جان فهد في يوم القضاة الشهداء: سنعمل على توثيق التدخّلات مع القضاة تمهيداً لمكافحتها
بقلم القاضي جان فهد(رئيس مجلس القضاء الأعلى*):
معالي وزير العدل،
سعادة رئيس مجلس شورى الدولة،
سعادة رئيس ديوان المحاسبة،
سعادة مدعي عام التمييز،
سعادة رئيس هيئة التفتيش القضائي،
سعادة المديرة العامة لوزارة العدل،
سعادة رئيس رابطة قدامى القضاة،
سعادة نقيب المحامين في بيروت،
الزملاء القضاة ، الأساتذة المحامون،
عائلات القضاة الشهداء،
الحضور الكريم،
إنّه الثامن من حزيران، إنّه اليوم الذي يقف فيه القضاء كلّ القضاء، قضاة ومحامين ومساعدين قضائيين، ليتذكّر اغتيال الرؤساء الشهداء الرئيس الأوّل القاضي حسن عثمان، والقاضي عماد فؤاد شهاب، والقاضي وليد محمّد هرموش، والقاضي عاصم خالد أبو ضاهر، ومحاولة اغتيال المحامي سالم سليم والمساعدين القضائيين كميل رحال وسعيد سعيد شمس الدين على قوس محكمة الجنايات في الجنوب، واغتيال القاضي قبلان كسبار أمام قصر العدل في زحلة ومحاولة اغتيال الرئيس الأوّل القاضي أحمد مهنّا في صيدا والقاضي فادي النشّار على قوس محكمة الدرجة الأولى في بيروت، وذلك بغية النيل من العدالة في لبنان وإسقاطها، إضعافاً لدولة القانون ودولة الحقّ ودولة الديمقراطية ودولة الحرّية.
لقد شاء فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن يجعل من هذه الذكرى عنواناً لبذل الذات، عنواناً للتضحية، عنواناً للتفاني في العمل، عنواناً لإحقاق الحقّ بشغف، عنواناً لإعلاء مدماك العدالة في لبنان، عنواناً للعدل، فجمع الدولة بجميع اركانها الدستورية والمجتمعية حول القضاء في هذا اليوم جاعلاً منه ذكرى وطنية لشهداء القضاء بموجب المرسوم رقم 2196 تاريخ 2018/1/16.
إنّ هذه الذكرى، تشكّل مناسبة لنا للتأمّل بمعاني الرسالة التي يؤدّيها كل ّقاض، مناسبة للتأكيد على أنّ جميع القضاة يشكّلون جسماً واحداً يتخذّ من العمل الجماعي أساساً لإيصال مركب كلّ مظلوم وكلّ تائه وكلّ باحث عن حقّ في بحر الظلمة الهائج إلى شاطئ العدالة.
كلّ قاض منا، سواء في الدرجة الأولى، أو في درجة الاستئناف أو في محكمة التمييز، يعزف في مزمار القانون مشاركاً في إنتاج سمفونية العدالة، فلا تبخلوا في العزف بفرح ومحبّة وإنسانية وشجاعة ودقّة ومثابرة دون خوف أو تردّد، لا تجعلوا مزماركم قصبة خرساء، باردة، أنانية، لا تجعلوا عزفكم فردياً، بلا بركة، لا تجعلوه بلا معرفة، لا تجعلوه بلا حرّية أو بلا قوّة، كي لا تُفقروا نشيد العدالة بدلاً من أن تغنوه، كي لا يصمّ المتقاضون أذانهم بدلاً من أن يطربوا لسماعكم. إنّ نشيد العدالة يسمو عندما نعطي أكثر ممّا نأخذ، عندما نبقي القضاء الهدف والمقصد والمدى لتطلّعاتنا وطموحاتنا وأحلامنا. فليس القضاء مرحلة عابرة أو محطّة مؤقّتة، بل هو نمط حياة.
إنّ تحصين القضاة وحمايتهم ضدّ الأخطار الجسدية يشكّل موجباً أساسياً على عاتق الدولة اللبنانية، وإنّني أدعو الحكومة اللبنانية، ممثّلة بمعالي وزير العدل، الحاضر بيننا اليوم مشكوراً، إلى توفير جميع مستلزمات هذه الحماية، وهي غير مكتملة حتّى تاريخه، والبارحة لمسنا حجم النقص في وسائل المراقبة المتاحة في قصر العدل في بيروت. ولا يقلّ أهمّية عن ذلك تحصين القضاة من التدخّلات في أعمالهم، وهم لا يزالون لتاريخه مجبرين على صدّها بأنفسهم دفاعاً عن استقلالهم في أداء مهامهم القضائية. إنّ مجلس القضاء الأعلى، يبحث في إنشاء منظومة إجراءات إلزامية يتحتّم على كلّ قاض مباشرتها فور تعرّضه لأيّ تدخّل أو ضغط من أيّ نوع كان، كي يتمّ توثيق هذه التدخّلات وإحصائها وتحديدها بدقّة، فتغدو مكافحتها مسؤولية جماعية، ولا يعود القاضي وحيداً في التصدّي لها.
“وفاء لشهداء العدالة وعهداً على متابعة الرسالة”، كلمات محفورة ليس فقط على الشعلة البرونزية، بل في قلب كلّ قاض وعقله، نجدّد التزامنا بها اليوم.
عشتم، عاشت العدالة ليحيا لبنان.
• ألقيت هذه الكلمة اليوم الجمعة في الاحتفال بيوم القضاة الشهداء في قصر عدل بيروت.
“محكمة” – الجمعة في 2018/06/08