“حرب كلامية” بين قضاة ومحامين تشعل مواقع التواصل الاجتماعي/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
إنتظر المحامون في نقابة بيروت بياناً حازماً وحاسماً من مجلس نقابتهم يردّ لهم الاعتبار بعد بيان مجلس القضاء الأعلى الذي انبرى للدفاع عن النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي غادة عون وتحميل المحامين سبب الإشكال الناجم عن تردّي العلاقة بين قضاة ومحامين، فإذا بالبيان المضاد والمنتظر على أحرّ من الجمر يزيد النقمة لأنّه لم يكن على قدر الآمال المتوقّعة كما يستدلّ من تعليقات المحامين أنفسهم وهم أصحاب الشأن في هذا الأمر.
وما زاد الصورة تعقيداً والموقف توتّراً، البيان الفجائي الصادر عن نادي قضاة لبنان والذي أعلن التضامن مع القاضي عون بعد زيارتها في مكتبها حيث وقع سوء التفاهم والخطأ الفادح في مراجعة قاض يخوّله القانون استئناف طلبات إخلاء السبيل ما لم تتفق مع رؤيته وموقفه من الملفّ المعروض عليه، ثمّ معالجة الإشكال بطريقة عصبية لا تليق بالكرامات أخرجت المحامين عن طورهم عند رؤيتهم الأصفاد في طريقها إلى يدي زميل لهم في موقف لا يتمنّاه المرء العادي لنفسه ولا المحامي لموكّله فكيف إذا كان زميله في المهنة ورسالة الدفاع عن الحقّ والحرّيات؟!
الرسالة وصلت!
وإذا كان نادي قضاة لبنان قد زار عون للوقوف إلى جانبها، وتعمّد إصدار بيان إعلامي ليذكّر “الرأي العام الحقوقي” بما فعله عند وقوع إشكال بين القاضي سمر البحيري ومحام في قصر عدل طرابلس في العام 2018، إلاّ أنّ هذه الزيارة لقاض لم تقف مع النادي عند رفعه راية الاعتكاف سبيلاً للحفاظ على المكتسبات المالية بل استمرّت في عملها بشكل اعتيادي، والتصريح عن هذه الزيارة ببيان مقتضب يحمل الكثير من المعاني، أجّج صفحات المحامين على مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً من محامين وقفوا مع النادي في “محنته” ويوم لم يكن له من نصير سوى شريحة قليلة من المحامين والاعلاميين، فانهالت التعليقات من كلّ حدب وصوب حتّى شعر كلّ من تابعها أنّ حرباً ضروساً قد اشتعلت بين جناحي العدالة!
وقال النادي في بيانه إنّ زيارته القاضي عون جاءت “تعبيراً عن رفضه لما وقع من أفعالٍ وما صدر من ألفاظٍ داخل وخارج مكتبها أثناء ممارستها لمهامها”، معتبراً أنّ ما حصل “يشكّل سابقة خطيرة لا يمكن أن يؤسَس عليها، لما تختزنه من مسٍّ بهيبة القضاء السلطة ومن إساءةٍ لمن صدرت عنه من شأنهما تهديد أبسط أسس العمل المؤسّساتي.”
ولام محامون النادي على موقفه غير الحيادي باعتبار أنّه اتخذ دون سماع الطرف الآخر. وكتب بعض المحامين تعليقاتهم على صفحة نادي القضاة على “الفايسبوك” إلاّ أنّه جرت إزالتها بحسب اتهام المحامين للقضاة بعدم تقبّل النقد، والتزم القضاة “بموجب التحفّظ” بعدم الردّ مكتفين بالبيانين الصادرين عن مجلس القضاء الأعلى ونادي قضاة لبنان.
لا تنسوا الاستقلالية
وما حدث وتطوّر بشكل سريع، يستدعي من المسؤولين في القضاء ونقابة المحامين في بيروت إيجاد المعالجة الراقية للتعاطي السلبي بين أبنائهما المتخاصمين، ذلك أنّ استمرار الجبهة الكلامية بينهما قد ينتقل إلى مكان اللقاء اليومي بينهما في قصور العدل والمحاكم وقد يزيد الأمور تعقيداً وهو في جميع الأحوال ليس لمصلحة الطرفين، في وقت هما فيه بأمسّ الحاجة إلى التضامن والتضافر والتعاون والتكاتف في سبيل العمل والسعي إلى جعل القضاء سلطة ومستقلّة بالفعل والممارسة وليس بالنصوص الدستورية والقانونية التي لا يقربها السياسيون لا هم سكارى ولا في حالات الوعي خشية افتقادهم مدماكاً صلباً في بناء عهودهم السياسية.
وهنا عيّنة من “الكتابات الحربية” و”التعليقات الحكيمة” التي وردت على صفحات المحامين ونادي قضاة لبنان وعلى صفحة “محكمة” على”الفايسبوك” لتدارك الوضع وأخذ العبر وتوجيه البوصلة باتجاه الصحيح حيث المعركة الحقيقية والواقعية مع منْ لا يريد الاعتراف بالقضاء سلطة مستقلّة:
• المحامية مريانا برو: “نادي أصبح خبر كان… سقط شعاره… لا يمثّلنا بل مثّل علينا. أرجو عدم حذف تعليقي ليقرأه كل قضاة النادي الذين حذفوا تعليقات رفاقي المحامين وابقوا من يشتمنا. أعلنوا الحرب علينا هزلت.”
• المحامية مريم حمدان: “... وتوقيف محام أثناء ممارسة مهامه سابقة خطيرة كذلك.”
• المحامية سندريلا مرهج: “من حقّ المحامي المراجعة والاستيضاح ولفت نظر القاضي الى الحقيقة . تكبيل وتوقيف محام اثناء أدائه مهامه مرفوض ومخالف للقانون سيما اذا لم يرتكب جرما مشهودا. السؤال والعتب والاستفسار ليس جرما. تبرز في العدليات ظاهرة عدم سماع المحامين. الا تريدون معرفة حقائق سوى عبر الورق؟! وايضا ، الهلع المتفشي من اخلاءات السبيل هل هو انساني وقانوني ؟؟؟ السجون والنظارات ستنفجر والظلم كبير.”
• المحامية زينة المصري:”هل أصبح المحامون في هذا الزمن من أصحاب السوابق؟”
• المحامية جيهان أبو عيد: “بغض النظر عن مين المسؤول واللي لازم كلنا محامين وقضاة نسعى لمحاسبتو لأي طرف انتمى، بعتقد الوقوف إلى جانب المدعي العام ببعبدا من قبل ما يسمى بالنادي وقبل انتهاء التحقيقات بموضوع الاشكال وبدون الاخذ بأية اعتبارات أخرى يشكّل غلطة تانية بتاريخن رغم انو الغلطة الاولى برأيي كانت قاضية ومنهية الن.هل من أهداف النادي الوقوف الى جانب أعضائه أسوة بالنقابات والاتحادات والمجموعات؟ هيدا الشي ينذر بخطر يمس بكل الناس. شكلن فاهمين أهدافن بطريقة مقلوبة أو انن مدفوشين وما عندن اي هدف. القاضي مش بحاجة لدعم من حدا هوي سلطة بيقدر يعمل شو بدو والمحاسبة تلجم جموحه في حال الخطأ والكبرة وانعدام الحكمة عندو. بس اللي بيطمن انو حركتن تدخل من ضمن التنفس الاصطناعي للمريض المحكوم بفشل عمليتو ونحنا بعدنا عم نرد عليهن تا نقلن مش رح نتخلى عنكن بس ارجعوا راقبوا أهدافكن ونظموها وشرعوا وجودكن ما بقا تغلطوا لأنو لا القضاء بيحمل غلط ولا الناس اللي بتحكموا باسمن بيحملو”.
• المحامية مروج الخطيب: “لم يكن يوماً المحامي بحاجة لمن يدعمه لكي يدافع عن نفسه، انتم جميعكم تحتاجون محامياً ليدافع عنكم ويساندكم. أمّا نحن اعتدنا الدفاع عن حقوق الآخرين فكيف لا نستبسل لتحصيل حقوقنا وصون حصانتنا والذود عن كرامتنا”.
• المحامي حليم مراد: “ها قد ظهر بيان نادي القضاة -ولا ارى الفائدة منه- وانتهى به الى اللاحياد. ان كانت ثورة الاستقلالية ثورة بوجه السلطة -ونحن نؤيدها بالمطلق ولا نقبل ان تتوقف- فما بالكم بما هو أولى وأكثر إلحاحاً، ان تطلبوا الى أنفسكم ملكة الحياد، قياماً بالواجب. قد لا نلومكم على ما جاء في بيانكم وردة فعلكم التي تشبه ردة فعلنا نحن المحامين حين تضامننا مع زملائنا،لكننا بعد يومين من الحادثة فنحن لا نتوقع من العاقل ردة فعل طائشة، ونحن نطلب إجراء التحقيق مع القاضي والمحاميين… لا يجب ان نذكركم بواجباتكم ايها السادة القضاة، لكننا حاضرون متى قضت ضرورة. ونقول معكم بلسان الحكمة لا تفعلوا ما لا يليق بكم، نفذوا القانون ضمن “قانون المبادئ الموجهة لعمل القاضي. وللمرة الاخيرة نقول لطفاً، ان لم تقم افضل العلاقات بين المحامي والقاضي على قاعدة الاحترام المتبادل فلا شيء من بعد، سيضمن هيبة وقدسية المحاماة والقضاء.”
• حرّاس العدالة(مجموعة محامين): “شدّد حرّاس العدالة على وجوب حماية حرية المحامي في ممارسة مهنته داخل وخارج قصور العدل، واستنكروا بأشد عبارات الاستنكار التعرض او الاعتداء او التوقيف الاحتياطي لأيّ محام أو ملاحقته دون الاستحصال على الاذن اللازم من نقابته عملاً بالأحكام القانونية الواضحة والصريحة الواردة في قانون تنظيم مهنة المحاماة، لا سيّما منها المادتين ٧٥ و ٧٩، كما اتخذوا موقفاً حازماً ومتضامناً مع محاميين انتهكت حصانتهما وتعرّضا خلال ممارستهما للمهنة للتوقيف الاحتياطي عبر تكبيل اليدين على الملأ ونشر صور مهينة لهما تظهر بشكل لا يقبل النقاش التعرض السافر لهما والنيل من كرامتهما بغض النظر عن ماهية أفعالهما التي بطبيعة الحال لم تتجاوز حدود الخطابات أثناء أداء واجبهما كوكلاء، وأكدوا تعاضدهم مع أي محام يتعرّض لأيّ انتهاك من أيّ نوع كان.
وأسفوا لموقفي مجلس القضاء الأعلى ونادي قضاة لبنان الذين ألقيا بالملامة على المحاميين رغم الإيعاز لإجراء تحقيق لم ينته بعد، في دلالة واضحة على اهتزاز ميزان العدل، وتفوق المعيار الشخصي على الموضوعي في مقاربة الأمور، معتبرين أنّ ما حصل يستوجب اتخاذ إجراءات حاسمة لتدارك أيّ اعتداء أو مسّ بحرّية وكرامة المحامي خلال ممارسة عمله مستقبلاً. ودعوا القضاء الى ترسيخ فكرة القاضي الحامي للحقوق وللحرّيات ودستورية حقّ الدفاع على ما عداها من ممارسات لا تساهم في تكريس الإحترام المتبادل في العلاقة بين جناحي العدالة.”
• المحامي مازن صفية: نحن لن نتعامل مع بيان نادي القضاة بردة الفعل على قاعدة العين بالعين والسن بالسن…. مثلما لم نتعامل قبلاً مع أيّ قضيّة تمسّ زملاءنا المحامين على قاعدة أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً(…) كما دافعنا ولا زلنا وسنبقى مدافعين عن الاستقلالية يوم تخلّى عنكم العديد من زملائكم وخذلتكم سلطة ائتمنت بالدفاع عن مصلحتكم كما هوجمنا من بعض زملائنا ولم نتأثّر أو نهاب، سندافع بشراسة عن حصانة المحامي وكرامته من أيّ تعرّض لها خارج الاصول القانونية. إنّنا لم ندافع عن زملائنا المحامين فقط لكونهم محامين بل بخلفية تقييدهم بالأغلال وفي مكتب القاضية عون بسبب خلاف لفظي معها بسبب ممارسة المهنة ثمّ تصويرهم وتسريب الصور إلى العلن وعلى وسائل التواصل الاحتماعي، ثم ناقشنا موضوع الحصانة المهنية في حالة الجرم المشهود. كان حرياً بالبيان أن يناقشنا بتلك النقاط لتشكّل منطلقاً للحوار وللجمع، لا للتفرقة، للتهدئة لا لإعادة شحن النفوس والدفع نحو القوقعة والتمترس مجدّداً خلف الجبهات وإضعاف الثقة المهتزّة أصلاً بين جناحي العدالة. إنّ مخالفة القانون ممن أوكل تطبيقه وفرض احترامه هي الاساءة الفعلية التي ذكرتموها في بيانكم ، عليكم أن تتقبّلوا رأينا ولا تحذفوا تعليقات زملاءنا عن صفحاتكم لأنهم هؤلاء الزملاء كانوا في طليعة المدافعين عن استقلاليتكم عن قناعة وسيبقون كذلك. حافظوا على استقلاليتكم ولا تعيدو تكرار المخالفة مرّتين الأولى عند مخالفة القانون، والثانية بدفاعكم عن تلك المخالفة في بيانكم. المطلوب في بيانكم كثير من العقلانية وقليل من الحكمة. على أمل دوام استمرار المحبة والسلام والاحترام في ربوع العدالة وقصورها المهترئة .”
• المحامي كامل حميّد: “طلع بدهم استقلالية شاملة مطلقة يعني ممنوع حدا يتدخل فيهن”.
• المحامي رامز حمود: “يبدو أنّه تمّ محو تعليقي مرّتين، وهذا من قبيل قرصنة الآراء الذي لا يتلاءم وطبيعة الصفحة على شبكة التواصل الاجتماعي.يبدو أنّ المجتمع المنغلق أسلم للقضاة في لبنان. كنت أحبّذ عدم إغراق نادي القضاة بهذا الحادث الذي وقع بشكل عرضي وأخذ منحى معاكسا للتقارب الذي حصل منذ حين مع الصوت الحرّ للمحامين، تعاطفنا ورفعنا الصوت للمطالبة باستقلالية السلطة القضائية. تصريحكم اليوم ترجمة عملية لتصريح مجلس القضاء الأعلى، محاكمة بلا سماع للطرف الآخر، وهذا أمر لا نرجوه لكم. بكلّ أسف وحزن”.
• المحامي شارل أبي صعب:“مع كامل احترامي لكل ما ورد من بيان وتعليقات عليه ، اتمنى ان يتم تحديد مكامن الخلل في العلاقة بين المحامي والقاضي.وبعيدا عما حصل بالامس، فان الاشكالات التي تتكرر مع السادة القضاة تتمحور على تفسير المادة 79 من قانون تنظيم مهنة المحاماة. فهذه المادة حددت وبشكل واضح الطرق الواجب اتباعها في حالة الجرم المشهود.اذ ان هذه المادة اعطت صلاحية للمدعي العام باستجواب المحامي واحالة الملف الى جانب نقاية المحامين لاعطاء الاذن دون اي اجراء اخر حتى التوقيف.اذ ان دعوى الحق العام لا تتحرك قبل الاستحصال على الاذن سواء بقرار من مجلس النقابة او بقرار من محكمة الاستئناف النقابية .وبالتالي ان اي ادعاء قبل الاذن غير قانوني وباطل.”
“محكمة” – السبت في 2019/6/29