“ترسيـم الحـدود” بيـن قـانـونيـن للإيجارات/هادي خليفة
بقلم المحامي هادي خليفة:
أورد العلاّمة الفرنسي Paul Roubier في كتابه الشهير Le droit transitoire ما يلــــي:
C’est donc une erreur complète de croire que le contenu de la loi puisse servir de base à la solution des conflits de lois dans le temps; ce qu’il importe de rechercher, c’est quelle est l’ incidence de la loi sur les situations juridiques, et selon que la loi nouvelle doit atteindre ces situations à tel ou tel moment, son action pourra être admise vis- à- vis des situations qui n’ ont pas encore atteint ce moment, ou devra être écartée vis-à-vis de celles qui l’ont dépassé.
وعلى وقع حالة التشريع في لبنان التي لم تعد تتشـرّب الجاذبية في التشريع لا سيّما في القانونيّـن الأخيرين المتعلّقين بعقود الإيجار التي تخضع للتمديد القانوني واللذين ما إن صدرا تعرّضا للطعن بهما أمام المجلس الدستوري وبعد أن تمّ إنكارهما من قبل السياسيين المشرّعين أضحى هذين القانونين مثل الأيتام لا أب ولا أمّ لهما.
وعلى وقع اللّغط الذي أثير حول قرار وزير المالية رقم 1/1503 المنشور في العدد -60- من الجريدة الرسمية تاريخ 2017/12/28 والمتعلّق بتاريخ بدء العمل بالزيادة على بدلات الإيجار المعقودة قبل 1992/7/23،
كان لا بدّ من ترسيم الحدود بين قانون الإيجارات المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 2014/6/26 والقانون التعديلي المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 2017/2/28 لعلّنا عبر هذا الترسيم نتمكّن بشكلٍ كامل ومتكامل intégral من تقليص التعقيد الذي نتج عن هذين القانونين سنداً للمنطق القاضي بتفسير النصوص بصورة متناسقة في ما بينها بحيث تكمّل بعضها البعض كي تنظّم العلاقة التأجيرية بين المالك والمستأجر لا سيّما في الأماكن السكنية.
نشر في ملحق العدد -20- من الجريدة الرسمية تاريخ 2014/5/8 قانون الإيجارات الذي أقرّ في مادة وحيدة من قبل مجلس النوّاب وقضى بالعمل به بعد ستّة أشهر من تاريخ نشره بعد أن أغفل المشرّع تمديد مفعول قانون الإيجارات رقم 92/160 المعدّل بموجب القانون 94/336 والمدّد والذي كانت انتهت مهلة نفاذه في 2012/3/31 سنداً لآخر قانون تمّ تمديده له بموجب القانون رقم 171 الصادر بتاريخ 2011/8/29 ممّا أحدث فراغاً تشريعياً vacum juris – بين الفترة الممتدة من 2012/4/1 ولغاية صدور القانون التعديلي.
إعتبر المجلس الدستوري بموجب القرار الصادر عنه تحت رقم 5 تاريخ 2014/6/13 أنّ نشر هذا القانون أتى مخالفاً للدستور إذ تمّ نشره قبل مرور مهلة الشهر المنصوص عنها في المادة 57 من الدستور، الأمر الذي أدّى إلى إعادة نشره في الجريدة الرسمية بملحق العدد 27 تاريخ 2014/6/26.
أصدر المجلس الدستوري ونتيجة الطعن المقدّم أمامه بالقانون المذكور القرار رقم 6- تاريخ 2014/8/6 وقضى بإبطال عدد من النصوص الواردة في القانون المطعون فيه والمتعلّقة بموضوع اللجنة التي أوردها المشترع في هذا القانون معتبراً أنّ القرارات التي تصدر عن اللجنة وكونها غير قابلة لأيّ طريق من طرق الطعن فإنّها تتعارض مع المادة 20 من الدستور التي تحفظ الضمانة القضائية Sécurité juridique للقضاة والمتقاضين.
أقرّ مجلس النوّاب قانوناً يقضي بتعديل قانون الايجارات المذكور أعلاه على ضوء القرار رقم -6- الصادر عن المجلس الدستوري وأحاله رئيس مجلس النوّاب بتاريخ 2017/1/26 إلى الحكومة كي يتمّ نشره،
إلاّ أنّ رئيس الجمهورية لم يوقّع على القانون بغية إصداره وفقاً للأصول فأصبح القانون نافذاً حكماً بعد انقضاء مهلة الشهر المنصوص عنها في المادة 57 من الدستور، وتمّ بالتالي نشره في العدد 10 من الجريدة الرسمية تاريخ 2017/2/28.
ورد في المادة -60- من القانون التعديلي أنّ هذا القانون يصبح نافذاً فور نشره في الجريدة الرسمية، وألغى جميع الأحكام المخالفة لهذا القانون أو غير المتفقة ومضمونه (المادة 59)، وعلّـق وفقاً للمادة 58 منه تطبيق أحكامه المتصلة بالحساب المساعدات إلى حين دخوله حيّز التنفيذ أيّ بعد أربعة أشهر من تاريخ نشر القانون وذلك سنداً للمادة 3 منه التي قضت بإنشاء هذا الصندوق بهدف مساعدة جميع المستأجرين في الأماكن السكنية الذين لا يتجاوز معدّل دخلهم الشهري خمسة أضعاف الحدّ الأدنى الرسمي للأجور.
مددّ القانون التعديلي بموجب الفقرة -1- من المادة 55 العمل بالقانون رقم 92/160 لغاية تاريخ 2014/12/28 ويكون بذلك غطّى فترة الفراغ القانوني التي كان أحدثها القانون الذي تمّ إعادة نشره في 2014/6/26،
وأصبحت بالتالي، العلاقة التأجيرية المتعلّقة بالأماكن السكنية وغير السكنية المعقودة قبل 1992/7/23 تخضع لأحكام قانون الايجارات رقم 92/160 المعدّل والممدّد وهو ما ينعكس بدوره على جميع النزاعات القضائية التي قدّمت بين تاريخ 2012/4/1 ولغاية تاريخ 2014/12/28،
أمّا تلك العلاقة التأجيرية والنزاعات التي طرأت بين 2014/12/29 ولغاية تاريخ نشر القانون التعديلي بتاريخ 2017/2/28 فهي تخضع لقانون الإيجارات الذي تمّ إعادة نشره في 2014/6/26 شرط أن لا تكون النزاعات مبنية على نصوص قانونية تتعارض مع أحكام القانون التعديلي لا سيّما منها المتعلّقة بالأصول والإجراءات المتعلّقة بإحتساب بدل المثل في عقود الإيجار الأماكن السكنية وللنصوص المتعلّقة بتمديد مفعول تلك العقود، وتبقى بدلات الإيجار العائدة لتلك الأماكن تخضع للقانون 160/92- المعدّل والممدّد مع جميع الزيادات القانونية التي طرأت عليها منذ العام 1995 ولغاية 2012/1/31 (مراسيم زيادة غلاء المعيشة)
وتبقى النزاعات التي نشأت بعد تاريخ نشر القانون التعديلي تخضع لأحكامه وبصورة متلازمة مع القانون الذي أعيد نشره في 2014/6/26.
مدّد القانون الذي أعيد نشره بتاريخ 2014/6/26 بموجب المادة 38 منه عقود إيجار الأماكن غير السكنية المعقودة قبل 1992/7/23 لغاية 2018/12/31،
أمّا بالنسبة لعقود الإيجار العائدة للأماكن السكنية الممدّدة بموجب القانون رقم 92/160 فهي تمدّد أحكامها بالإستناد إلى الفقرة الأولى من المادة 15 من القانون التعديلي التي نصّت صراحةً على أنّ التمديد لتلك العقود يسري لفترة زمنية محدّدة إعتباراً من تاريخ نفاذ هذا القانون، وكون هذا القانون هو من القوانين الإستثنائية فإنّه لا يجوز التوسّع في تفسير أحكامه، ويضاف إلى ذلك، فإنّ القانون التعديلي صدر بالإستناد إلى القرار رقم 2014/6 الصادر عن المجلس الدستوري الذي أبطل النصوص الثلاثة المتعلّقة باللجنة لعدم دستوريتها، وأنّ هذه اللجنة ورد ذكرها في القانون الذي أعيـد نشره في 2014/6/26 في غالبية النصـوص الـواردة فـي الباب الثاني منه (المواد من 3 الى 27) الأمر الذي يمنع منعاً مطلقاً العودة إلى القانون الذي أعيد نشره بتاريخ 2014/6/26 لجهة بدء سريان مهل التمديد القانوني لتلك العقود، إلاّ أنّ المادة 15 المذكورة فرّقت بين حالتين لتمديد عقود الإيجار في الأماكن السكنية، فقد مدّدت لمدّة تسع سنوات تلك العقود في حال لم يكن المستأجر تتوفّر فيه الشروط القانونية للإستفادة من أحكام الحساب المدين الذي يفترض إنشاؤه بموجب المادة 3 من القانون التعديلي ضمن مهلة أربعة أشهر من تاريخ نشر القانون.
أمّا بالنسبة للمستأجرين الذين يستفيدون من هذا الحساب فإنّ عقودهم تخضع للتمديد القانوني لمدّة 12 سنة، وإنّ إحتساب بدء سريان هذه المهـل يبقى معلّقاً طالما أنّ المشرّع بإرادته، علًق سريانها لحين إنشاء الحساب وصدور المراسيم التطبيقية للقانون التعديلي عن الحكومة سنداً لما ورد في المادتين 57 و58 من هذا القانون.
وعلى ضوء ما تقدّم، فإنّ ما أورده العلاّمة Paul Roubier في مسألة وجوب تكييف الأوضاع القانونية هي التي يجب التوقّف عندها في كلّ قانون، عوض الغوص في تفسيرات وتفسيرات مضادة من شأنها أن تضيّع الجوهر من القانون، لا سيّما في قوانين تمسّ شريحة كبيرة من المجتمع اللبناني كقوانين الإيجارات الإستثنائية المتعاقبة والتي غالباً ما تغلب فيها إرادة المشترع على إرادة الفرقاء المتعاقدين وهي قوانين أسماها الفقه الفرنسي بقوانين: lois moratoire ، كما أنّ المجلس الدستوري في قـراره رقـم 2014/6 إعتبر أنّ الحقّ في السكن هو من الحقوق الدستورية الأساسية وهو من الحقوق التي نصّ عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وإنّ الديمقراطية لا تقتصر على الحقوق السياسية والمدنية، إنّما يتطلّب تحقيقها توافر الحقوق الإقتصادية والإجتماعية أيضاً للمواطنين.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 26 – شباط 2018- السنة الثالثة)