القاضي محمّد رضا رعد:
سيّدة العدل،
أستأذنك ببضع كلماتٍ لن توفيكِ حقّاً،
سأبوح بها جهراً تأسياً بمن نطقت بالحقّ دوماً وأبداً، بمن لم تخشَ يوماً لومة لائم.
أبهرتني تلك الشخصية الساحرة في لقائي الأوّل بها في أواخر العام 2010، في مكتب الرئيس العزيز القاضي عمر الناطور، المدير العام لوزارة العدل آنذاك، وذلك إثر مباشرتها مهام رئاسة هيئة التشريع والإستشارات.
وجدتني أمام سيّدة تجمع العلم والحلم، الجرأة والشفافية، البديهة الحاضرة المزيّنة بحسّ الفكاهة الذي وإن يكسر حاجز الرهبة ويزيل المسافات، إلاّ أنّه لا ينسيك أنّك أمام شخصية إستثنائية تفرض احتراماً موصوفاً.
وتوالت اللقاءات، وترسّخت العلاقة، وكثر الزاد بفضلها، وتراكمت الإستحقاقات والتجارب من مرّها وحلوها.
في مجلس القضاء الأعلى صلابة لا تنكسر أمام أيّ تدخّل، وفي اجتماعات القضاة صوتاً للحقّ ومدافعةً شرسة عن الهيبة المفقودة والحقوق المستباحة.
ستنطق جدران محكمة التمييز بكلماتها المحفورة في أصدائها، ستشتاق إلى صوتها الذي لم يقوَ عليه المرض، ستشهد بأنّها لم تسمع يوماً تصفيقاً كذلك الذي دوّى في نهاية مداخلتها، تلك المداخلة التي قالت فيها إنّ المعركة الوحيدة هي “كرامة القضاء”.
سيكون نادي قضاة لبنان شاهداً على نضال وشجاعة عميدة المؤسّسين ودرعهم الحامي.
أما في هيئة التشريع والإستشارات، فتلك قصّة أخرى، قصّة العائلة الثانية التي انتمى إليها الزملاء الأحبّة: أنطوان وجويل وندى وماريز وجورجينا ومحمّد، وأنا، وسائر الموظّفين،
ترى عشقاً في عيونهم الناظرة إليها، يتسابقون في العمل، يجتهدون معها،
لم أرَ يوماً كللاً أو مللاً يتسلّل إليهم،
ما أجمل تلك اللحظات حين نجتمع معها، نتناقش، نتحاور، نتشاور، حتّى الهموم والشجون كانت تتكسّر على عتبة باب مكتبها،
لن أنسى أجمل قبلة، قبلة اليد الطاهرة والحنونة.
هل تعرفون شخصاً لم تعرف الأنا طريقها إليه؟!
هل تعرفون شخصاً يجاهر بخطئه ويرجع عنه؟!
هل تعرفون شخصاً ينكر في تكريمه فضلاً يستحقّه؟!
هل تعرفون شخصاً يقول غيري أحقّ مني برئاسة هيئة التشريع، ولكنّ الطائفية البغيضة حرمته هذا المركز؟!
هذه ماري دنيز المعوشي …
أمّا بعد، فعذراً يا عمر بن الوردي من حكمتك التاريخية:
“لا تقل أصلي وفصلي أبداً إنّما أصل الفتى ما قد حصل
إنّ نصف الناس أعداء لمن ولّي الأحكام هذا إنْ عدل”
فتلك السيّدة جمعت المجدين: مجد الأصل والحسب، ومجد الأفعال والسيرة المشرّفة،
قد تجد حاسداً، قد تجد مرائياً، ولكنّك لن تجد عدواً لمن مشت على الأرض هوناً، ولمن كانت للعدل ظلاً.
ولكنّك صدقت يا بن الوردي في هذا:
“كم من جهولٍ بات فيها مكثراً وعليم بات منها في علل
كم شجاع لم ينل فيها المنى وجبانٍ نال غايات الأمل”
نعم توقّف نبض قلبها المليء بالحبّ والتسامح، واسترجعت الوديعة، ولكن لن يجفّ حبر قلمها الذي خلّد أحكاماً باسم الشعب اللبناني وآراء استشارية باسم العدل والإنصاف،
سيّدتي
باسم الشعب اللبناني
باسم قضاة لبنان الشرفاء
لن تصبحي ذكرى، ستبقين مجداً خالداً في زمن قلّت فيه الأمجاد.
“محكمة” – الأربعاء في 2018/07/25