خاص”محكمة”: مرسوم التجنّس واجب النشر بحكم الدستور والقانون/ أشرف صفي الدين
المحامي أشرف صفي الدين:
إعتادت السلطات السياسية المتعاقبة على مدى العصور، اللجوء إلى شرعيات شكلية لمخالفاتها القانونية، وأحياناً الدستورية، وهذه العادة السيّئة لا تزال تمارس في معظم دول العالم حتّى المتقدّمة وإنْ على درجات، فتبريرات استمرار توقيف جورج عبد الله القانونية في دولة كفرنسا على سبيل المثال أو حتّى آلاف الموقوفين بلا محاكمة في غوانتانامو، قد تكون من ضمن هذه الممارسات، إلاّ أنّ التعدّيات السلطوية على قوانين ودساتير دول العالم الثالث هي الأكثر شيوعاً، وقد تمارس في دولة كلبنان بشكل أسبوعي، فتصبح هذه العادة السيّئة، عرفاً طبيعياً ومتوافقاً على حصوله ليس من قبل السلطة السياسية فحسب، بل حتّى من قبل بعض شرائح الشعب المتناقضة طائفياً ومناطقياً .
ففي وطن يُبرّر فيه إخفاء مرسوم نافذ، أو التمديد الذاتي لمجلس نوّاب وولاية رئاسة جمهورية، أو انتخاب رئيس جمهورية من قيادة الجيش دون حتّى عناء تعديل الدستور، لن نفاجأ بواقع أنّ بعض رجال القانون قد تآلفوا مع هذا النوع من التعدّيات، أساسية كانت أم ثانوية، وباتوا أكثر قبولاً بها، بل أحياناً كثيرة منظّرين لها.
“عندما تمارس الخطيئة ولو لمرّة واحدة وتكسب، تصبح الخطيئة حقّاً مكتسباً”.
السلطة الحاكمة بدستور الطائف لم تقصّر من العام 1990 لغاية اليوم في الاستهتار بعدد كبير من بنوده حتّى تلك الواضحة والصريحة، من قوانين الانتخابات المخالفة له، إلى بند إلغاء الطائفية السياسية وإنشاء مجلس الشيوخ … إلى العديد من القوانين التنظيمية التي محتها مصالح بعض الزعماء بشخطة قلم، ومنها قانون تنظيم قطاع الكهرباء رقم 462 تاريخ 2/9/2002 الساري بلا مفعول، هذا القانون الذي جمّد تنفيذه تكتّل تجّار النفط محتكري توريد الفيول لصالح مؤسّسة كهرباء لبنان، واليوم ينضمّ إليهم ممثّلو بواخر التوليد، إلى غيرها من المخالفات التي لم يواجهها القضاء ولا المؤسّسات القانونية الاستشارية ، بل بالعكس، فإنّ بعضها قد واكب مهمّة خلق الذرائع لتبرير وتمرير ما لا يمرّره القانون، دستورياً كان أم عادياً.
من هنا نعود إلى “مرسوم” التجنيس الأخير والذي تسبّب بجدليات حول جنس الشياطين والملائكة للمجنّسين الجدد، بينما الخطيئة الكبرى كانت في مشهد التعاطي المخزي مع النائب الحالي الشيخ سامي الجميل الذي عندما قرّر أن يمارس عمله الطبيعي كممثّل للسلطة التشريعية المسؤولة عن مراقبة أعمال السلطة التنفيذية، ردّت عليه إدارة الرئاسة بكتاب متخم بالتبريرات السيّئة المخالفة للقانون والدستور.
تعود قصّة نشر مرسوم التجنيس إلى العام 1939، أيّام المفوّض السامي “بيو” الذي أصدر المرسوم الاشتراعي 9/1939 ووجد فيه العديد من رجال القانون ملاذاً آمناً لتهريب المراسيم وإخفائها من خلال بند يتضمّن”على أنّ المراسيم التي تختص بجمهور الرعية تصبح نافذة من تاريخ تبليغها …”.
وهذه الفقرة المقتطعة من مرسوم إشتراعي وإنْ لم تمنع صراحة نشر المراسيم الخاصة “بجمهور الرعية”، بل أوجبت إبلاغها لأصحاب العلاقة لتصبح نافذة تجاههم، إلاّ أنّ السلطات السياسية المتعاقبة وخاصة الحالية، قد تعمّدت تحريف هذا المرسوم لتمنع نشر بعض المراسيم.
لكن كيف يمكن لعاقل أن يعطي تفسيرين للمادة 56 من الدستور المعدّل في 1990 الواضحة والصريحة، التي تبدأ “بطلب” النشر وتنتهي “بوجوب” نشر المراسيم (أيّاً كان لونها أو شكلها أو طعمها)، أو المادة 2 من قانون مهل نشر القوانين والمراسيم رقم 646 الصادر في 2/6/1997، والذي اقترحه آنذاك الرئيس حسين الحسيني لإلزام السلطة التنفيذية بمهلة للنشر، حفظاً لحقّ السلطة التشريعية بالمراقبة؟.
وقد جاء في الأسباب الموجبة للقانون 646 المنشورة في صفحة مركز الأبحاث والدراسات في المعلوماتية القانونية للجامعة اللبنانية ما يلي: “ممّا أتاح ويتيح للحكومة إهمال نشر بعض المراسيم كما لا توجد الأحكام” التي تحول دون إهمالها نشر حتّى بعض أو كلّ القوانين، في الجريدة “الرسمية …
“وحيث إنّ عملية النشر هذه لا تتيح إعلام الناس بصدور هذا القانون أو “هذا المرسوم أو هذا القرار فحسب.. بل تتيح اطلاع أعضاء السلطة “التشريعية عليها وتمكّنهم من ممارسة رقابتهم الشاملة على سياسة “الحكومة وأعمالها…
“وحيث إنّه من الواجب نشر هذه القوانين والمراسيم والقرارات للحيلولة دون “التذرّع بجهلها لتعطيل أحكامها …”
وصولاً إلى العام 2017 مع المادة السادسة من الفصل الثاني من قانون الحقّ في الوصول إلى المعلومات الحديث الذي يوجب صراحة “نشر”، ليس المراسيم فحسب، بل الأسباب الموجبة مع القوانين والمراسيم على “مختلف أنواعها”.. نعم “مختلف أنواعها” موجودة في النصّ القانوني.
أمام هذه الوقائع الثابتة، لا يزال هنالك من يحاول الاقناع بوجوب إنفاذ التفسير السيئ لفقرة يمكن إبهامها، صاغها المفوّض السامي “بيو” بالمرسوم الاشتراعي رقم 9/1939، فيفضّل تفسيره المبهم على مادة دستورية صريحة وقانونيين نافذين صريحين لا يقبلان الشكّ ولا التأويل.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 31 – تموز 2018 – السنة الثالثة)
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.