“إستئناف إيجارات بيروت” تبحث مفهوم ترك المأجور ومدى توجّب بدل المثل/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
بحثت محكمة الاستئناف المدنية في بيروت، الناظرة في دعاوى الايجارات، والمؤلّفة من القضاة الرئيس ايمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري نقطتين تتعلقان بترك المأجور وببدل المثل.
وقد استندت المحكمة الى عدة معطيات ووقائع وحجج للتوصل الى اعتبار واقعة الترك متحققة. وقضت بتصديق الحكم المستأنف لهذه الجهة.
ولدى بحثها في طلب بدل المثل من قبل المؤجر، اعتبرت المحكمة ان المستأجر يعتبر شاغلاً من دون مسوغ عند اكتمال شروط الاسقاط من حق التمديد التي باكتمالها تنتهي العلاقة التعاقدية ولا يعود من مجال للعمل بعقد الاجارة الممدد وبالبدل المتفق عليه بموجبه، بل يفرض على المستأجر عندها ان يدفع بدل آخر، هو بدل المثل، كتعويض للمالك لقاء اشغال ملكه بدون مسوغ مشروع.
وحيث انه سنداً لذلك، فإن الفترة الزمنية التي يستمر بها الاشغال منذ تاريخ تقديم الدعوى امام القضاء بالاسقاط ولغاية التسليم الفعلي للمأجور غير مرعية بأحكام عقد الايجار ويصبح من الجائز للمالك مطالبة خصمه ببدل المثل عن الفترة المذكورة لقاء استمرار انتفاعه للمأجور، وترد ادلاءات المستأنفة المخالفة لهذه الوجهة.
ومما جاء في القرار الصادر بتاريخ 2019/2/7:
ثالثاً : في الاساس
حيث ان المستانفة تطلب فسخ الحكم المستأنف المنتهي الى اسقاط حقها بالتمديد القانوني لعدم استناده الى اي نص قانوني باعتبار ان القانون رقم 92/160 لم يكن ساري المفعول عند صدوره.
وحيث انه تقتضى الاشارة بداية الى ان الدعاوى الرامية الى اسقاط حق المستأجر بالتمديد القانوني تكون خاضعة للقانون الساري المفعول عند حصول الواقعة المؤدية الى الاسقاط.
وحيث ان الدعوى الراهنة قد قدمت في ظل القانون رقم 92/160 هذا فضلا عن ان واقعة الترك المسندة اليها هذه الدعوى قد تمت قبل العام 2010 في ظله ايضاً، بحيث يضحى النزاع خاضعاً للقانون المذكور ولو صدر الحكم الذي فصل فيه بعد تاريخ انتهاء مفعوله، وفي مطلق الاحوال، فإن المادة /55/ من قانون الايجارات الجديد الصادر بتاريخ 2017/2/28 مدد صراحةً العمل بالقانون 92/160 حتى تاريخ 2014/12/28 واضعاً حدا للاشكالية القائمة بخصوص ما سمي بالفراغ التشريعي في الفترة الممتدة بين تاريخ انتهاء مفعول القانون رقم 92/160 في 2012/3/31 وتاريخ دخول قانون الايجارات 2014/5/9 حيّز التنفيذ في 2014/12/28 ، فتردّ أقوال المستأنفة المخالفة لهذه الناحية.
وحيث ان المستأنفة تطلب فسخ الحكم المستأنف لمخالفة المادة /537/ ا.م.م. لعدم حله جميع المسائل المدلى بها من قبلها وعدم بيان الاسباب الملائمة للحل الذي توصل اليه.
وحيث وبمقتضى احكام المادة 537 اصول محاكمات مدنية على الحكم ان يتضمن في جملة ما يتضمنه “9-خلاصة ما قدموه (الخصوم) من طلبات واسباب لها ومن اسباب دفاع او دفوع 10-خلاصة ما استند اليه الخصوم من الادلة والحجج والقانونية…ويجب ان يتضمن الحكم ايضاً، تحت طائلة البطلان حلاً لجميع المسائل المطروحة من الخصوم وان يبين الاسباب الملائمة لذلك”.
وحيث وان كان النص يوجب ذكر الطلبات والاسباب والحجج فإنه لا يوجب الرد عليها جميعها اذ ان النص لا يوجب على المحكمة الا حل المسائل المطروحة بأسبابٍ كافية للاسناد، بحيث يعد بما يتوصل اليه انه رد ما زاد عنها ضمناً.
وحيث يتبين بالتدقيق في الحكم المستأنف انه وفي تلخيصه لوقائع الدعوى قد اورد المطالب والاسباب والحجج التي قدمها الخصوم بشكلٍ كافٍ ولا يتوجب عليه، ايرادها بإسهاب وتفصيل.
وحيث ان المسائل التي تنسب المستأنفة للقاضي المنفرد مصدر الحكم المطعون به عدم بته بها (مسألة تعليقها على خط الكهرباء العام، ومسألة عدم وجود نص قانوني يلزم المستأجر باستعمال المكيف او آلات كهربائية اخرى في المأجور، ومسألة ما تضمنه تقرير الخبير جهاد زين لناحية ان اطفاء النور في المأجور لا يؤثر على سير العمل بدخله، مسألة العبارة الواردة في افادة كهرباء لبنان بأنها لا تشكل اثباتا على عدم استهلاك التيار الكهربائي، مسألة عدم الاخذ بتقرير الخبير زين لناحية تحديد بدل المثل لبطلانه ومخالفته الاصول الجوهرية لناحية الوجاهية وبيان اسماء الاشخاص الذين استقصى منهم المعلومات) هي مسائل تدخل في اطار السلطة التقديرية التي تتمتع بها المحكمة في اطار بحثها بمدى تحقق واقعة الترك المدلى بها بحيث انه اذا توفرت قناعتها بتحقق تلك الواقعة من بعض الدلائل والوسائل المتوفرة في الملف (بصرف النظر عن كفايتها او صحتها، وهي مسألة يقتضي بتها في الاساس) لا يعود لها من بعد ذلك التطرق لبعضها الآخر، فلا يكون قد خالف احكام المادة 537 اصول محاكمات مدنية فيرد ما ادلي به لهذه الجهة.
وحيث ان المستأنفة تطلب فسخ الحكم المستأنف المنتهي الى اعتبار واقعة تركها المأجور لمدة تتجاوز السنة ثابتة، بالرغم من قيام المؤجر بتوقيع عقود ايجار معها بين 2000 و 2008 وقيامه بعد ذلك بتمديد الاجارة لغاية نهاية العامة 2012 هذا فضلاً عن استمراره بقبض البدلات عن تلك السنوات بدون تحفظ، مما يشكل دليلاً على عدم الترك، كما تطلب فسخ الحكم لعدم تحديده بدقة مدة الترك التي يقتضي ان تكون واضحة وغير مبهمة، ولاعتماده على افادة مؤسسة كهرباء لبنان رغم تضمنها عبارة مفادها انها تشكل اثباتا على عدم استهلاك التيار الكهربائي، ولمخالفة القاعدة القائلة بان القانون رقم 92/160 قانون استثنائي يفسر ويطبق حصراً دون توسع حين اعتبر انها-اي المستأنفة-كانت ملزمة باستعمال بعض الآلات الكهربائية او استهلاك الطاقة الكهربائية، ولمخالفة المادة /132/ا.م.م. التي تضع عبء اثبات واقعة الترك على عاتق من يدعيها اي المستأنف عليه، ولحرمانها من تقديم البينة المعاكسة على تلك الواقعة وفق المادة /270/ا.م.م. من خلال الاستماع الى شهود، مؤكدةً انها شغلت المأجور موضوع الدعوى بصورة مستمرة خلال فترة تعاطيها تجارة التحف الشرقية والصاغة لغاية 2010 فتتواجد في المأجور اربعة او خمسة ايام في الاسبوع من الساعة العاشرة صباحاً ولغاية الساعة الثانية او الثالثة بعد الظهر باستثناء الفترات التي كانت تضطر فيها الى السفر مرة او مرتين للمعالجة من مرض في الشريان الرئيسي في قلبها الى الولايات المتحدة، مؤكدة انها لم تكن مضطرة لاستعمال اي الآت كهربائية في اطار تجارتها باستثناء لمبة واحدة، وان المأجور بالنظر لموقع واجهته وضآلة عمقه لم يكن بحاجة الى الانارة لساعات ما قبل الظهر التي كانت تفتح فيها محلها وفق ما اكده الخبير جهاد زين في تقريره بحيث ان العمل كان يستمر بداخله بصورة طبيعية رغم عدم اضاءته، مما يبرر المقطوعية المحددة والتي يبررها ايضا قيامها بالتعليق على الشبكة العامة بدليل تنظيم محضر بالمخالفة المذكورة بحقها.
وحيث ان المستأنف عليه يطلب من جهته تصديق الحكم الابتدائي بالنظر لثبوت واقعة الترك لمدة تتجاوز السنة من مجمل الدلائل والوسائل الموجودة في الملف، والا بالنظر لثبوت واقعة اساءة استعمال المأجور واحداث تخريب فيه او بالنظر لتغيير وجهة استعماله.
وحيث انه سنداً للمادة 10 فقرة /و/ من القانون رقم 92/160 “يسقط حق المستأجر بالتمديد ويحكم عليه او على من يحل محله قانونياً بالاخلاء اذا ترك المأجور لاسباب غير امنية مدة سنة بدون انقطاع اعتباراً من تاريخ نفاذ هذا القانون ورغم استمراره في دفع الايجار..”
وحيث انه يستفاد من الفقرة المذكورة ان الترك لمدة تتعدى السنة يؤدي الى الاسقاط من حق التمديد، بإستثناء حالة الترك لاسباب امنية.
وحيث ان الترك المقصود هو الترك المادي الموضوعي المجرد عن اية اسباب اخرى-سوى السبب الامني-بحيث لا ينظر الى نية المستأجر في التنازل عنه او في التخلي عن اجارته وان كان هذا المستأجر يرغب في الاحتفاظ بالمأجور، اذ العبرة فقط في استمرارية الاشغال من دون الانقطاع عنها لمدة سنة كاملة.
وحيث في المقابل فإن اشغال المأجور يجب ان يكون فعلياً وجدياً وان يتم وفقاً للغاية المعد لها، وبالتالي فإن مجرد التردد الى المأجور بشكل عرضي ومتقطع وغير متطابق مع طبيعة النشاط الممارس فيه يعتبر مناورة ولا يكون من شأنه بالتالي قطع مهلة الترك، وبمعنى آخر يعتبر التردد الى المأجور مصطنعاً ومفتعلاً عندما ينم عن عدم حاجة المستأجر الجدية اليه.
وحيث ان ترك المأجور واقعة مادية يجوز اثباتها بكافة وسائل الاثبات، ويقع عبء الاثبات لهذه الناحية على الجهة المالكة التي ارجعت فترة الترك الى ما قبل اقامة الدعوى في العام 2008.
وحيث ان عدم تعيين فترة الترك بصورة دقيقة لا يؤدي الى رد الدعوى او فسخ الحكم القاضي بالاسقاط طالما ثبت ان الترك تجاوز فترة السنة.
وحيث ان قانون الايجارات هو قانون استثنائي يقتضي تفسيره بصورة حصرية وبدون توسع، وهذه القاعدة تفترض التدقيق في ما اذا كانت اسباب الاسقاط المدلى بها فعلاً متحققة في ضوء جميع الادلة والاثباتات المتوفرة في الملف، وهي لا تعني التساهل تجاه اي فريق من الفريقين على حساب الآخر.
وحيث انه تجدر الاشارة بادئ ذي بدء الى ان استمرار المالك في تنظيم عقود ايجار مع المستأجر خلال فترة الترك المدعى بها وبعد اقامة الدعوى الراهنة، واستمراره في قبض البدلات عن تلك الفترة، إنما لا يعتبر بحد ذاته تنازلا عن حقه في الادلاء بواقعة الترك بوجه المستأجر، باعتبار ان التنازل لهذه الجهة يجب ان يكون واضحاً وصريحاً، كما ان المؤجر يبقى ملزماً قانوناً بتنظيم عقود ايجار من اجل تسجيلها اصولاً لدى البلدية طالما لم يصدر حكم باسقاط الاجارة، وفي المقابل فإن المؤجر يبقى دائناً بالبدلات لقاء اشغال ملكه من قبل المستأجر وفق عقد الايجار الموقع فيما بينهما، يبقى قائماً لغاية صدور الحكم المذكور مقابل اشغال المستأجر لملكه، فترد اقوال المستأنفة المخالفة لهذه الوجهة.
وحيث انه يتبين بالعودة الى عقود الايجار الموقعة فيما بين المستأنف عليه وقف كنيسة والمستأنفة ارملة المرحوم خ.خ.، ان وجهة استعمال المأجور موضوع النزاع هي لبيع التحف الشرقية والصاغة والخردوات والمرطبات والسندويش ما عدا المشروبات الروحية.
وحيث انه من الثابت من اقوال المستأنفة انها استعملت المأجور موضوع النزاع لغاية العام 2010، اي خلال فترة الترك المدعى بها، لبيع المجوهرات والتحف الشرقية.
وحيث ان استخدام المأجور كمحل تجاري، وان كان يتيح للمستأجر الذي يعمل لحسابه الخاص تنظيم نشاطه وفق الدوام الذي يناسبه، الا انه لا يعني ان المستأجر او من يقوم مقامه من مدير او موظف او عامل من التواجد في المأجور بشكل منتظم اقله من اجل ترتيب امور المحل والتواصل مع الموردين واستقبال الزبائن.
وحيث انه تبعاً لذلك، اذا كان تغيب المستأجر ليوم محدد في الاسبوع او قدومه فقط نصف نهار متوافقاً مع طبيعة نشاطه ومرتبطاً بالحرية التي يتمتع بها في ادارة اعماله ومتابعتها، غير ان غيابه الدائم عن هذا المحل او حضوره الظرفي اليه لا يكون مبرراً وإنما يوحي بعدم حاجة المستأجر للمأجور لانه لا يعقل الا يكون للمحل دوام عمل محدد ومنظم ومعروف من الزبائن المحتملين.
وحيث انه تأسيساً على ما تقدم، فإنه يقتضي التحقق مما اذا كان اشغال المستأنفة للمأجور هو من قبيل التردد المستمر الذي من شأنه ان يدل على اشغال فعلي يحمي حقها في التمديد ام انه تردد ظرفي لا ينفي تركه المأجور ويعرض بالتالي حقها في التمديد الى الاسقاط.
وحيث انه يتبين من ناحية اولى من مراجعة محضر تبليغ استحضار الدعوى الابتدائي ان المباشر لم يتمكن من ابلاغ المستأنفة المدعى عليها بدايةً كونه لم يجد احد في المأجور وان المحل مقفل بشكل دائم، وبالعودة الى محضر التحقيق المنظم من قبل كاتب المحكمة بدايةً انه لدى انتقاله الى المأجور بتاريخ 2009/5/7 وجد المحل مقفلاً وافاده السيد ح.ا.ج. في مكتبة خ. المجاورة بانها منذ شهر كانت في المحل وهي تتردد اليه باستمرار ولا تفتحه دائماً، وافادة السيد م. ذ. ا. الموظف في محل للالبسة الرجالية بجانب المأجور بانها من وقت لآخر تتردد الى المأجور ويعتقد بانها من وقت لآخر تتردد الى المأجور ويعتقد بانها حالياً مسافرة، وافادة حفيدتها السيدة ك. خ. بان جدتها حالياً في اميركا.
وحيث انه يتبين من ناحية ثانية بمراجعة الافادة الصادرة عن المديرية العامة للامن العام ان حركة خروج ودخول المستأنفة من والى لبنان قد تمت بين العامين 2001 و 2010 على الشكل التالي:
– دخلت الى لبنان في 2001/3/15 وغادرت في 2001/6/6
– دخلت في 2001/8/8 وغادرت في 2001/12/16
– دخلت في 2002/2/17 وغادرت في 2002/3/19
– دخلت في 2002/4/25 وغادرت في 2002/12/19
– دخلت في 2003/5/5 وغادرت في 2004/2/15
– دخلت في 2004/6/28 وغادرت في 2004/11/28
– دخلت في 2005/3/2 وغادرت في 2005/5/11
– دخلت في 2005/7/4 وغادرت في 2005/12/19
– دخلت في 2006/6/13 وغادرت في 2006/9/6
– دخلت في 2006/12/7 وغادرت في 2007/3/5
– دخلت في 2007/ 6/23 وغادرت في 2007/10/16
– دخلت في 2008/4/1 وغادرت في 2008/8/21
– دخلت في 2009/1/18 وغادرت في 2009/5/3
– دخلت في 2009/6/8 وغادرت في 2009/10/15
وحيث تشير الافادة المذكورة ان المستأنف عليها بقيت خارج الاراضي اللبنانية خمسة اشهر تقريباً في كل من العام 2003 و 2005 وثمانية اشهر في العام 2006 والعام 2008، مما يعني انه خلال تلك السنوات كانت غائبة تقريباً عن لبنان وعن المأجور اذ لم يثبت وجود اي موظف يعمل لحسابها في المحل، الامر الذي لا يأتلف مع العمل التجاري مهما كان نوعه او اهميته والذي يفترض فتح ابواب المحل بطريقة متواصلة ومنتظمة.
وحيث انه يتبين من ناحية ثالثة بالعودة الى الافادة الصادرة عن مؤسسة كهرباء لبنان بتاريخ 2010/6/7 ان العداد العائد للمأجور موضوع النزاع قد سجل المقطوعات التالية:
– خلال العام 2000 سجل 78 ك.و.س. (محصورة بالاشهر الاربعة الاولى)
– خلال العام 2001 سجل 256 ك.و.س.
– خلال العام 2002 لا مقطوعية
– خلال العام 2003 سجل 354 ك.و.س.
– خلال العام 2004 سجل 592 ك.و.س.
– خلال العام 2005 سجل 715 ك.و.س.
– خلال العامة 2006 سجل 389 ك.و.س.
– خلال العام 2007 سجل 41 ك.و.س. (محصورة بشهري تموز واب)
– خلال العام 2008 سجل 111 ك.و.س. (محصورة بشهري ايار وحزيران)
– خلال العام 2009 سجل 418 ك.و.س. (محصورة بأشهر تموز، أب، أيلول، وتشرين الاول)
وحيث انه ولئن كان القانون لا يفرض على المستأجر استهلاك الكهرباء او استخدام
المعدات الكهربائية من آلات او تدفئة او سواها، الا ان الضرورات العملية إنما تستدعي استهلاك حد ادنى من الطاقة الكهربائية اقله للانارة مهما كان حجم المحل او دوام العمل.
وحيث انه بمراجعة تقريري الخبير المهندس جهاد زين المعين بدايةً والمكلف بموجب قرار اول ببيان ماهية الاعمال المنجزة في المأجور وبموجب قرار ثاني بالتحقق من امكانية اشغاله دون استعمال الطاقة الكهربائية في ضوء وجهة اسعتماله ودوام العمل المدعى به، وبالعودة الى الكشف المجري بمعرض المهمة الثانية عند الساعة الواحدة بعد الظهر بتاريخ 2013/10/31 يتبين ان المأجور موضوع النزاع اصبح معداً لبيع السندويشات الجاهزة والمرطبات والمياه المعدنية والعصير والمشروبات الساخنة كالقهوة والشاي واشياء اخرى كالسكاكر واكياس البطاطا، وانه في فترة استعماله لبيع التحف والمجوهرات لغاية العام 2010، كانت توجد واجهة زجاجية للمأجور مرتكزة على قاعدة خشبية لعرض المجوهرات والتحف وانه حالياً ازيلت هذه الواجهة فأصبح المحل مطلاً على الخارج بشكل مباشر، واوضح الخبير انه خلال فترة استعمال المأجور للتحف والمجوهرات لم تكن معتماً عند عدم انارته بالطاقة الكهربائية وذلك بسبب عمقه الصافي الضئيل ولوقوع واجهته عند شارع عريض نسبياً مع عدم وجود مباني مرتفعه مقابلة، علما ان اطفاء النور في المأجور خلال الكشف اثر على نسبة الانارة فيه ولكن استمر العمل في المأجور واستمر الزبائن بالحصول على مشترياتهم، كما اشار الخبير الى انه لدى الاطلاع على المحلات المجاورة الواقعة مقابل الجامعة الاميركية في شارع بلس وعددها حوالي الثلاثين تبين له انها كلها مضاءة وان المأجور موضوع الدعوى ايضا مضاء، مع الاشارة الى انه يكفي المأجور بالحد الادنى لمبة انارة واحدة في الداخل كون مساحته موالي 18 م2فقط.
وحيث انه تبين لدى الاطلاع على الصور الفوتوغرافية المرفقة بتقرير الخبير ان المأجور موضوع الدعوى بوجهة استعماله الحالية (بيع السندويشات والمشروبات وسواها) كان مجهزاً بلمبات من نوع ال “نيون” مركبة على شكل مربع على السقف لتأمين انارة مقبولة وطبيعية وذلك بالرغم من ان واجهته مفتوحة تماما على الشارع، هذا مع العلم ان السندويشات وغيرها من المنتجات المعروضة في المحل من البضائع المعروفة سلفاً التي يطلبها الزبون ويغادر فوراً دون حاجة الى التمحيص والانتظار والاختيار، وبالتالي فإنه من غير المنطقي الا يكون المحل، بوجهة استعماله السابقة، مزوداً بحد ادنى من الانارة لاسيما بالنظر لكون واجهته حينها مغلقة، وذلك على الاقل خلال اشهر الشتاء التي يخف فيه النور الطبيعي، خاصة وان عدم استخدام الانارة لا يأتلف اصلاً مع طبيعة النشاط السابق المتمثل ببيع التحف والمجوهرات، والذي يتطلب اطلاع الزبون على البضاعة والتدقيق بها، بحيث لا تكون الانارة الطبيعية ولو في وضح النهار كافية لاتمام ذلك، والبقاء لمدة من الوقت داخل المحل من اجل الاختيار والدفع.
وحيث انه لا يرد على ما تقدم ان انعدام المقطوعية مرده التعليق على الشبكة العامة، لانه فضلا عن ان الامر المذكور قد اقتصر على العام 2000، وفق محضر المخالفة المنظم بحق المستأنفة، وانه لا يسع هذه الاخيرة اصلاً التذرع بخطئها على قاعدة Nemo auditur propriam suam turpitudinem allegans ، فإن هذا الامر لا يبرر انعدام المقطوعية او ضآلتها في الفترات اللاحقة لاسيما الاعوام 2006 و 2007 و 2008 التي لم تشهد الا مقطوعية ضئيلة اقتصرت على بعض الاشهر فقط فيما انعدمت في الاشهر الاخرى.
وحيث انه فضلاً عن ذلك، فإنه لو صح القول بأن اشغال المحل موضوع النزاع بوجهة استعماله السابقة، لا يحتاج الى استهلاك الطاقة لما سجل العداد بعض المقطوعية في اشهر محدودة ومتفاوته، كما انه لو صح الاشغال بصورة مستمرة ومتواصلة لكان العداد سجل مقطوعيات مماثلة على مدى الشهور والسنوات الممتدة من 2001 ولغاية 2009، الامر غير المتحقق، ولا يرد على ذلك ان افادة الكهرباء قد تضمنت عبارة مفادها بأن “هذه الافادة اعطيت على ضوء ما تيسر من معلومات دون ان تشكل اثباتاً على عدم استهلاك التيار الكهربائي “لان المستأنفة لم تنازع بمضمون الافادة المشار اليها إنما بررت ما ورد فيها لعدم حاجتها لاستهلاك الكهرباء او تعليقها على الشبكة العامة.
وحيث انه اضافة الى ما تقدم فإنه ثبت من افادة مؤسسة كهرباء لبنان المرفقة ربطا بلائحة المستأنف عليه المقدمة في 2015/1/21 عدم وجود اي مقطوعية للكهرباء في المأجور بدءاً من شهر تموز 2008 ولغاية آخر شهر حزيران 2009، ما يفيد عدم وجود استهلاك كهربائي في المأجور طيلة عام كامل ما يستفاد منه ان المأجور كان مقفلاً طيلة فترة سنة كاملة دون انقطاع اذ لا يمكن، وفق ما اثبتته المحكمة، اشغال المأجور دون وجود اي استهلاك للطاقة.
وحيث انه يستفاد من مجمل ما تقدم، وبالمقارنة بين فترات غياب المستأنفة عن لبنان وفترات عدم تسجيل اية مقطوعيات، ان المحل موضوع النزاع كان يبقى مقفلاً لاشهر عديدة خاصة انه لم يثبت، وفق ما تمت الاشارة اليه سابقاً، وجود اي موظف في المحل، الامر الذي يفيد عدم الحاجة اليه وعدم استعماله وفقا للغاية المعد لها من قبل المستأنفة وبشكل يأتلف مع وجهة استعماله آنذاك، لاسيما بين العامين 2007 و 2009 ، وان ترددها الى المأجور، وان تحقق وفق ما افاد الشاهدان في محضر التحقق المنوه عنه اعلاه، لا يعتبر اشغالاً فعلياً وجدياً للمأجور، ولا حاجة تبعاً لما تقدم لاجراء المزيد من التحقيقات او الاستماع الى الشهود فترد اقوال المستأنفة المخالفة لهذه الجهة.
وحيق انه تأسيساً على ما تقدم، تكون واقعة ترك المستأنفة للمأجور موضوع النزاع ثابتة وقائمة، مما يقتضي معه اسقاط حقها بالتمديد القانوني للاجارة موضوع النزاع.
وحيث ان الحكم الابتدائي، بانتهائه الى اسقاط حق المستأنف في التمديد القانوني لعقد الايجار موضوع النزاع الراهن، وبالزامه بإخلائه وتسليمه الى الجهة المالكة خالياً وشاغراً من اي شاغل، يكون واقعاً في موقعه القانوني الصحيح، ومستوجب التصديق لهذه الناحية.
وحيث ان المستأنفة تطلب فسخ الحكم المستأنف المنتهي الى الزامها بتسديد مبلغ /318,000/د.ا. الذي يمثل بدل المثل من تاريخ اقامة الدعوى ولغاية صدوره، مدلية بعدم ترتب بدل المثل بذمتها كونها تشغل المأجور بصورة مشروعة بموجب عقد ايجار وتدفع البدلات المتفق عليها فيه، بحيث تكون مطالبة المستأنف عليه ببدل اشغال على اساس /35,000/د.ا. سنوياً مخالفاً للعقد، مدليةً ايضاً بمخالفة الحكم للمادة /366/ ا.م.م. لقضائه بالتعويض عن الاشغال على اساس بدل المثل الشهري /4500/د.ا. عن العامين 2009 و 2010 وبدل المثل الشهري /5000/ د.ا. عن الاعوام 2011 و 2012 و 2013 في حين ان المستأنف عليه كان قد طالب به على اساس بدل المثل السنوي البالغ /35,000/ د.ا. فيكون قد قضى بأكثر مما طلب، هذا مع التاكيد انه لا يترتب عليها اي بدل وفي اي حال بان البدل لا يمكن ان يزيد عن /2000/ د.ا. شهرياً، واستطراداً لتحديده بدل المثل بالاستناد الى تقرير الخبير زين رغم بطلان هذا التقرير عملاً بالمادتين /323/ و /341/ ا.م.م. اذ ان الخبير لم يحدد اسماء الاشخاص المستمع اليهم من قبله واجرى تحقيقا معهم دون دعوتها فحرمها من حق الدفاع المتعلق بالانتظام العام، هذا فضلا عن ان بدل المثل المحدد في تقريره مبالغ فيه، واستطرادً لمخالفة المادة /247/ م.ع. عندما قضى بالزامها بان تدفع بدل المثل منذ اقامة الدعوى مع ان الحكم القاضي بفسخ عقد الايجار هو حكم انشائي ولا يسري مفعوله الا من تاريخ صدوره.
وحيث ان المستأنف عليه، الذي كان قد طلب بموجب استحضاره الابتدائي الزام المستأنفة ببدل الاشغال من تاريخ اقامة الدعوى لغاية تاريخ الحكم والمقدر بمبلغ /35,000/ د.ا. سنوياً، يطلب من ناحيته تصديق الحكم المستأنف، كما يطلب اضافة الزام المستأنفة بتسديد بدل المثل عن الفترة اللاحقة لصدور الحكم المذكور.
وحيث ان طلب المستأنف عليه يندرج ضمن الطلبات المتفرغة عن الطلبات الاصلية المقدمة منه بدايةً ويكون بالتالي مقبولا شكلاً.
وحيث تجدر الاشارة بداية الى انه بحسب المادة /559/ يعتبر الحكم مبدئيا معلناً للحق فترجع آثاره الى تاريخ المطالبة بالحق امام القضاء، على ان الحكم الذي يحدث تغييرا في حالة الشخص او اهليته يعتبر منشئاً.
وحيث ان الاحكام المسقطة لحق التمديد تندرج ضمن الاحكام المعلنة باعتبار ان الاسقاط من التمديد يتوفر عند اكتمال شروطه ولا يأتي الحكم الذي يكرسه بأي جديد بل ان المحكمة تدقق بتوفر شروطه حتى اذا وجدتها متحققة اعلن توفرها واسقط المستأجر من حق التمديد .
وحيث انه تبعاً لما تقدم، فإن المستأجر يعتبر شاغلاً من دون مسوغ عند اكتمال شروط الاسقاط من حق التمديد التي باكتمالها تنتهي العلاقة التعاقدية ولا يعود من مجال للعمل بعقد الاجارة الممدد وبالبدل المتفق عليه بموجبه، بل يفرض على المستأجر عندها ان يدفع بدل آخر، هو بدل المثل، كتعويض للمالك لقاء اشغال ملكه بدون مسوغ مشروع.
وحيث انه سنداً لذلك، فإن الفترة الزمنية التي يستمر بها الاشغال منذ تاريخ تقديم الدعوى امام القضاء بالاسقاط ولغاية التسليم الفعلي للمأجور غير مرعية بأحكام عقد الايجار ويصبح من الجائز للمالك مطالبة خصمه ببدل المثل عن الفترة المذكورة لقاء استمرار انتفاعه للمأجور، وترد ادلاءات المستأنفة المخالفة لهذه الوجهة.
وحيث انه بمراجعة التقرير الاول للخبير جهاد زين المكلف بتحديد بدل مثل المأجور، ورود 2012/7/13، يتبين ان المأجور موضوع الدعوى عبارة عن محل تجاري كائن في العقار /417/ رأس بيروت، تقع واجهته عند شارع بليس، مقابل مدخل الجامعة الاميركية، في الطابق الارضي من مبنى قديم العهد، وان ابعاده الداخلية 4,90 م واجهة و 3,60 عمق وتبلغ مساحته الصافية 18 م2 يبلغ ارتفاع سقفه حوالي 2,45 م يتبع له متخت بنفس المساحة، على شكل عقد ويبلغ الارتفاع الاقصى للمتخت عند منتصفه 1.90م، وان حالة المأجور الداخلية جيدة فالارض مكسوة ببلاط السيراميك ويوجد مجلى من الستينليس وسلم حديدي يؤدي الى المتخت، المتخت حالته عادية وجدرانه مطلية وارضه مكسوة بالبلاط وهو يستعمل لتخزين البضائع (وفق وجهة الاستعمال الجديدة) وان الاعمال التي اجريت في المأجور من قبل المستأنفة (تغيير البلاط واستبدال سلم الدرج بسلم حديدي واجراء التمديدات الكهربائية ووضع مجلى) هي من الاعمال التحسينية.
وحيث ان الخبير حدد بدل مثل المأجور، بعد استقصاء الاسعار والاخذ بالعوامل المؤثرة من موقع ومساحة ومستوفى العرض والطلب والاسعار الرائجة، على الشكل التالي:
– عن العام 2008: 4500 د.ا. شهريا اي ما يعادل 45,000 بالنسبة لعشرة اشهر بعد الاخذ بتاريخ تقديم الدعوى.
– عن العام 2009: 5000 د.ا. شهرياً، اي ما يعادل 60,000 د.ا. سنزياً
– عن الاعوام 2010 و 2011 و 2012: 5500 د.ا. اي ما يعادل 66,000 د.ا. سنوياً
وحيث ان المحكمة ترى ان الخبير اتبع الاصول المفروضة قانوناً لاسيما مبدأ الوجاهية
لناحية الكشف على المأجور موضوع الدعوى في الشق من المهمة المتعلق بوصف المأجور وبيان ما اذا كانت الاعمال المنجزة فيه قد ادت الى احداث اي تخريب فيه، علما ان الوجاهية المذكورة غير مفروضة في الشق المتعلق باحتساب بدل المثل اذ يعود للفرقاء التعليق على هذا الجزء من المهمة وابداء الملاحظات التي يرونها ضرورية لهذه الجهة وتقديم آراء وتقارير مقابلة، فترد اقوال المستأنفة لهذه الناحية، هذا بالاضافة الى ان الخبير في اطار تخمينه للمأجور او تحديد بدل اشغاله ليس ملزماً بتحديد اسماء الاشخاص الذين يراجعهم كونه اساساً صاحب خبرة في هذا السياق، ذلك ان موجب الخبير المعين في تحديد الاشخاص الذي يستعين بهم لاتمام مهمته، يقتصر على الحالات التي يكون فيها بحاجة الى راي فني او تقني يخرج عن اختصاصه تماما، فترد اقوال المستأنفة المخالفة.
وحيث ان المحكمة ، وبما لها من سلطة تقدير في هذا المجال وبما توافر لديها من معلومات حول موقع العقار وميزاته كافة وحالة البناء ووضع المأجور ومساحته وتقسيمه وبعد الاطلاع على الصور الفوتوغرافية المرفقة بتقرير الخبرة المبرز في الملف، وبما هو مشاهد ومتعارف عليه في المنطقة، وبعد الاخذ بالاعتبار طبيعة المأجور التجارية والتحسينات التي اوجدتها المستأنفة في المأجور، وتبدل سعر العقارات، ترى تقدير بدل المثل على اساس 24000 د.ا. سنوياً عن الاعوام من 2008 ولغاية 2019 اي ما يوازي 2000/ د,ا, شهرياً.
وحيث انه تبعاً لما تقدم يقتضي الزام المستأنفة بأن تدفع للمستأنف عليه بدلات المثل عن الفترة الممتدة من تاريخ اقامة الدعوى في 2008/3/3 ولغاية صدور القرار الراهن، اي ما مجموعه: (131 شهراُ × 2000) + (4/1 شهر × 2000) = /262,500/ د.ا. على ان يحسم منها ما قد تكون دفعته المستأنفة من بدلات ايجار.
وحيث بنتيجة الحل المساق، تغدو سائر الاسباب او المطالب الزائدة او المخالفة مستوجبة الرد إما لكونها لاقت رداً ضمنياً او لعدم تأثيرها على النزاع، بما فيه طلبات الاسقاط المسندة الى اسباب اضافية لعدم جدوى البت بها.
لذلك
تقرر بالاجماع:
1- قبول الاستئناف شكلاً.
2- تدوين الرجوع عن طلب ادخال السادة و. وج. وس. وف. خ. خ. في المحاكمة الراهنة.
3- ادخال السيد ج. خ.خ. في المحاكمة الراهنة لسماع الحكم.
4- قبول الاستئناف اساساً بصورة جزئية بالنسبة لقيمة بدل المثل المحكوم به على المستأنفة، وكذلك قبول الطلب الاضافي المقدم من المستأنف عليه لناحية الزام المستأنفة بتسديد بدل المثل لغاية صدور القرار الراهن، وفسخ البند الثاني من الحكم ورؤية الدعوى انتقالاً والحكم مجدداً بالزام المستأنفة بأن تدفع للمستأنف عليه مبلغاً وقدره /262,500/ د.ا. او ما يعادله بالليرة اللبنانية بتاريخ الدفع الفعلي، على ان يحسم من هذا المبلغ ما تكون قد سددته المستأنفة من بدلات ايجار، وتصديق البنود الاخرى من الحكم.
5- رد سائر الاسباب او المطالب الزائدة او المخالفة.
6- إعادة التأمين الاستئنافي، وتضمين المستأنفة الرسوم والنفقات القانونية.
قراراً صدر وافهم علناً في بيروت بتاريخ 2019/2/7
“محكمة” – الثلاثاء في 2019/2/12
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.