تناقض النظرة القضائية إلى دعاوى استرداد مآجير للهدم وإعادة البناء/ناضر كسبار
بقلم المحامي ناضر كسبار:
بتاريخ 2012/12/19 قدم المحامي الاستاذ عفيف حديب اربع دعاوى امام القاضي المنفرد في بيروت الناظرة في دعاوى الايجارات، بوكالته عن المدعي محمد ورفاقه ضد اربعة مستأجرين. وبحكم التوزيع الاداري بين “المفرد والمجوز”، احيل ملفان امام قاضٍ منفرد وملفان آخران امام قاضٍ منفرد آخر. اما موضوع الدعاوى فهو الاسترداد للهدم واعادة البناء.
بتاريخ 2017/11/3 صدر حكمان في الملفين اللذين تنظر بهما القاضي الرئيسة اميرة صبرا، حيث قررت الترخيص للجهة المدعية باسترداد المآجور لقاء تعويض.
وبتاريخ 2018/1/23 صدر حكمان في الملفين اللذين تنظر بهما القاضي الرئيسة سالي الخوري، حيث قررت اعلان عدم اختصاص المحكمة لتحديد بدل المثل ووقف النظر في دعوى الاسترداد الراهنة لحين ورود ما يثبت تحديد بدل المثل الذي يتخذ اساسا في احتساب التعويض من قبل اللجان المختصة، وذلك بموجب حكم مبرم. وشطب الدعوى عن جدول المرافعات لحين انفاذ ما تقدم.
اتمنى على المشرع الذي مدد لنفسه والذي يطلب اعادة انتخابه ان يشرح لنا كيف يتم التشريع في مجلس النواب في ظل هذا النوع من القوانين وعلى رأسها قانون الايجارات.
الحكم الصادر عن القاضي الرئيسة اميرة صبرا تاريخ 2017/11/3
بناء عليه،
حيث ان الجهة المدعية اسندت طلباتها في الاستحضار المقدم بتاريخ 2012/12/19 الى احكام القانون رقم 160/92، ولكنها طلبت في لائحتها ورود 2015/2/26 تطبيق احكام المادة /32/ من قانون الايجارات الجديد الصادر بتاريخ 2014/5/8 والمنشور في ملحق الجريدة الرسمية العدد 27 تاريخ 2014/6/26.
وحيث ان المدعى عليه طلب رد الدعوى لعدم تقيد الجهة المدعية بالقوانين المرعية الاجراء، واستطرادا، الحكم له بالحد الاقصى من التعويض
وحيث يقتضي البحث في ماهية القانون الواجب التطبيق، ومدى امكانية تطبيق احكام القانون الجديد على موضوع النزاع الراهن، في ضوء الآراء القانونية المتناقضة الصادرة بهذا الخصوص لاسيما بالنسبة لتحديد قيمة التعويض، وذلك بعد الاسترشاد والاستنارة من الاحكام الالزامية والمبادئ العامة.
وحيث ان الفقرة (د) من المادة /32/ من قانون الايجارات الصادر بتاريخ 2014/5/8، تنص صراحة على ان تطبق احكامه على دعاوى الاسترداد التي لم يصدر بها قرار مبرم قبل تاريخ نفاذه المحدد بعد ستة اشهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية الحاصل في 2014/6/26 عملا باحكام المادة /58/ منه، وبالتالي بات نافذا وواجب التطبيق على النزاع الراهن وفقا لمنطوق الفقرة (د) المذكورة.
وحيث ان الجهة المدعية تطلب استرداد المأجور السكني المشغول من قبل المدعى عليه، الكائن في الطابق الاول من البناء القائم رقم 5011/ المزرعة، من اجل الهدم واعادة البناء وفقا لاحكام المادتين /32/و/22/ من قانون الايجارات الجديد الصادر بتاريخ 2014/5/8 لقاء تعويض يبلغ ستة اضعاف قيمة بدل المثل.
وحيث ان المادة /32/ فقرة ج من القانون الجديد الصادر بتاريخ 2014/5/8 تجيز للمالك استرداد المأجور من اجل الهدم واعادة البناء، ويشترط لقبول طلبه ان يكون مالكا للعقار حيث المأجو، وان يثبت بأن العقار المنوي انشاء بناء جديد قابل للبناء حسب قانون البناء ومقتضيات التنظيم المدني، وان يقيم دعوى استرداد واحدة بوجه جميع المستأجرين، ولم تشترط المادة المذكورة اي شرط آخر، كإثبات المالك انه تقدم بطلب الاستحصال على رخصة بناء، او ان يكون البناء قديم العهد وبحالة سيئة، لاسيما وان الفقرة الثانية من المادة /33/ من القانون عينه لحظت مهلا معينة للمالك الذي استرد مأجوره لاقامة بناء جديد، ورتبت عليه جزاء متمثلا في دفع تعويض اضاف للمستأجر، عند اخلاله بالغاية التي استرد من اجلها المأجور.
وحيث ان الشرط الاول للاسترداد للهدم المتمثل بتحقق الملكية هو متوفر، وذلك وفقا لما هو ثابت في الافادة العقارية المبرزة في الملف،
وحيث بالنسبة للشرط الثاني لجهة قابلية العقار المذكور لاعادة البناء، فإنه يتبين بالعودة الى الملف، لاسيما تقرير الخبرة ان هذا الشرط متحقق بدوره، اذ ان ان العقار 5011/ المزرعة غير مصاب بأي تخطيط مصدق وهو مستوف لكافة الشروط القانونية المنصوص عنها في قوانين البناء واحكام التنظيم المدني، كما يثبت انه يدخل ضمن نطاق المباني الاثرية التي يحظر هدمها،
وحيث في ما خص الشرط الثالث، يتبين وفق ما جاء في مذكرة المدعين المرفقة ربطا بتقرير الخبرة ان الجهة المدعية قد تقدمت بدعاوى استرداد للهدم بوجه قسم من المستأجرين الذين يشغلون كافة الطوابق في العقار الكائن فيه المأجورموضوع النزاع، كما وقعت على اتفاقات رضائية لاخلاء باقي المستأجرين في العقار،
وحيث في ضوء تحقق الشروط المفروضة قانونا يقتضي اجابة طلب الاسترداد،
وحيث انه ازاء تحقق شروط الفقرة “ج” من المادة /32/ من القانون الصادر بتاريخ 8/5/2014، يتوجب تاليا على المدعية اداء تعويض للمدعى عليه لقاء ارسترداد،
وحيث يستفاد من احكام المادة /22/ من القانون المذكور انه يتوجب على المالك طالب الاسترداد للهدم اثناء السنة الاولى من الفترة التمديدية (السنوات التسع) ان يدفع للمستأجر تعويضا يوازي بدل ايجار ست سنوات محتسبة على اساس بدل المثل الذي جرى تحديده،
وحيث يثور التساؤل عما اذا كان يعود لهذه المحكمة امر تحديد بدل مثل المأجور تمهيدا لتحديد التعويض المترتب نتيجة الاسترداد للهدم واعادة البناء، وذلك لان مسألة تحديد بدل المثل تعود اصلا للجنة المنصوص عليها في المادة /7/ من القانون الجديد في حال الاختلاف بين المؤجر والمستأجر، وفقا لاحكام المادة /18/ من القانون المذكور، ما لم يكن قد حدد رضاء،
وحيث من التمحيص في مجمل المواد الواردة في قانون الايجارات الجديد، يستشف ان اختصاص اللجنة لتحديد بدل المثل ينعقد في حال استمرار الايجارة وذلك بهدف تحديد الزيادة التي تطرأ على بدل الايجار استنادا الى بدل المثل الذي يشكل عنصرا من عناصر هذا التحديد، اما في حال كان الهدف من تحديد بدل المثل هو تحديد التعويض لقاء الاسترداد للهدم، اي في معرض انقضاء الايجارة، فإنه يعود للمحكمة ان تحدد قيمة بدل المثل لاسيما وان قانون الايجارات الجديد قد نص صراحة في المادة /20/ منه على آلية تحديد قيمته وذلك على اساس نسبة 4% من القيمة البيعية للمأجور في حالته القائمة في ما لو كان خاليا، وبالتالي لا توجد صعوبة بالنسبة لتحديده من قبل المحكمة،
وحيث بالعودة الى سياق المحاكمة، يتبين ان المحكمة وتوصلا الى تحديد هذا التعويض، قد عينت الخبيرين المهندس حسام حيدر احمد وعاد المقداد للقيام بمهمة فنية في هذا الصدد من ضمن بنودها تحديد مساحة المأجور وموقعه وتخمينه، وقد توصلا في تقريرهما الى ان قيمة المأجور هي /239540/على اساس ان مساحته الاجمالية بعد تبلغ /145/م2، وان ثمن سعر المتر المربع الواحد فيه /1652/$،
وحيث ان الخبيرين المذكورين قد نفذا بنود المهمة الموكلة اليهما بصورة علمية وموضوعية وتقيدا بالقواعد القانونية والاصول الفنية المرعية الاجراء لهذه الناحية واستندا في تحديد مساحة المأجور وفقاً لما هو متعارف عليه على ارض الواقع، وعمدا الى تقدير قيمة المأجور وفقا للاسعار الرائجة في المنطقة الكائن فيها، لذلك ترى المحكمة بما لها من سلطة تقدير، اعتماد ما ورد في تقريرهما هذا بالنسبة لمساحة المأجور وتخمينه، وبالتالي رد الطعون الموجهة اليه من الجهة المدعية لافتقارها الى المرتكز القانوني كما ولافتقارها الى الثبوت لاسيما وانه لم تبرز او تثبت للمحكمة ووفقا للاصول ما يقوض النتائج التي استخلصها الخبيران في تقريرهما، فيكون بدل المثل في هذه الحالة يساوي /9581،6/$،
وحيث يكون التعويض المتوجب دفعه للمدعى عليها، لقاء استرداد مأجورها السكني، معادلا لبدل ايجار ست سنوات على اساس بدل المثل المذكور، اي ما مقداره /57489،6/$ وتدوير هذا المبلغ ليصبح /57490/$،
وحيث بالوصول الى النتيجة المتقدم عرضها يقتضي رد كافة الاسباب والمطالب الزائدة او المخالفة إما لعدم الجدوى وإما لعدم القانونية، وإما لكونها قد لاقت ردا ضمنيا في معرض التعليل المبسوط اعلاه،
لذلك
نحكم:
1- بالترخيص للجهة المدعية باسترداد المأجور المشغول من المدعى عليه الكائن في الطابق الاول من البناء القائم على العقار 5011/ المزرعة للهدم واعادة البناء عملا باحكام الفقرة (ج) من المادة /32/ من القانون الصادر بتاريخ 2014/5/8،
2- بإلزام الجهة المدعية بأن تدفع تعويضا اجماليا للمدعى عليه لقاء الاسترداد وقدره /57490/$، سبعة وخمسون الفا واربعماية وتسعون دولار اميركي، او ما يعادل ذلك بالعملة الوطنية بتاريخ الدفع الفعلي،
3- بالزام المدعى عليه بإخلاء المأجور وتسليمه خاليا للجهة المدعية فور انبرام هذا الحكم وقيام الاخير بإيداع التعويض المنوه عنه،
4- برد كل ما زاد او خالف،
5- بتضمين الجهة المدعية والمدعى عليه الرسوم والنفقات مناصفة،
حكما صدر وافهم علنا في بيروت بتاريخ 2017/11/3
* *
الحكم الصادر عن القاضي الرئيسة سالي الخوري تاريخ 2018/1/23:
بناء عليه،
حيث ان الجهة المدعية تطلب استرداد المأجور القائم على العقار رقم /5011/ المزرعة
للهدم واعادة البناء، وتدلي بأن القانون الواجب التطبيق هو قانون الايجارات الجديد وان هذه المحكمة تبقى مختصة لتحديد بدل المثل،
وحيث ان المدعى عليها تبلغت لائحة المدعية ورود 2017/4/1 التي اثارت فيها مسألة اختصاص هذه المحكمة في تحديد بدل المثل، وذلك بواسطة وكيلتها الاستاذة محيو في الجلسة التي انعقدت بتاريخ 2017/4/18، ولم تبادر الى الجواب عليها،
وحيث انه، من نحو اول، ولئن. نصت المادة 55 من قانون الايجارات رقم 2 تاريخ 2017/2/28، في فقرتها الثالثة على تبقى ان الدعاوى المقامة قبل تاريخ العمل بهذا القانون خاضعة لاحكام القوانين التي اقيمت في ظلها، الا انها جاءت واضحة لناحية النص على “مراعاة احكام المادة 22 من هذا القانون” التي اوردت في الفقرة (د) منها على ان احكام القانون الجديد تطبق على دعاوى الاسترداد العالقة التي لم يصدر بها قرارمبرم قبل تاريخ نفاذ هذا القانون،
وحيث انه استنادا الى ما تقدم، يكون القانون التعديلي النافذ حكما رقم 2 تاريخ 2017/2/28 هو الواجب التطبيق على الدعوى الراهنة،
وحيث انه، من نحو ثان، انشأ القانون المذكور في المادة السابعة منه لجان ذات طابع قضائي، واولاها صراحة امر النظر في تطبيق الاحكام المتعلقة تحديد بدل المثل الذي يتم الاستناد اليه في تحديد الزيادات وتعويضات الاسترداد وغيره،
وحيث انه، اضافة الى ما تقدم، نصت المادة 22 من القانون المذكور صراحةً على ان التعويض الذي يدفعه المالك للمستأجر يحتسب على اساس “بدل المثل الذي جرى تحديده”، ومن البين ان تحديد بدل المثل تقوم به اللجان المنوه عنها اعلاه وفقا للآلية المحددة في المادة 18 من القانون، ما لم يتم تحديده رضاءً بين الطرفين،
وحيث ان الاختصاص الذي اولاه المشترع للجان التي انشأها في المادة السابعة من القانون المذكور هو اختصاص حصري لهذه اللجان دون سواها، بحيث لا تكون المحاكم العادية مرجعاً صالحاً للنظر في اي طلب داخل ضمن عمل تلك المحاكم والتي يرتكز اختصاصها الى قواعد آمرة متعلقة بالنظام العام،
وحيث انه استناداً الى ما تقدم، لا تكون هذه المحكمة مرجعاً مختصاً للنظر بكل ما انيط باللجان المقررة في قانون الايجارات الاخير المعدل، ومنها تحديد بدل المثل الذي يتخذ اساساً لاحتساب تعويض الاسترداد طالما لم يتوافر في الملف اي دليل من شأنه ان يثبت ان الطرفين توصلا الى تحديده حبياً،
وحيث انه تبعاً لذلك، يقتضي اعلان عدم اختصاص هذه المحكمة لتحديد بدل المثل وبالتالي وقف المحاكمة في الدعوى الراهنة واستئجار النظر فيها لحين تحديد بدل المثل من المرجع المختص اي اللجان التي انشأها قانون الايجارات الجديد، وذلك بموجب حكم مبرم،
لذلك
ومع حفظ البت بالنقاط القانونية كافة،
يقرر:
1- فتح المحاكمة.
2- اعلان عدم اختصاص المحكمة لتحديد بدل المثل ووقف النظر في دعوى الاسترداد الراهنة لحين ورود ما يثبت تحديد بدل المثل الذي يتخذ اساساً في احتساب التعويض من قبل اللجان المختصة، وذلك بموجب حكم مبرم.
3- شطب الدعوى عن جدول المرافعات لحين انفاذ ما تقدم.
4- ابلاغ هذا القرا ر من فريقي الدعوى وممن يلزم.
قراراً صدر وافهم علناً في بيروت بتاريخ 2018/1/23
“محكمة” – الأربعاء في 2018/03/28