تفاصيل القرار الإتهامي بجريمة قتل الشاب هيثم الزين: الإعدام للقاتل/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
بعد نحو سنتين على مقتل الشاب هيثم كمال الزين ظلمًا وعدوانًا خلال رحلة صيد في بلدة مزرعة الضهر الواقعة في منطقة إقليم الخروب في الشوف والقريبة من مسقط رأسه بلدة الزعرورية، أصدرت الهيئة الاتهامية في جبل لبنان قرارها الاتهامي بإحالة المجرم القاتل مالك وديع عيد على المحاكمة أمام محكمة الجنايات في جبل لبنان بجناية المادة 549 عقوبات وجنحة المادة 73 من قانون الأسلحة.
وكان المغدور هيثم الزين مع رفاق ثلاثة يبحثون عن طيور تشفي غليل هوايتهم التي يعشقونها مثل كثيرين من الناس في لبنان والعالم، غير أنّ قدره وحظّه السيئ قاداه إلى بستان عيد الذي ما ان لمحه على مسافة قريبة جدًّا منه وبدلًا من أن يتحدّث إليه أو يطلب منه مغادرة أرضه التي يدخلها الصيّادون عادة كما بقيّة الأراضي والعقارات وليس في الأمر أيّة إساءة أو ضرر يستدعيان القتل، فاجأه بإطلاق النار عليه من بندقية صيد أردته على الفور.
وبدلًا من أن يعمد عيد إلى تصحيح خطئه القاتل بمحاولة إسعاف المغدور الزين لعلّ ذلك كان يشفع له قليلًا، ولّى هاربًا إلى منزله خوفًا على نفسه من أن يكون ثمّة أحد مع الزين فيبادر إلى الإنتقام منه بقتله أو أذيته بحسب ما يدعي وما هو وارد في متن القرار الاتهامي كذريعة للتخفيف من هول جريمته، وقد لا يلومه أحد على هذا التصرّف، غير أنّه يبدو من سطور القرار الإتهامي أنّه خطّط مسبقًا لقتل أيّ إنسان يقترب من أرضه ولو على هيئة صيّاد، فهو اعتاد على الإتيان ببندقية الصيد إلى بستانه مع تذخيرها بخرطوش مخصّص لقتل الحيوانات البرّية.
كما ينقل أحد الشهود أنّ للمتهم عيد أسبقيات في طرد الصيّادين وفي شهر السلاح في وجههم لتخويفهم، غير أنّه هذه المرّة أطلق النار.
ولو أنّ عيد استعمل عقله في محادثة المغدور الزين وطلب منه مغادرة أرضه بحجّة المحافظة على رزقه، بدلًا من لغة البندقية التي تؤذي صاحبها عند استخدامها في غير موضعها، لما وقعت هذه الجريمة، ولما تيتّمت عائلة هيثم الزين(وكيلها القانوني المحامي سعيد الزين)، وقد ترك رحيله المبكر فراغًا كبيرًا لديها كمعيل أوّل لها، وفقدت طفلتاه حنانَ الأب ونظرات العشق الأبوي الذي لا يعوّض.
وبحسب القرار الإتهامي، فإنّ عيد يزعم بأنّه أطلق النار لاعتقاده بوجود خنزير، لكن سرعان ما يسقط هذا القول بعد سطور أربعة، إذ يتضح بأنّ خرطوش “التسع غلل” وما فيه من كرات معدنية قاتلة، إستقرّت في رقبة المغدور، ممّا يعني أنّه تعمّد إطلاق النار مباشرة صوب المغدور الواقف على مسافة أربعة أمتار فقط منه، وهي مسافة قريبة جدًّا لرؤية الهدف وتمييزه ومعرفته وتبيانه ما إذا كان إنسانًا أو حيوانًا خصوصًا وأنّه سمع صوت صيّاد “يكشّ” الطيور، لذا كان التوجّه والتفكير إلى فعل القتل وليس التخويف، ولو أنّه صرخ بوجه الزين كما كان يفعل عادة مع الصيّادين، لوفّر على نفسه مشقّة اقتراف جريمة قتل عن سابق إصرار وترصّد وتصميم.
وقد وجدت الهيئة الاتهامية “وجود نيّة لدى المدعى عليه بالإنتقام والإقتصاص من الصيّادين تترجم بتفكيره المسبق بالطريقة المنوي اتباعها في عملية الثأر الذي أراد تحقيقه، وبالتالي رسم مخطّطًا جرميًا هيّأ لإتمامه ما يلزم من أدوات وظروف مؤاتية وهو الأمر الذي يتوفّر في ظلّه عنصر العمد الواجب تحقّقه لتشديد العقوبة المفروضة على فعل القتل القصدي.”
“محكمة” تنشر القرار الاتهامي المؤلّف من أربع صفحات “فولسكاب” حرفيًا على الشكل التالي:
إنّ الهيئة الاتهامية في جبل لبنان المؤلّفة من القضاة أميرة شحرور رئيسة مكلّفة وجوزف تامر وهبة هاشم مكلّفة مستشارين،
ولدى التدقيق والمذاكرة،
وبعد الإطلاع على تقرير النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان ذي الرقم 3293 تاريخ 2019/12/17 الذي أيّد قرار قاضي التحقيق المنتهي إلى اعتبار فعل المدعى عليه:
مالك وديع عيد، والدته انجال، مواليد العام 1955، لبناني، أوقف وجاهيًا بتاريخ 2019/2/18، ولا يزال موقوفًا،
من قبيل الجناية المنصوص عليها في المادة 549 من قانون العقوبات، والظنّ به بجنحة المادة 73 من قانون الأسلحة،
وعلى القرار الظنّي الصادر عن قاضي التحقيق في جبل لبنان بالرقم 556 بتاريخ 2019/12/2،
وعلى مجمل أوراق الملفّ،
أوّلًا – في الوقائع: تبيّن أنّه بتاريخ 2019/2/1 توجّه المغدور هيثم كمال الزين برفقة أربعة من أصدقائه المدعوين طارق حسن الزين، ومحمّد حسان أبو ضاهر ومحمّد عصام أبو ضاهر وعاصم قاسم الزين، إلى محلّة مزرعة الضهر لممارسة هواية الصيد حيث تعرّض المغدور لطلق ناري من بندقية صيد أرداه قتيلًا.
وتبيّن أنّه خلال التحقيق مع رفاق المغدور المذكورين، لدى مخفر مزرعة الضهر، أفاد كلّ منهم أنّه بتاريخ الجريمة، كانوا قد توجّهوا إلى محلّة مزرعة الضهر لممارسة هواية الصيد، وبأنّه لدى وصولهم إلى أوّل المزرعة، في محلّة الباط، تفرّقوا كونهم يعتمدون في عملية الصيد على طريقة الكشّ بحيث يقومون بالصراخ ومن ثمّ رمي الحجارة على الطيور بغية اصطيادها. وصرّحوا بأنّ صراخ المغدور أثناء قيامه بعملية الكشّ كان مسموعًا لفترة حوالي عشر دقائق، وبأنّه حوالي الساعة الحادية عشرة سمعوا طلقتين ناريتين يفضل بينهما ثوان، وأنّ المدعوين طارق الزين ومحمّد حسان أبو ضاهر اللذين كانا الأقرب من مكان وجود المغدور، وصلا أوّلًا لمكان وجود الأخير، وبأنّ المدعو محمّد أبو ضاهر سمع صراخ المدعو طارق الزين فاتجه نحو الأخير وبدأ بالبحث عن المغدور، وصرّح المدعو محمّد أبو ضاهر بأنّه رأى المغدور ممدّدًا على الأرض لناحية الصدر وكانت الدماء تسيل من فمه وأنفه، وأضافوا بأنّه ومنذ أكثر من ثلاث سنوات، قام رجل عجوز في المحلّة عينها بشهر السلاح في وجههم، مطلقًا النار في الهواء لترهيبهم، وبأنّه من المحتمل أن يكون صاحب الأرض هو من ارتكب الجريمة.
وتبيّن من تقرير مكتب الحوادث رقم 302/40 تاريخ 2019/2/1 المجرى بنتيجة الكشف على جثّة المغدور هيثم كمال الزين، وكذلك من تقرير الطبيب الشرعي المكلّف من قبل النيابة العامة الاستئنافية في الجنوب الدكتور عفيف خفاجة أنّ المغدور أحضر إلى طوارئ المستشفى جثّة هامة بعد تعرّضه لإطلاق نار من بندقية صيد عيار 12 ملم، استُعْملت فيها طلقة من نوع “تسع غلل”، وأنّ إطلاق النار حصل عن مسافة حوالي المتر، وأنّ المغدور أصيب في رقبته من الخلف للجهة اليمنى، ويوجد عدد من الغلل داخل رأسه.
وتبيّن أنّ المدعى عليه هو صاحب الأرض التي قتل فيها المغدور. وبتفتيش منزله تمّ العثور على طلقة صفراء اللون، وعلى عدد من الذخائر الحربية من عيارات مختلفة من بينها بندقية الصيد المستعملة في جريمة القتل، كما تمّ ضبط خرطوشتي الصيد المستعملتين من قبله.
وخلال التحقيق مع المدعى عليه لدى شعبة المعلومات، أفاد بأنّه بتاريخ 2019/2/1 كان موجودًا داخل كرم الزيتون خاصته في محلّة مزرعة الضهر، وبأنّه سبق له أن تصادم عدّة مرّات مع صيّادين كون إطلاق النار داخل بستان الزيتون يسبّب ضررًا كبيرًا في جدران الحقل، وبأنّه وضع أغصانًا يابسة على حدود عقاره، وبأنّه بعد تناوله الطعام قرّر القيام بجولة داخل الكرم الذي يبعد حوالي العشر دقائق من منزله مشيًا على الأقدام.
وصرّح بأنّه أحضر معه بندقية للصيد عيار 12 ملم، بالإضافة إلى خرطوشتين الأولى من نوع “تسع غلل” المخصّصة لقتل الحيوانات البرّية، والثانية خردق عادي. وأوضح بأنّه أخذ البندقية معه للتأكّد ممّا إذا كان هناك صيّاديون لتخويفهم، وبأنّه في أغلب الأحيان يحضر معه بندقيته عندما يتوجّه إلى الكرم، وبأنّه لدى وصوله سمع طلقات نارية بعيدة المدى، وبالتزامن مع ذلك سمع خشّة وفجأة ظهر شخص أمامه يبعد عنه مسافة أربعة أمتار يصعد بين كومة من الحشيش اليابس داخل كرمه، وأنّه على إثر ذلك قام بوضع خرطوشة التسع غلل داخل البندقية وأطلق النار بهدف تخويف ذلك الشخص إلاّ أنّ الأخير أصيب خطأ، وأضاف بأنّ اختياره لخرطوشة التسع غلل كان صدفة وبأنّه وبسبب ارتباكه لم يسعفه وقام بنزع الخرطوشة الفارغة من البندقية ووضع أخرى من صنف آخر وأطلق النار بطريقة عشوائية تسهيلًا لفراره في حال كان يوجد شخص آخر يرافق المغدور، وبأنّه احتفظ بالطلقتين الفارغتين ليعود ويرمي خرطوشة التسع غلل داخل حديقة جاره، ويخبّئ الأخرى داخل منزله، وبأنّه لدى وصوله إلى المنزل نظّف البندقية ووضعها في المرآب ونفى وجود معرفة مسبقة له بالمغدور.
وتبيّن أنّه خلال التحقيق الإستنطاقي، أنكر المدعى عليه إقدامه على قتل المغدور عن قصد، مفيدًا بأنّه أطلق النار لاعتقاده بوجود خنزير، ولم يكن يعلم بأنّه سيصيب شخصًا، ونفى أن يكون قد سبق له أن هدّد صيّادين بواسطة السلاح، وأيضًا أن يكون قد سمع أصوات أشخاص وإلاّ لما كان أطلق النار. وصرّح بأنّه أقدم على الهرب لأنّه علم بأنّه قتل شخصًا.
وفي سياق التحقيق عينه، ولدى عرض صورة جثّة المغدور على الشاهد حسين خليل الخبير في الأسلحة، أفاد بأنّه نظرًا لبعد المسافات للكرات المعدنية الموجودة على رقبة المغدور في الرسم رقم 7 يستنتج أن إطلاق النار حصل عن مسافة تزيد عن المتر الواحد.
وفي سياق ذات التحقيق، أفاد الشاهد حسّان أو ضاهر أنّ المدعى عليه أقدم منذ حوالي الخمس سنوات على رمي صخرة على كلاب الصيد ووجّه سلاحًا بوجه الصيّادين وراح يطردهم ويصرخ بوجههم.
ثانيًا – في الأدلّة: تأيّدت هذه الوقائع بالإدعاء، بالتحقيق الأوّلي والإستنطاقي، بأقوال المدعى عليه ومدلولها، وبإفادات الشهود، وبتقريري مكتب الحوادث والطبيب الشرعي، وبمجمل الأوراق ومجريات التحقيق.
ثالثًا – في القانون:
وحيث إنّه أسند إلى المدعى عليه مالك عيد ارتكاب الجناية المنصوص عليها في المادة 549 من قانون العقوبات لإقدامه عمدًا على قتل المغدور هيثم الزين بغطلاق النار عليه من بندقية عيار 12 ملم،
وحيث يستفاد من مضمون نصّ المادة 549 المشار إليها أنّها افترضت وجوب توافر عنصر العمد لدى الجاني عند اقترافه فعل القتل فيشترط لإنتاج مفاعيلها القانونية أن يكون الجاني قد تصوّر مسبقًا نتيجة فعله وصمّم على ارتكابه بعد أن هيّأ لإتمامه ما يلزم من سلاح ومعدّات وظروف مؤاتية لتنفيذه..،
وحيث يتبيّن من خلال مجمل الوقائع والأدلّة المؤيّدة لها والمعروضة أعلاه، أنّ المدعى عليه أقدم على فعله بنتيجة خلفية سابق مبنية على نيّة الإنتقام والإقتصاص من الصيّادين الذين يقومون بالإصطياد في أرضه المزروعة بالزيتون كون الأمر يلحق ضررًا بها بحسب أقواله، وممّا اضطرّه إلى وضع أغصان يابسة على حدودها، وهذا ما تجلّى من خلال تركه لمنزله والتوجّه نحو كرم الزيتون العائد له مصطحبًا معه بندقيته التي لا مبرّر لإحضارها كون الحادث حصل خلال فترة الصباح، بالإضافة إلى خرطوشة من نوع تسع غلل قاتلة، وأخرى من نوع خردق، إذ إنّه ولدى سماعه صراخ الصيّاد الذي كان يكشّ الطيور، أقدم على وضع خرطوشة التسع غلل بداخل بندقيته وصوّبها من الخلف ومن مسافة قريبة لا تتعدّى الأربعة أمتار، نحو رقبة المغدور وأطلق النار ومن ثمّ عمد إلى الفرار وهو ما يستفاد أيضًا من أقواله، إذ صرّح بأنّه وبعد أن تفاجأ برؤية شخص قام بإطلاق النار الأمر الذي يدحض أقواله التي أدلى بها خلال التحقيق الإستنطاقي لناحية أنّ إطلاقه النار حصل على خلفية اعتقاده بوجود خنزير.
وحيث إنّ إطلاق النار من بندقية عيار 12 ملم، وعن قصد باستعمال خرطوشة من نوع تسع غلل قاتلة، ومن مسافة قريبة لا تتعدّى الأربعة أمتار بعد تصويبها باتجاه مكان خطر وقاتل في الجسم وتحديدًا الرقبة، كلّها أدلّة تشير إلى أنّ المدعى عليه عمد إلى قتل المغدور عن سابق تصوّر وتصميم.
وحيث إنّه يستنتج من جملة ما تمّ تفصيله أعلاه وجود نيّة لدى المدعى عليه بالإنتقام والإقتصاص من الصيّادين تترجم بتفكيره المسبق بالطريقة المنوي اتباعها في عملية الثأر الذي أراد تحقيقه، وبالتالي رسم مخطّطًا جرميًا هيّأ لإتمامه ما يلزم من أدوات وظروف مؤاتية وهو الأمر الذي يتوفّر في ظلّه عنصر العمد الواجب تحقّقه لتشديد العقوبة المفروضة على فعل القتل القصدي.
وحيث إنّ فعل المدعى عليه مالك عيد بالشكل الموصوف آنفًا من شأنه أن يشكّل العناصر الجرمية لجناية المادة 549 من قانون العقوبات، في حين أنّ فعله لجهة حيازته أسلحة حربية دون ترخيص يؤلّف جنحة المادة 73 من قانون الأسلحة.
لذلك
تقرّر الهيئة بالإتفاق:
1- إتهام المدعى عليه مالك عيد، المبيّنة هويّته في مستهلّ القرار، بجناية المادة 549 من قانون العقوبات، وإصدار مذكّرة قبض بحقّه، وإحالته إلى محكمة الجنايات في جبل لبنان لمحاكمته بما اتهم به، وتدريكه الرسوم والمصاريف كافة.
2- الظنّ بالمدعى عليه بجنحة المادة 73 من قانون الأسلحة.
3- إتباع الجنحة بالجناية للتلازم.
4- إيداع الملفّ مرجعه الصالح بواسطة جانب النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان.
قرارًا صدر في غرفة المذاكرة في بعبدا بتاريخ 2021/1/20.
“محكمة” – الأربعاء في 2021/1/3