تعليق قانوني للمحامي أكرم عازوري على قرار قاضي الأمور المستعجلة مزهر بمنع مدرسة من استيفاء الأقساط بالدولار
تعليقًا على القرار الصادر عن قاضي الأمور المستعجلة في النبطية القاضي أحمد مزهر، والذي نشره موقع مجلة “محكمة” يوم الثلاثاء الواقع فيه 2023/6/6، خصّ المحامي أكرم عازوري “محكمة” بالتعليق التالي:
قرّر قاضي الأمور المستعجلة في النبطية في 2023/6/6 منع المدرسة الوطنية الإنجيلية في النبطية من استيفاء أية أقساط مدرسية بالدولار الأميركي أو بأي عملة أجنبية أخرى كلياً أو جزئياً.
سأتناول في تعليقي الحيثية الأخيرة من القرار المذكور التالي نصها:
” حيث ينبغي الإشارة إلى أن ما أدلت به المدرسة الوطنية الإنجيلية في النبطية بواسطة رئيسها في محله عملياً، ولكن ذلك لا يجز مخالفة القوانين والأنظمة ويبقى على المشتري إصدار القوانين اللازمة من أجل التوفيق بين مصلحة المدارس ومصلحة الطلاب ووضع أولياء الأمور، لا سيما في الظروف الراهنة”
إن القاضي أعطى حلاً لحالة فردية عرضت عليه وفقاً لقناعته وعلى ضوء القوانين البنانية المفروض على كل قاضي أن يطبقها.
إلّا أنّ القاضي أشار في حيثيات الحكم إلى أنّ المبرّرات التي قدّمتها المدرسة لاستيفاء جزء من القسط بالدولار الأميركي هي منطقية ومقنعة لجهة تأمين إستمرارية العمل المنتظم في المدرسة المذكورة.
في حين أنه من جهة ثانية، فإن الأزمة الخانقة التي يعاني منها أولياء الطلاب من جراء تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية خصوصاً أولئك الذين يقبضون رواتبهم بالليرة اللبنانية تجعل منهم غير قادرين على تحمّل الأعباء ولو جزئياً بالدولار الأميركي رغم أن تلك الأعباء برّرتها المدرسة في ردها على الطلب الذي تناولها.
وما تعانيه المدارس وما يعانيه أيضاً أولياء طلابها ما هو إلا وجه من الوجوه المتعددة لنتائج امتناع السلطة اللبنانية عن إيجاد أية حلول عامة ومنطقية لأزمة السيولة الحادة التي اندلعت في لبنان في العام 2020 مع امتناع الدولة اللبنانية عن تسديد ديونها الخارجية دون أيّ تنسيق مع الدائنين وامتناعها منذ ثلاث سنوات عن إقرار التدابير القانونية لمعالجة هذه الأزمة الناجمة بصورة أساسية عن تمويل الدولة اللبنانية نفسها نفقاتها عن طريق استقراضها بأشكال مختلفة ودائع المواطنين.
ووجه آخر من الضرر اللاحق من جراء امتناع السلطة عن إيجاد حلول عامة هو إزدواجية المعايير بحيث أرغمت المصارف خلال السنوات الثلاث الماضية على استيفاء ديونها إلى القطاع الخاص إما بواسطة الشيكات وإما بالليرة اللبنانية بأسعار صرف وهمية أقل بكثير من سعر الصرف في السوق الحرّة إمّا على أساس 1500 ليرة للدولار أو 4000 أو سعر صيرفة مما فاقم أزمة السيولة لأن ديون المصارف إلى القطاع الخاص هي في الحقيقة ودائع المودعين لدى هذه المصارف. فتسبّب هذا الأمر بفجوة إضافية بلغت حتى الآن 30 مليار دولار أميركي من الودائع.
ووجه آخر من امتناع السلطة عن إيجاد الحلول العامة يتمثّل برواتب الموظّفين وبدلات الإيجار.
من هنا، فقد أصبح من الملحّ إيجاد تشريع عام يعطي حلولًا عامة لأزمة سعر صرف الليرة اللبنانية وهذه هي مسؤولية السلطة فقط وإحجام السلطة عن تحمّل مسؤوليتها يؤدي إلى وضع القضاة في موقف محرج لأنّ عليهم الموازنة بين مصلحتين متناقضتين لكل واحدة منها ما يبرّرها، لكن تبقى الحلول القضائية هي جزئية ولحالات فردية قد يُلحق الحلّ القضائي ظلماً بأحد فريقي النزاع.
وهذا ما يجعل مما كتبه القاضي مزهر في الحيثية الأخيرة لقراره يكتسب أهمية لجهة المصلحة الوطنية العليا لأنه ناشد عملياً السلطة إقرار التشريعات العامة وفقاً لواجبها الدستوري.
“محكمة” – الأربعاء في 2023/6/7