حرمان المرأة المحجّبة من دخول القضاء تمييز جندري/عطاف قمر الدين
عطاف قمر الدين:
نجحت المرأة اللبنانية في إثبات جدارتها بالوصول إلى منصب قاضٍ، بحيث وصلت نسبة الإناث في السلك القضائي إلى حوالي ٥٠% في العام الماضي.
وفي ظلّ بروز العنصر الأنثوي في القضاء، من المعيب أن يستمرّ حرمان الأنثى المحجّبة من الدخول إلى السلك المذكور تحت ذريعة الحفاظ على مظهر الدولة المدنية، في حين أنّ مؤسّسات الدولة اللبنانية تحفل بالإعتبارات ذات الطابع الطائفي، وما يسمى بـ”التوازن الطائفي” هو أبرزها.
و الواقع، أنّ التمييز بوجه المرأة المحجّبة في الإطار السالف الذكر، ما هو إلاّ صورة من صور التمييز الجندري ضدّها، فالرجل قد يكون متديّناً ولكن لا مظهر لهذا التديّن قد ينعكس على لباسه، ولا إشكال في تولّيه لمنصب قاض، في حين تُمنع المرأة من تولّي المنصب عينه بسبب وجود مظهر لتديّنها مرتبط بكونها أنثى وحسب !
هذا علماً أنّه لا وجود لأيّ نص قرآني يمنع المرأة من تولّي القضاء، كما لا وجود لأيّ نصّ قانوني يميّز بين النساء المحجّبات وغير المحجّبات في تولّي منصب قاض.
والواقع أنّ الدستور اللبناني، الذي يتربّع على رأس النصوص القانونية، يكفل في مقدّمته حرّيّة المعتقد في الفقرة -ج- على وجه التحديد، إذْ جاء فيها أنّ “لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحرّيات العامة, وفي طليعتها حرّية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل.”
كما أنّه يتبنّى مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون في المادة ٧ التي نقرأ فيها ما يلي: كلّ اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتّعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحمّلون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم”.
وممّا لا شكّ فيه أنّ المساواة في الدخول إلى الوظيفة العامة هي أحد أوجه ذلك المبدأ، وهذا ما أكّدته بالفعل المادة ١٢ من الدستور عينه بحيث أنّه وفاقاً لنصّ المادة هذه: “لكلّ لبناني الحقّ في تولّي الوظائف العامة ولا ميزة لأحد على الآخر إلاّ من حيث الاستحقاق والجدارة حسب الشروط التي ينصّ عليها القانون؟” ممّا يعني بصيغة مباشرة، أنّه يكفي أن تتوافر في جانب المرأة شروط الترشّح والمؤهلات العلمية المطلوبة للدخول إلى معهد الدروس القضائية، بلا أيّ اعتبار لمعتقدها الخاص الذي ينعكس على شكلها الخارجي وحسب، ولا يؤثّر في كفاءتها المتطلبة كي تشغل أيّ وظيفة كانت!
إستناداً إلى ما تقدّم، نقول إنّ لا مبرّر قانونياً ولا دينياً يقضي بحرمان المرأة المحجّبة من الدخول إلى سلك القضاء، بل هي الأعراف والموروثات البالية التي تحول دون ذلك، وإنّه لا بدّ من وقف ممارسة العنصرية بوجهها إحتراماً للنصوص القانونية النافذة، بدءاً من الدستور ووصولاً إلى أبسط مبادئ العدالة والإنصاف.
“محكمة”- الأحد في 2019/4/7