خاص”محكمة”: “التمييز” تعيد الاعتبار المعنوي لرجل الأعمال صالح عاصي/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
صوّبت محكمة التمييز الجزائية كلّ الأخطاء والمغالطات القانونية التي اعترت ملفّ ملاحقة رجل الأعمال اللبناني صالح علي عاصي وأعادت له الاعتبار المعنوي، وهو أهمّ ما في متن قرارها الصادر يوم الخميس الواقع فيه 13 شباط 2020، وذلك من خلال إقدامها بعد درس وتمحيص وتدقيق وتحقيق، على إبطال الملاحقة والادعاء وكلّ القرارات القضائية الناتجة عنه وردّ الدعوى برمّتها بفعل انعدام الإختصاص المكاني للقضاء الجزائي في محافظة جبل لبنان.
فقد حصلت التباسات كثيرة في القضيّة المقامة ضدّ صالح عاصي لم تحد عن خطّ الافتراء والابتزاز ومحاولة استغلال الاستهداف الأميركي له بوضعه على لائحة العقوبات بداعي قيامه بتمويل حزب الله.
وإنْ كانت المقاضاة حقّاً لكلّ إنسان بغضّ النظر عن مضمون الدعوى ودقّتها وعدم صحّتها، وهو رهن تحقيقات تتزن بالخطوات القانونية السليمة، إلاّ أنّه من غير المنطقي التلاعب بمجريات الإجراءات القانونية المعتمدة حسب الأصول بما يؤدّي إلى تتابع الأخطاء ومحاصرة الشخص المدعى عليه وتشويه سمعته ورهنه لمذكّرة توقيف غيابية فمذكّرة إلقاء قبض ثمّ نشرة الانتربول الحمراء وتصويره على أنّه مطلوب عالمياً، ولم يتمّ أيّ تدارك لكلّ هذا المشهد الضبابي الذي ينمّ عن سوء نيّة في مكان ما، إلى أن وضعت محكمة التمييز الجزائية يدها على الدعوى فصحّحت ونسفت الدعوى برمّتها بإعلان بطلانها بما تحويه من ادعاء وما ترتّب عليه من نتائج أسبغت عليها صفة قانونية كونها صادرة عن قاضي تحقيق فهيئة اتهامية ومحكمة جنايات.
واللافت للنظر أنّ صالح وبواسطة وكيليه القانونيين المحاميين سعيد الزين وطانيوس أبو أنطون قدّم طلباً لاسترداد مذكّرة التوقيف الغيابية الصادرة في حقّه، لكي يتسنّى له الرجوع إلى لبنان والمثول أمام القضاء وتبيان دفاعه العلني والوجاهي عن التهم المساقة ضدّه، غير أنّه اصطدم بردّ هذا الطلب المحقّ في ظلّ وجود حرص على إظهار الحقيقة وليس التهرّب منها.
وملخّص ما واجهه صالح عاصي أنّ شكوى قدّمت ضدّه أمام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان بجرم تهديد وخطف وسرقة حصلت في جمهورية الكونغو الديموقراطية حيث يمارس تجارته وحيث تقع شركاته، ووضِع عنوان مختلق ومزوّر على هذه الشكوى جعل من محلّ إقامة عاصي في محلّة حارة حريك في منطقة الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، فيما هو في حقيقة الأمر لا يسكن في هذه المحلّة، بل له عنوان صحيح وحقيقي في بيروت ومحدّد وكامل في محلّة فردان سنتر 732، وتمّ “إبلاغ” عاصي في حارة حريك وأحيلت الشكوى على فصيلة حارة حريك لإجراء التحقيقات الأوّلية، فلم يعرف عاصي ولم يحضر، ليُستكمل مسلسل الأخطاء القانونية تباعاً حتّى وصل الملفّ إلى محكمة الجنايات وصدر قرار مهل وحدّدت جلسات محاكمة، ولم تنفع مذكّرة الدفوع الشكلية المقدّمة من وكيلي عاصي بانتفاء الصلاحية المكانية لمحاكم جبل لبنان باعتبار أنّ عاصي موجود خارج لبنان، وأنّ مكان سكنه في بيروت، أيّ خارج نطاق القضاء الجزائي لمحافظة جبل لبنان.
وزعم المدعي أنّه حدّد عنوان عاصي في حارة حريك بالإستناد إلى ما سبق لهذا الأخير أن أبلغه به خلال ارتباطهما بعلاقة تجارية، لكنّه لم يتمكّن من إثبات هذا الادعاء الذي يخفي نيّة سيئة لتضليل التحقيق وترتيب نتائج غير قانونية عليه تضرّ بسمعة العدالة الحقّة.
وما لبث محامي المدعي أن قدّم مذكّرة ضمّنها اعتقاداً بأنّ اتهام الولايات المتحدة الأميركية للمدعى عليه عاصي بدعم حزب الله وفرضها عقوبات عليه يفيد بأنّه مقيم في محلّة حارة حريك حيث معقل الحزب، وبالتالي فإنّ عنوان إقامته في هذه المحلّة صحيح، لكنّ محكمة التمييز الجزائية جزمت بأنّ اعتبار عاصي يؤيّد حزب الله، “لا يعني حتماً وبالضرورة أنّه يقيم في حارة حريك فيكون هذا الإدلاء مستوجباً الردّ لعدم الجدّية”.
وبفعل هذا العنوان الخاطئ سقطت الملاحقة والادعاء وكلّ القرارات القضائية الناجمة عنها، ذلك أنّ”مسألة الاختصاص الجزائي تتعلّق بالنظام العام” وليست للقضاء الجزائي في جبل لبنان أيّة صلاحية مكانية وأيّ دور في هذه الدعوى التي يفترض أن تحيلها النيابة العامة التمييزية إلى المرجع القضائي المختص مكانياً وهو بيروت لكي تسلك الطريق القانوني السليم، ولتحديد ما إذا كانت الجرائم المنسوبة إلى صالح عاصي صحيحة أم مجرّد افتراءات تترتّب عليها لاحقاً، ملاحقة قانونية مغايرة بجرم الافتراء.
“محكمة” تتفرّد بنشر قرار محكمة التمييز الجزائية وهو أتى تحت الرقم 2020/60:
باسم الشعب اللبناني
إنّ محكمة التمييز، الغرفة السابعة الجزائية، المؤلّفة من القضاة:
الرئيس المكلّف جوزف سماحة والمستشارين منير سليمان وفادي العريضي (منتدباً)،
عطفاً على قرار النقض رقم 249 تاريخ 2019/6/20،
وبصفتها حلّت بنتيجة النقض محلّ محكمة الجنايات في جبل لبنان،
لدى التدقيق والمذاكرة،
تبيّن أنّه بنتيجة التحقيق في شكوى تقدّم بها م. ح. في 2019/5/31 ضدّ صالح علي عاصي، المقيم في حارة حريك رقم هاتفه 01/801040، أمام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان بجرم تهديده وعائلته وخطف شقيقه م. ح. في الكونغو وسرقة، أصدر قاضي التحقيق في جبل لبنان مذكّرة توقيف غيابية في حقّ المدعى عليه في 2018/10/11 … ومن ثمّ، صدر قرار ظنّي في 2018/10/26، تبعه قرار الاتهام رقم 886 الذي أصدرته الهيئة الاتهامية في جبل لبنان في 2018/12/17 وخلصت فيه إلى اتهام صالح علي عاصي بالجناية المنصوص عليها في المادة 569 وفي المادة 557 عقوبات والظنّ فيه بالجنحة المنصوص عليها في المادة 575 وفي المادة 649/ فقرة 2 عقوبات، وإحالته إلى المحاكمة أمام محكمة الجنايات وأصدرت في حقّه مذكّرة إلقاء قبض.
وإنّه بعد وصول الملفّ إلى محكمة الجنايات، تقرّر في 2019/1/3 تعيين جلسة في 2019/3/4 وإبلاغ من يلزم، كما ردّت المحكمة في 2019/2/25، طلباً تقدّم به وكيلا المتهم لاسترداد مذكّرة التوقيف الغيابية الصادرة في حقّه، علماً بأنّه سبق للمتهم تقديم طلب مماثل أمام الهيئة الاتهامية في بيروت، وقد صدر قرار بردّ الطلب، وفي 2019/3/4 تقرّر إرجاء جلسة المحاكمة حتّى 2019/5/27 لإكمال تشكيل الهيئة الحاكمة، وفي 2019/3/5 أصدر رئيس المحكمة قرار مهل في حقّ المتهم، وفي 2019/3/11 تقدّم وكيلا المتهم بمذكّرة دفوع شكلية مع مستندات أدليا فيها:
1- بانتفاء الصلاحية المكانية لمحاكم جبل لبنان، كونه يتواجد خارج لبنان، ويقيم أصلاً في بيروت- فردان سنتر 732- طابق عاشر،
2- ببطلان إجراء من إجراءات التحقيق، ولا سيّما إحالة الشكوى إلى فصيلة حارة حريك، بنتيجة تزوير المدعي عنوان المدعى عليه، بحيث أجريت التبليغات وفقاً للعنوان المزوّر،
3- بتلازم هذه الدعوى مع ملفّ الشكوى التي كان المدعى عليه راهناً قد تقدّم بها أمام النيابة العامة الاستئنافية في بيروت ضدّ م. ع. ح. بجرم إيذاء وخطف وقدح وذمّ وتحقير، وقد أحيلت الدعوى أمام قاضي التحقيق فريد عجيب بعدما ادعت النيابة العامة الاستئنافية في بيروت على م. ح. بجرائم تهديد بالقتل وقدح وذمّ،
وبنتيجة المحاكمة العلنية بعد النقض أمام هذه المحكمة:
حضر وكيل الجهة المدعية المميّز ضدّها، المحامي(…) وكرّر، وطلب ممثّل النيابة العامة ردّ الدفوع ، وتمثّل المتهم المميّز بالمحاميين سعيد الزين وطانيوس أبو أنطوان اللذين كرّرا مآل التمييز وما فيه من مطالب،
وإنّه في الجلسة المنعقدة في 2019/2/17، بعدما صدر قرار بفتح المحاكمة ودعوة المدعي المميّز ضدّه ووكيله لاستيضاحهما، إستمعت المحكمة إلى الأستاذ(…)، وكيل المدعي، فأوضح أنّه هو من تقدّم بالشكوى في الدعوى الراهنة أمام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان… وأنّه ذكر فيها أنّ عنوان المدعى عليه صالح علي عاصي هو في حارة حريك، بناء على المعلومات التي زوّده بها موكّله، واستمهل لاستيضاحه حول هذه المسألة توصّلاً لبيان الأساس الذي استند إليه لتحديد العنوان، في حين لاحظ وكيل صالح عاصي، المحامي سعيد الزين، أنّ رقم الهاتف المذكور في الشكوى إلى جانب اسم المدعى عليه يعود إلى منزله في بيروت شارع فردان،
وإنّه في الجلسة المنعقدة في 2020/1/7 إستمعت المحكمة إلى المدعي الشخصي م. ح.، فأكّد أنّه ذكر أنّ صالح عاصي مقيم في حارة حريك لأنّ هذا الاخير أخبره بذلك، وبأنّه يسكن في بناية كناري، واستمهل لإثبات ذلك، ومن ثمّ، كرّر كلّ من الفريقين، في ما ترك ممثّل النيابة العامة الأمر للمحكمة، فتقرّر الاكتفاء بما ورد في التحقيق وفي الملفّ، وختام المحاكمة وإرجاء القرار إلى 2020/2/11،
وإنّه في 2020/2/4 تقدّم وكيل المدعي بمذكّرة كرّر فيها مطالبه وإدلاءاته وأكّد أنّ إدلاء صالح عاصي بأنّه يقيم في بيروت شارع فردان في العقار رقم 730 قسم 73 منطقة رأس بيروت، مشكوك في صحّته، وطعن في صحّة الإفادة المبرزة والصادرة عن مختار المزرعة، كونه غير مختص مكانياً، وأبرز صورة محضر تحقيق فصيلة الروشة رقمه 302/655 تاريخ 2019/5/13 بعدم العثور على صالح عاصي، وقد صرّح فيه مختار رأس بيروت أحمد يوسف شاتيلا بأنّه لا يعرف المذكور، كما أبرز صورة جدول “مقطوعية إشتراك كهرباء” وأوضح أنّ معدّل المصروف يظهر أنّ عاصي لا يسكن في الشقّة منذ سنوات، اعتبر أنّ اتهامه من قبل الولايات المتحدة بأنّه يدعم حزب الله وفرض عقوبات عليه من شأنه إثبات أنّه يقيم في حارة حريك، كونها معقل الحزب المذكور… وخلصت إلى طلب ردّ التمييز أساساً وإلزام صالح عاصي بدفع خمسمائة مليون ل.ل. كعطل وضرر للتعسف في استعمال الحقّ،
بناءً عليه:
بما أنه وبمعزل عن مدى قانونية قبول طلب التمييز شكلاً وأساساً، فإنّه بنتيجة صدور قرار القبول المنوّه عنه أعلاه، بات من اللازم على هذه المحكمة، بهيئتها الحاضرة، أن تبتّ مذكّرة الدفوع الشكلية التي تقدّم بها وكيل المتهم،
وبما أنّه يتبيّن ممّا تقدّم عرضه ومن معطيات الملفّ، ولا سيّما محضر ضبط المحاكمة الجنائية، أنّ صالح عاصي، قد أوقف غياباً بعدما تعذّر العثور عليه في “حارة حريك” وقد صدر في حقّه قرار اتهام وأحيل إلى المحاكمة أمام محكمة الجنايات في جبل لبنان، التي قرّرت في 2019/3/5 إصدار قرار مهل في حقّه وإرجاء الجلسة إلى 2019/5/27، بعدما كانت قرّرت في 2019/2/25 ردّ طلب استرداد مذكّرة التوقيف الغيابية الصادرة في حقّه، بيد أنّه لم يظهر في الملفّ ما يثبت أنّه أبلغ أصولاً قرار المهل، كما لم يصدر قرار باعتباره فاراً من وجه العدالة ومن ثمّ، ترتيب التداعيات القانونية، ولا سيّما تجريده من حقوقه المدنية ومنعه من ولوج باب القضاء وتقديم أيّ دعوى أو طلب، ما خلا ما يتعلّق بأحواله الشخصية، وفق ما تشترطه المادتان 282 و 283 أ.م.ج.، وبالتالي يكون من حقّ المتهم أن يتمثّل بمحام أمام محكمة الجنايات ليدلي بدفوع شكلية،
وبما أنّ المتهم يدلي بانتفاء اختصاص القضاء الجزائي في جبل لبنان، كونه غير مقيم في نطاق هذه المحافظة والجرائم المنسوبة إليه لم تقع فيه، ولا هو ألقي القبض عليه ضمن نطاقه،
وبما أنّه يتبيّن من أوراق الدعوى أنّ القضاء الجزائي في جبل لبنان، وضع يده على الدعوى موضوع البحث المساقة ضدّ صالح عاصي بنتيجة شكوى م. ح.، إستناداً إلى عنوان عاصي الذي ذكره المدعي في شكواه، وهو “حارة حريك” دون أيّ تفصيل آخر،
وبما أنّه لدى التدقيق في ملفّ الدعوى، وما خلا ما أدلى به المدعي، لم يتبيّن وجود ما يربط الاختصاص المكاني للقضاء الجزائي في جبل لبنان لبتّ الدعوى الراهنة المساقة ضدّ صالح عاصي، في حين أنّ المدعي لم يبرز ما يثبت إدلاءه أمام هذه المحكمة بأنّ صالح عاصي يقيم في حارة حريك- بناية كناري،
وبما أنّ ما أدلى به المدعي في المذكّرة المبرزة بعد ختام المحاكمة، قد ركّز على نفي صحّة إدلاءات المدعي بأنّه يقيم في بيروت شارع فردان البناية القائمة في العقار رقم 730 قسم 74 منطقة رأس بيروت، بيد أنّ المذكّرة لم تتضمّن ما يثبت صحّة وجود محل إقامة لصالح عاصي في حارة حريك أو في أيّ مكان آخر ضمن محافظ جبل لبنان، علماً بأنّ كون المتهم منسوب إليه أنّه يؤيّد حزب الله، لا يعني حتماً وبالضرورة أنّه يقيم في حارة حريك، فيكون هذا الإدلاء مستوجباً الردّ لعدم الجدّية،
وبما أنّه، تأسيساً على ما تقدّم بيانه، ولكون مسألة الاختصاص الجزائي تتعلّق بالنظام العام، يقتضي قبول الدفع بانتفاء الصلاحية المكانية للقضاء الجزائي في جبل لبنان، وإبطال الملاحقة والادعاء وكلّ القرارات القضائية التي صدرت بنتيجته، وردّ الدعوى المساقة ضدّ صالح عاصي لعدم الاختصاص المكاني، وإحالة الأوراق إلى النيابة العامة التمييزية لإيداعها المرجع القضائي المختص مكانياً،
لهذه الأسباب
تقرّر المحكمة بالاتفاق:
1- قبول مذكّرة الدفوع شكلاً،
2- قبول الدفع بعدم الاختصاص المكاني للقضاء الجزائي في محافظة جبل لبنان،
3- إبطال الملاحقة والادعاء وكلّ القرارات القضائية التي صدرت بنتيجته، وردّ الدعوى المساقة ضدّ صالح عاصي لعدم الاختصاص المكاني،
4- ردّ كلّ ما زاد أو خالف من إدلاءات ومطالب،
5- تدريك المدعي المميّز ضدّه م. ح. النفقات القانونية،
6- إحالة الأوراق إلى جانب النيابة العامة التمييزية لإيداعها المرجع القضائي المختص مكانياً،
قراراً صدر وأفهم علناً في 13 شباط سنة 2020 في حضور ممثّل النيابة العامة التمييزية.
“محكمة” – الإثنين في 2020/2/17
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.