجلسين، بحيث يكون له سلطة المشاركة بالتشريع ، الامر الذي يحتم تعديل المادة 16 من الدستور التي تجعل من مجلس النواب الهيئة المشترعة الوحيدة على نحو، يجعل سلطة التشريع للبرلمان الذي يتكون من مجلسين مجلس الشيوخ ومجلس النواب.
واما ان يكون مجلس الشيوخ ذا اختصاص استشاري، بحيث يبدي رأيه في القضايا المصيرية للدولة وبذلك نكون ما زلنا امام نظام المجلس الواحد اي مجلس النواب.
وخلاصة القول ، ورغم ابهام المادة 22 من الدستور ، الا انها ارست قاعدتين اساسيتين ليس من الصعب ايجاد الاليات اللازمة لتحقيقهما بالتوافق بين كافة مكونات الوطن بما يحقق الهدف المنشود من اعادة احياء مجلس الشيوخ في لبنان.
القاعدة الاولى : تمثيل كافة الطوائف اللبنانية بشكل عادل في مجلس الشيوخ مقابل جعل مجلس النواب وطنياً لا طائفياً .
القاعدة الثانية: ورغم عدم تحديد القضايا المصيرية في هذه المادة بالذات ، فإننا يمكن ان نجدها في مكان آخر من الدستور، وهي المادة 65 الفقرة الخامسة ، تحت عنوان المواضيع الاساسية التي تحتاج الى موافقة ثلثي اعضاء مجلس الوزراء وهي: تعديل الدستور، إعلان حالة الطوارئ، وإلغاؤها، الحرب، السلم، التعبئة العامة، الاتفاقيات ،والمعاهدات الدولية، الموازنة العامة للدولة، الخطط الإنمائية الشاملة والطويلة، تعيين موظفي الفئة الأولى وما يعادلها، إعادة النظر في التقسيم الإداري، حل مجلس النواب، قانون الانتخابات، قانون الجنسية، إقالة الوزراء…. مع زيادة أو إنقاص بعض منها تبعاً لوضعية المجلس وأهمية باقي المواضيع.
يتبين من خلال ما تقدم، أن صلاحيات مجلس الشيوخ الذي ينتخب ويشكل لتمثيل” العائلات الروحية” أي الطوائف،هي صلاحيات مهمة وخطيرة وواسعة ومتشعبة، تحتاج إلى تشريع تفصيلي دقيق. لكنها تؤكد ،على قيام دولة ينسجم فيها الدين والدولة ، وتكفل حرية الجماعات، دون أن تعطيها سلطة التدخل التنفيذي الذي يجعل من الدولة مفككة ،وفاسدة بالمحسوبية والزبائنية،وتنـازع العصبيات. ويكون تدخل الطوائف بهذا السبيل،تدخلاً في العام وليس الخاص، فتنتفي احتمالات الهيمنة والمحاصصة. ويؤكد ميثاق العيش المشترك عبر المناصفة المسيحية الاسلامية اللتان تشكلان العنوانين الأساسيين لثقافة البلاد، وعبر الرئاسة الادارية ،والمداورة السنوية، لجميع الطوائف المعترف بها من دون امتيازات خاصة ،سوى ما يقـره القانون، لعضو مجلس الشيوخ.
ولنجـاح مهمــة المجلس، يتشكل مكتبه من الرئيس، ومجموعة من كبار المشرعين ، الذين يتولون بلورة المقترحات بعد دراسة المشاريع التي تحال على المجلس.(17)
وأخيراً، نعتقد أن مجلس الشيوخ المرتقب ، يجب أن يكون على غرار مجالس الدول، التي تعتمد نظام المجلسين لأسباب جغرافية أو اجتماعية، لما يشكله إنشاء مجلس الشيوخ من ضمانة لبلد متنوع المذاهب والطوائف، ويفترض أن يكون مجلساً فعلياً ،لا مؤسسة صورية لا صلاحيات لها، بل أن يكون له الدور الأساسي في تشريع القوانين، الاستراتيجية العادلة، لا الظرفية، وأن يكون، غير خاضع في جميع أعماله ،وتصرفاته، لأي غالبية، بل يتمتع بالاستقلالية التامة، وليس من إمكانية لحله مما يؤمن الاستمرارية، ويشكل منفذا” للخروج من الطائفية السياسية في مجلس النواب اللبناني. وبالتالي يكون مجلس الشيوخ ذا طبيعة تقريرية لا استشارية.(18)
وهكذا يمكن تحديد بعض صلاحيات مجلس الشيوخ العتيد على الوجه الآتي:
1- الاختصاص التشريعي: ويتناول بالدرجة الأولى قوانين الانتخاب، بالإضافة إلى المسائل التي تهم الطوائف على اختلاف أنواعها، لا سيما القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية ( الحقوق العائلية) والمحاكم التي تطبق تلك القوانين، هذا بالإضافة إلى المسائل الأخرى ذات الأهمية، والمتعلقة بالطوائف ومنها قانون الجنسية إلى ما هنالك….
2- مناقشة واقرار كافة القضايا المصيرية المنصوص عليها في المادة 65 من الدستور.
3- تعديل الدستور.
4- الاهتمام بجميع الأمور التي تهم الوطن ،لا سيما تلك المتعلقة بقانون الجنسية، وسائر القوانين، التي من شأنها المحافظة على كيان لبنان، ووحدته.
5- يشترك مجلس الشيوخ، مع رئيس الجمهورية، في إقرار الاتفاقيات، والمعاهدات الدولية.
6- الخطط الإنمائية ،التي تحتاج لتنفيذها وقتاً طويلاً، واتباع كافة الأساليب، التي من شأنها المحافظة على الاقتصاد الحر،باعتباره الأساس الذي يبنى عليه المجتمع اللبناني، واتخاذ الإجراءات اللازمة، للحدّ من المشاكل التي يمكن أن تزعزع الاقتصاد اللبناني، وتعيق تطوره وازدهاره.
7- يتمتع أعضاء مجلس الشيوخ، بالحصانات نفسها التي يتمتع بها النواب، ونفس المخصصات.
8- يمنع على أي عضو في مجلس الشيوخ ،أن يمارس أي عمل خاص إلى جانب وظيفته، أو يشارك في إدارة أية مؤسسات عامة أو خاصة.
9- يحق لمجلس الشيوخ أن يمارس حق النقض التعطيلي على أي تشريع أو قرار ضمن صلاحياته، ويلزم السلطات المعنية بمراجعته، حتى يستقيم الأمر،مع التوجهات التي يقترحها، ضماناً للحفاظ على الميثاق الوطني.
10- لمجلس الشيوخ ،الحق في أن يسمي ثلث أعضاء المجلس الدستوري ،ومجلس القضاء الأعلى، الذي يكون قد صار المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
11- للمجلس،أن يتخذ بشخص الشيوخ ممثلي الطوائف،الصلاحيات التي أعطيت لرؤساء الطوائف، أمام المجلس الدستوري، أو لعشرة من أعضائه، كما هو الحال في مجلس النواب.(19)
الفقرة الرابعة: الآثار الإيجابية التي يمكن لمجلس الشيوخ العتيد تحقيقها:
بالرغم من أن إنشاء مجلس للشيوخ ، يلعب دوراً بارزاً في المحافظة على حقوق ومصالح الأقليات، من جهة، ويتيح التمثيل العادل، والمتوازن للطوائف، ويضمن حقوقها، ويؤمن إطاراً، يتم عبره التواصل والحوار الوطني ،بين ممثلي الطوائف من جهة أخرى، فإننا نلاحظ ،أن معالجة مسألة الطائفية والتخلص من آثارها السلبية ،هي عملية تحتاج إلى معالجة دقيقة، وحساسة في جميع مواقعها وعوامل تدفقها،ومفاصل استمرارها. وبالتالي فإن الحل الأنسب للخروج مـن هذه الأزمـة، يكـون عبر إنشاء مجلس للشيوخ، يكون من أهم أهدافه، العمل على إلغاء الطائفية، وتحقيق المساواة بيــن جميـع المواطنين، رغم اختلاف طوائفهم، عبـر اعتماد النصوص الدستورية الواضحة، والصريحة،التي تعترف بحقـوق الطوائف المختلفة،على قدم المساواة،دون تمييز إحداها عن الأخرى، الأمر الذي يساعد على استمرارية العمل في المؤسسات العامة ،ويعزز الولاء الوطني، وبناء الدولة الحديثة ، وبذلك يكون مجلس الشيوخ أساس هذا المشروع، ومن أهم أهدافه: (20)
1- إشراك الحال الطائفية في إطار دستوري ،يضمن تحقيق المساواة في التمثيل، بين مختلف الطوائف، بمعزل عن عددها لأن الكثرة العددية، لا يجوز أن تتحول إلى ديمقراطية أكثرية عددية.
2- العمل على تثبيت الوفاق الوطني.
3- السعي لتعزيز ميثاق العيش المشترك ،وتحقيق التوازن بين جميع أفراد المجتمع ، وتعميق الوحدة الوطنية، وهذا ما نصت عليه مقدمة الدستور اللبناني.
4- العمل على تحقيق التوازن، والتمثيل العادل، بين المجموعات على اختلاف أنواعها: تيارات، أحزاب سياسية، وهيئات وجماعات إلى ما هنالك.
5- الحد من الأزمات، والصراعات، وحالات التشرذم، التي يمكن أن تسود مجلس النواب، والتي من شأنها عرقلة عمل البرلمان، بدلاً من تسيير الأمور على وجه صحيح(21).
6- امكان اعتماد قانون انتخابي عادل ،تتمثل فيه جميع الطوائف، مما يؤمن الانصهار الاجتماعي، والولاء الوطني،وبناء الدولة،وعدم إفساح المجال أمام الممولين الكبار بالانخراط في العمل السياسي،واستعمال أموالهم ونفوذهم،الأمر الذي يساهم في إضعاف دور المال في العملية الانتخابية.
7- إعادة النظر،في بعض القوانين التي يسنّها مجلس النواب مرة ثانية ومناقشتها وتفسيرها ،لا سيما تلك التي تدخل في صلاحيات مجلس الشيوخ. (22)
8- السعي إلى المحافظة على حقوق ومصالح أي طائفة من الطوائف، ومواجهة جميع التحديات التي يمكن أن تؤدي إلى إلغاء أو تهميش أية طائفة، مهما تنامت وتطورت أعداد الطوائف الأخرى، ضمن الوطن الواحد.
9- يكون “صقور” كل طائفة في مجلس الشيوخ، أي ضمن النظام وليس خارجه، ويكون الرأي السائد في مجلس الشيوخ للأكثرية.(23)
10- إلغاء الطائفية السياسية،التي حالت دون بناء الدولة، بكل ما تعنيه هذه العبارة، من مؤسسات وتشريعات، وتعزيز الولاء الوطني،والانصهار الاجتماعي،والثقافي، لأن الطائفية السياسية خلقت التعصب الطائفي،الذي يتنافى مع مبدأ وجوهر الدين،كما يتنافى مع مبدأ التفاعل والتلاحم الاجتماعي.
11- توفير شروط معينة من أجل ظهور كتل وطنية ،تسعى إلى تطوير عمل البرلمان ، والوزارة، والإدارة، مما يسمح بتخليص مجلس النواب من القيود الطائفية. على نحو يساعد على بناء دولة المؤسسات، بعيداً عن المشاكل والصراعات، التي من شأنها أن تعيق بناء الدولة بجميع مؤسساتها.
12- مما لا شك فيـه، أن مجلس الشيوخ العتيد، سوف يستوعب مخاوف الطوائف المختلفة من هواجسها، في بعض الملفات الدقيقة التي تحتاج إلى بحث وتحليل معمق للحيلولة دون سيطرة أي طائفة على أخرى، بحيث تتيح لكل طائفة مناقشتها ،بما يطمئنها ويضمن حقوقها، ومصالحها، مما يؤدي إلى إزالة الهواجس بالكامل.
الخاتمة:
نرى من خلال بحثنا ، أن نظام المجلسين هو النظام السائد في عدد كبير من الدول، والغاية التي نشأ من أجلها هذا النظام،هو أن يكون لفئات معينة في الدولة، كالمناطق ، أو الولايات، أو الكيانات، الاجتماعية تمثيل خاص.
كما يؤدي نظام المجلسين من جهة أخرى ، إلى منع الخطأ والتسرع في التشريع، لأنه إذا أخطأ أحد المجلسين تلافى الآخر خطأ الأول عند عرض الأمر عليه، وإعادة مناقشة القانون مرة ثانية بالمجلس الآخر تؤدي إلى تلافي الأخطاء. إن نظام المجلسين ،يؤدي إلى رفع أداء أعضاء المجالس النيابية، فإذا جعلنا أحد المجلسين منتخباً بالاقتراع العام بلا شرط أو قيد، فإننا نستطيع أن نجعل انتخاب المجلس الآخر بشروط معينة تسمح بايجاد الكفاءات، كما نستطيع أن ندخل فيه هذه العناصر بطريقة التعيين. كما أن نظام المجلسين ،يقلل من الاصطدام بين السلطتين، التشريعية، والتنفيذية، الأمر الكثير الوقوع، فإذا وقع نزاع بين أحد المجلسين، والوزارة ،قام المجلس الآخر بدور الحكم بينهما. أما إذا كان النزاع بين المجلسين معاً والسلطة التنفيذية ،فغالباً ما تكون فيه دلالة صادقة على صحة وجهة نظر السلطة التشريعية.
انطلاقاً مما تقدّم، نرى ضرورة إنشاء مؤسسة جديدة،هي مجلس الشيوخ، تتمثل فيه جميع العائلات الروحية، بنسب متساوية، وتكون له الكلمة الفصل في جميع القضايا المصيرية ، خصوصاً ما يتعلق فيها بكيان لبنان ومقوماته، والعيش المشترك، وتحقيق التوازن العادل ،والاتفاقيات، والمعاهدات، في الخارج.
مما لا شك فيه، أن معالجة هذه المسألة قد تعترضها بعض الصعوبات، وأبرزها ، ارتباط إنشاء مجلس الشيوخ بإلغاء الطائفية السياسية، وبالتحديد إلغاء التمثـيل الطـائفي ، والمذهبـي، فـي مجـلس النواب، الأمر الذي لم يحصل حتى الآن، ولا يتوقع حصوله على المدى القريب، بسبب تغلب الحالة الطائفية، والمذهبية،حتى أصبحتا قاعدة التعامل الرسمي في البلاد. ذلك على الرغم من مساعي الرئيس نبيه بري ،الذي دعا إلى ضرورة تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، تنفيذاً للمادة \95\ من اتفاق الطائف وضرورة إنشاء مجلس للشيوخ ،يتيح التمثيل العادل والمتوازن بين الطوائف، ويؤمن إطاراً يتم عبره الحوار بين ممثلي الطوائف. واعتبر أن مجلس الشيوخ، يشكل بنداً هاماً من بنود اتفاق الطائف (دستور لبنان)، ولم يكن له نصيب في التطبيق، على غرار عدد من البنود الأخرى. ولكن هذه المساعي تعرضت لبعض الاعتراضات، والانتقادات، من المستفيدين من بقاء الطائفية، لكي تستمر زعاماتهم ، ونفوذهم، الذي يتعارض مع الديمقراطية الحديثة ومبدأ تداول السلطة، واعتماد الكفاءة كأساس في تولي الوظائف العامة.
وبالتالي، فإن الخروج من الأزمة ،يكون في تطبيق اتفاق الطائف ،بعلاجين للمعضلة الحالية، العلاج الأول عبر تنفيذ المادة \22\ من الدستور، والعمل على تضمين القانون انتخاب أعضاء هذا المجلس بصوت واحد للناخب، أي بإلغاء الامتياز الحالي بالتصويت للائحة، من عدة مرشحين، وبالتالي يكون الناخب أمام خيار واحد ،فيقترع بالتأكيد لمرشح واحد من أبناء طائفته ،ليكون عضواً في مجلس الشيوخ، يراد انتخابه على أساس طائفي.
أما العلاج الثاني فيكون : بتدعيم مبدأ المناصفة في التمثيل البرلماني، بين” المسيحيين والمسلمين” بإقرار مبدأ المساواة في عدد المقاعد للطوائف الإسلامية، والمسيحية الست الكبرى وبعدد مقاعد الأقليات الإسلامية والمسيحية في مجلس الشيوخ.
وأخيراً نتساءل: هل سيأتي إنشاء مجلس الشيوخ بالحل الناجع للمعضلة اللبنانية؟ وهل أن إلغاء الطائفية السياسية هو بدوره أيضاً، سيكمل الصورة المشرقة المستقبلية التي ينتظرها أولادنا؟
الجواب على ذلك، أنه لا بدّ من أن يكون هناك آلية محددة لإلغاء الطائفية السياسية في قانون انتخاب مجلس النواب، وحصر نظامها في مجلس مستحدث للشيوخ. وإذا كان المجتمعون في الطائف عام 1989 لحظوا آلية مرحلية لقانون انتخاب لا طائفي، فإن مقتضيات التطور، والانصهار الوطني تفرض اليوم التفكير جدياً في وضع هذا الأمر موضع التنفيذ. وفي ظل الإجماع القائم على وضع قانون انتخابي جديد يراعي صحة التمثيل، حان وقت اتخاذ قرار بأن يكون المجلس النيابي المقبل، لا طائفياً ،وأن يشكل في موازاته مجلس الشيوخ ،الذي تتمثل فيه جميع العائلات الروحية في لبنان.
وفي هذا السياق، لا يمكن تصور بناء وطن بدون استكمال تطبيق اتفاق الطائف،والعودة بتطبيقه إلى الحس السليم ،والمنطق الصحيح، أي تشكيل الهيئة الوطنية لإنشاء مجلس للشيوخ، على أساس طائفي لتحتفظ كل الطوائف بحقوقها المتساوية. وبذلك يكون مجلس الشيوخ المؤسسة التي تسمح لمختلف الطوائف بالعيش المشترك ،بكل حرية ،وطمأنينة، بعيدا” عن أي واقع تصادمي.
نستنتج من كلّ ما تقدم، ومن خلال الدور الذي تمارسه المجالس الثانية في الدول التي تطرقنا إليها، أنه من الممكن أن يكون هناك مجلس للشيوخ في لبنان تطبيقاً لاتفاق الطائف، يلعب دوراً مشابهاً للدول التي اعتمدته، بالإضافة إلى أنه يشكل صمام الأمان بالنسبة لكافة الطوائف التي تتمثل فيه.
مسودة إنشاء مجلس الشيوخ المقترحة في تشرين الأول 2002:
أعدَت مسودة مشروع قانون دستوري تم بموجبها العمل على إنشاء مجلس للشيوخ يشكل مع مجلس النواب السلطة الاشتراعية في البلاد. وبالفعل تسلم رئيس الجمهورية مسودة المشروع للتدقيق فيها وتحويلها إلى مشروع قانون.
إلاّ أن هذا المشروع بقي عند رئيس الجمهورية آنذاك العماد اميل لحود ولم يطرحه على مجلس الوزراء لمناقشته وإقراره وبالتالي لم يحوله على مجلس النواب لإبداء رأيه به بل إن هذا المشروع بقي حبرا” على ورق ولم يبصر النور حتى يومنا هذا.
وبالتالي فإنه من الفائدة عرض جميع الأمور التي وردت في مسودة إنشاء مجلس الشيوخ خصوصاً فيما يتعلق بتأليفه وشروط الترشيح لعضوية المجلس ومدة ولايته والصلاحيات التي يمارسها وذلك على الشكل التالي:
1- تأليف مجلس الشيوخ: يتألف مجلس الشيوخ من 64 نائباً، أي من نصف أعضاء مجلس النواب، مناصفة بين المسيحيين والمسلمين.
2- شروط الترشيح: هي نفس الشروط الواجب توافرها في الترشيح لعضوية مجلس النواب، في حين أن رئاسة هذا المجلس خُصصت للطائفة الدرزية. بحيث تكون هذه الرئاسة الرابعة للجمهورية بعد رئيس الجمهورية الماروني، ورئيس مجلس النواب شيعي، ورئيس مجلس الوزراء سني، أما نائب رئيس مجلس الشيوخ فقد خصّص لطائفة الروم الكاثوليك.
3- في ما يتعلق بالدوائر الانتخابية: يوزع الشيوخ الـ 64 ما بين 50 إلى 60 دائرة انتخابية بحيث يكون للدائرة الواحدة مرشح واحد وللدوائر أخرى مرشحان كحدّ” أقصى من أجل منح الناخبين التطمينات الضرورية إلى صحة التمثيل الشعبي. أما عند توزيع الدوائر عدد سكان كل دائرة في تجمعاتهم الطائفية.
4- مدة ولاية مجلس الشيوخ: هي نفس مدة ولاية مجلس النواب، وهي أربع سنوات. ويتمتع أعضاؤه بجميع الحصانات والامتيازات التي يتمتع بها أعضاء مجلس النواب.
5- صلاحيات مجلس الشيوخ المذكورة في المسودة:تدخل ضمن صلاحيات مجلس الشيوخ المرتقب درس مشاريع القوانين لا سيما تلك المتعلقة بقانون الأحوال الشخصية، وتعديل الدستور، والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وإلغاء الطائفية السايسية، والتعليم الخاص، إلاّ أنه لم يقاسم مجلس النواب صلاحية الاشتراع، فضلاً عن أنه لم ينتزع من مجلس الوزراء أي الحكومة جزء من الصلاحيات المناطة بها، ولم يتدخل في القوانين التي تدخل حصراً في صلاحية مجلس النواب خصوصاً فيما يتعلق بالقروض والموازنة التي جعلها الدستور مناطة بمجلس النواب وحده.
مما لا شك فيـه، أن مجلس الشيوخ العتيد سوف يستـوعب مخاوف الطوائف المختلفة من هواجسها في بعض الملفات الدقيقة التي تحتاج إلى بحث وتحليل معمّق للحيلولة دون سيطرة أي طائفة على أخرى بحيث تتيح لها مناقشتها بما يطمئنها ويضمن حقوقها ومصالحها مما يؤدي إلى إزالة الهواجس بالكامل(24).
مراجع ومصادر:
(1) د. أنور الخطيب، المجموعة الدستورية، دستور لبنان-السلطات العامة، جزء /5/مؤسسة عاصي للإعلام و التوزيع، بيروت 1970، ص 271 وما يليها.
(2) محاضر المجمع النيابي الذي أقر التعديل والمنشور في الجريدة الرسمية باللغتين العربية والفرنسية عام 1927.
(3) جريدة النهار، مقال للمحامي جوزيف مغيزل، “تجربة مجلس الشيوخ في لبنان” تاريخ 1984/3/18.
(4) د. ادمون رباط، الوسيط في القانون الدستوري لبنان، دار العلم للملايين ، بيروت 1970، ص 170.
(5) وثيقة الوفاق الوطني كما صدقها مجلس النواب بتاريخ 1998/11/15
(6) المنشور في ملحق خاص للعدد 39 من الجريدة الرسمية، تاريخ 1990/9/27
(7) د. زهير شكر، المرجع السابق، ص 1011.
(8) د. عزت الأيوبي، محاضرات في القانون الدستوري، لا ناشر، 1996-1997.
(9) أحمد بيضون، “المجتمع النيابي- دراسات لبنانية مهداة إلى جوزيف مغيزل”، دار النهار للنشر، بيروت1996، ص 164.
(10) دار الحياة السعودية، تصدر في الرياض، تاريخ 24 كانون الثاني للعام 2010.
(11) د. قبلان عبد المنعم قبلان، المؤسسات الدستورية في لبنان بين النص والممارسة في ضوء اتفاق الطائف، المنشورات الحقوقية
(12) صادر، سنة 2004، ص 118.
(13) راجع ما كتبه الصحافي نواف سلام في جريدة النهار، “نظرة ثانية في مسألة التمثيل السياسي للبنانيين” تاريخ 1996/2/10.
(14) جريدة النهار- “إرسلان يحضر لمشروع متكامل يتعلق بإنشاء مجلس الشيوخ” تاريخ 1996/12/9.
(15) وثيقة الوفاق الوطني كما صدَقها مجلس النواب بتاريخ 1989/11/15.
(16) راجع ما كتبه الصحافي نقولا ناصيف في جريدة النهار، “مجلس الشيوخ قطعة جديدة من جبنة الدستور موزعة على الطوائف”، تاريخ 2002/10/7
(17) راجع مسودة إنشاء مجلس الشيوخ في جريدة النهار، نقولا ناصيف، تاريخ 2002/9/26
(18) د. زهير شكر، الوسيط، مرجع سابق، ص 778.
(19) جريدة السفير مقال للنائب وليد جنبلاط، مسودة مجلس الشيوخ تنجز خلال أيام، تاريخ 2002/10/2.
(20) جريدة السفير، العدد 11783، 8 كانون الثاني 2011، مقال للمحامي والكاتب السياسي سليمان تقي الدين، حول “نظام المجلسين في لبنان وصلاحيات مجلس الشيوخ”، ص 18.
(21) راجع ما كتبه الصحافي إميل خوري في جريدة النهار، “تعديل الدستور للدائرة الواحدة ولمجلس شيوخ يستتبع تعديلات أخرى”، تاريخ 2002/10/7.
(22) راجع ما كتبه الصحافي نواف كبارة في جريدة النهار، “قانون الانتخاب الجديد، الحل باعتماد مبدأ المجلسين”، تاريخ 199/5/6.
(23) راجع ما كتبه الصحافي نقولا ناصيف في جريدة النهار، “صلاحيات ترمي إلى طمأنة الدروز والموارنة: مجلس شيوخ بدائرة صغرى يعوض الدائرة الواحدة،”، تاريخ 2002/9/26.
(24) راجع ما كتبه شوقي طنوس خوري ، جريدة النهار “اقتراح حل الجمهورية الثالثة، تاريخ 2004/8/6.
(25) راجع مسودة إنشاء مجلس الشيوخ في جريدة النهار،نقولا ناصيف، تاريخ 2002/9/26.
* نشرت هذه الدراسة في العدد الجديد من مجلّة “الحياة النيابية” الصادرة عن مجس النواب اللبناني.
“محكمة” – الأحد في 2023/7/9