خاص”محكمة”: وزارة الدولة مهمّة سياسية لا تنفيذية/عصام اسماعيل
عصام نعمة إسماعيل:
وجّه وزير الدولة لشؤون التجارة الخارجية كتاباً إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء يطلب بموجبه تحديد مهامه وإنشاء لجنة مشتركة لدراسة العقود الدولية الموقعة بين لبنان والخارج ورصد ميزانية لوزارة الدولة لشؤون التجارة الخارجية، فأجابه الأمين العام لمجلس الوزراء بموجب كتابه 573 تاريخ 23/4/2019 وبجرأة غير معهودة وبصورةٍ حاسمةٍ تعكس عقليته القضائية، موضحاً مفهوم وزير دولة بمهمة وطبيعة المهمة الموكلة إليه. فاستعرض الأمين العام أن عرفاً برلمانياً قضى بتعيين وزراء دولة دون وجود أي نص دستوري يلحظ ذلك، مبيّناً أنه على مرّ الحكومات اللبنانية فإنها كانت تتضمن ثلاث فئات من الوزراء: فئة الوزراء، مع تحديد عددهم والذين جرت تولية كل منهم حقيبة وزارية أو أكثر تتبع لها إدارة معينة، فئة وزراء الدولة، وفئة وزير الدولة المكلف بمهام معينة (الإصلاح الاداري، شؤون مجلس النواب…).
وأثبت أن الفرق بين الوزير الذي توكل إليه حقيبة وزارية ووزير الدولة الذي يكلف أحياناً بمهام معينة هو أن الأول تناط به صلاحيات سياسية وتنفيذية وإدارية بموجب الدساتير والأنظمة القانونية، أما وزير الدولة المكلّف بمهمة، يتولى تنفيذ المهمة المكلّف بها، وضمن الحدود المقررة في النصوص الناظمة لحدود مهمته كونه مختصاً بمهمة معيّنة يصار إلى تحديدها بموجب مرسوم تنظيمي صادر عن مجلس الوزراء، والفئة الثالثة لا تنهض بأعباء وزارة معينة ولا تناط به مهمة خاصة، وعادةً ما يتم تعيينه للتوازن بين الأحزاب السياسية. وهو عضو في الحكومة ويشارك في التصويت. واستند في تعليل رأيه إلى المادة 66 من الدستور التي تنصّ على أن “يتولى الوزراء إدارة مصالح الدولة ويناط بهم تطبيق الأنظمة والقوانين كل بما يتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته وما خاص به”. وأنه يستخلص من هذا النص أن كل وزير يكون على رأس إدارة من إدارات الدولة العامة، الا أن النظام البرلماني (الذي كرسه الدستور اللبناني صراحةً في مقدمته) يعرف أيضاً وزراء دون حقيبة لذا في ظل سكوت الدستور كان يقبل دائماً وفقًا للعرف البرلماني تعيين وزراء دون حقيبة أي وزراء دولة.
ثمّ وبطريقة الاستنتاج استخلص الأمين العام من المادة 65 من الدستور التي تنيط بمجلس الوزراء وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات، أن هذه المادة تتيح لمجلس الوزراء، بصفته السلطة الإجرائية في الدولة، وبموجب مراسيم تنظيمية تصدر عنه، أن يحدّد مهام وزراء الدولة بالاستناد لسياسته العامة وله اتخاذ القرارات اللازمة لتطبيق هذه المراسيم وتنظيم عمل هؤلاء الوزراء مستعرضاً سوابق تاريخية (مرسوم تحديد صلاحيات وزير الدولة لشؤون الجنوب والإعمار لعام 1984، مرسوم تحديد صلاحيات وزراء الدولة لعام 1981)، كما استند إلى المادة 64 من الدستور التي تمنح رئيس الحكومة صلاحية التنسيق بين الوزراء، معتبراً أن هذه المادة تجيز لرئيس الحكومة تنسيق المهمات بين الوزير بحقيبة والوزير بمهمة.
وتوقف الأمين العام في دراسته حول مهام وزير الدولة لشؤون التجارة الخارجية، فوجد أن التجارب الرسمية في لبنان مستقرة على إنشاء المؤسسة ثمّ بعد حين يصار إلى تعيين مهامها، ولهذا رأي أنه في المرحلة الراهنة فإن منح وزير الدولة لشؤون التجارة الخارجية حق ممارسة مهام ذات صلة بعنوان مهمته إنما يصطدم بالنصوص الدستورية والتشريعية التي تنيط الصلاحيات المذكورة بجهات منشأة وتمارس صلاحياتها. وأن الاستجابة لمطالبه يحتاج إلى إقرار مرسوم تنظيمي يصدر عن مجلس الوزراء يحدد هذه الصلاحية وطبيعة العلاقة مع الجهات الرسمية القائمة لئلا يحصل تضارب في الصلاحيات أو في الموافق التي تصدر عن كلٍ من الجهات المختصة، مع مراعاة أنه من المتعذر دستورياً تجاوز صلاحيات مقررة بنصوص تشريعية (قوانين الوزارات) أو نصوص دستورية (صلاحية المفاوضة في قضايا المعاهدات الدولية) قبل تعديلها، بحيث لا يعود لا لرئيس الحكومة ولا حتى مجلس الوزراء مجتمعاً الامكانية القانونية لايلاء وزير الدولة تلك الصلاحية.
وختم الأمين العام دراسته بأن لا هيلكية لوزارة الدولة ولهذا يتعذّر وفق القوانين المرعية الإجراء إجازة التعاقد مع مدير مكتب وأمناء سر أو موظفين قبل إقرار هيكلية لهذه الوزارة ورصد الاعتمادات المخصصة لها بموجب قانون، وحتى ذلك الحين تصرف النفقات الضرورية لعمل مكتب وزير الدولة من موازنة رئاسة مجلس الوزراء.
إن هذه الدراسة القانونية القيّمة والتي تعبّر عن موقعية وزراء الدولة وأدوارهم ذات الطابع السياسي لا التنفيذي، يقتضي أن تكون منطلقاً يعتدّ به عند تشكيل الحكومات بحيث لا يصار إلى إطلاق مسميات تجعل من مهمة الحكومة أكثر تعقيداً بحيث بدلاً من الانصراف إلى معالجة قضايا الناس تصبح مضطّرة للإنشغال لمتابعة تضارب المهام بين أعضاء الحكومة.
“محكمة” – الخميس في 2019/5/9
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.