تسجيل عائلة فلسطينية في سجّلات نفوس شواغير بعلبك ثمّ رأس بيروت
كتب علي الموسوي:
قبل توقيفه بخمسة شهور تقريباً، أصدرت محكمة الجنايات في بيروت برئاسة القاضي المنتدب محمّد خير مظلوم وعضوية المستشارين هاني الحبّال وبسّام الحاج حكماً بحقّ حسن الجمل قضى بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة المؤقّتة به مدّة خمس سنوات بصورة غيابية، وذلك بعد اعتبار فعله منطبقاً على جناية المادة 494 من قانون العقوبات، وليس المادة 459/454.
واستفاد حسن الجمل من تواريه عن الأنظار، ليفوز “بمكافأة” إسقاط دعوى الحقّ العام عنه التي بدأت في العام 1994، لجهة التزوير الجنائي، بفعل مرور الزمن العشري، وذلك بالاستناد إلى قرار صادر عن محكمة التمييز الجزائية في معرض ملاحقته مع الفلسطيني خالد أ.ق. الذي أوقف في العام 2006، بينما ظلّت الملاحقة مستمرّة في موضوع استعمال المزوّر من خلال نقل نفوس من منطقة إلى منطقة في العام 1997.
وذهبت محكمة الجنايات بخلاف رأي الهيئة الاتهامية الوارد في مضبطة الاتهام إلى اعتبار قيام حسن الجمل بالتزوير في سجّلات النفوس اللبنانية وقيد عائلة بكاملها في سجّلات بلدة الشواغير البعلبكية، ثمّ نقلها إلى سجلات نفوس رأس بيروت، من قبيل جناية المادة 494 عقوبات المتصلة بعملية إزالة وتحريف البيّنة المتعلّقة بأحوال أحد الناس الشخصية، وليس جناية المادة 459/454 التي تحاكم على ارتكاب التزوير في أوراق رسمية واستعمال المزوّر عن معرفة سابقة. وإنْ اختلف التوصيف لهذه الحالة، إلاّ أنّ العقوبة نفسُها وهي الأشغال الشاقة المؤقّتة في كلتا الحالتين.
وبشأن الفلسطيني خالد ق.، فقد اقتصرت ملاحقته على الاستحصال على بيانات قيد إفرادية وجوازات سفر لبنانية لنفسه ولأفراد أسرته واستعمالها على الرغم من معرفته بأنّها مزوّرة، الأمر الذي اعتبرته المحكمة منطبقاً على جنحتي المادتين 463 و463/454 عقوبات، وبرأته من التحريف في سجّلات النفوس وهو عمل قام به ح.ج. مقابل مبلغ مالي.
وقرّرت محكمة الجنايات مصادرة وإتلاف وثائق الأحوال الشخصية المزوّرة المضبوطة، وإبطال كلّ قيود الأحوال الشخصية المزوّرة العائدة للمتهم خالد ق.
“محكمة” تنشر هذا الحكم الصادر في 24/6/2015، كاملاً، مع الإشارة إلى أنّ توقيف حسن الجمل لا يغيّر من الوقائع شيئاً، ولا من النتيجة المرتبطة بالفلسطيني خالد ق.، إنّما يسقط عنه العقوبة الغيابية لمصلحة عقوبة وجاهية تبقى رهن ما تقرّره محكمة الجنايات.
باسم الشعب اللبناني
إنّ محكمة الجنايات في بيروت والمؤلّفة من القضاة محمّد خير مظلوم رئيساً(منتدباً) وهاني الحبّال وبسّام الحاج مستشارين
تبيّن أنّه بموجب قرار الاتهام الصادر عن الهيئة الاتهامية في بيروت رقم:129 تاريخ 18/2/2010، وعلى ادعاء النيابة العامة الاستئنافية في بيروت رقم:21259/2006 تاريخ 1/4/2010، أحيل أمام هذه المحكمة كلّ من المتهمّين:
– خالد أ.ق.( والدته ف.، مواليد 1960، فلسطيني، ملفّ رقم 715، بيان إحصائي 1056) ترك بسند إقامة، ثمّ أوقف للمحاكمة إنفاذاً لمذكّرة إلقاء القبض في 20/5/2015، ولا يزال موقوفاً.
– حسن الجمل (والدته خ.، مواليد 1942، لبناني) أوقف غيابياً في 8/3/2007.
ليحاكما بمقتضى جناية المادة 459/454 عقوبات، وجنحتي المادتين 463 و463/454 عقوبات.
وبنتيجة المحاكمة العلنية الوجاهية بالنسبة للمتهم خالد ق.، والغيابية بالنسبة للمتهم حسن الجمل، ولدى التدقيق والمذاكرة، تبيّن ما يلي:
أولّاً: في الوقائع:
تبيّن أنّه خلال العام 2006، وبناء على متابعة المديرية العامة للأمن العام موضوع تسجيل عائلات فلسطينية الأصل في سجّلات النفوس اللبنانية، أنّ المتهم خالد ق. الفلسطيني التابعية والمسجّل في لبنان كلاجئ بموجب رقم الملفّ 715 والبيان الاحصائي 1056 قد جرى قيده كلبناني في سجّلات نفوس بلدة الشواغير- قضاء بعلبك تحت الرقم 28. وبالتحقيق مع خالد ق. من قبل مكتب شؤون المعلومات في المديرية العامة للأمن العام بموجب المحضر رقم 10082/س تاريخ 5/4/2006، أفاد أنّه تعرّف خلال العام 1994 إلى المتهم حسن الجمل، وأنّ الأخير عرض عليه الاستحصال له على الجنسية اللبنانية لقاء مبلغ 30 ألف دولار أميركي تمّ تخفيضه إلى 15 ألف دولار أميركي يُسدّد على دفعات.
وأضاف أنّه سلّم المتهم حسن الجمل مبلغ خمسة آلاف دولار أميركي كدفعة أولى، وأنّ الأخير سلّمه بعد حوالي شهرين ونصف من بعدها بيان قيد إفرادياً باسم خالد ق. وعليه رسمه الشمسي ذُكر فيه أنّه مسجّل في سجّلات الشواغير تحت الرقم 28، وأوضح أنّ المتهم حسن الجمل عاد واستحصل له على جواز سفر لبناني وسدّد للأخير دفعة ثانية بقيمة خمسة آلاف دولار أميركي، كما قام المتهم ح.ج. وبعد أن سلّمه المتهم خالد ق. الأوراق الثبوتية العائدة لولديه وليد وكارين ولزوجته اللبنانية دينا ي. بتسليمه بيان قيد عائلياً باسمه وفيه إسم زوجته وولديه، فسدّده الدفعة الأخيرة من المبلغ المتفق عليه.
وخلال العام 1997 طلب المتهم خالد ق. من المتهم حسن الجمل نقل نفوسه إلى بيروت وسدّد للأخير مبلغ ألف دولار أميركي بعدما قام بنقل القيد إلى سجّل نفوس رأس بيروت تحت الرقم 1865، واستحصل له ولأفراد عائلته على بيانات قيد إفرادية وعائلية وجوازات سفر، بالاستناد إلى القيد في السجّل المذكور.
وأمام المحكمة كرّر المتهم خالد ق. أقواله السابقة، موضحاً أنّه لم يكن يعلم بأمر التزوير الحاصل(…) وفي جلسة ختام المحاكمة المنعقدة بتاريخ 20/5/2015، ترافع ممثّل النيابة العامة وطلب تطبيق مواد الاتهام، فيما ترافع وكيل المتهم خالد ق. مدلياً أنّ الأخير لم يكن يعلم بأمر التزوير الحاصل، ومن غير الجائز قانوناً تجريمه باستعمال المزوّر وهو ليس على علم بأمر التزوير، ما ينتفي معه الركن المعنوي للجرم لدى المتهم المذكور ويقتضي معه إبطال التعقّبات بحقّه وإلاّ إعلان براءته. وأُعطي المتهم خالد ق. الكلام الأخير فطلب البراءة.
ثانياً: في الأدلّة: تأيّدت هذه الوقائع بالأدلّة التالية: بالادعاء العام، بالتحقيقات الأوّلية والاستنطاقية ومحضر ضبط المحاكمة، وبوثائق الأحوال الشخصية العائدة للمتهم خالد وعائلته المزوّرة المضبوطة، بمجمل الأوراق والتحقيقات.
ثالثاً: في القانون وتقدير الأدلّة:
حيث يتبيّن من مضبطة الاتهام أنّ الإسناد المُساق بحقّ كلّ من المتهمين خالد ق. وحسن الجمل المرتكز على التزوير الجنائي، يتمحور حول التزوير الحاصل في سجّلات النفوس، وأنّ الجناية المذكورة قد تقرّر إسقاط دعوى الحقّ العام فيها بمرور الزمن العشري عليها بقرار محكمة التمييز الجزائية في معرض الملاحقة الراهنة، فيما استمرّت الملاحقة بموضوع استعمال المزوّر بحقّ المتهمّين، بالإستناد إلى نقل قيد نفوس المتهم من الشواغير رقم 28 إلى رأس بعلبك تحت الرقم 1865 في العام 1997،
وحيث ثبت لهذه المحكمة واقتنعت من الوقائع المسرودة أعلاه والمؤيّدة بالأدلّة الواردة عليها، والمستندات المبرزة في الملفّ والمشار إليها أعلاه، لاسيّما ما ورد بالادعاء العام لجهة وجود تزوير في سجّلات النفوس اللبنانية، وعلى الأخصّ لجهة قيد اسم المتهم خالد أ.ق. ومن ثمّ أفراد عائلته في سجّلات بلدة الشواغير اللبنانية في قضاء بعلبك تحت الرقم 28، ومن ثمّ نقلها في العام 1997 إلى سجّلات نفوس رأس بيروت تحت الرقم 1865، وذلك بفعل المتهم الفار حسن الجمل كما يستفاد من مجمل الأوراق والتحقيقات، وبقرينة فرار المتهم المذكور في مرحلة المحاكمة بعد تواريه في كافة مراحل التحقيق، ممّا يوفّر بحقّ المتهم حسن الجمل المذكور عملياً عناصر جناية المادة 494 عقوبات التي استمرّت حتّى العام 1997 تاريخ نقل قيد نفوس المتهم خالد ق. من الشواغير إلى رأس بيروت كما سبقت الإشارة، وليس عناصر جناية المادة 459/454 عقوبات كما ورد في مضبطة الاتهام لهذه الجهة، ويقتضي تجريمه بجناية المادة 494 عقوبات،
وحيث يتبيّن من الأدلّة والمعطيات ذاتها وعلى الأخصّ مدلول أقوال المتهم خالد ق. وقيامه بدفع مبالغ مالية لقاء قيده في سجّلات النفوس اللبنانية المشار إليها، علماً أنّه من التابعية الفلسطينية، فضلاً عمّا ورد في التحقيقات المجراة وبمحضر المحاكمة، بالإضافة إلى ضبط وثائق الأحوال الشخصية العائدة للمتهم خالد ق. وعائلته المزوّرة، وما توافر من معطيات من مجمل الأوراق والتحقيقات، أنّ المتهم خالد ق. قد أقدم على الاستحصال على بيانات قيد إفرادية وجوازات سفر لبنانية له ولأفراد عائلته، كما على بيان قيد عائلي باسمه يتضمّن أسماء أفراد عائلته وهو فلسطيني التابعية بحيّث تبيّن أنّ تلك الوثائق المشار إليها هي مزوّرة، وقد قام باستعمال تلك الوثائق بحيث يكون فعله لجهة تزوير تلك الوثائق منطبقاً على جنحة المادة 463 عقوبات، كما أنّ فعله لجهة استعمال تلك الوثائق المزوّرة ينطبق على جنحة المادة 463/454 عقوبات، ويقتضي إدانته بمقتضى الجنحتين المذكورتين، كما يقتضي إدانة حسن الجمل بمقتضى نفس المواد لاشتراكه في الجنحتين موضوع الملاحقة الراهنة، كما أنّه لا يتبيّن من الأوراق أنّ المتهم خالد ق. هو من قام باستعمال التحريف الحاصل في سجّلات النفوس، بل المتهم ح.ج. كما هو وارد أعلاه، مما يقتضي معه إعلان براءة المتهم خالد ق. ممّا أسند إليه من جناية المادة 459/454 عقوبات لعدم ثبوت أو قيام الدليل على توافر عناصرها بحقّه،
وحيث أنّ المحكمة وبما لها من حقّ التقدير، وبالنظر إلى ماهية الجرم وتاريخ ارتكابه، وظروف الدعوى كافة، ترى منح المتهم خالد ق. الأسباب التخفيفية التقديرية سنداً للمادة 254 عقوبات.
لذلك
وبعد سماع مطالعة النيابة العامة، تحكم بالإجماع:
أولّاً: بتجريم المتهم حسن الجمل بالجناية المنصوص عليها في المادة 494 عقوبات، وبإنزال عقوبة الأشغال الشاقة المؤقّتة به مدّة خمس سنوات، من دون تجريمه بجناية المادة 459/454 عقوبات، لاعتبار فعله ينطبق على جناية المادة 494 عقوبات، وليس غيرها كما سبقت الإشارة.
وإدانته بجنحتي المادتين 463 و463/454 عقوبات، وبحبسه من أجل كلّ منها مدّة ثلاث سنوات.
وإدغام العقوبات الصادرة بحقّه بحيث لا تنفّذ بحقّه سوى العقوبة الجنائية وحدها، أيّ الأشغال الشاقة المؤقّتة مدّة خمس سنوات، كونها الأشدّ، واعتباره فاراً من وجه العدالة وتجريده من حقوقه المدنية(…).
بإدانة المتهم خالد أ.ق. بجنحتي المادتين 463 و463/454 عقوبات، وبحبسه من أجل كلّ منها مدّة ستّة أشهر، وإدغام هاتين العقوبتين بحيث لا تنفّذ بحقّه سوى إحداهما، أيّ الحبس مدّة ستّة أشهر، لتساويهما، واحتساب مدّة توقيفه، وتخفيف هذه العقوبة تقديرياً سنداً للمادة 254 عقوبات، واستبدال ما تبقّى من عقوبة الحبس بغرامة مالية قدرها مليونا ليرة لبنانية، يحبس يوماً واحداً عن كلّ عشرة آلاف ليرة لبنانية عند عدم دفع الغرامة سنداً للمادة 54 عقوبات.
ثانياً: بإعلان براءة المتهم خالد أ.ق. لجهة الجناية المنصوص عليها في المادة 459/454 عقوبات لعدم توافر عناصرها، وباسترداد مذكّرة إلقاء القبض الصادرة بحقّه في هذه الملاحقة.
ثالثاً: وبمصادرة وإتلاف وثائق الأحوال الشخصية المزوّرة المضبوطة والمشار إليها في متن هذا الحكم، وإبطال كلّ قيود الأحوال الشخصية المزوّرة العائدة للمتهم خالد ق.
رابعاً: وبتدريك المحكوم عليهما الرسوم والنفقات القضائية كافة.
حكماً وجاهياً بحقّ المحكوم عليه خالد ق.، غيابياً بحقّ المحكوم عليه حسن الجمل.
صدر وأفهم علناً في بيروت بحضور ممثّل النيابة العامة بتاريخ 24/6/2015″.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 7 – أيّار 2016).