تحقّق عناصر جرم الإفتراء/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
إعتبرت محكمة استئناف الجنح في جبل لبنان جديدة المتن المؤلّفة من القضاة الرئيس فيصل حيدر والمستشارين ناظم الخوري وساندرا القسيس أنّ جرم الافتراء لا تتحقّق عناصره إلاّ إذا ثبت في الملفّ أنّ المدعى عليه تقدّم بشكواه ضدّ المدعي عن سوء نيّة، مدلياً بوقائع كاذبة وبأدلّة مادية مختلفة وهو عالم ببراءته منها على أن يصدر عن السلطة القضائية الناظرة في الدعوى قرار يقضي بكذب الشكوى.
كما اعتبرت المحكمة أنّ المدعى عليه كان سيئ النيّة واختلق وقائع مادية ونسب إلى المدعي ارتكابه جرماً جزائياً يعرف براءته منه.
وقضت بفسخ الحكم المستأنف وبإدانة المدعى عليه.
وممّا جاء في القرار الصادر بتاريخ 2010/2/24.
ثانياً: في الأساس:
حيث من خلال استعراض كافة معطيات القضيّة المعروضة ووقائع التحقيقات الأوّلية ومجريات المحاكمة الابتدائية والاستئنافية والأوراق المبرزة، تبيّن لهذه المحكمة أنّ المدعى عليه سامر والمدعو نبيل تقدّما بشكوى جزائية لدى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان طالبين إدانة المدعي المستأنف رمزي بجرم الاحتيال وأدليا بأنّهما اتفقا مع المدعي بأن يشتريا منه كمية من خطوط الهاتف الخلوي بأسعار مغرية وعلى هذا الأساس توجّها بتاريخ 1999/12/17 إلى منزل المدعي حيث التقيا به أمام البناء فاستلم المدعي من المدعى عليه سامر مبلغاً من المال قدره خمسة آلاف دولار أميركي واستلم من المدعو نبيل شيكاً بقيمة 6400 دولار أميركي بعدها صعد المدعي إلى منزله ليحضر البضاعة، لكنّه بدل أن يحضرها خرج من البناء من المدخل الثاني واستولى على الأموال النقدية وعلى الشيك، وفي خاتمة الشكوى طلب المدعى عليه سامر إلزام المدعي بدفع المبلغ النقدي، في حين طلب المدعو نبيل إلزام المدعي بإعادة الشيك. وبنتيجة التحقيقات الأوّلية تمّ توقيف المدعي رمزي مدّة شهرين تقريباً وادعت النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان بحقّ المدعي، ومن ثمّ أسقط المدعو نبيل حقوقه الشخصية فأصدر القاضي المنفرد الجزائي في المتن حكماً قضى بإدانة المدعي رمزي بجنحة المادة 655 عقوبات كونه أقدم على إيهام المدعو نبيل بقدرته على بيعه خطوطاً بأسعار مضاربة واستلم منه شيكاً وتوارى عن الأنظار دون أن يسلّمه شيئاً. أمّا بالنسبة للمدعى عليه سامر، فاعتبر الحكم أنّ هذا الأخير لم يثبت تسليمه المال للمدعي فجرى ردّ كافة طلباته وتقرّر كفّ التعقّبات المساقة بحقّ المدعي لجهة ما نسبه إليه المدعى عليه، فاستأنف المدعي الحكم الابتدائي بحيث فسخت محكمة الاستئناف الحكم المذكور وحكمت مجدّداً بوقف التعقّبات بحقّ محكمة الاستئناف الحكم المذكور، وحكمت مجدّداً بوقف التعقّبات بحقّ المدعي، معتبرة أنّ النزاع الحاصل هو نزاع مدني مرتبط مباشرة بعقد تأمين خطوط هاتف خلوية ولا وجود لعناصر أيّ جرم جزائي سيّما جرم المادة 655 عقوبات خصوصاً وأنّ نبيل أسقط حقوقه الشخصية وأنّ المدعى عليه (م) لم يتابع دعواه ضدّ المدعي وأضاف القرار الاستئنافي أنّ المدعي اعترف بأنّه استلم شيكاً من المدعو نبيل ولم يصرفه لعدم انجاز صفقة بيع خطوط الهاتف، لكنّه أنكر أن يكون استلم من المدعى عليه (م) أيّة مبالغ مالية فيما أكّد نبيل أنّ المدعي لم يستلم مبالغ مالية نقدية من المدعى عليه (م) وعلى هذا الأساس تقدّم المدعي بالشكوى الراهنة طالباً إدانة المدعى عليه بجرم الافتراء، وأثناء المحاكمة جرى الاستماع إلى إفادة الشاهد نبيل الذي أكّد أنّ المدعى عليه سلّم المدعي مبلغاً نقدياً قدره خمسة آلاف دولار أميركي لشراء خطوط هاتف خلوي، ولكنّه لم يسلّمه الخطوط ولم يُعِد له المال.
وحيث إنّ جرم الافتراء لا تتحقّق عناصره إذا ثبت في الملفّ أنّ المدعى عليه تقدّم بشكواه ضدّ المدعي عن سوء نيّة مدلياً ضدّه بوقائع كاذبة وبأدلّة مادية مختلفة وهو عالم ببراءته منها، على أن يصدر عن السلطة القضائية الناظرة في الدعوى قراراً يقضي بكذب الشكوى.
وحيث من الثابت في الملفّ أنّ المدعى عليه سامر تقدّم بشكوى جزائية ضدّ المدعي وطلب إدانته بجرم الاحتيال كونه أخذ منه مبلغاً من المال لتسليمه كمّية من البضاعة لكنّه لم يفعل وبنتيجة المحاكمة صدر حكم بكفّ التعقّبات لعدم ثبوت تسليم المال وبردّ طلبات المدعى عليه، وقد رضخ المدعى عليه للحكم ولم يستأنفه رغم إبلاغه إيّاه أصولاً، ولو كان فعلاً مصرّاً على حقوقه وواثقاً من أقواله ومدركاً لصحّة وثبوت الوقائع التي أدلى بها لكان بإمكانه أن يتابع الدعوى بداية، أو أن يستأنف الحكم علماً أنّه لم يحضر جلسة المحاكمة الأخيرة أمام المحكمة على الرغم من إبلاغه أصولاً فتمّت محاكمته بمثابة الوجاهي هذا من جهة أولى، ومن جهة ثانية أكّد شريك المدعى عليه في الدعوى ضدّ المدعي وهو المدعو نبيل لدى استجوابه بدايةً أنّ المدعي لم يستلم مبالغ مالية نقدية من المدعى (م) وقد تأكّدت هذه الأقوال في القرار الاستئنافي المبرزة صورته في الملفّ ولا عبرة للإفادة المغايرة التي أدلى بها الشاهد المذكور في مرحلة لاحقة، ومن جهة ثالثة كيف يمكن تسليم مبلغ من المال قدره خمسة آلاف دولار أميركي لشخص أمام منزله وانتظاره مدّة ربع ساعة لاحضار البضاعة بدلاً من استلام البضاعة وتسليم المال في الوقت عينه؟ وهذه الواقعة تكفي لوحدها لجعل القصّة التي جرى سردها من قبل المدعى عليه غير قابلة للتصديق، وبالتالي تستنتج المحكمة ممّا ذكر أعلاه أنّ النزاع الذي كان قائماً بين فريقي الدعوى الحاضرة هو نزاع مدني وقد حاول المدعى عليه أن يعطيه صبغة جزائية عن طريق شكوى قدّمها للنيابة العامة الاستئنافية واستعملها كوسيلة ضاغطة تجعل المدعي يرضخ لشروطه وشروط شريكه، وقد أدّى هذا الأمر إلى توقيف المدعي مدّة شهرين، لذلك ترى المحكمة أنّ المدعى عليه كان سيئ النيّة واختلق وقائع مادية ونسب إلى المدعي ارتكابه جرماً جزائياً يعرف ببراءته منه، ممّا يجعل عناصر المادة /403/ من قانون العقوبات متوافرة بحقّه ويقتضي ادانته بمقتضاها.
وحيث إنّ الحكم المستأنف الذي قضى بإعلان براءة المدعى عليه يكون واقعاً في غير موقعه القانوني السليم ومستوجباً الفسخ للأسباب المذكورة أعلاه، ويقتضي بالتالي رؤية الدعوى انتفالاً والحكم مجدّداً بإدانة المدعى عليه سامر بمقتضى المادة /403/ من قانون العقوبات وعدم إنزال عقوبة بحقّه لعدم وجود استئناف من النيابة العامة، كما يقتضي إلزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعي رمزي مبلغاً قدره خمسة ملايين ليرة لبنانية تعويضاً عن الأضرار اللاحقة به.
وحيث يقتضي ردّ سائر الأسباب والمطالب الزائدة أو المخالفة إمّا لكونها لاقت ردّاً ضمنياً في ما سبق، وإمّا لعدم تأثيرها على النتيجة.
لهذه الأسباب، وبعد الاستماع الى مطالعة النيابة العامة
تقرّر المحكمة بالاجماع:
1- قبول الاستئناف المقدّم من المدعي رمزي شكلاً.
2- في الأساس فسخ الحكم المستأنف ورؤية الدعوى انتقالاً والحكم مجدّداً بإدانة المدعى عليه سامر بمقتضى المادة /403/ من قانون العقوبات وعدم إنزال عقوبة بحقّه لعدم وجود استئناف من قبل النيابة العامة.
3- إلزام المدعى عليه سامر بأن يدفع للمدعي رمزي مبلغاً قدره خمسة ملايين ليرة لبنانية تعويضاً عن الأضرار اللاحقة به.
4- ردّ سائر الأسباب والمطالب الزائدة أو المخالفة.
5- تدريك المستأنف عليه الرسوم والمصاريف كافة.
قراراً وجاهياً بحقّ المستأنف، بمثابة الوجاهي بحقّ المستأنف عليه، صدر وافهم علناً في جديدة المتن بحضور ممثّل النيابة العامة بتاريخ 2010/2/24.