محطّات في تاريخ نقابة المحامين في بيروت/وليد أبو دية
إعداد وتوثيق المحامي وليد أبو دية:
حقبات ومحطات حافلة بالأحداث مرت بها نقابة المحامين: فما من موقف او حدث كبير يترتب عليه نتائج تمس الوطن إلا وكان لنقابة بيروت موقف وقرار.
فبتاريخ 1921/7/30 انعقدت الجمعية العمومية برئاسة النقيب ألبير قشوع تقرر على اثرها تحديد رسم قيد المحامي في الجدول بعشر ليرات لبنانية، والرسم السنوي بخمس ليرات، وان يكون طراز الروب الخاص بالمحامين من طراز روب المحامين الفرنسيين.
وبعد ان استقام الأمر للسلطة المنتدبة في لبنان لم تكتفِ بما أجرته في أجهزة القضاء والقضاة، بل عمدت الى “فرنسة” القضاء عبر تشكيل محاكم قضاتها فرنسيون يحكمون في كل دعوى أحد اطرافها أجنبي تارة، وطوراً بإدغام قضائي في قضاء مختلط بين قضاة فرنسيين ووطنيين سادته الغالبية الفرنسية، ينظر في جميع القضايا.
فما كان من نقابة المحامين إلا أن هبّت منذ الخطوة الأولى من هذا المشروع المخطط، وبجميع أعضائها، إحتجاجاً على تلك الخطوة مطالبة بإلغائها لما فيها من إجهاز على لغة البلاد ومن طعنة في صميم القضاء الوطني ونزع الثقة منه، فأعلنت الجمعية العمومية الإضراب العام بين المحامين، ونفّذ الاضراب اكثر من مرة خلال عدة سنوات في تلك الفترة.
هذا وعلى الرغم من ان هذا الشكل الجديد من القضاء الاجنبي كان في مصلحة المحامين اصحاب شهادات الحقوق لسهولة المرافعة عندهم باللغة الفرنسية، فقد برهنوا تضامنهم المطلق مع زملائهم احتراماً لرأي النقابة، وعلى تقديسهم مصلحة الوطن، واستنكار كل ما يمسّ عزته وسيادته.
* إعلان الاضراب الثاني للمحامين عام 1924:
لم تغفل النقابة عن السهر على حقوق المحامين وصيانة كرامة المحاماة، ولا حتى عن القيام بتجسيد الاحترام المتبادل بينها وبين القضاء.
وما وقع اعتداء على محامٍ، اياً كان مصدره، الا وبادرت للدفاع عنه وعن كرامة المحاماة.
ففي عام 1924 وبينما كان النقيب وديع نعيم يراجع النائب العام الفرنسي في قضية كانت في عهدته، قابله هذا القاضي بعبارة نابية، عدّها النقيب نعيم تحقيراً له اثناء قيامه بعمل من اعمال المحاماة. فأسرع الى دار النقابة ودعا اعضاء مجلسها وأوقفهم على ما بدر من القاضي ضده. وكان قد اجتمع معظم المحامين على خبر هذا الحادث غاضبين لكرامتهم ولكرامة المحاماة، فقرروا التوقف عن دخول المحاكم واعلان الاضراب العام الى ان يعتذر القاضي في دار النقابة عما بدر منه.
فما انقضى وقت العمل في ذلك اليوم، حتى كان هذا القاضي في دار النقابة يقدم اعتذاره على الملأ الى أن هدأت النفوس.
* الاضراب الثالث للمحامين – 1943:
ما اجتمعت النقابة مع السياسة في تلاقٍ مرة إلاّ حين كانت النقابة ترى نفسها في موقف دفاع واجب ضد سياسة تحاول الافتئات على حق من حقوق النقابة او حقوق احد أبنائها، فما كانت تخرج من ذلك الموقف إلا ظافرة لأن الحق شعارها.
بيد ان هنالك موقفاً جمع النقابة والسياسة على صعيد واحد في موقف نادر ورهيب، اذ استيقظت العاصمة بيروت صبيحة الحادي والعشرين من شهر تشرين الثاني عام ألف وتسعماية وثلاثة وأربعين على حادث جلل هزّ لبنان من أقصاه إلى اقصاه، هو انتزاع رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري من منزله فجأة وفي ظلام الليل، واعتقاله مع رئيس الوزراء وغيرهما من الوزراء والزعماء الوطنيين من قبل السلطة الفرنسية المنتدبة. فقامت البلاد وما قعدت، وأقفلت المتاجر في العاصمة والمدن وساد القلق في النفوس.
وبما للنقابة من دور في تدعيم الاستقلال اللبناني والميثاق اللبناني، ميثاق التعايش بين الأُسر الروحية، فكان من الطبيعي ان يثور المحامون لهذا الحدث الخطير. ومَن أولى من المحامين بذلك وهم طليعة جنود الحرية والحق بالتحسس بالروح الوطنية وبذل الارواح في سبيل حرية الوطن واستقلاله وسيادته.
تألّب المحامون في اليوم التالي في قاعات النقابة وكل انحاء قصر العدل ثائرين، وعقدوا جمعية عمومية قرروا فيها وبالإجماع اعلان الإضراب العام، وابلغوا قرارهم ممثلي فرنسا وأنكلترا واميركا وسائر الدول.
بقي الاضراب مستمراً، إلى أن أُفرج عن كل المعتقلين واستعادت البلاد حريتها السياسية وسيادتها الوطنية في جو عابق بأريج النصر والإبتهاج والكرامة. انه وجه من وجوه النضال الذي خاضت النقابة غمراته من اجل وطن سيّد حر ومستقل.
فالاضراب الذي نفذته النقابة بعد الاعتداء الذي وقع على استقلال لبنان يوم أنزلت الحكومة الفرنسية وحدات عسكرية على شواطئه بحجة حماية الرعايا الفرنسيين المقيمين آنذاك في لبنان، والذين كانوا يقومون بمظاهرات عدائية ضد الحكومة اللبنانية، يصبّ ايضاً في الخط الوطني الذي اتبعته نقابة المحامين منذ تأسيسها.
وتقديراً لدور النقابة الطليعي في معركة الاستقلال، قررت الحكومة في عهد الرئيس بشارة الخوري منح نقابة المحامين مدالية الجهاد الوطني وهي مدالية فخرية على درجة واحدة، منشأة بالقانون الصادر في 19 تشرين الثاني 1945 والتي تمنح لمن جاهد في سبيل لبنان اثناء حوادث 1943/11/11 .
وهذا النضال الذي قادته نقابة المحامين لم يقتصر على الساحة اللبنانية، بل تخطاه الى كل ساحة عربية اخرى تتعرض للإعتداء وفي طليعتها القضية الفلسطينية.
فالنقابة وقفت من هذه القضية موقفاً يتصف بالطابع القومي، ويتميز ببعد النظر حين اقترحت بتاريخ 1947/8/25 على المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب إرسال برقية احتجاج الى هيئة الامم على ما يدبر لفلسطين. وكان ذلك قبل اربعة اشهر من اعلان قرار تقسيم فلسطين.
وفي الموضوع نفسه بعثت النقابة ببرقية إحتجاج الى هيئة الامم محمّلة المجتمع الدولي الذي تمثل خطورة ما يحصل على ارض فلسطين.
* اضراب المحامين عام 1951 في عهد النقيب نجيب الدبس أو ما يُعرف بإضراب قانون الاحوال الشخصية قانون نيسان 1951 (القانون المدني):
على اثر هذا القانون عقد اجتماع موسّع في بكركي لبحث مسألة الزواج المدني في لبنان وإمكانية تطبيقه، ولم يكن ثمة إجماع عليه من الطوائف.
وبما انه لا يوجد قانون في لبنان ينظم هذا الزواج، كما انه لا يمكن للقاضي الخروج عن النص الواضح والصريح، فإنه لا يمكنه ايضاً إقرار ما لا قانون له، وتحديداً في مسألة الزواج، اذ لا بد من نصوص تنظم هذه العلاقة لناحية الحقوق والواجبات، وأي كلام خارج هذا الاطار يصبح عبثاً.
تم وضع مشروع قانون للأحوال الشخصية أقرته اللجنة التشريعية داخل النقابة آنذاك، وقد احالته وزارة العدل الى مجلس الوزراء حيث بقي عالقاً. وانطلاقاً من ذلك انعقدت جمعية عمومية غير عادية في نقابة المحامين في 1951/10/20 وطالبت الدولة بإقراره مبقية اجتماعاتها مفتوحة.
رفع المحامون درجة احتجاجاتهم، فأخذت الجمعية العمومية قراراً بالإضراب العام اذا لم تحل الحكومة وقبل 12/1/1952 المشروع للسلطة التشريعية تمهيداً لإقراره.
في 1952/1/10 ورداً على ما اعتُبر تسويفاً في قبول الاصلاحات، أذاع النقيب نجيب الدبس بياناً أعلن فيه الإضراب العام الى حين إحالة المشروع.
وهذا البيان جاء لاحقاً لعدة جهات:
1 – أسباب الاضراب أوضحها البيان على ان الإضراب ليس بحثاً عن منفعة خاصة للمحامين، وانما هو موقف حازم في قضية تهم جميع اللبنانيين على السواء ويتناول اقدس ما عندهم من شؤون.
2 – ان موقف النقابة لم يكن موجهاً ضد الدين، فكان الهدف يرمي الى تنظيم صلاحيات المحاكم لحسن سير العدالة دون التعرض للعقائد الدينية.
وهذا الرد ربما جاء على خلفية المواقف او التحفظات التي ابدتها نقابة طرابلس والتي نقلت عنها الصحافة اعتراضها ليس فقط على الاضراب، بل على فكرة وضع قانون عام للأحوال الشخصية… لا بل نقلت عنها الصحافة في حينه إعلانها بأن النقابة في طرابلس ستُضرب إذا أُقرّ المشروع المقدم من نقابة محامي بيروت.
3 – يسجّل ان المحامين اعطوا مطلبهم مرتبة القداسة بقولهم ان القضية تناولت اقدس ما عند اللبنانيين من شؤون. وهذه القدسية حتّمت عليهم المضي في إضرابهم الى النهاية يقيناً منهم بنجاح قضيتهم المحقة.
إستمر الإضراب لأشهر، وقد كان امام تحرك النقابة في بيروت عوائق ثلاثة:
1 – موقف نقابة طرابلس الرافض للإضراب والذي كانت له ربما أرضية طائفية معينة.
2 – وهو الأخطر، وقوامه الحراك الطائفي المضاد..
3 – وهو موقف الحكومة الذي عبّر عنه آنذاك وزير العدل رشيد كرامي المتمثل بعدم اتخاذ اي موقف ما دامت وجهات النظر متباعدة.
يُذكر بأن موقف المحامين كان للحدّ من شرعة سياسية تنال من صلاحيات الدولة وسيادتها.
* اضراب المحامين عام 1961 في عهد النقيب فيليب سعادة:
في نيسان من العام 1961 اعلنت نقابة المحامين في بيروت، الإضراب احتجاجاً على إنشاء معهد الحقوق العربي التابع لجامعة بيروت العربية، وأعلنت النقابة انها لن تتراجع عن إضرابها قبل إقفال المعهد والإلتزام بحصر تعليم الحقوق فقط في فرعي الجامعة اللبنانية:
– الفرع الأول يُعنى بشؤون كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية.
– والثاني يُعنى بشؤون كلية الحقوق التي تتولى ادارتها جامعة القديس يوسف.
استمر الإضراب ما يقارب التسعة اشهر، سقطت خلالها حكومتان.
في ذلك الحين كان النقيب فيليب سعادة مصراً على الحفاظ على مستوى تدريس الحقوق، معتبراً ان اضراب النقابة لم يكن إضراباً طائفياً، وانما من اجل الحفاظ على المستوى، واعتبرت النقابة أن المعهد غير شرعي، وطالبت الحكومة بعدم الترخيص له، وقد رفض النقيب سعادة الحل الحكومي الذي كان يقضي بقبول النقابة إنشاء معهد للحقوق في جامعة بيروت العربية، مقابل تنفيذ هذه الاخيرة لشروط تراها النقابة مجدية…
بقي النقيب سعادة متمسكاً بمطلبه دون قيد او شرط الى ان وجّهت الحكومة دعوة لإقرار مشروع قانون تنظيم التعليم العالي.
التزم 650 محامياً ينتسبون الى نقابة بيروت بالإضراب، فتوقف العمل في المحاكم كلها باستثناء متابعة التحقيقات التي يجريها قضاة التحقيق.
إعلان الاضراب لم يؤثر على قرار حكومة الرئيس صائب سلام الذي أكّد ان معهد الحقوق في الجامعة العربية لن يقفل.
تخوّف وزير التربية آنذاك كمال جنبلاط من زعزعة العلاقات بين لبنان والجمهورية العربية المتحدة، فطرح حلاً يقضي بتحديد عدد المحامين عبر تحديد عدد المتخرجين.
بقي الطرفان على موقفهما، النقابة والحكومة، في ظل دعوة بعض المحامين الى فض الإضراب رفضاً له.
إعتبر المحامون المعارضون انه لا يجوز لقرارات النقابة ان تتناول اموراً خارجة عن مصلحة المهنة، ودعوا الى استئناف العمل في المحاكم، فأحال النقيب سعادة المحامين الخارجين عن الإضراب الى المجلس التأديبي.
ومع تفاقم الأزمة بلغ عدد الدعاوى المجمدة أكثر من ثلاثين ألف دعوى.
في تلك الاثناء نفّذ الحزب السوري القومي الاجتماعي محاولة انقلاب على حكم رئيس الجمهورية آنذاك اللواء فؤاد شهاب، وكان المجلس النيابي بالمقابل قد أقرّ قانون تنظيم التعليم العالي. فاضطر النقيب سعادة في حينه الى دعوة الجمعية العمومية كي لا يسجل على نقابة المحامين إحراجها للسلطة الشرعية.
وبالفعل اجتمعت الجمعية العمومية في نقابة المحامين بتاريخ 18/كانون الثاني/1962 في قاعة محكمة الجنايات في قصر العدل القديم الذي أصبح اليوم مجلس الإنماء والإعمار، وذلك على وقع النشيد الوطني اللبناني، وجرى وضع حدّ للإضراب الذي استمر زهاء تسعة اشهر، رغم تمسك النقابة بكل قواها بمطلبها المقرّر في جلستيها بتاريخ (15 نيسان و10/آب 1961) كل ذلك خدمةً للبنان وللإنسانية والعدالة.
وتجدر الاشارة الى ان النقابة في مواقفها الوطنية، عرفت كيف تفرّق بين العمل الوطني والعمل السياسي. وهذا التفريق بين العملين كان ولا يزال صمام الامان والدرع الواقي لوحدة المحامين حتى في اشد المحن التي مرت بها البلاد.
ففي كل مرة تعرّض فيها لبنان او اية دولة عربية لاعتداء اسرائيلي، كان يقابلها إجماع المحامين على الشجب والاستنكار، وعلى تحريك الهيئات والمنظمات الدولية بدءاً بهيئة الامم المتحدة، وذلك بتوجيه البرقيات الى الدول الكبرى واتحادات المحامين في العالم، يدعون فيها الى مساندة الحق والعدل في المجتمع الدولي كشرط من شروط السلام.
ويعتبر موقف النقابة من الحرب اللبنانية التي استمرت سبعة عشر عاماً، الامتحان الأكبر والأعسر لوحدة القرار الوطني داخل نقابة المحامين في بيروت.
وهذا النهج الوطني السليم عبّرت عنه مجالس النقابة بالقول والفعل. فمع ولاية النقيب روجيه شيخاني في شهر تشرين الثاني 1974 كانت بوادر الحرب بدأت تطل.
ومنذ اندلاع الحرب، ولم يكن قد مضى على انتخابه اكثر من بضعة اشهر، راح النقيب شيخاني، وانطلاقاً من قصر العدل يسهر بكل ما اوتي من اخلاص ووطنية، مدعوماً بأعضاء مجلس النقابة والمحامين، على حماية وحدة النقابة كمثال حي لوحدة الوطن. وقد كان نضال النقابـــــــة
في تلك المرحلة، نضالاً مريراً، وقاسياً ومحفوفاً بالمخاطر. إذ كان على النقيب ورفاقه في النقابة، من أعضاء وموظفين، أن يحموا قصر العدل ومركز النقابة بكل ما فيهما من ملفات ووثائق، من القصف والسرقة، وان يظلوا همزة الوصل الدائمة بين المحامين المتباعدين قسراً لتصان وحدة الوطن من خلال وحدة النقابة.
فالنقيب شيخاني، وفي اكثر من مناسبة عبّر عن هذا الواقع البشع وعن تصميمه على التصدي له اياً كان الثمن والتضحيات. الأمر الذي حمل وزير العدل الى توجيه رسالة شكر وتقدير لجهود النقيب والنقابة، والتي لولاها لما بقي للعدالة قصر، ولما بقي للقصر حرمة.
وكان النقيب شيخاني لا يتوانى في كل مناسبة، عن دعوة زملائه المحامين وسائر المواطنين الى التمسك بالقوانين وبالأخلاق، وهي الدرع الواقية لبقاء لبنان. وقد كُلّــل نضال النقيب شيخاني بانتقال الولاية الى النقيب عصام خوري بحيث جرى انتخابه في 1981/11/15 فكان يوماً وطنياً ونقابياً مشهوداً عبّر فيه المحامون عن تمسكهم بالحرية والديمقراطية.
ومن اقوال النقيب شيخاني في ذلك اليوم ما جاء في خطابه الوداعي:
“حضرة الزملاء الكرام نرحب بكم في داركم دار العدل والقانون أخوة مجتمعين موحدين رائدكم الدفاع عن الحق وموقفكم ثابت لا يتزعزع، لم تبدله الظروف العصيبة القاسية التي مرت وتمر ببلدنا العزيز، هذه الظروف التي قضت على اشياء كثيرة فيه الا على الانسان الحرّ المؤمن بربّه ووطنه والحق الممثل بكم افضل تمثيل يا رجال القانون.
“ان مجلس نقابتكم مرّ ويمرّ معكم في هذه الظروف القاسية، قاسى ويقاسي معكم ويتألم لآلامكم فهو منكم ولكم. ولم تكن هذه الظروف الا لتزيد مجلس نقابتكم قوة وتضامناً في وقت تفككت فيه معظم المؤسسات. فارتفع مجلس نقابتكم فوق كل التناقضات واتخذ من الحرب والفلتان الامني حافزاً لإبقاء المحامين في اطار الدور الانضباطي القدوة الذي عرفوا به منذ تأسيس النقابة.
“كما قام بالدور المسند اليه في تسيير الاعمال النقابية غير عابىء بالأخطار.
ايها الزملاء الكرام، انه لا بد لنا من ان نضع امام جمعيتكم المحترمة على سبيل المثال لا الحصر بعض ما قام به مجلس نقابتكم:
“1 – كانت نقابتكم اول من نادى عالياً بسلطة الدولة وسيادة القانون وحرية الفرد ووحدة الوطن في تصاريح عديدة نشرت مراراً في ظروف غاب فيها القانون وتفككت السلطة.
“2 – دعا مجلس النقابة الى مؤتمر وطني عقد في 1976/2/26 في دار النقابة كما وجّه الدعوة اكثر من مرة الى نقباء الاطباء والمهندسين والصيادلة وغيره الا ان الظروف لم تساعد على نجاح هذه المؤتمرات والمحاولات بسبب اختلاف وجهات النظر.
“3 – طالب مجلس النقابة منذ بداية الاحداث بنزع السلاح لأن العنف يولد العنف ويعقد الامور بدلاً من ان يحلها واجرى اتصالات بشأن ذلك الا ان الظروف لم تساعد على تحقيق ما طالب به.
وطلب مجلس النقابة ملاحقة ومعاقبة كل من اعتدى على محامٍ بشخصه وحريته وممتلكاته. أعطت النقابة المواطنين مثلاً نموذجياً حول الوحدة الوطنية ببقائها وحدة متماسكة تصلح ركيزة ضخمة اساسية لبناء وطن.
تولت النقابة في ضوء الظروف العصيبة التي مرت قبها البلاد حلّ الصعاب التي كانت تواجه المحامين على اكثر صعيد.
حرصاً منه على مصالح المحامين والمواطنين، بذل مجلس النقابة جهوداً في سبيل حماية بناء ومحتويات النقابة وقصر العدل والسجل التجاري ووزارة العدل، ونجح فيما رمى اليه. وقد وجه وزير العدل كتاب شكر للنقيب والنقابة اعترافاً منه بهذه الجهود.
وبنتيجة اجراء العملية الانتخابية، أُعلن فوز الاستاذ عصام فؤاد الخوري نقيباً جديداً للمحامين.
وان اهم ما أنجزه النقيب عصام الخوري في عهده على الصعيد الوطني، وفي الخط الذي سار عليه النقيب شيخاني من قبل، يجب ترجمته بإيجاز كلي، في ما يأتي:
رغم ان تلك الحقبة حفلت بأحداث جسام، وكانت مسرحاً لمآسٍ متعددة، إن على صعيد الانسان، او على صعيد الوطن، فإن نقابة المحامين، عبرت، بالافعال والمواقف والشهادات، عن لبنان الحرية والديمقراطية والانفتــــــــــاح والقانون. ففي تشرين الثاني 1981: جرت الانتخابات بعد سبع سنوات من الامتناع القسري مع تمديد ولاية النقيب شيخاني بالمرسوم الاشتراعي 77/42 خمس سنوات، فكانت من سنة 1974 الى سنة 1981. وقد شهد قصر العدل مظاهرة وطنية كبيرة، تمثلت بحضور اكثر من الف محامٍ، من جميع المناطق والطوائف والاحزاب، توافدوا متخطين كل الحواجز والعوائق، للمشاركة في انتخابات ديمقراطية، هي الرد الأمثل على اجواء الارهاب والعنف والقتل السائدة في تلك المرحلة.
لقد كانت هذه الانتخابات تعبيراً اصيلاً عن الديمقراطية اللبنانية، وقد نتج عنها فوز كل من: الاستاذ عصام فؤاد الخوري نقيباً، والاساتذة ميشال خطار، محمد شهاب، فايز نصولي، محمد الساحلي، ميشال ليان، جورج ملكي، مرسيل سيوفي، عصام كرم، أمين خوري، سمير حايك وفيكتور ضو أعضاء.
وفي حزيران 1982، وعندما اجتاحت اسرائيل جنوب لبنان وصولاً إلى العاصمة بيروت، كان لنقابة المحامين الموقف الحرّ الذي تمثل ببيان يدين فيه الاحتلال الاسرائيلي ويطالب برفع الحصار عن بيروت وإنقاذ لبنان من الصراع الاقليمي والدولي القائم على ارضه.
غير ان النقيب عصام الخوري، وبسبب تعيينه وزيراً بتاريخ 1982/10/7 لم يتمكن من اكمال ولايته، فحل محله بالوكالة أمين سر النقابة الاستاذ محمد شهاب.
وقد تابع المجلس دوره النقابي والوطني بتضامن ومسؤولية، خلال الظروف الصعبة نفسها. وكان له الموقف الرصين والواعي اثناء انعقاد مؤتمريّ جنيف ولوزان، إذ تقدم بإسمه وبإسم نقابات المهن الحرة، بمذكرة حول آرائه وتطلعاته بشأن عمليتي الاصلاح والوفاق الوطني.
بل يمكن القول بأن تلك الفترة التي تولى فيها الاستاذ محمد شهاب مقاليد النقابة بالوكالة كانت من اصعب الفترات التي عاشها لبنان، اذ كان الاحتلال الاسرائيلي قد امتد إلى اكثر من منطقة من مناطقه وكان التنقل بينها صعباً، ومع ذلك ما انقطع العمل في نقابة المحامين. بل بقيت البيت الذي يلوذ به المحامي في كل ما يخصه او يهم الوطن.
وإزاء الاوضاع المصيرية التي كانت تجابهها البلاد، كان لنقابة المحامين المواقف الوطنية تجاه كل حدث والتي كان يعبّر عنها مجلس النقابة او الاستاذ محمد شهاب باعتبار ان ذلك من ضمن رسالتها وواجبها القانوني في الدفاع عن الحريات وسيادة القانون.
فمن دعوة الى دعم الشرعية والحوار المخلص بين ابناء الوطن، الى استنكار للتعدي على الجيش اللبناني، واحتجاز الوزراء، الى استنكار للتهجير والمجازر، الى تأييد للحوار ووقف إطلاق النار.
وفي نطاق الدعوة للحوار، دعت نقابة المحامين، نقباء المهن الحرة الى لقاء في دار النقابة وبحثت الخطوات الآيلة الى تحقيقه.
ولذلك عندما شاء فخامة رئيس الجمهورية آنذاك أمين الجميّل استشارة نقابات المهن الحرة حول مؤتمر الحوار الوطني لبّت النقابة الدعوة وشاركت مع تلك النقابات في مقابلة فخامة الرئيس وفي شرح تصوراتها لوضع لبنان ومطاليب اللبنانيين، ثم وضعت النقابة مع باقي النقابات مذكرة واحدة بعد عدة اجتماعات عقدت في دار نقابتنا ورفعت المذكرة الى فخامته بتاريخ 27/10/1983 وقد تضمنت عرضاً للوضع الراهن وسبل مواجهته ومرتكزات الوفاق والمطالب الملحة للبنانيين والمبادىء الرئيسية التي يتوافقون عليها.
بالعودة الى تلك المبادىء الواردة في مذكرة النقابات يتبين انها تكاد تكون ذاتها التي وردت في ميثاق الطائف والدستور اللبناني الجديد.
ولم يقتصر دور النقابة على الداخل، بل اثارت الوضع اللبناني في مختلف الاجتماعات التي عقدها المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب، والاتحاد الدولي للمحامين.
ففي المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب الذي عُقد في الجزائر بين 19 و22 كانون الثاني 1983 اصدر المكتب الدائم توصية حيّا فيها “الشعب اللبناني البطل الذي قدّم كل غالٍ ونفيس والذي عمل ويعمل بإصرار في سبيل المحافظة على وحدة التراث اللبناني واستقلاله ومبادئه ودعا المكتب المسؤولين في الدول العربية لتقديم الدعم المخلص للبنان والمساهمة في اعادة بناء مؤسساته ومدنه وقراه التي دمرت او نكبت بفعل الغزو الاسرائيلي…”.
وفي المكتب الدائم الذي عقده الاتحاد الدولي للمحامين في اللوكسمبورغ بتاريخ 1983/7/3 اتخذ المكتب قراراً يتعلق بدعم لبنان هذا نصه:
“ان اعضاء الاتحاد الدولي للمحامين المجتمعين في اللوكسمبورج بتاريخ 3 تموز 1983 يجددون لزملائهم المحامين اللبنانيين التعاطف الكبير معهم ويؤكدون ثقتهم بهم ودعمهم لهم في المعركة التي يخوضونها من اجل السلام والحرية واستقلال بلدهم ونقابة المحامين في لبنان”.
كما كان لمجلس النقابة، وعلى رأسه الاستاذ شهاب الموقف الوطني الرصين اثناء انعقاد مؤتمري جنيف ولوزان ان تقدم بإسم المهن الحرة وبإسمه بمذكرة تتضمن تصوره لعمليتي الاصلاح والوفاق الوطني.
وهذا ما نوّه به النقيب عصام الخوري في حديثه عن تلك المرحلة.
وما شهدته البلاد على الصعيدين الامني والوطني في عهد النقباء السابقين بدءاً بالنقيب شيخاني، لم يطرأ عليه جديد في عهد النقيب عصام كرم الذي انتخب وتسلم ولايته في شهر تشرين الثاني من العام 1983 اذ تميزت تلك الفترة ايضاً بالدقة على الصعيد الوطني.
فقام في كل الاوساط اللبنانية فرق من التشرذم. وقام، في المقابل، حرص في اوساط نقابة المحامين على تغليب الشأن العام على الشأن المهني تحت عنوان الحفاظ على وحدة النقابة يفضي الى الحفاظ على وحدة الوطن.
وكان صوت النقيب ومجلس النقابة يرتفع ناطقاً بالحق والعقلانية في زمن الاقتتال وعهد السواتر والمعابر.
وقد اضحت بيانات النقابة شعارات رادعة ومسؤولة في تلك الحقبة نورد منها:
“نحن نؤمن بوحدة لبنان وطناً سيداً حراً مستقلاً منفتحاً على العرب انفتاح التفهم والسماح والعقلانية.
“المحاماة حمى لقيم هي الحرية والديمقراطية والانفتاح، والمحاماة ندوة فضلى، متعافية لممارسة هذه القيم.
“نأمل بأن تكون السواتر الترابية التي تم نزعها عن طريق المتحف البربير آخر مظاهر العمل على الفصل بين اللبنانيين وآخر آثار خطوط التماس في العاصمة الواحدة”.
وفي استقبال تظاهرة المعاقين امام قصر العدل، وهي التظاهرة التي اخترقت خطوط التماس، قال النقيب كرم متوجهاً الى المعاقين:
“ما انتم المعاقون. المعاقون هم الذين صيّروكم معاقين”.
ونود الاشارة الى ان عهد النقيب عصام كرم منذ انتخابه نقيباً وحتى انتهاء ولايته الممددة لسنتين، كان الشأن الوطني من اولويات اهتمامات النقيب ومجلس النقابة. وقد تجلى هذا التركيز على الشأن الوطني وقضايا الساعة بصورة اخص في البيان الختامي الذي اصدره المجلس في نهاية الخلوة التي عقدت من 27 الى 30 ايلول 1984 في فندق هاي هيل في بكفيا، والذي نقتطف منه الفقرات الآتية:
“عقد مجلس نقابة المحامين خلوته لسنة 1984 في فندق “هاي هيل” نعص بكفيا من 27 الى 30 ايلول 1984 برئاسة النقيب عصام كرم وحضور الاعضاء الاساتذة: أمين السر “محمد الساحلي”، أمين الصندوق جورج ملكي، مفوض قصر العدل فكتور ضو، محمد شهاب، ميشال خطار، ريمون عيد، مرسال سيوفي، ميشال ليان، سمير ابي اللمع، الياس حنا وسليم غاريوس.
وتداول المجلس في الشأن العام في لبنان، إنطلاقاً من كون نقابة المحامين تسهم في الخدمة العامة. فضلاً عن ان لها رأيها التوجيهي في المسيرة الوطنية.
كما تداول المجلس في الضمانات الاجتماعية للمحامي وفي تعديل بعض قوانين النقابة وانظمتها. وتوقف مجلس نقابة المحامين عند الاخطار التي يواجهها لبنان وعند المخاطر التي تواجه مسيرة خلاصه من هذه الاخطار. وتطلع المجلس بقلق الى الخسارة التي نزلت، وما تزال، بالقيم اللبنانية وبالأخلاق. كما نظر المجلس باهتمام في كيفية وقف التدهور الامني المتمادي وفي سبل النهوض بالبلاد وبهمم اهلها ومعنوياتهم بغية استعادة لبنان وطناً ودولة، ارضاً واستقلالاً، قيماً واخلاقاً واقتصاداً ومؤسسات.
وتمنى المجلس ان تستعيد المؤسسات الركن دورها الفاعل في استنهاض همم المواطنين للعمل على ترسيخ الثقة في النفسية العامة بأن لبنان وطن يحمل في ذاته كل مقومات الحياة وبأن الشعب اللبناني لم يفقد أمله، على رغم الذي صار منذ سنة 1969، بأن المستقبل سيكون محطة إيمان وواحة رجاء في المسيرة الطويلة. فالأوطان لا تبنى عفواً. انها بنت المعاناة. والتاريخ كان دائماً ابلغ معلم واقسى ديّان.
واللبناني اذ يعود الى نفسه في لحظة الهدأة الضميرية، يستشفّ كم كان عليه ان يتلافى من الاخطار حتى لا يصل الى ما وصل اليه.
ورأى مجلس النقابة ان الطلوع من الازمة القائمة انما يكون بما يأتي:
1 – وقف الإتجار بالقيم، خصوصاً بعد التدهور الخلقي الذي يغشى لبنان وبعد الفساد الذي دخل محراب القيم حتى طاول نفسها. اننا ندعو الى مقاومة الفساد تمهيداً لتمنيع خلقي في كل المرافق. من مقعد الدراسة الى المحترف الصغير الى قمة المسؤولية.
2 – قيام دولة قوية، على ان تكون قوتها الاخلاق اولاً. والايمان بمبادىء الحرية والديمقراطية والمساواة ثانياً. وتوحيد التفكير اللبناني ثالثاً. فلا دولة قوية واحدة بلا جيش واحد. واعلام رسمي واحد. وعدالة واحدة. ومناهج تعليمية واحدة. ولا دولة يتعرض اقتصادها للهزات كمثل ما يتعرض له الاقتصاد اللبناني. ولا دولة يرفع فيها سلاح غير سلاح جيشها المسؤول عن امنها والحدود. ولا دولة لا تسود الثقة صلات اهل الحكم فيها وقادة الرأي. فالمطلوب من اهل الحكم ان يتوحدوا وان يزيلوا كل ما بينهم من خلافات واسباب تباعد، خصوصاً انهم ليسوا بالحكومة العادية. بل انهم كما في بيانهم الوزاري وبما هم ممثلون للقوى الفاعلة على الارض، انما ندبوا انفسهم لأكبر مهمة، أي لنجاح مغامرة الانقاذ في لبنان. وإلا، فماذا يعود معنى للشرعية؟ وهذا هو المطلوب من الشرعية ولها. لأن الشرعية ليست رئيس الدولة وحده ولا المجلس النيابي وحده ولا الحكومة وحدها، بل هي كل هؤلاء مجتمعين وقيادات رأي وفكر ومراجع قولة حق كمثل القضاء ونقابة المحامين.
3 – تحرير الارض.
4 – نبذ العنف، لأن العنف لا يحل مسألة بل يوجد مسائل.
5 – وحدة العدالة ووحدة القضاء.
6 – ان نقابة المحامين، اذ تراقب باهتمام وقلق مسيرة خلاص لبنان والعقبات دون خلاصه، تؤكد ان التوحد والعدالة والتحرير والوفاق هي ركائز الانقاذ والخلاص وترسيخ الوجود اللبناني بالحل اللبناني. بحيث لا يعود هذا الوجود عرضة في كل مرة للهزات”.
وبعد انتهاء ولاية النقيب كرم في تشرين الثاني 1987 والتي مُدّدت لعامين اضافيين بفعل الاحداث جرت انتخابات نقابية، فاز فيها النقيب الاستاذ ريمون عيد. وكانت البلاد لا تزال غارقة في ازمة امنية وسياسية تصاعدت وتيرتها باقتراب موعد الاستحقاق الدستوري المتمثل بانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية في العام 1988.
وكانت بوادر الازمة على هذا الصعيد بدأت تظهر وتستفحل يوماً بعد يوم، الامر الذي حمل كل الهيئات التي لم تشترك في الحرب على التنادي للاجتماع والتشاور واصدار البيانات واجراء المقابلات والوساطات مع كل الاطراف من اجل اختيار رئيس جديد يتفقون عليه تجنيباً للبلاد من فوضى تعم في ما إذا دنى الاستحقاق ولم يتم انتخاب الرئيس. وكان على مجلس نقابة المحامين ان يأخذ المبادرة بدعوة سائر نقابات المهن الحرة الى التحرك في هذا السبيل، وهذا ما حصل بتاريخ 1988/9/12 اذ اجتمع نقباء المهن الحرة في لبنان، في دار نقابة المحامين في بيروت، وبعد التشاور اصدروا بياناً اعلنوا فيه تضامنهم مع كل المؤسسات والهيئات والنقابات التي تعمل لوحدة الصف ووحدة لبنان. كما دعوا الى تغليب المصلحة العامة ومصلحة البلاد بانتخاب رئيس جديد للجمهورية في موعده الدستوري. وطالبوا النواب وبالاخص الزملاء منهم بالحضور الى قصر منصور (قصر مجلس النواب الموقت في تلك الفترة) في اليوم التالي (13 ايلول 1988) وبالبقاء فيه حتى انتخاب الرئيس الجديد.
وهذه المقررات التي اتخذها اجتماع النقابات جرى ابلاغها الى ممثلي الدول الكبرى ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن وتركوا اجتماعاتهم مفتوحة.
ولم تكن مناسبة الاستحقاق الدستوري هي الوحيدة التي شغلت مجلس النقابة في عهد النقيب عيد، لأن البلاد في تلك الفترة الحرجة كانت قد انتقلت من مرحلة قسمة الواحد الى نصفين الى مرحلة قسمة النصف الى ربعين، امعاناً من المتآمرين في مزيد من التشرذم ومن التفتيت. فكان مجلس النقابة وفي اكثر من مرة بعقد الاجتماعات الاستثنائية فيبحث في الاوضاع الامنية المتدهورة، ويدعو الى وقف الاقتتال والمجازر، ففي 1989/3/22 انعقد مجلس النقابة برئاسة النقيب عيد وحضور كامل الاعضاء وبحث في مشكلة قطع الطرق واقفال المعابر واستنكر هذه الاعمال التي تشل وتعطّل المؤسسات الدستورية كما ناشد جميع اللبنانيين للتضامن وتوحيد الصفوف واستفظع القصف العشوائي وعملية القتل الجماعي التي يتعرض لها الشعب اللبناني على مرأى من جميع الشعوب التي تدعي انها تؤمن بحقوق الانسان وحريته. وارسل المجلس في ذلك اليوم برقيات عاجلة الى اتحاد المحامين العرب والى اتحادات نقابات المحامين في العالم اجمع لوضعها في الصورة الحقيقية لما يحدث في لبنان.
وقد كان للنقابة في عهد الاستاذ ريمون عيد مواقف وقرارات وطنية مماثلة تتخذها في كل مرة يدعوها اليها الواجب ومن ذلك موقفها من حادثة اغتيال مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد في 1989/5/16 وتحركها ابان اجتماعات الطائف، حيث دعا في بيان له اعضاء المجلس النيابي المجتمعين هناك الى اتخاذ القرارات الحرة المتحررة من كل العقد وان يرفضوا التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي اللبناني.
ولم يكن عهد المغفور له النقيب سيوفي أوفر حظاً من عهد سلفه، فقد استمرت المعارك حتى بلغت ذروتها وكان النصف الاول من ولايته قد انقضى مع حصول احداث 1990/10/13. وطوال العام استمرت وتمادت الاعمال الحربية بين الفريقين المتصارعين في المنطقة الشرقية وفي محيط قصر العدل بالذات. وكان على مجلس النقابة ان يستمر في الدعوة الى الوئام والمصالحة ورص الصفوف عبر بيانات وتحركات ومساعٍ وفاقية لتغليب الوحدة على التشرذم وصوت القانون على كل صوت آخر. ولم يأل النقيب سيوفي جهداً في سبيل ذلك لا على الصعيد الداخلي ولا في المؤتمرات الحقوقية التي كانت النقابة تشارك فيها. ففي اجتماعات المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب في صنعاء المنعقد من 9 الى 12 كانون الاول 1989، اصدر المكتب الدائم وبسعي من وفد النقابة المؤلف من عضو المجلس الاستاذ عمر زين، ممثلاً النقيب سيوفي، والاستاذ مارون حداد ممثلاً لمجلس النقابة، بياناً دعا فيه المؤسسات الشرعية اللبنانية الى بذل اقصى الجهود من اجل بسط سيادة الدولة والقانون على جميع الاراضي اللبنانية، بما يدعم وحدة لبنان والديمقراطية فيه واحترام الانسان.
تلك كانت أبرز المحطات التي شهدتها نقابتنا حتى العام 1990 عقب إنتهاء الأحداث الأليمة التي عصفت بلبنان.
“محكمة” – الاثنين في 2019/4/15
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.