أبرز الأخبارمقالات

تنظيم وكالة غير قابلة للعزل بعقار داخل ضمن وصية وبتاريخ لاحق لها /ناضر كسبار

المحامي ناضر كسبار:
إعتبرت المحكمة الابتدائية في جبل لبنان- الغرفة الثالثة في جديدة المتن المؤلّفة من القاضي الرئيس جورج عوّاد، وعضوية القاضيين الياس ريشا وأحمد رامي الحاج، أنّ عدم تسجيل الهبة المستترة لا يؤدّي إلى اعتبارها باطلة ما دام العقد الظاهري صحيحاً وتتوافر فيه كافة الأركان والشروط المفروضة قانوناً لانعقاده.
كما اعتبرت أنّ عقد الوكالة غير القابلة للعزل، سواء وصفت بأنّها عقد بيع، أم تمّ وصفها بأنّها عقد هبة، فهي تشكّل عملاً إرادياً صادراً عن الموصية وينمّ عن رغبتها وإرادتها بالرجوع عن الايصاء بمقدار موضوعها وضمن هذه الحدود. وهي بمثابة رجوع ضمني عن الايصاء.
وقضت بإخراج العقار من نطاق الوصية على اعتبار أنّ الوكالة غير القابلة للعزل هي بمثابة الرجوع عن الوصية.
وممّا جاء في الحكم الصادر بتاريخ 2003/4/2:
بناء عليه،
حيث إنّ الدعوى الراهنة اضحت محصورة ببحث مدى اعتبار الوكالة المنظّمة بتاريخ 1996/2/7 لمصلحة المعترض واللاحقة للوصية موضوع المعاملة التنفيذية تاريخ 1994/2/2 تعتبر رجوعاً عن الايصاء، ممّا يقتضي معه اخراج العقار /1351/ ساقية المسك من نطاقها.
وحيث إنّه يقتضي، وتمهيداً لبحث النقطة المشار اليها اعلاه، مناقشة ادلاءات الجهة المعترض عليها طعناً بهذه الوكالة لابطالها كونها من جهة أولى، كانت تحت الضغط والاكراه، وانها كانت للادارة وليس للتصرّف، ولعدم دفع الرسوم المتوجّبة على انتقال التركات ولكونها تخفي هبة غير منفّذة اصولاً بين الاحياء.
وحيث انه لجهة الدفع المدلى به ببطلان الوكالة غير القابلة للعزل كون المرحومة جورجيت لم تكن بوضع صحي سليم وان هذه الوكالة كانت تحت الضغط والاكراه، وانها للادارة وليس للتصرّف، فإنّه يقتضي رد هذا الدفع لعدم ثبوته على اعتبار أنّ هذه الوكالة جرت أمام مأمور رسمي ممّا يحول دون امكانية الضغط والاكراه، ولأنّ كاتب العدل طلب تقريراً صحياً عن حالة المرحومة عند تنظيمها للوكالة وقد جزم أنّها كانت بوضع عقلي سليم وان هذه الوكالة غير القابلة للعزل تعطي الزوج المعترض حق الرقبة وتبقي الاستثمار للمرحومة فيكون الادلاء بأنّها وكالة للادارة وليس للتصرّف خالياً من الاثبات.
وحيث انه لجهة عدم دفع الرسم النسبي المتوجّب على انتقال التركات، فإنّه عمل اداري وقلمي محض، وفي حال وجود الخطأ في الاحتساب، فلا شيء يحول دون تكليف المعترض بذلك، بالاضافة لا يدخل ضمن الاسباب المؤدية إلى بطلان العقد بحد ذاته، إذ إنّ عملية عدم دفع الرسم النسبي المتوجّب لا يفيد أنّ الوكالة بحدّ ذاتها هي باطلة كون حالات البطلان هي محدّدة قانوناً وتتناول الرضى والموضوع والسبب، فيكون هذا الادلاء خارج إطار أسباب البطلان ممّا يقتضي ردّه.
وحيث انه يقتضي بحث الدفع المدلى به ببطلان الوكالة غير القابلة للعزل، كونها بدون مقابل، وبالتالي تخفي هبة غير منجزة لعدم التسجيل.
وحيث تجدر الاشارة الى القول ان اعتبار الوكالة غير القابلة للعزل هي بدون مقابل، أم بمقابل، مسألة متنازع عليها وغير ثابتة وتتعلّق بالدعوى المقامة امام الغرفة العقارية 97/681 على اساس انه في حال تبيّن صحّة ادعاء المعترض امامها بالصورية، فهذا يفيد انه قد اشترى فعلاً بماله هذا العقار موضوع الوكالة وأجرى تسجيله بالدعوى العالقة امام المحكمة العقارية.
وحيث ان المهم بحثه امام هذه المحكمة، يتعلّق بمدى اعتبار هذه الوكالة غير القابلة للعزل باطلة متى أخذت هبة، لعدم تسجيلها في السجل العقاري كون التسجيل هو شرط شكلي وانشائي لقيام الهبة وانتاجها لمفاعيلها كافة.
وحيث انه بمعنى آخر، فإنّ السؤال المطروح يكمن في معرفة ما اذا كانت الهبة المستترة، اي المقنّعة تحت قناع عقد آخر تعتبر غير قائمة وباطلة وغير موجودة ما لم يكن هناك تسجيل في السجل العقاري.
وحيث ان المادة 510 م.ع. نصت على ان هبة العقار او الحقوق العينية العقارية لا تتم الا بقيدها في السجل العقاري، مما يعني بصورة واضحة وصريحة ان التسجيل في السجل العقاري لعقد الهبة هو شرط جوهري لقيام الهبة بكافة مفاعيلها لجهة نقل الملكية، وبالتالي فإن القيد بالتسجيل في السجل العقاري هو ركن من اركان عقد الهبة ولا يكون لها كيان دونه.
وحيث ان الحكم المشار اليه اعلاه، يتعلق بالهبة الصريحة أو المباشرة، إلاّ انّه لا يعتد به بالنسبة للهبة المستترة التي تتخفّى تحت قناع عقد آخر، كعقد الوكالة موضوع الدعوى الراهنة،
وحيث انه تأسيساً على ما تقدّم، فإنّ عدم تسجيل الهبة المستترة لا يؤدّي إلى اعتبارها باطلة ما دام العقد الظاهري هو صحيح وتتوافر فيه كافة الاركان والشروط المفروضة قانوناً لانعقاده.
وحيث انه بالتالي، فإنّ الهبة المستترة تختفي خلف قناع عقد آخر، فإنّ الشروط المطلوبة لصحّتها هي جميع الشروط المطلوبة لانعقاد العقد الظاهر، وعلى ذلك لا يعتبر التسجيل في السجل العقاري شرطاً لصحّة الهبة المستترة عندما تتوافر الشروط اللازمة لانعقاد العقد الظاهر.
(يراجع بنفس المعنى-عفيف شمس الدين-المصنّف في القانون العقاري-الجزء الاول صفحة 368).
وحيث إنّه وعلى فرض اعتبار ان عقد الوكالة المدلى بابطاله يخفي هبة غير مسجلة في السجل العقاري، فإنّ عدم التسجيل والحالة هذه لا يعتد به لصحة الهبة كونها مستترة تحت قناع عقد آخر هو عقد وكالة غير قابلة للعزل المتوافر فيه كافة الشروط المفروضة قانوناً لصحته، وبالتالي فإنّ صحّة الهبة المستترة مستمدة من صحة العقد الظاهر الخافي لها، ومن الحاجة للتسجيل في السجل العقاري.
وحيث انه بالتالي، يقتضي ردّ ما ادلت به الجهة المعترض عليها طعناً لابطال الوكالة غير القابلة للعزل.
وحيث انه يقتضي بحث مدى امكانية اعتبار هذه الوكالة غير القابلة للعزل، وسواء وصفت بأنّها عقد بيع أم أنّها عقد هبة، تعتبر رجوعاً ضمنياً عن الايصاء أيّ عن الوصية موضوع المعاملة التنفيذية.
وحيث إنّه من تعريف الوصية، فانّها تمليك مضاف الى ما بعد الوفاة، وانه يعود للموصى الرجوع عن وصيته صراحة او ضمناً.
وحيث إنّ الرجوع الصريح لا يثير أيّة خصومة، على اعتبار أنّ الموصي ينظّم بتاريخ لاحق لوصيته سنداً خطياً يعبّر فيه صراحة عن رجوعه عن الوصية، مما يقتضي بحث مسألة الرجوع الضمني.
وحيث إنّ القاعدة العامة في الرجوع الضمني عن الوصية، تستنتج من كلّ تصرف او عمل قانوني يعبر فيه الموصي عن رغبته بالرجوع عن الوصية، إلاّ أنّ قانون الارث لغير المحمّديين حصر الرجوع في حالتين هما حالة تنظيم وصية لاحقة تبطل الوصية السابقة، او في حالة بيع المال موضوع الايصاء.
وحيث إنّ حالة البيع للموصى به نصت عليه المادة 72 من قانون الارث غير المحمّديين:”إذا باع الموصي المال الموضوع في وصية سابقة فيعتبر البيع رجوعاً عن الوصية على قدر الشيء المباع، ويعتد بهذا الرجوع، وإن أبطل البيع إلاّ إذا وقع البطلان لعيب في الرضى، او اذا عاد المال الموصى به ملكاً للموصي”.
وحيث انه يستفاد من المادة المذكورة اعلاه، البيع اللاحق للايصاء يعتبر رجوعاً عن الايصاء بقدر المال المباع، وأنّه حتّى ولو ابطل البيع، يبقى به كرجوع عن الايصاء، طالما أنّ الابطال ليس لسبب يتعلّق بعيوب الرضى لأنّه في هذه الحالة ينتفي الرضى والارادة.
وحيث إنّ المغزى الذي يحتّم القول إنّ إبطال البيع اللاحق للايصاء يعتد به للحكم بالرجوع عن الايصاء أيضاً، كون ان تنظيم عقد بيع إنّما يتمّ بحدّ ذاته من ارادة الموصي ورغبته الضمنية الواضحة بالرجوع عن الايصاء، وأنّ هذه الرغبة بالرجوع تجسّدت بتنظيمه لعقد البيع وإنْ قضي بابطاله ما دام الابطال خارجاً عن عيوب الرضى.
وحيث وان كانت المادة 72 نصت على البيع، فانه لا يجب ان تفهم وتفسّر بحصرية عقد البيع دون سواها والقول بالرجوع عن الايصاء إنّما يقصد منها كلّ تصرّف لاذحق من شأنه نقل الملكية، أو كلّ عمل قانوني يسفر عن نقل ملكية المال الموصى به إلى شخص آخر غير الموصى له، وبالتالي فإنّ عقد البيع يشكّل رجوعاً ضمنياً عن الايصاء كما ان عقد المقايضة الذي يخضع لنفس أحكام البيع يشكّل رجوعاً ضمناً عن الايصاء، والهبة اللاحقة للايصاء تشكّل رجوعاً عن الايصاء بصورة ضمنية.
وحيث إنّه تأسيساً على ما تقدّم، فإنّ عقد الوكالة القابلة للعزل وسواء وصفت بأنّها عقد بيع، أم تمّ وصفها بأنهّا عقد هبة، ففي هاتين الحالتين، تشكّل عملاً ارادياً صادراً عن الموصية ويتم عن رغبتها وارادتها بالرجوع عن الايصاء بمقدار موضوعها وضمن هذه الحدود. وبالتالي فإنّ عقد الوكالة غير القابلة للعزل لصالح المعترض بالعقار رقم /1352/ ساقية المسك، هي بمثابة رجوع ضمني عن الايصاء سندا لاحكام /72/ من قانون الارث لغير المحمديين، ويقتضي اخراج العقار المذكور من نطاق الوصية موضوع المعاملة التنفيذية.
وحيث انه لم يعد من داع لبحث ما زاد او خالف بعد النتيجة التي توصلت لها هذه المحكمة.
لذلك
وعطفا على قرار هذه المحكمة السابق المؤرخ في 2002/2/26:
تحكم بالاتفاق:
1- ردّ الدفوع المدلى بابطال الوكالة غير القابلة للعزل تاريخ 1996/2/7
2- إخراج العقار رقم /1351/ ساقية المسك من نطاق المعاملة التنفيذية رقم 97/369 369/97، على اعتبار ان الوكالة غير القابلة للعزل هي بمثابة رجوع عن الوصية تاريخ 1994/22 لجهة العقار رقم /1351/ ساقية المسك موضوعها.
3- تدريك المعترض عليه الرسوم والمصاريف كافة.
حكماً صدر وأفهم علناً في الجديدة بتاريخ 2003/4/2
“محكمة” – الثلاثاء في 2018/09/04

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!