أبحاث ودراسات

تعليق على القرار الصادر عن محكمة الاستئناف المدنية في بيروت والمتعلّق بتعديل بعض أحكام نظام آداب مهنة المحاماة/هادي خليفة

المحامي هادي خليفة:
أقرّ مجلس نقابة المحامين في بيروت بتاريخ 2002/2/8 نظام آداب مهنة المحاماة ومناقب المحامين مع أسبابه الموجبة المبني على قواعد السلوك المهني وعلى الوصايا العشر التي أقرّها المؤتمر العام للجمعية الدولية لنقابات المحامين (I.B.A) المنعقد في أوسلو بتاريخ 25 تموز 1956، كما قام مجلس نقابة المحامين في بيروت بتاريخ 2014/3/29 بإضافة فصل جديد لهذا النظام تناول تنظيم علاقة المحامي مع وسائل الإعلام عبر خلق أٌطر تنظيمية لتلك العلاقة وهو مؤلّف من أربع مواد(39 لغاية 42)، كما ورد في المادة 45 من النظام أنّه يعتبر مكمّلاً لقانون تنظيم مهنة المحاماة وللنظام الداخلي لنقابة المحامين في بيروت.
عدّل مجلس نقابة المحامين في بيروت بتاريخ 2023/3/3 مضمون بعض تلك النصوص التنظيمية الواردة في نظام آداب مهنة المحاماة ومناقب المحامين الواردة في الفصل السادس منه والتي تتناول علاقة المحامي مع وسائل الإعلام.
إستأنف عدد من المحامين ما قرّره مجلس نقابة المحامين من تعديلات أمام محكمة الإستئناف المدنية في بيروت – الغرفة الناظرة بالقضايا النقابية – مُصدرة القرار موضوع هذا التعليق بتاريخ 2023/5/12.
في موضوع التعليق:
أثلج مضمون القرار موضوع هذا التعليق، بعض القلوب، كما أحزن البعض الآخر منها، وهو دار في فلك الدفاع عن الحرّيات التي تعود للمحامي وبين وجوب ضبطها، وغاب عن الجميع مسألة بالغة الخطورة تتمايز عن مقارعة الحريات وهي مدى ممارسة الرقابة المؤخّرة من قبل محكمة الإستئناف المدنية في بيروت على القرارات التنظيمية لمجلس نقابة المحامين في بيروت والتي يُخشى معها أن تصبح رقابة سابقة إذا لم يتمّ وضع حدّ لهذا الإتجاه القضائي غير السليم والمخالف لقانون تنظيم مهنة المحاماة ولقواعد الإختصاص النوعي، وهو أمر يتعلّق بالنظام العام.
غيّبت محكمة الإستئناف المدنية مُصدرة القرار موضوع هذا التعليق بشكلٍ مطلق نصّ الفقرة -2- من المادة 59 من قانون تنظيم مهنة المحاماة التي فوّض بموجبها المشرّع مجلس النقابة حقًّا مطلقاً غير قابل للمسّ به بإصدار أنظمته الداخلية وبدون أن يكون هذا الأمر خاضعاً لأية سلطة رقابية مسبقة أو لاحقة، وما تكريس المشرّع لمسألة سنوية إنتخاب ثلث أعضاء مجلس النقابة والنقيب كل سنتين (المادة 45 من قانون تنظيم مهنة المحاماة) إلاّ لمنح الجمعية العمومية حقّ اختيار وانتخاب الأعضاء والنقيب وفقاً لبرنامجهم الإنتخابي عندما يجدون أنّ السلف تجاوز حدود التفويض المعطى له من المشرّع في الأمور التنظيمية النقابية.
كما ارتضت محكمة الإستئناف مُصدرة القرار موضوع هذا التعليق، عقد اختصاصها النوعي للنظر في الإستئنافين المقّدمين أمامها من قبل المحامين مقدّمي الطعن بما قرّره مجلس نقابة المحامين بتاريخ 2023/3/3 من أمر تنظيمي محضّ لا يتناول أشخاصًا محدّدين، بل له الطابع العام ويطبّق على كافة المحامين المنتسبين إلى نقابة المحامين في بيروت وليس فيه تخصيصاً لأي محامٍ بدون الآخر، في حين أنّ المشرّع لم يمنحها أيّة سلطة رقابية على مقرّرات مجلس النقابة في إطار العمل التنظيمي والذي له سلطة تقدير واسعة للمساهمة في إعلاء شأن رسالة المحاماة وتنظيم شؤونها الداخلية، وإنّ وقوف محكمة الإستئناف خلف المادة 79 من قانون تنظيم المهنة لعقد اختصاصها النوعي للنظر بالإستئنافين، فيه خروج مطلق عن مضمون هذا النصّ كونه منحها حصراً حقّ النظر باستئناف قرارات مجلس النقابة المتعلّقة بحجب الإذن بملاحقة المحامي جزائياً، أو بإعطاء هذا الإذن، هذا فضلاً عن أن تفسير النصّ يبقى ضمن إطار التفسير الضيّق كون قانون تنظيم مهنة المحاماة هو قانون خاص يرعى وينظّم شؤون المحامين.
وبغضّ النظر عن ما إذا كان مجلس النقابة بالتعديلات الصادرة عنه والمشار إليها أعلاه قد أصاب أو أخطأ، وهي مسألة جدلية لا تشكّل موضوع تعليقنا الحاضر، يبقى التشديد على أنّ مجلس نقابة المحامين في بيروت يتخذ قراراته التنظيمية الخاصة بالمحامين باستقلالية تامة وبدون الخضوع إلى أيّة سلطة رقابية سابقة أو لاحقة قد يمارسها أيّ مرجع قضائي عليه ومن ضمنها المحكمة مُصدرة القرار موضوع هذا التعليق والتي كان عليها ردّ كلّ من الإستئنافين شكلاً لعدم قابلية التعديلات التنظيمية للطعن بها أمامها.
“محكمة” – السبت في 2023/5/13

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!