مقالات
تسديد الضرائب والفواتير بواسطة الأموال المحجوزة/يوسف لحود
بقلم المحامي يوسف لحود:
لن ندخل في بحث أسباب الوضع النقدي الذي يعاني منه المواطن اللبناني، لا سيما في ظل حرمانه من أمواله المحتجزة في المصارف وخاصةً منها أمواله بالعملات الاجنبيّة، مع الاتاحة له، وبصورة غير قانونية وغير عادلة، أن يتمكن من استعادة بعض أمواله المحتجزة عبر ممارسة Hair Cut مقنّع بحوالي 85% من قيمة الودائع ، إذ إن سعر الدولار في المصارف حسب تعميم مصرف لبنان هو بقيمة 15000 ل. لكلّ دولار في حين أنّ قيمته السوقية حالياً هي بحوالي 000، 100 ل.ل.
هذا ناهيكم عن الامكانية المحدودة والجزئية الضئيلة في إمكانية استعادة الودائع المذكورة وبالاسلوب المشار اليه أعلاه، شهرياً وبصورة متقطّعة…
وإذا سلمنا أن الدولة عاجزة ماديّاً عن ردّ الودائع بكاملها وبالعملات المودعة على أساسها، وإن محاسبة المسؤولين المتعاقبين والمستمرين عن الوضع الكارثي الذي وصل اليه سعر صرف الليرة، وأوضاع المصارف لناحية السيولة النقدية، وتبادل الاتهامات حول مَنْ سرق وأهدر وساهم في الاطاحة بعرق جباه الناس… قد تبدو محاسبة بعيدة عن متناول اليد حالياً، لأسباب لن ندخل في تشريحها رغم أنها معروفة من الجميع حتى من الناخب اللبناني!
فلماذا لا تقدم الدولة اللبنانية على اعتماد خطوات عملية مفيدة لها، وتشكّل لأصحاب الودائع نوعاً من جائزة ترضية رغم أنّ إرضاءهم هو على حساب جزء كبير من أموالهم وحقوقهم؟
فنقترح ما يلي:
1 – إمكانية تسديد الضرائب على أنواعها، ورسوم تسجيل العقارات والسيارات، وفواتير المياه والكهرباء والهاتف الثابت والمنقول بواسطة شيكات مصرفية لصالح صندوق الخزينة المركزي أو لصالح أي مؤسسة أو دائرة عامة مصدّرة أي من الرسوم وفواتير الخدمات العامة، وذلك من الحسابات المصرفية المحتجزة أموالها على أساس أنها مودعة قبل 2019/10/17.
2 – يتمّ تقسيم الرسوم والضرائب المذكورة أعلاه الى شطور ثلاثة يكون تسديد الشطر الأوّل منها بكامله عبر الأموال المحتجزة المذكورة وبواسطة شيكات مصرفية أو أي وسيلة أخرى، ويسدّد 50% من الشطر الثاني بالوسيلة ذاتها، والباقي نقداً، كما يسدّد 20% من الشطر الثالث بالوسيلة ذاتها أيضاً والباقي نقداً، على أن يسدد ما يزيد عن الشطر الثالث بكامله نقداً،
وإن تقسيم الشطور يجب أن يعتمد في تحديده وبصورة مختلفة بين الرسوم والضرائب، مصلحة المواطنين ذوي الدخل المحدود وهذا ما يمكن حسمه عبر كيفيّة توزيع الشطور بالمقارنة مع ماهية الضريبة أو الفاتورة، وعلى سبيل المثال:
فإن فاتورة الكهرباء يجب أن تعتمد في شطرها الأول قيمة إستهلاك منزل عادي، وهكذا بشأن رسم تسجيل السيارة حيث تحدد الشطور في ضوء نوعية السيارة وقيمتها،
والأمر ذاته ينطبق على ضرائب الاملاك المبنيّة بعد تحديد مساحة القسم والمنطقة الواقع فيها ونوعية البناء…
3 – يستثنى من هذا الاقتراح كل ما يتعلق بالرسوم والضرائب والفواتير المتعلّقة بالاجانب لا سيما البعثات الديبلوماسية والقنصلية…
4 – إمكانية التفريق في مقاربة هذه الوسيلة بالدفع بين الرسوم والضرائب والفواتير المتعلّقة بالسكن وتلك المتعلّقة بالصناعة والتجارة وسواها…
5 – وضع مهلة زمنية لتمكين المواطنين من الاستفادة من هذا الاقتراح، ومن ثمّ المتابعة فيه، ويمتنع بعدها الاستفادة من أي مواطن لم يسدد فواتيره أو رسومه أو ضرائبه في هذه الفترة فتراكمت هذه المبالغ، كما يمكن إقرار إستفادة المواطن بعد هذه الفترة من التسديد عبر هذا الاقتراح للضرائب والرسوم الاساسية دون الغرامات التي يتوجب عندها تسديدها بكاملها نقداً.
6 – إمكانية حصر تسديد الرسوم والضرائب… من الحساب المصرفي العائد للمكلّف وليس من أي حساب آخر وإعتبار أن الزوج والزوجة والأولاد بمثابة الشخص الواحد (وهذا خاضع للدرس والتعديل حسب المصلحة العامة للدولة والفردية للمواطن…).
7 – لقاء إعتماد هذه الوسيلة في الدفع، إعفاء المواطنين من تسديد أي مبالغ نقدية للمصارف جراء سحب الشيكات عبرها لصالح صناديق الدولة ومؤسساتها، وتحديد مبالغ معقولة تستوفى لصالح المصارف لقاء هذه الاعمال من الحسابات المصرفية المفتوحة لديها قبل 2019/10/17 من كل مواطن يسدد عبر هذه الطريقة.
8 – في حال قرر المواطن التسديد بواسطة العملة الاجنبية من حساباته المفتوحة قبل 2019/10/17، فإنه يجب تحديد قيمة العملة الاجنبيّة عندها بنسبة 65% من قيمتها في سوق التداول الحر بتاريخ سحب الشيك الذي يتمّ التسديد بموجبه.
9 – إمكانية مكننة الموجبات الضرائبيّة ورسوم الخدمات العامة لكل مواطن، فيتم حجب إستفادة أي مواطن من هذا الاقتراح في حال نكوله عن تسديد بعض ما هو متوجب عليه من رسوم وضرائب متراكمة، بمعنى أنه لا يمكن للمواطن الاستفادة من هذا الاقتراح لتسديد بعض رسومه وضرائبه وإهمال تسديد ضرائب ورسوم أخرى مستحقة عليه لصالح الدولة أو أي مؤسسة أو دائرة عامة.
10- تطوير هذه الوسيلة في الدفع ليتمكن المواطن من التسديد On line وبواسطة البطاقات المصرفية تسهيلاً للمواطنين وتوفيراً للازدحام في المصارف،
وكذلك تمكين المواطنين من توطين فواتيرهم وأي ضرائب دورية تستحق عليهم في حساباتهم المصرفية المفتوحة قبل 2019/10/17 لتسديدها مباشرة عبر المصارف دون حضورهم على أن يسدد الفرق نقداً بواسطة حسابات مصرفية جديدة بالعملة الطازجة.
11- إعطاء مهلة 15 يوماً للمكلّف تبدأ من تاريخ إبلاغه بالرسم المطلوب أو الفاتورة… ليتمكن من التسديد عبر هذه الوسيلة، وأنه بعد هذه المهلة تفرض الغرامات المئوية وصولاً لحرمان المكلّف من الاستفادة من الدفع بواسطة هذا الاقتراح.
12- إنشاء لجنة من الوزراء المختصين (مالية+ طاقة ومياه+ داخلية+ وسواها) إضافة الى حاكم مصرف لبنان لوضع الآلية العملانية لهذا الاقتراح، وإبداء الرأي بما يجب تعديله من قوانين ومراسيم وقرارات لهذه الناحية لتسهيل تطبيق هذا الاقتراح، وإعطاء مهلة لها لإنفاذ مهامها هذه وعرضها للموافقة عليها والمباشرة بتنفيذها،
بعد عرض أو اعتماد أي تعديلات على هذا الاقتراح بهدف تسهيل تطبيقه وتأمين المصلحة العامة بالتوازي مع مصلحة المواطن وقدرته المادية وحقّه بأمواله، وهو حق غير منازع فيه، ويجدر مقاربته بضمير وعدالة.
13- إن هذا الاقتراح يؤمن وفي وقت واحد:
أ- ثغرة ضيّقة للمواطن في الاستفادة من جزء من أمواله المحتجزة.
ب- إن هذه الاستفادة ليست للرفاهية أو لأمور خاصّة بل هي لصالح الدولة، إذ إن الاموال المقتطعة من حساب المواطن سوف تذهب للخزينة العامة…
ج- إمكانية تحقيق مردود كبير لخزينة الدولة، فهذا الاقتراح سوف يشجّع على تسديد الضرائب والرسوم والفواتير المتراكمة طالما أنها سوف تُسدد من حسابات باتت في حكم الهالكة بالنسبة للمواطن.
د- مساهمة الدولة فعليّاً في واجب قانوني وأدبي عليها لناحية ردّ أموال المواطنين (أو ردّ جزء منها) وهي التي أهدرتها أو غضّت الطرف عن التصرف بها بصورة غير مدروسة فاستفاد من الجزء الأكبر منها المتنفذون والتابعون لهم…
هـ- تحقيق بعض العدالة للمواطن الذي إحتجزت أمواله وتكاد تتبخّر في ظل Hair cut بلغ ما يزيد عن 85%، بتخفيضه الى حوالي 35% عندما يتمّ إحتساب سعر صرف العملات الاجنبية التي تسدد المبالغ منها بنسبة 65% من سعرها الحقيقي، بما يشكل منفعة للمواطن والدولة، إلا أن هذه المنفعة تبقى أقل من حق المواطن المشروع، وهي في الوقت ذاته أكبر من حق الدولة على مواطنيها بتشريع (فعليّاً) الاستيلاء على 35% من مدخراتهم!
و- إن هذا الاقتراح يشكل بداية حل للمواطنين في إستعادة أموالهم المشروعة وصولاً الى الحل الجذري الذي سوف يعتمد لاحقاً أكان بإنشاء صندوق سيادي لبعض موارد الدولة لصالح المودعين أو سوى ذلك.
ز- مع الملاحظة الاخيرة، ولاستكمال الهدف من هذا الاقتراح، بوجوب حرمان كل من حوّل مبالغ مالية بعد 2019/10/17 إلى خارج لبنان بلغت بمجموعها ما يزيد على المائة ألف دولار أميركي، من الاستفادة من وسيلة الدفع المقترحة أعلاه، بعد استثناء التحويلات للاستيراد الحقيقي وغير المقنّع أو تحويلات لدواعي الطبابة والتعليم…
وهذا يقتضي إعتماد أي تعديلات قانونية أو سواها، لتطبيق هذا البند بشفافية.
14- إن الرسوم العالية والفواتير الباهظة للخدمات العامة الاساسية (كهرباء، هاتف…)، بالمقارنة مع إمكانيات غالبية المواطنين الضئيلة، وإنتشار الفقر في شرائح واسعة في المجتمع والذين لا يزال لهم (أو لبعضهم) بعض الحسابات ذات الودائع المحتجزة، انما هي المبرّر الادبي والقانوني لاعتماد هذا الاقتراح.
“محكمة” – الخميس في 2023/6/8