جلسة التشريع بين استقالة الحكومة والضرورات الدستورية/سهى اسماعيل
المحامية سهى اسماعيل:
أثارت دعوة رئيس مجلس النوّاب عقد جلسة تشريعية موجة من التساؤلات حول دستورية الجلسة التي من المزمع عقدها في ظلّ وجود حكومة مستقيلة ، ذلك أنّ الفقرة الثالثة من المادة 69 من الدستور نصّت على أنّه “عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة يصبح مجلس النوّاب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتّى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة”.
أثير هذا الموضوع سابقاً إثر اعتبار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مستقيلة بعد انتخاب مجلس نوّاب جديد في العام 2005 ، وذلك بمناسبة توافق الأكثرية النيابية على إقرار قانون العفو العام رقم 677 تاريخ 2005/7/19 الذي استفاد منه الدكتور سمير جعجع، والذي نصّ على منح “عفو عام عن جميع الجرائم موضوع الأحكام الصادرة عن المجلس العدلي رقم 5/95 و2/97 و 99/2 و96/4 والحكم الصادر عن محكمة جنايات بيروت برقم 96/380. كما قضى بوقف الملاحقات وإسقاط جميع مذكّرات التوقيف وإلقاء القبض المتعلّقة بالقضايا المشمولة بهذا القانون، وإسقاط جميع الأحكام الصادرة وكافة العقوبات المقضى بها”.
هيئة الاستشارات في وزارة العدل اعتبرت بناء لطلب من رئيس المجلس أنّه بإمكان البرلمان خلال دورة الإنعقاد الحكمية ممارسة كامل صلاحياته الدستورية وبالتالي التشريعية.
الفقه الدستوري انقسم كالعادة بين مؤيّد لرأي هيئة الاستشارات ومعارض له .
الأستاذ حسن الرفاعي عارض هذا الرأي مؤكّداً أنّ الأصول والأعراف البرلمانية لا تجيز للبرلمان التشريع عندما تكون الحكومة مستقيلة.
في حين أيّد الدكتور ادمون عيد هذا الرأي لأنّ البرلمان سيّد نفسه، وأنّ نصّ الفقرة الثالثة من المادة 69 لا يتضمّن ما يقيّد صلاحية البرلمان التشريعية.(منشور في مؤلّف الدكتور زهير شكر، الوسيط في القانون الدستوري اللبناني، المجلّد الأوّل،2006، ص 535).
كذلك أفتت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل بصحّة التشريع في ظلِّ حكومةٍ مستقلية، بموجب الرأي الصادر بتاريخ 7 تموز 2005 وجاء فيه: “المبدأ المتعارف عليه، الذي يحكم تصريف الأعمال وبمقتضاه لا مفرّ من وجود سلطة مناط بها تأمين استمرارية وديمومة الحياة الوطنية بين تاريخ استقالة الحكومة وتاريخ تأليف الحكومة الجديدة، وأنّ هذا المبدأ العام الاجتهادي الذي جرى تكريسه كتابةً بنصّ دستوري في لبنان هو المادة 69 دستور، فالمجلس النيابي ــ بمجرّد انعقاده ــ يكون متمتّعاً بصلاحياته كاملة، غير منقوصة، ويبقى محتفظاً بكامل صلاحياته للتشريع بمجرّد انعقاده حكماً بصورة استثنائية عند اعتبار الحكومة مستقيلة، وذلك سدّاً لأيّ فراغ” (هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل استشارة رقم 2005/478 تاريخ 2005/7/7).
المجلس الدستوري أصدر قراراً بأنّ مبدأ استمرارية السلطات الدستورية منعاً لحدوث أيّ فراغ فيها، مبدأ ذو قيمة دستورية، ومن الحالات التي عدّدها المجلس، فرض دورة انعقاد استثنائية حكماً على مجلس النوّاب عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة (م.د. قرار رقم 2005/1 تاريخ: 2005/8/6).
وإنّ ما يؤكّد وجهة النظر القائلة بصحّة التشريع في ظلّ حكومة مستقيلة، هو ما جاء في نصّ المادة 33 من الدستور اللبناني التي نصّت على ما يلي:”إنّ افتتاح العقود العادية واختتامها يجريان حكماً في المواعيد المبيّنة في المادة الثانية والثلاثين ولرئيس الجمهورية، بالاتفاق مع رئيس الحكومة أن يدعو مجلس النوّاب إلى عقود استثنائية بمرسوم يحدّد افتتاحها واختتامها وبرنامجها وعلى رئيس الجمهورية، دعوة المجلس إلى عقود استثنائية إذا طلبت ذلك الأكثرية المطلقة من مجموع أعضائه.
يتبيّن من خلال هذه المادة أنّها بيّنت الآليات المتبعة للدعوة لعقود استثنائية لمجلس النوّاب من خلال إرادة رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة أو إرادة الأكثرية المطلقة من مجموع أعضاء مجلس النوّاب ولم تنصّ المادة على الحالات التي ينعقد فيها المجلس في عقد استثنائي بحكم القانون، إذ ارتأى المشترع وضع أسباب الانعقاد بحكم القانون ضمن سياق النصوص المتعلّقة بهذه الأسباب (المواد 55 و 73 و 74 و 69 من الدستور أو عند ارتكاب رئيس الجمهورية جريمة خارج إطار العقود العادية).
لكن تميّزت الصياغة التشريعية للبند 3 من المادة 69 بعبارة “دورة انعقاد استثنائية” غير الواردة في المواد الأخرى التي تنصّ على الانعقاد الحكمي لمجلس النوّاب خارج إطار المادة 33 من الدستور.
يعني ذلك أنّ المشترع أراد تمييز دورة الانعقاد بحكم القانون بسبب استقالة الحكومة عن الحالات الأخرى لذلك نصّ صراحة على هذا العقد الاستثنائي وتبعه بعبارة “حتّى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة” (البند 3 من المادة 69 من الدستور).
يمكن الاستنتاج من خلال هذا النصّ أنّ المشترع حدّد موعد افتتاح العقد الاستثنائي لمجلس النوّاب إذا استقالت الحكومة بتاريخ الاستقالة، وموعد اختتام العقد عند نيل الحكومة الجديدة الثقة ولم يضع أيّ قيد على مضمون هذا العقد الاستثنائي بحكم القانون بعكس الحالات الأخرى حيث نصّ صراحة على مضمون الانعقاد.
إنّ كلمة “حتّى” الواردة في البند 3 من المادة 69 من الدستور تبيّن أنّ المشترع لم يضع قيداً على التشريع ولو أراد ذلك لكان النص مختلفاً: “لتأليف حكومة جديدة” بدلاً من “حتّى تأليف حكومة جديدة”.
ولو أراد المشترع تضييق صلاحيات المجلس النيابي وحصرها في موضوع التصويت على الثقة بالحكومة الجديدة فقط، لكان نصّ على ذلك صراحة كما فعل مثلاً في المادة 77 من الدستور التي تمنع على مجلس النوّاب تقديم اقتراح لتعديل الدستور في عقد استثنائي، أو في المادة 84 التي تمنع على المجلس خلال مناقشة الموازنة ومشاريع الاعتمادات الإضافية أو الاستثنائية أن يزيد الاعتمادات المقترحة عليه (من الحكومة) في مشروع الموازنة أو في مشروع الاعتمادات المذكورة.
بناءً عليه، لا يجوز تضييق صلاحيات مجلس النوّاب الذي هو “سلطة سيادية وأصيلة ومطلقة لا تحدّها سوى الحدود المنصوص عليها في الدستور إلاّ بنصّ صريح وجازم (وليد عبلا ــ مجلس النوّاب يحتفظ بصلاحيته التشريعية لدى انعقاده في دورة استثنائية وانعقاده في ظلّ حكومة مستقيلة هو اجتماع دستوري – جريدة النهار تاريخ 26 تموز 2005).
يبقى أنّ النظام السياسي اللبناني هو نظام برلماني، وبالتالي، فإنّه لا قيد على الصلاحية المطلقة لمجلس النوّاب في التشريع إلاّ بنصّ صريح تأكيداً على مبدأ فصل السلطات حتّى لو كان هذا التشريع في ظلّ حكومة مستقيلة.
“محكمة” – الاثنين في 2019/11/18