خاص “محكمة”:المنطقة التربوية في بعلبك الهرمل بين الإنجازات والصعوبات.. وحقّ الوصول إلى المعلومات/جهاد اسماعيل
كتب جهاد إسماعيل:
شكّلَ قرارُ استحداث منطقة تربوية فيِ بعلبك – الهرمل انجازاً مهمّاً في تاريخ المنطقةِ التي عانى أهلُها طويلاً من سوء المركزية الادارية وصعوبةِ انجازِ المعاملاتِ الرسمية تبعاً للعوامل الجغرافية والروتينية والمادية في ظلّ حصر كلّ الملفّات الخاصة بمحافظة بعلبك الهرمل في محافظة البقاع بالرغم من إنشاء المحافظة منذ زمن، وما رافقها من تهميش على مستوى الخدمة وتأديتها كما يجب، قبل أن تتحوّل المنطقة التربوية في بعلبك الهرمل إلى منظومة عمل فاعلة بعد تكليف الأستاذ حسين عبد الساتر بإدارتها، واناطته مهام تفعيل ملفّاتها في دائرة زحلة ، وسط مناخ من العراقيل الإدارية والسياسية.
وعلى هذا النحو، شهدت بعلبك الهرمل خلال هذه الفترة العديد من الانجازات التي تضاف إلى رصيد مسيرة التعليم في القطاع التربوي الذي يمرّ الآن بمجموعة من المعضلات التي اقتضتها طبيعة التركيبة اللبنانية على أكثر من صعيد، رغم أنّها لم تمنع رئيس المنطقة التربوية من مواجهة التحدّيات جرّاء اجتياز مساحة كبيرة من الجودة والتميّز في تلبية حاجات الناس والمدارس، والمشاركة في صناعة الخطّة التربوية بمعزل عن حداثة التجربة مقارنة مع المناطق الأخرى، وهذا ما ظهر على المستويات التالية: – تقديم خدمة مميّزة لكلّ المراجعين والموظّفين والتربويين، على نحو يميّزها عن الخدمات التي تقدّمها الدوائر الحكومية التقليدية.
– إنجاز المعاملات بسرعة ودقّة عملاً بمواد قانون الموظّفين، على خلاف الوضع القائم في الكثير من مرافق الدولة، ما جعل معظم المراجعين في حالة ارتياح واطمئنان حيال المنطقة السالف ذكرها، لا سيّما وأنّها، بقرار رئيسها، متاحة لكلّ المراجعات والمتابعات دون قيود زمانية أو فئوية أو محسوبية.
– إعتماد آلية المراجعات دون قيود أو محسوبيات، من خلال تواصل رئيس المنطقة التربوية مع الناس على مختلف اختصاصاتهم وشرائحهم، أدّى إلى تراجع ثقافة عدم الوصول إلى المعلومات الكامنة عند فئة من المواطنين والموظّفين، والذي أدّى بدوره إلى تفعيل التواصل مع المدارس وسائر المراجعين.
-الحدّ من مصادر الهدر والتصرّف بالموارد المالية على خلاف القواعد القانونية ، بعدما تمّ تعميم المعايير الرقابية على المدارس الرسمية، من خلال إلزامها بخطّة سنوية أو شهرية، علاوة على الحدّ من التصرّف بساعات أساتذة الملاك لأغراض لا تتسق مع مصلحة الخزينة أو المدرسة.
– ضبط حاجات المدارس للمدرسين والموظفين بنسبة عالية، عبر مراقبة دراسات المدارس، بعدما كانت مخصصة لمعايير استنسابية وشخصية، كأن يتم الاستغناء عن موظف في وظيفة ملحة لصالح مؤسسة اخرى بسبب تدخل زبائني من هنا أو سياسي هناك، أو إجراء توظيفات في مراكز غير شاغرة وتعتبر من عداد الفوائض.
– تلبية احتياجات المدارس لبعض اللوازم والمدرسين، بطريقة مطابقة للشروط والمواصفات، سيما وأنها كانت محل هدر وفساد عند بعض المدارس، خاصة بالطلبات المتعلقة بالمناقلات .
– مراقبة الحركة الموازناتية للمدارس ومجالس الاهل وضبطها بشكل تكون متوافقة مع المعايير والأسس التي وضعتها وزارة التربية.
– تأمين فرص عمل لبعض المراكز الشاغرة في التدريس(خاصة فترات الدوام المسائي) وإعطاء الأولوية لمن ليس لديه فرصة أخرى، متى توافرت الشروط المحددة في القانون، تبعاً للحاجات المستجدة في المدارس.
– الحرص ، في الامتحانات الرسمية، على اعتماد التقارب الجغرافي بين الاستاذ المراقب ومركز الامتحان، سهّل الأجواء والظروف المحيطة بها، علاوة على انتفاء الشوائب في الامتحانات من خلال تأمين انتظام المراقبة والتفتيش، بعدما أدّيا إلى ضبط الغشّ والتشويش أثناء إجراء الامتحانات. كما أنّ اعتماد مراكز جديدة للامتحانات في أماكن بعيدة عن مركز المحافظة (منطقة غربي بعلبك تحديداً– شمسطار والقرى المجاورة)، أدّى إلى عدم تدفّق الطلاّب بكثرة، أيّام الامتحانات إلى مدينة بعلبك، وارتياح لدى الأهالي نظراً لقرب مراكز امتحانات أولادهم من أماكن سكنهم.
– إقامة التواصل مع الجمعيات والبلديات واتحاداتها، عبر تقديم الخدمات المتعلّقة بالأنشطة التي تقوم بها في المدارس، أدّى إلى تلبية بعض احتياجات المدارس وتالياً المنطقة التربوية في بعلبك الهرمل، علاوة على اقامة أقصى درجات التنسيق بين المنطقة التربوية والمؤسّسات الدولية لجهة المساعدات والمنح وتعليم طلاب السوريين في فترات بعد الظهر.
لذلك، فإنّ ما حقّقه رئيس المنطقة التربوية في بعلبك الهرمل من إنجازات يعدّ نتاجاً طبيعياً لسياسة التخطيط التي انتهجها مع الدولة ومدارس قضاء بعلبك الهرمل، وما رافقها من جهود شخصية استثنائية بالتعاون مع اتحادات البلديات في بعلبك الهرمل وبعض البلديات ونوّاب المنطقة، وهو علامة فارقة من علامات النضال في منطقة كبعلبك الهرمل، نظراً لما يكتنفها من صعوبات وعراقيل، سواء على صعيد الواقع اللبناني ودلالاته أو على صعيد طبيعة الهرمية القانونية المعتمدة، والتي تجسدت في الصور التالية:
– حصرية بعض الملفّات الروتينية في الوزارة، ما يعزّز المركزية لصالح ضعف اللامركزية الادارية والسلطوية، ويفقد القرار من مضمونه المعنوي جرّاء الجمود والبيروقراطية من جهة، والبطء في انجاز المعاملات والتعقيد بسبب كثرة التسلسلية من جهة أخرى.
– إقتصار صلاحية المنطقة التربوية وتركيزها، بحكم القانون، على الإدارية دون أن تطال الجوانب التربوية، يضعف العملية التربوية في المناطق، ويقتل الابتكار وروح المبادرة.
– إناطة سلطة الرقابة والتفتيش لجهة مستقلّة عن المناطق التربوية، واقتصارها على التقارير والتوجيهات، تحول دون اتخاذ قرارات ملائمة لطبيعة وظروف الاقضية والمحافظات.
– غياب منطقة تربوية في محافظة بعلبك الهرمل لفترة من الزمن، أّدّى إلى خلق فراغ كبير على مستوى الهدر والفوضى والحاجات في المدارس، لا يمكن سده دفعة واحدة الا من خلال ايلاء المناطق صلاحيات استثنائية تتجاوز المركزية والسلطوية، بهدف مواكبة تطلعات التربية والتعليم في بعلبك الهرمل، بعدما سادت العقلية الاستئثارية في أروقة وزارة التربية، وما يضاف عليها من رواسب واشكالات على الطريقة اللبنانية.
وإزاء ما تمّ سوقه من طروحات بشقّيها، الانجازات والصعوبات، وما ترتّب عنها من نتائج ودلالات، يصحّ القول بأنّ المنطقة التربوية في بعلبك- الهرمل، بجهود رئيسها وفريقها، حالة استثنائية – فريدة في الواقع التربوي والسياسي، وهي مرشّحة للتفاعل والنجاح أكثر فأكثر متى استمرّت على هذا المنوال، وبقيت على طلاق مع التركيبة اللبنانية على مختلف عللها ومشكلاتها، فهل ستتوج هذه الانجازات بإصلاحات بنيوية تتخدها الدولة لتصبّ في خانة النظام الدستوري والتربوي العام؟
“محكمة” – الأحد في 2018/07/0