توقيف مساعد قضائي بجرم رشوة.. القصّة واقعية صدّقوني!/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
.. وفي المحاكم فساد من نوع آخر قد لا يكون جديداً يسمّونه “حلوينة” أو “إكرامية”، بينما هو رشوة بامتياز يتقاضاها الموظّف بطيبة خاطر أو “بعين وقحة” ويعرف بالأمر القضاة ويتغاضون، وأحياناً كثيرة تصلهم صرخات المواطنين والأهالي وبعض المحامين ويتساهلون وكأنّ هذا الوضع لا يعنيهم، لكن ما حصل في قصر عدل زحلة تجاوز الحدود والمتوقّع، إذ تحوّل فساد مساعد قضائي إلى وضع الكفالة المالية المحدّدة من المحكمة لإخلاء سبيل أحد المتهمّين ليس في جيبه وحسب، بل إلى مضاعفتها ومحاولة إلصاقها بمحامية على شكل أتعاب، وكأنّ المحامي يحتاج إلى من يحصّل له أتعابه، أو عاجز عن المطالبة بها، إلى أن وقع هذا الموظّف في شرّ أعماله.
وفي التفاصيل الخاصة بـ“محكمة” أنّ المركز اللبناني لحقوق الإنسان يقدّم مساعدات عينية ومالية لمساجين أو موقوفين أو عاملات أجنبيات تكون في بعض الأحيان على هيئة دفع الكفالة المالية المطلوبة من القضاء لإخلاء السبيل.
وتعمل المحامية سارية كنعان مع هذا المركز من ضمن فريق عمل من المحامين، وعرفت، ذات يوم، بأنّ السجين السوري ميسّر غ. موقوف في سجن بعلبك لمصلحة محكمة جنايات زحلة وليس لديه محام فتوكّلت عنه باسم المركز الذي تعمل معه، وقدّمت في 11 حزيران 2020 طلباً لإخلاء سبيله وافقت هيئة المحكمة برئاسة القاضي مارون أبو جودة عليه وحدّدت قيمة الكفالة بمليون وخمسماية ألف ليرة، لكنّ هذا السجين لا يملك هذا المبلغ، والمركز لا يقدّم أكثر من مبلغ خمسماية ألف ليرة كمساعدة للسجين الواحد، فكان القرار بتقديم طلب تخفيض قيمة الكفالة، غير أنّ المحكمة المذكورة ردّته مرّتين، إلى أن وافقت في المرّة الثالثة في 10 أيلول 2020، وجعلت القيمة 700 ألف ليرة.
وأجريت المعاملة بالشكل القانوني السليم ووقّع القاضي طلب إخلاء السبيل بهذه القيمة، غير أنّ مساعده الموظّف ح.ص. أخذ من شاب قَدِمَ ليدفع قيمة الكفالة المبلغ المحدّد سابقاً والبالغ مليوناً وخمسماية ألف ليرة، أيّ “ضعف القيمة وزيادة”، فانتبه الشاب إلى هذا الفارق وسأل الموظّف عن السبب، فأبلغه بكلّ وقاحة بأنّ المبلغ المتبقي هو رسوم قضائية وأتعاب المحامية! فاستغرب الشاب وأجابه بأنّه يستحيل أن تكون الرسوم القضائية بهذا المقدار، ورفض أن يسكت عن هذا التصرّف، وتوجّه على الفور، إلى مكتب النائب العام الاستئنافي في البقاع القاضي منيف بركات وأخبره بما حدث معه.
في هذه الأثناء، شعر الموظّف بورطته واستبق وصول عناصر قوى الأمن الداخلي الذين أرسلهم بركات إلى قلم المحكمة لتوقيفه، بطلب النجدة من المحامية سارية كنعان فاتصل بها من هاتفه الخاص وأخبرها بحقيقة ما حصل معه طالباً منها في حال استدعائها إلى التحقيق أن تدعي بأنّ المبلغ هو أتعاب لها، غير أنّ كنعان رفضت استغلالها والسكوت عن فساد الموظّف.
وبالفعل روت كنعان ما حدث معها في التحقيق الأوّلي لدى مفرزة زحلة القضائية، وادعى القاضي بركات على الموظّف بجنحة الرشوة سنداً للمواد 351 و356 و361 من قانون العقوبات وتصل عقوبتها إلى السجن ثلاث سنوات.
وتتحدّث هذه المواد عمن يلتمس أو يقبل لنفسه أو لغيره هدية أو أيّ منفعة أخرى ليقوم بعمل شرعي من أعمال وظيفته، ويقبل بأجر غير واجب عن عمل سبق إجراؤه من أعمال وظيفته أو مهمّته، إضافة إلى كلّ موظّف يُكره شخصاً أو يحمله على أداء ما يعرف أنّه غير واجب عليه أو يزيد عمّا يجب عليه من الضرائب والرسوم.
وأصدرت قاضي التحقيق الأوّل في البقاع بالإنتداب أماني سلامة مذكّرة توقيف وجاهية بحقّ ح.ص.، فيما قدّمت المحامية كنعان شكوى لهيئة التفتيش القضائي ضدّه أيضاً، لكي تترافق الملاحقة الجزائية مع المحاسبة المسلكية.
وتجدر الإشارة هنا إلى وجود مساعدين قضائيين يرفضون رفضاً تاماً أن يأخذوا من المحامي أو أصحاب العلاقة ليرة واحدة عند قيامهم بواجبهم في الأقلام والدوائر التي يعملون فيها في مختلف العدليات والمحاكم، فلماذا لا تكرّمهم وزارة العدل لكي يكونوا قدوة لسواهم من الموظّفين الفاسدين؟!
“محكمة” – السبت في 2020/9/19
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.