تطبيق الدستور كفيل بتحقيق مطالب الشعب/عمر زين
المحامي عمر زين*:
نجح الحراك في تشكيل قوة شعبية في كل الساحات اللبنانية نجاحاً غير مسبوق شمل المناطق والطوائف والعقائد الى حد الانتقال من الحراك الى الانتفاضة.
لقد وحّد الحراك اللبنانيين على شعارات جديدة لم نعرفها سابقاً إلاّ بشكل محدود جدّاً كإضراب مزارعي التبغ، ومظاهرة الصيّادين في صيدا التي استشهد خلالها المناضل الشهيد معروف سعد، وأوجد هذا الحراك حالة شعبية ضاغطة على جميع المسؤولين في الدولة، وإنّنا نسجّل بأنّ انتقال الحراك إلى مواقع المؤسّسات العامة ومحاصرتها دون أيّ اعتداء عليها هو أمر حضاري وخطوة أولى ناجحة للوصول إلى خطوات العصيان المدني على ما يبدو إذا لم تلبّ المطالب.
لقد خلق الحراك وحدة وطنية حقيقية، وهذا إنجاز مهمّ يحتاج إلى وضع قواعدها، وتحديد مشروعها المطلبي، وآليات تنفيذه من ضغط ومراقبة ومساءلة ومحاسبة.
وهذه الوحدة هي تأكيد وترسيخ للميثاق الوطني، ويستحضرني هنا قول للمعلّم كمال جنبلاط في آذار 1962 جاء فيه: “فكرة الميثاق الوطني عاشت وتمّت بالرغم من أنّ أصحابها قد ابتعدوا عن جوّ السياسة زاهدين أو متهيّبين، وفكرة الميثاق ومفهومه لن تموت في نفوس اللبنانيين، لأنّ الميثاق انعكاس لواقعهم في الحاضر ولنضالهم التاريخي في السابق، وأمل وحدتهم وانصهارهم في الغد المقبل القريب”. كم كان هذا القول صائباً منذ ستين سنة ونيف حيث ما نشاهده اليوم هو تعبير جدّي عما بشّر به.
لكن لا يجوز أن تطغى القضايا المطلبية بشكل تنسينا تمتين القواعد الدستورية وتطبيقها باعتبارها الأساس الذي يحقّق مطالبنا ويشفينا من أوجاعنا، ومن أجل ذلك لا بد أن يؤكّد الحراك على عدم تجاوز الدستور، أو تفسيره تفسيراً خاطئاً، أو التمنّع عن تطبيق بنوده بوضع القوانين والمراسيم والآليات الآيلة إلى التنفيذ، لأنّ عدم القيام بخلاف ذلك يعتبر جرائم يحاسب المرتكبون عليها وتنزل منزلة الخيانة لأنّ الأمر يتعلّق بحاضر الوطن ومستقبله وحصانته ونهوضه.
من الأهمّية بمكان، ولما شاهدناه وخبرناه وما زلنا ممّا حصل ويحصل في بعض الدول العربية أنّ ننبّه إلى أنّنا بدأنا نشاهد بداياته عندنا بشكل بارز ومتنقّل على كلّ الساحات في الوطن، من قطع الطرقات ومحاولة بناء دشم، وتصريحات، وتوجيهات محدّدة ضدّ جهات أو أشخاص معيّنين وبشكل مستهدف وبوضوح كلّي بما فيها ظهور أسلحة، وافتعال نزاعات، ومحاولة التعرّض للجيش، وهو حتّى الساعة يستعمل اللين بالتعامل مع المرتكبين، وقد وصل بالبعض التصريح العلني عن استعداده للقتال ليس ضدّ العدوّ الصهيوني بل ضد أبناء وطنه، ويعني ذلك بوضوح أنّ الاجندات الخارجية وبأدوات داخلية تطلّ علينا بشكل سافر وخطير ممّا يقتضي منا الحيطة والحظر.
من واجبنا جميعاً أن يتعاون الحراك الذي هو رأس حربة لكلّ الشعب اللبناني مع جميع المؤسّسات الأمنية وفي المقدّمة منها الجيش اللبناني الوطني لفضح هذه المؤمرات والقضاء عليها في المهد كلّما بدت وظهرت قرونها لنحمي وحدتنا الوطنية، وأن نرمي بالانتهازيين وعملاء كلّ أجنبي في غياهب السجون، فالتطهير ضرورة وطنية ملحّة بالنسبة للبنان الدولة والشعب.
إنّ أولى الأولويات هي تمتع الحكومة الجديدة بالمواصفات التي وضعها الحراك وبصلاحيات تشريعية، ولتصدر أوّل ما تُصدر مرسوماً اشتراعياً للسلطة القضائية التي ستتحقّق استقلاليتها العدالة وتعيد الحقوق لأصحابها دولة وأفراداً بما في ذلك الحقّ في محاكمة عادلة وأمام محكمة مختصة ومستقلّة ومحايدة وعلنية، خاصة وأنّنا نثق بالقيادة القضائية كلّ الثقة لما تتميّز به من علم وجرأة وأخلاق وحياد، كما نثق بالإنطلاقة الحكيمة لنادي القضاة، وعندها سيتحقّق حلم المعلّم كمال جنبلاط حيث قال: “نحلم بقضاة يحكمون دون أن يتأثّروا بأيّ اعتبار طائفي، ويعتبرون أنّ المتقاضين بالنسبة إليهم هم دمى ميكانيكية لا حياة لها، ولا لون لها ولا حزب ولا دين، وأن لا يخافوا من تظاهرات الشارع في وجههم، ولا من لوم مسؤول أيّاً كان هذا المسؤول”.
*الأمين العام لاتحاد المحامين العرب
“محكمة” – السبت في 2019/11/16