خاص “محكمة”:التعذيب الجسدي في لبنان بين النصّ والممارسة/جهاد اسماعيل
كتب جهاد اسماعيل:
إنتهاكات بالجملة للنصوص تقوم بها جهات أمنية وعسكرية، في معرض توقيفها للمتهمين، بحجّة الضرورة والإفصاح عن المعلومات!، وهي ظاهرة زادت مساحتها في الآونة الأخيرة على الرغم من كلّ التعديلات التي طالت القوانين المتعلّقة بحرمة التعذيب، حتّى بات يسود الاعتقاد أنّ ثمّة صعوبة في التغلّب عليها بسبب الأعراف والثقافات الخاطئة والمسيئة للإنسان وكرامته، القائمة على فهم القاعدة القانونية على أنّها قاعدة ذات أحكام ثأرية ترمي إلى الانتقام من الفاعلين، ووضعهم في خانة المرفوضين انسانياً ومجتمعياً، في حين أنّ للقانون وظيفة هادفة لا تتعدّى قيم وأسس المجتمع، من خلال تأطير الفرد في نظام اجتماعي معيّن، وليس إخراجه منه بذريعة ” الاستقرار والأمن”!
ورغبة في مناهضة التعذيب، تضافرت الجهود على المستويين المحلّي والدولي في ايجاد الوسائل القانونية التي تحول دون حماية الإنسان، أثناء التوقيف، من المعاملة القاسية أو اللانسانية، وكلّ ما لا ينسجم مع حقوق الإنسان من منظار قانوني- دستوري(وطني) ودولي.
• على المستوى القانوني: لم يتوان المشرّع اللبناني عن إدراج التعذيب الجسدي، كأسلوب غير انساني في التحقيق الإبتدائي، في دائرة الجريمة حينما اعتبر الأفعال، بحسب المادة 401 من قانون العقوبات، التي تؤدّي إلى ألم أو أذى جسدي أو عقلي شديد بهدف انتزاع اعترافات وما شابه، جريمة يعاقب عليها من سنة إلى ثلاث سنوات إذا لم يفض ذلك إلى الموت، وذلك في سبيل الحصول على معلومات كان من شأنها الوصول إليها بطرق تدلّ على جدارة وانتاجية الضابطة العدلية لا العكس، وهو ما أكّدت عليه مواد أصول المحاكمات الجزائية(41، 43، 107، 253) حينما نصّت على أنّ استجواب المشتبه فيه مشروط بأن يدلي بأقواله بإرادة واعية حرّة من دون استعمال أيّ وجه من وجوه الإكراه ضدّه، وإذا التزم الصمت يشار إلى ذلك في المحضر ولا يجوز إكراهه على الكلام أو استجوابه تحت طائلة بطلان إفاداته، علاوة على الحقوق التي يتمتّع بها المشتبه فيه فور احتجازه لضرورات التحقيق (الاتصال بأحد أفراد عائلته أو مقابلة محام..)، وهي على أيّ حال صارت تفصيلاً أمام الأفعال المشكو منها في أساليب التحقيق بعدما تعجز القوى المولجة به، وابتداء، عن جلاء الحقيقة من صاحبها لا إجلاد الأخير من الحقيقة القانونية تحت حجّة الضرورة كما تشير المادة 225 من قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي على أنّه “على رجال قوى الأمن عندما يمارسون صلاحياتهم الاكراهية اجتناب كلّ عنف لا تقتضيه الضرورة”، علماً أنّ الضرورة، المشار إليها، هي استثناء على قاعدة، يتمّ التعامل معها على أنّها القاعدة المطلقة فور الاحتجاز، ويساء فهمها وتطبيقها على نحو مخالف للقانون نفسه.
• على المستوى الدستوري: لما كان لبنان الرسمي قد التزم بالمواثيق الدولية والاعلان العالمي لحقوق الانسان، بحسب الفقرة ” ب” من مقدّمة الدستور، فإنّ أيّة مخالفة للمواثيق، هي حكماً، مخالفة دستورية، فعلى سبيل المثال، ألزم لبنان نفسه بالاعتراف باتفافيات جنيف، وهي مجموعة من النصوص التي تحظر التعذيب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان، الاتفافية الدولية لمناهضة التعذيب، وغيرها من المواثيق التي كانت قد التزمت بها السلطات الرسمية اللبنانية في اطار مكافحة كلّ أشكال العنف والمعاملات المهينة لكرامة وقدر الإنسان.
وعلى ذلك، فإنّ النصوص والمواثيق في واد، والممارسة في واد آخر، إذ إنّ الأمم المتحدة واللجان الدولية والمنظّمات الأهلية والمدنية لم تأل جهداً في الإدلاء بتقارير تفيد بأن التعذيب الجسدي من قبل أجهزة التحقيق، أمنية وعسكرية، واسع الانتشار إلى حدّ بلوغه مستوى العادة الطبيعية والمألوفة في بلد تصبح فيه المحرّمات حلالاً، والحقوق حراماً، والشواهد حاضرة، لكنّ السلطة، تشريعية تنفيذية، غائبة عن كلّ شيء إلاّ في إذلال المواطنين والحطّ من كرامتهم على أكثر من صعيد.
“محكمة” – الأحد في 2018/12/02