خاص”محكمة”: مجلس شورى الدولة يعتبر وضع المديرة العامة للأحوال الشخصية بالتصرّف لا يخالف القانون /عصام اسماعيل
الدكتور عصام نعمة إسماعيل:
إن موقعية المدير العام كأداة تنفيذية لقرارات السلطة السياسية تستوجب وجود تناغم وانسجام بينه وبين السلطة السياسية لأن أي صدام بينهما ينعكس سلباً على أداء الخدمة العامة، وفي أحيانٍ أخرى يكون من المناسب تولية شخص ذو كفاءات خاصة موقع وظيفي معيّن لإدارة ملفٍ حساسٍ ترى السلطة السياسية أن من الضروري تعيين شخصٍ محدد في هذا الموقع. ومن أجل حلّ هذه المعضلة في مواقع الفئة الأولى الوظيفية، عمد المشترع إلى إقرار مشروع القانون المنفّذ بموجب المرسوم رقم 3169 تاريخ 1972/4/29 الذي أجاز لمجلس الوزراء وضع أي موظف من موظفي الفئة الأولى بتصرف رئيس مجلس الوزراء أو الوزير المختص، وهذ التدبير ليس له طابع العمل التأديبي إنما هو تدبير إداري يقرره مجلس الوزراء سنداً للمادة 65 من الدستور التي منحته صلاحية الإشراف على أعمال كل أجهزة الدولة بلا استثناء…. وتعيين موظفي الدولة وصرفهم وقبول استقالتهم وفق القانون، وسلطة الإشراف هذه تستتبع سلطة اتخاذ القرارات الملائمة لحسن سير الإدارات العامة المذكورة، بما فيها صرف الموظفين. ولقد بيّن مجلس شورى الدولة حدود صلاحيات مجلس الوزراء في شؤون صرف الموظفين عندما قضى أن لمجلس الوزراء صرفهم (أي أعضاء مجالس الإدارة) عند الاقتضاء اذ تبين له من خلال إشرافه على عمل الهيئة الذي يمارسه عملاً بالبند (2) من المادة 65، بأنه لا يحقق المصلحة العامة او الغاية المطلوبة من المرفق العام “(مجلس القضايا القرار رقم 1046 تاريخ 2018/7/9 مجموعة شركات جودة Applus/ هيئة إدارة السير والمركبات والآليات).
وضمن صلاحية صرف الموظفين المقيّدة بالقانون، أوجد المشترع تدبيراً مؤقتاً هو الوضع بالتصرف وهذا التدبير هو تدبير إداري غايته تحقيق المصلحة العامة وليس إجراءاً تأديبياً أو عقوبة مقنعة كما كان يعتبره مجلس شورى الدولة في اجتهاده السابق، عندما أبطل قرارات مجلس الوزراء تاريخ 2001/12/11 (والرامية إلى وضع 12 مدير عام بالتصرف، علّل المجلس أحكامه بأن الوضع بالتصرف عقوبة مقنعة وله الطبيعة التأديبية، وكأي إجراء تأديبي كان على مجلس الوزراء منح المدراء العامين ممارسة حق الدفاع وهو إذ لم يفعل كانت قراراته مشوبة بعيب إجرائي يوجب إبطالها (م.ش. قرار رقم66 تاريخ 2001/10/24 – سعد خالد/الدولة، والقرار رقم 14 تاريخ 2003/10/14 – نقولا نصر/الدولة، والقرار رقم 479 تاريخ 2002/5/7 – محمد عبيد/ الدولة).
في هذه القرارات، تجاوز مجلس شورى الدولة نطاق القانون، وتدخّل بعمل السلطة التشريعية عندما غيّر وصف الوضع بالتصرف من تدبيرٍ إداري إلى تدبير عقابي خلافاً لنية المشترع الذي نزع صراحةً عن تدبير الوضع بالتصرف الطابع التأديبي، وهذا ما يخالف المبادئ العامة للقانون التي تعطي السمو لمبدأ المشروعية على المبادئ القانونية الأخرى (م.ش. قرار رقم 265 تاريخ 2003/1/23 المؤسسة اللبنانية للعلوم التجارية/ الدولة)، وكذلك يتعارض مع اجتهاد المجلس الدستوري الذي قضى بأنه لا يصحّ تقييد سلطة مجلس الوزراء بقوانين يسنّها المشترع وان تناولت تنظيم الوظيفة العامة عندما يكون من شأن هذه القوانين الانتقاص من هذه السلطة او فرض شروط مقيّدة لممارستها (م.د. قرار رقم 2001/1 تاريخ 2001/5/10).
إن الاعتبارات المشار إليها، دفعت مجلس شورى الدولة بموجب قراره رقم 2018/362- 2019 تاريخ 2019/1/15 إلى إعادة تصويب النظرة إلى تدبير الوضع بالتصرف، فعمد إلى الانطلاق من اجتهاده السابق لناحية تعريف العقوبة المقنعة ثمّ بيّن إن المرسوم الوضع بالتصرف ليس عقوبة طالت مدير عام الأحوال الشخصية، بل قضى أن هذا المرسوم:” لا يعدو كونه عملاً إدارياً بحتاً اتخذته الإدارة لحسن سير وتنظيم المرفق العام بعيداً عن كل نية زجرية وليس له بالتالي الصفة التأديبية ولا تنطبق بشأنه الضمانات المتعلقة بالتدابير التأديبية لا سيما حق الدفاع”.
“محكمة” – الاثنين في 2019/1/28
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.