خاص”محكمة”: “الفايسبوك” يجمع عائلتين فرّقت الحرب اللبنانية شملهما/جمال الحلو
المحامي جمال الحلو(قاض سابق):
قد تكون أحلامك سقطت في بئر يوسف، لكن كن على ثقة أنّ قافلة العزيز سوف تأتي ..
هذه قصّة غريبة، لكنّها واقعية ولو لم تحدث معي، ما كنت لأصدّقها من غرابتها .
وفي هذه التدوينة سنتعرّف معاً إلى بعض فوائد “الفايسبوك” لمن يحسن استخدامه والتي ربّما قد تُستغرب منها ..
مختصرها التقاء شمل بعد ٤٣ عاماً وقد شتّتت حرب الديار الأخوة ..
عندما تزوّجت في العام ١٩٨٣ لم أكن أتخيّل أنّ الأموات يعودون ، وتاريخ هذه القصّة يعود للعام ١٩٨٣ عندما عقدت قراني على زوجتي أم أبنائي وبناتي ..
ولدى قراءتي لبيان القيد العائلي العائد لوالدها رحمه الله عليه، تبيّن لي أنّ لها شقيقة تدعى (س) متأهّلة من رجل من آل الحلو لم أكن أعرفه آنذاك. وعندما سألت أمّ زوجتي التي توفّيت لاحقاً، عن سبب عدم حضور أخت زوجتي (س) وزوجها وأولادها عقد قراني، أجابتني أنّ (س) وزوجها وأولادها والذين كانوا يسكنون في المنطقة الشرقية في زمن الحرب اللبنانية (لا أعادها الله على لبنان الحبيب) قد ذُبحت وزوجها وأولادها ودُفنوا في مكان غير معروف في العام ١٩٧٥.
وهذه المعلومات استقتها أمّ زوجتي من رجل كانت قد أرسلته بعدما هدأت الحرب اللبنانية نسبياً في العام ١٩٧٧، وعلى هذا الأساس، لم يصرّوا أهل زوجتي في البحث عن إبنتهم وزوجها وأولادها، لأنّ الأموات لا يعودون ظنّاً منهم أنّهم ذُبحوا .
مرّت الأعوام تلو الأعوام، وأنجبت زوجتي أولادنا وزوّجنا البعض منهم ..
في العام ٢٠١٦ قمت بإنشاء صفحة على “الفايسبوك” تحوي الأصدقاء والأحبة ..
وشاءت الظروف والصدف أن قام بعض الأشخاص من آل الحلو بطلب صداقتي، منهم شخص يدعى حسام الحلو، وآخر يدعى سامي الحلو، وغيرهم من آل الحلو الذين عرفتهم من خلال الموقع التواصلي المذكور أعلاه .. وتبيّن أنّ الشابّين متميّزان بحسّ أدبي وعلى درجة رفيعة من الأخلاق والأدب .
كنا على تواصل. ومنذ حوالي العشرة أيّام كنت قد كتبت منشوراً بمناسبة زفاف إبني محمّد حفظه الله ، وبعدها بخمسة أيّام أرسل لي الشاب حسام الحلو رسالة تهنئة على “الماسنجر”. فشكرت لطف عباراته قائلاً: والله إنّي لأحبّك في الله سيّما وأنّ شبهاً كبيراً يجمع بينك وبين إبني محمّد ..
أجابني حسام نعم حضرة الرئيس نحن عائلة الحلو الكرام، ومن الطبيعي أن يكون بيننا شبه ..
ودار بيننا الحوار التالي :
أنا: أين تقيم؟
حسام : في لبنان ، منذ فترة لا بأس بها عدنا برفقة والدتي بعد وفاة والدي في العام ١٩٩٤.. ومنذ عودتنا إلى البلاد ونحن نبحث عن عائلة والدتي التي ماتت حزناً وألماً على فراق أهلها في شهر كانون الأوّل من العام ٢٠١٤.
شعرت بحزن وأسى عندما كان يخبرني قصّتهم .
وإذ بسؤالي العفوي الذي حسم أموراً كثيرة وكشف قصصاً دفينة ..
أنا: ومن أيّ عائلة والدتك؟
حسام: عائلة رضا ..
أنا: ما اسم جدّك؟
حسام: محسن
تدفّق الدم في عروقي بقوّة وتسارعت دقّات قلبي والله على ما أقول شهيد.
سألته: إسم والدتك هو(س)
حسام: نعم
أنا: والدك اسمه (ع الحلو)
حسام: نعم
أنا: وما الذي يثبت صحّة ما تقول؟
أجاب حسام خائفاً: لم تحقّق معي حضرة الرئيس؟
قلت له مهدّئاً من روعه: أجبني ولا تضطرب يا بني ..
وأرسل حسام لي بيان قيد إفرادياً لوالدته يحمل اسمها (س محسن رضا) من مواليد (٣ حزيران ١٩٤١) والذي يتطابق مع مواصفات القيد الذي احتفظ به، وقد أظهره ابني الذي يدرس مادة التاريخ ويؤرشف كافة أوراقي الثبوتية بعدما أشرت له بإحضاره لي .
فتبيّن صحّة وتطابق القيود ..
عندها سألت حسام: هل أنتم ستّة أبناء؟
حسام: عندما خرجنا من الحرب اللبنانية في إحدى الليالي السوداء كنا خمسة أولاد وبنتاً واحدة، وبعد ثلاث سنوات أنجبت أمي أخي الصغير(نادر) خارج لبنان .
أنا: هل تعرف أسماء أخوالك وخالاتك؟
حسام: نعم. وذكر أسماءهم ومن بين الأسماء ذكر اسم زوجتي ..
في هذه اللحظة، شعرت كأنّني في حلم غريب ..
فأرسلت له صورة بيان القيد العائلي لزوجتي، والذي احتفظ به منذ أعوام ..
حسام : هل لي أن أهاتفك حضرة الرئيس لأنّي لم أعد قادراً على الاستمرار بالكتابة ..
أنا: بالطبع ..
أعطيته رقم هاتفي وتكلّمنا، وأثناء المكالمة سألني: ريّس، كيف عرفت كلّ هذه المعلومات عن عائلة والدتي؟
أجبته والدموع تغرورق في عيني: هل تعرف يا حسام ما هي صلة القرابة التي تربطني بك؟
حسام: أنت من عائلتي، ولربّما والدك على قرابة بوالدي ..
أجبته: بل أكثر، هناك صلة قرابة أخرى تربطني بك يا حسام.
حسام: ما هي؟
أنا: أنا زوج خالتك، وجميع أخوالك وخالاتك هم على قيد الحياة ..
في هذه اللحظة علا صوت الصراخ والبكاء
قلت: أذكر لي أسماء إخوتك يا حسام
فذكرهم ومن بينهم صديقي المفضّل سامي الحلو.
والأكثر من ذلك، أرسل لي بياناً عائلياً يعود تاريخه لعام ٢٠١٣ عندما كانت والدته تبحث عن عائلتها … والتي كانت تبحث عنهم في المكان الذي كانت تظنّ أنّهم ما زالوا يسكنوه . وهذا سبب من الأسباب التي حالت دون لقائها بإخوتها والعثور عليهم ..
في هذه اللحظات بكت زوجتي كثيراً وأخذت تكلّم أولاد أختها الذين لم ترهم منذ العام ١٩٧٥ ..
بالأمس، اجتمعنا في منزلي حيث اجتمع الأبناء والأخوال والخالات ، كلٌّ منهم يحتفظ بصور الذكريات القديمة إلى وقتنا الحالي ..
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنّان كلّ الظّن أن لا تلاقيا.
“محكمة” – الثلاثاء في 2018/07/17