ثغرات تشريعية في تحديد مسؤولية منتجي الأدوية/مروى درغام
المحامية مروى درغام:
في ظلّ عدم وجود قانون متكامل مُوحَّد في لبنان يرعى “المسؤولية المدنية لمنتجي الأدوية عن العيوب الخفية في الأدوية والمستحضرات الصيدلانية” وسياسة دوائية واضحة، تُراعي حجم مشكلة حوادث الأدوية في لبنان وخصوصية وأهميّة الدواء، على غرار المشرّع الفرنسي الذي حقّق نجاحاً ملحوظاً في حماية المستهلكين من مخاطر المنتجات الطبّية من خلال صدور القانون رقم 98-386 في 19 أيّار 1998 تلبيةً للتوجيه الأوروبي الصادر في 25 تموز 1985 حول “المسؤولية عن فعل المنتجات المعيوبة”، لذلك، نتوجّه ببعض التوصيات إلى المشرّع اللبناني لسدّ الثغرات القانونية التي تعتري التشريع اللبناني، سواء في قانون الموجبات والعقود، أو قانون مزاولة مهنة الصيدلة اللبناني، أو قانون حماية المستهلك اللبناني، في ما يتعلّق بمسؤولية منتِج الدواء عن منتجاته المعيوبة.
بادئ ذي بدء نطالب بزيادة عدد الأجهزة الرقابية التابعة لوزارة الصحّة العامة اللبنانية التي تمارس الإشراف والرقابة على المنتجات الطبيَّة بشكل عام، والدواء بشكل خاص، وتفعيل دورها في مختلف مراحل تصنيع المنتجات الطبيَّة وبعد توزيعها، وبالأخصّ على الأدوية الفاسدة، وحصر استيراد الأدوية بأجهزة الدولة أو جهات محدَّدة فقط وفق شروط وضوابط تحددّها وزارة الصحّة العامة اللبنانية، أو بالأصحّ مراقبة عملية استيراد الأدوية وضبط الحدود ورصد المخالفات بهذا الشأن.
كما أنّه يجب العمل على زيادة الوعي لدى المستهلك بإنشاء لجان وهيئات متخصِّصة وتنظيم مؤتمرات وندوات تُساهم في زيادة الوعي وتثقيف المستهلك بعدم شراء الأدوية من الصيدليات غير المرخّصة، وكيفية استعماله الأدوية، وعدم الإحتفاظ أو استعمال الأدوية بعد انتهاء تاريخ صلاحيتها، والتأكّد من هذا التاريخ قبل تناوله للدواء، وعدم مخالفة التحذيرات والتعليمات المشار إليها في النشرة الطبّية المرفقة بالأدوية، وتعليمات الطبيب أو الصيدلي عن كيفية استخدام الأدوية والأثار الجانبية المتولّدة عنها.
ومن المفيد والمهمّ جدّاً إنشاء إدارة التسجيل الدوائي، وإنشاء أمانة متخصِّصة لمواءمة التشريعات الصيدلانية والدوائية العربية لتكون نواة لتأسيس الهيئة العربية للتسجيل الدوائي على غرار الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وأسوةً بما يتمّ في برنامج التسجيل الدوائي لدول الخليج العربي، وذلك مع الإستفادة من تجربة المملكة العربية السعودية والمملكة الهاشمية الأردنية في هذا المجال، والإستفادة أيضاً من تجربة الإتحاد الأوروبي في إنشاء هيئة سلامة الغذاء والدواء الأوروبية EFSA التي تقوم بتقييم المخاطر في الإتحاد الأوروبي.
وأيضا ندعو إلى إنشاء الإدارة اللبنانية لمراقبة الأدوية بهدف الإشراف على كيفية تصنيع الدواء في بلد المنشأ ومراقبة المواد الأوّلية التي تُستخدم في صناعة الدواء أسوةً بالهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء (Food Safety Lebanese Commission) المنشأة بموجب المادة (22) من قانون سلامة الغذاء رقم 48 الصادر في 26\11\2015.
كما نشدّد على تشجيع الصناعة الوطنية للدواء وإعطاء الأولوية لتصنيع الأدوية الأساسية، وترشيد استعمال الأدوية ونشر الكتيِّب الوطني للأدوية وإصدار نشرة دورية للمعلومات الدوائية.
ونتيجة بطء صدور الأحكام وتكدّسها، يجب إنشاء نيابة عامة خاصّة بالقضايا الصحيَّة، أو لجنة قضائية خاصة يرأسها قاضِ وتتألّف من ممثّل عن وزارة الصحّة وممثّل عن نقابة الصيادلة وممثّل عن نقابة مستوردي الأدوية ومحامٍ، وذلك للتعجيل في البتّ في الملفّات المُحالة على القضاء بسبب الضرورة المُلِحّة المتعلِّقة بصحّة المواطنين وأهمّية حسمها والبتّ فيها بالسرعة القصوى، وتغليظ العقوبة على منتجي وبائعي ومهرّبي ومسوّقي الأدوية المغشوشة، واعتبارها جناية وليست جنحة تنقضي بالحبس البسيط، أو دفع غرامة زهيدة مقارنةَ بالأضرار الجسيمة التي تنتُج عن الأدوية المعيوبة.
لذلك ندعو المشرّع اللبناني إلى إدخال أحكام المسؤولية الموضوعية الناشئة عن فعل المنتجات الدوائية المعيوبة بشكل صريح، بحدودها وضوابطها التي أخذت بها دول الإتحاد الأوروبي ومنها فرنسا، وذلك ضمن التشريع اللبناني من خلال إفراد باب خاص للمسؤولية المدنية الخاصة بمنتجي الأدوية، وجمع شتات النصوص المتفرّقة في قانون واحد يتناول المسؤولية القانونية لمنتجي الأدوية عن العيوب الخفية في الأدوية والمستحضرات الصيدلانية أسوةً بالقانون المدني الفرنسي رقم 386-98 المتعلّق بالمسؤولية الناشئة عن مضار المنتجات المعيوبة. وخاصةً أنَّ المسؤولية الموضوعية موجودة في التشريع اللبناني في عدّة قوانين متفرّقة ولكن نحن بانتظار تكريسها بشكل فعّال وبشكل خاص في ما يتعلّق بـــ “المسؤولية المدنية لمنتِج عن العيوب الخفية في الأدوية والمستحضرات الصيدلانية”، فما من شكّ أنَّ هذا التطوّر في أحكام المسؤولية من شأنه أن يقيم قدراً من التوازن بين مصلحة المنتجين ومصلحة المستهلكين، فضلاً عن أنّه سيؤدّي إلى توحيد الحماية القانونية لمستهلكي المنتجات الدوائية المعيوبة، إذ ليس من العدل أن نفرّق بين المتضرّرين بحسب طبيعة العلاقة التي تربطهم بالمسؤول عن إنتاج الدواء المعيوب.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 30 – حزيران 2018 – السنة الثالثة)
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.