جريمة مرفأ بيروت ضدّ الإنسانية وتصحّ المحاكمة أمام “الجنائية الدولية”/سلام عبد الصمد
إعداد المحامي الدكتور سلام عبد الصمد:
إنّ المحكمة الجنائية الدولية هي المحكمة الوحيدة الجنائية الدائمة، و تختص بمحاكمة الأشخاص وليس الدول.
بالنسبة إلى الإدعاء أمام المحكمة الجنائية الدولية، فإنّ لهذه المحكمة اختصاصاً محدّداً منصوصاً عليه في النظام الخاص في هذه المحكمة، ألا وهو نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما في 17 تموز 1998.
يقتصر اختصاص المحكمة على أشدّ الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره، وللمحكمة بموجب هذا النظام الأساسي اختصاص النظر في الجرائم التالية:
أ) جريمة الإبادة الجماعية
ب) الجرائم ضد الإنسانية
ج) جرائم الحرب
د) جريمة العدوان
كما أنّ هذا النظام حدّد وعرّف كلّ من الجرائم أعلاه بشكل واضح، ويهمّنا في هذا الصدد عرض الجرائم الأكثر ارتباطاً بالشأن اللبناني، فجريمة الإبادة الجماعية تم تفصيلها في النظام في المادة 6 منه وقد تكون مرتبطة بالشأن اللبناني لناحية العدوان الاسرائيلي المتكرّر على لبنان، وجواز محاكمة مرتكبي هذا العدوان المتكرّر.
أمّا بالنسبة إلى الجرائم ضدّ الإنسانية فقد تكون أكثرها ارتباطاً بالشأن اللبناني، إنْ لناحية الحرب الأهلية والجرائم الداخلية، أم لناحية العدوان الإسرائيلي، وبالتالي في الحالتين، جواز محاكمة مرتكبي هذه الجرائم.
وقد نصّ نظام المحكمة على أنّ هذه الجرائم في المادة 7، على أنّها تشمل أيّ فعل من الأفعال التالية متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجّه ضدّ أيّة مجموعة من السكّان المدنيين، وعن علم بالهجوم:
1- القتل العمد
2- الإبادة
3- الإسترقاق
4- إبعاد السكّان أو النقل القسري للسكّان
5- السجن أو الحرمان الشديد على أيّ نحو آخر من الحرّية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي.
6- التعذيب
7- الإغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء، أو الحمل القسري, أو التعقيم القسري أو أيّ شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة
8- إضطهاد أيّة جماعة محدّدة أو مجموع محدّد من السكّان لأسباب سياسية أو عرفية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية، أو متعلّقة بنوع الجنس على النحو المعرّف في الفقرة 3، أو لأسباب أخرى من المسلّم عالمياً بأنّ القانون الدولي لا يجيزها، وذلك في ما يتصل بأيّ فعل مشار إليه في هذه الفقرة أو أيّة جريمة تدخل في اختصاص المحكمة
9- الاختفاء القسري للأشخاص
10- جريمة الفصل العنصري
11- الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبّب عمداً في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحّة العقلية أو البدنية
أمّا بالنسبة إلى جرائم الحرب، فقد نصّ نظام المحكمة على تفصيلات هذه الجريمة في المادة 8 ومن الممكن الادعاء بها امام المحكمة في ما خصّ الشأن اللبناني.
كذلك الأمر بالنسبة إلى جريمة العدوان التي فصّلها النظام في المادتين 121و123 وهي أيضاً ترتبط بالشأن اللبناني لناحية الحروب التي يشنّها العدوّ الإسرائيلي على لبنان، وبالتالي جواز محاكمة مرتكبي العدوان.
بالنسبة إلى الإختصاص الزمني:
1- ليس للمحكمة اختصاص إلاّ في ما يتعلّق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام الأساسي.
2- إذا أصبحت دولة من الدول طرفاً في هذا النظام الأساسي بعد بدء نفاذه، فلا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إلاّ في ما يتعلّق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام بالنسبة لتلك الدولة.
ممّا يعني أنّ المحكمة الجنائية الدولية الدائمة لا تنظر في الجرائم المرتكبة قبل دخول نظام روما حيّز التنفيذ، أيّ أنّها لا تنظر في جرائم سابقة لتاريخ الأوّل من تموز 2002، وذلك بالنسبة للأعضاء الستّين؛ أما في ما يتعلّق بالذين انضمّوا لاحقًا، فإنّ المحكمة تنظر بالجرائم التي أحيلت إليها من قبلهم منذ تاريخ انضمامهم؛ إلاّ في حالة واحدة، إذا أعلنت دولة من هذه الدول نيّتها الصريحة بقبول صلاحية المحكمة منذ أوّل تموز 2002 وتعهّدت برغبة التعاون مع المحكمة وفقاً للفصل التاسع من نظام روما.
ممارسة الاختصاص
نصّت المادة 13 من نظام روما:”للمحكمة أن تمارس اختصاصها في ما يتعلّق بالجرائم المشار إليها في المادة 5، وفقاً لأحكام هذا النظام الأساسي في الأحوال التالية :
(أ) إذا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام وفقاً للمادة 14 حالة يبدو فيها أنّ جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.
(ب) إذا أحال مجلس الأمن متصرّفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أنّ جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.
(ج) إذا كان المدعي العام قد بدأ بمباشرة تحقيق في ما يتعلّق بجريمة من هذه الجرائم وفقاً للمادة 15.”
هذا يعني أنّ نظام المحكمة قد حصر مراجعة المحكمة: من قبل الدول الأعضاء أو من خلال فتح مدعي عام المحكمة تحقيقاً بجريمة معيّنة وقعت على إقليم تلك الدول الأعضاء أو جرائم إرتكبها أحد أفراد هذه الدول الأعضاء، أو إذا أحال مجلس الأمن الدولي قضيّة إلى مدعي عام المحكمة وفقًا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
تجدر الإشارة إلى أنّ مجلس الأمن الدولي وبموجب هذه الصلاحية الاستثنائية المعطاة له في نظام روما، له أن يحيل أيّة قضيّة إلى مدعي عام المحكمة؛ والأبرز في الموضوع أنّه يستطيع إحالة أيّة حالة لدولة ليست منضمّة أو شريكة في نظام روما، كما يمكنه أن يحيل أيّة حالة لدولة منضوية تحت نظام المحكمة.
وهذا الأمر تستفيد منه أيّة قضيّة لبنانية يستوجب النظر فيها من قبل المحكمة، ذلك لأنّ لبنان غير منضمّ إلى معاهدة روما أيّ نظام المحكمة، وبالتالي تكون هذه الطريقة الأخيرة الوحيدة المتاحة في هذا الصدد.
إذن، فالدولة اللبنانية وإنْ لجأت إلى هذا النوع من المحاكم الجنائية لمحاكمة ومعاقبة مرتكبي الجرائم والمخالفات الجسيمة، ولكنّ القرار يعود لمجلس الأمن الدولي وحده، وذلك بعد إرسال لجنة لتقصّي الحقائق تليها لجنة تحقيق دولية في حال جديّة المسألة ومدى خطورتها، ليقرّر بعدها مقاضاة المخالفين.
وهذا يعني أنّ الضوء الأخضر في تحريك الدعاوى في ما خصّ الشأن اللبناني تحديداً (كون لبنان غير منضمّ للمعاهدة), يعطى من قبل مجلس الأمن وحده.
بالنسبة إلى انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 :
إنّ انفجار مرفأ بيروت يعتبر من عداد الجرائم ضدّ الانسانية. وكما أوضحنا سابقاً، فإنّ قرار إحالة أيّة قضيّة لبنانية إلى المحكمة الجنائية الدولية يعود لمجلس الأمن وحده.
وبالنسبة إلى قضيّة انفجار مرفأ بيروت، فإنّ العديد من محامي الضحايا والمواطنين اللبنانيين وأهالي الضحايا الذين قضوا في الانفجار، طالبوا بفتح تحقيق دولي لعدم ثقتهم بالتحقيقات اللبنانية. وبما أنّ مجلس الأمن هو السبيل الوحيد لفتح تحيق دولي للوصول إلى محاكمة المرتكب/ين الذين يظهرهم التحقيق, فإنّ الطريق الوحيد للوصول إلى تحريك مجلس الأمن هذه القضيّة وإحالتها بالتالي إلى تحقيق دولي ومحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية هو عبر صياغة عريضة موقّعة من جمهور واسع من اللبنانيين من بينهم ذوي الضحايا ومحاميهم والمتضرّرين والجرحى إلى جانب أيّ مواطن لبناني يقرّر توقيع هذه العريضة، من ثمّ تقديمها إلى جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن وإلى الأمين العام للأمم المتحدة.
هذه الطريقة تضمن بنسبة كبيرة، إحالة مجلس الأمن الدولي هذه القضيّة إلى مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية.
“محكمة” – الخميس في 2020/9/3