خاص “محكمة”:سمير جعجع يحضر بسيّارة وزير العدل إلى العدلية لحضور جلسة الدعوى على LBC/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
حسناً فعلت القاضي المنفرد الجزائي في بيروت فاطمة الجوني بردّ الطلب المقدّم من رئيس حزب “القوّات اللبنانية” سمير جعجع والرامي إلى انتقالها إلى مقرّه في معراب لسماع إفادته على سبيل المعلومات كممثّل عن حزبه في الدعوى المقدّمة ضدّ “المؤسسة اللبنانية للارسال”(LBCI) ورئيس مجلس إدارتها بيار الضاهر وآخرين بهدف استعادة هذه الوسيلة الإعلامية.
ففي الجلسة المحدّدة يوم الاثنين في 14 أيّار 2018 فاجأ وكيل جعجع القانوني النائب المحامي جورج عدوان الحاضرين في قاعة المحكمة بتقديم طلب خطّي يتذرّع فيه بأنّ جعجع تغيّب عن المثول أمام القضاء لأسباب أمنية تحول دون وصوله إلى قصر عدل بيروت مفضّلاً انتقال القاضي الجوني إلى مكان سكنه في محلّة معراب.
ولم تنتظر القاضي الجوني مهلة الأسبوع التي أعطتها لنفسها للردّ على طلب جعجع، فسارعت في اليوم التالي مباشرة، إلى ردّه صوناً لهيبة القضاء وتأكيداً بأنّ الجميع تحت سقف القانون ولا مهادنة في معرض تحقيق العدالة، إذ إنّ انتقال قاضي الحكم إلى مكان وجود السياسي يحمل في طيّاته الكثير من الانكسار ولا يفترض بالقاضي أن يقبل بهذا الطلب مهما كانت المسوّغات والتبريرات والذرائع والحجج التي يمكن لهذا أو ذاك أن يختبئ خلفها، فمكانة القضاء أعلى من كلّ شيء وأهمّ من كلّ شيء وليس القضاء مسؤولاً عن تأمين الحماية الأمنية، علماً أنّ جعجع لم يتأخّر للحظة عن المشاركة في الكثير من المهرجانات والاحتفالات المقامة خارج معراب فلماذا تريدون أن تجعلوا من القضاء مكسر عصا؟!
كما أنّ قاضي التحقيق ينتقل لسماع رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس النيابي أو رئيس الحكومة في أماكن وجودهم دون سواهم من الأشخاص والمسؤولين في الدولة وخارج السلطة إلاّ في حال وجود سبب صحّي يحول دون مثول هذا الشخص أمام القاضي للإدلاء بإفادته كشاهد أو مدعى عليه، ولا ينتقل القاضي فوراً إلى محلّ إقامة هذا الشخص وإنّما بعد التحقّق من واقعة المرض الشديد والمانع الفعلي والذي لا يمكن ردّه على الإطلاق، هذا من جهة أولى.
أمّا من جهة ثانية، فإنّ معراب حيث يقيم رئيس حزب “القوّات اللبنانية” جعجع، فتقع في محافظة جبل لبنان، وتحديداً في قضاء كسروان، أيّ خارج النطاق الإداري لمحلّ وجود محكمة القاضي الجوني وهو بيروت، وبالتالي هذا مانع آخر يحول دون انتقالها إلى معراب، ممّا يلزمها في حال وافقت، بأن تقوم باستنابة قاض آخر تتبع معراب لنطاقه الإداري، فلماذا لا يسهّل جعجع الأمر على نفسه وعلى القضاء ويحضر إلى عدلية بيروت؟
الحضور بسيّارة وزير العدل
وأكثر ممّا تقدّم، فقد سبق لرئيس “القوّات” أن حضر بملء إرادته إلى دائرة التحقيق في بيروت وتحديداً عند القاضي فادي العنيسي عندما كان يُجري تحقيقاته في الدعوى نفسها ولم ينتقل العنيسي إلى مقرّ إقامة جعجع كما يُشيع بعضهم خطأ وتشويهاً للحقائق، وكان الوضع الأمني في لبنان أكثر سوءاً ممّا هو عليه الآن، فما الذي تغيّر؟
وللتذكير فقط، فإنّ جعجع دخل إلى عدلية بيروت بسيّارة وزير العدل آنذاك البروفسور إبراهيم نجّار والتي أوصلته إلى الباب المؤدّي إلى دارة نقابة المحامين. نزل جعجع من السيّارة وتوجّه إلى الباب.. إنتبه إلى وجود كاميرا فوضع إحدى يديه على وجهه لإخفائه، وبسرعة البرق وصل إلى دائرة التحقيق. كان يوم جمعة حيث الهدوء يخيّم على قاعة”الخطى الضائعة”، كما أنّ كلّ الموظّفين كانوا قد غادروا لانتهاء دوام العمل باكراً.
لم يكن أحد يعلم بحضور جعجع إلاّ هو والوزير نجّار ووكلاؤه والقاضي العنيسي والنائب العام التمييزي آنذاك القاضي سعيد ميرزا، إذ عمد العنيسي إلى إبلاغه قبل يومين رفعاً للمسؤولية على ما يقول مطلعون على هذه الواقعة لـ”محكمة”.
فوجئ عناصر قوى الأمن الداخلي بما فعله الرجل بمحاولة إخفاء وجهه. إستعادوا شريط التصوير ودقّقوا مراراً في الصورة فإذا هو جعجع نفسه. فتّشوا عنه في ردهات قصر العدل فلم يجدوه. ولم يكن لديهم أيّ علم بإمكانية حضوره إلى العدلية وهم مسؤولون عن حماية بيت العدالة من الداخل ومن الخارج. وبعد دقائق من البحث المضني عرفوا أنّه في غرفة القاضي العنيسي يدلي بإفادته. سارعوا إلى إخبار القاضي ميرزا الذي نسي أنّ العنيسي أبلغه مسبقاً بحضور جعجع فأمسك هاتفه واتصل به سائلاً عن سبب وجود جعجع لديه.. ذكّره العنيسي بأنّه أعطاه علماً بالأمر قبل يومين.
ربّما انهماك ميرزا بمتابعة التحقيق بقضيّة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومسألة شهود الزور وتغيير المحقّقين العدليين أنساه واقعة الاتصال، وهو أيضاً لم يعقد مؤتمراً صحفياً واحداً طوال سبع سنوات من وجوده في منصبه ولم يعرف الرأي العام ما وصله من ملفّات ونوعية القرارات التي اتخذها بعكس سلفه القاضي عدنان عضوم الذي كان شفّافاً حتّى ولو كانت بعض الملفّات ذات نكهة سياسية، والنيابة العامة التمييزية ممرُّ السياسة إلى القضاء!.
المهمّ أنّ جعجع حضر وأمام قاضي التحقيق فلماذا يريد من قاضي الحكم أن ينتقل إليه لسماع إفادته؟ كانت تسديدة الجوني موفّقة بأن ردّت الطلب. القضاء لا ينتقل إلى أيّ مكان ولا يقف على باب السياسيين حتّى ولو كان الحقّ لمصلحتهم في ما يطلبونه، كما أنّ المساواة أمام القانون تفرض الإدلاء بالشهادة في رحاب العدل وفي بيت العدلية. إحترام القضاء يبدأ بالمثول أمامه في بيته في قصر العدل وكلّ الخطابات الإنشائية عن الاستقلالية والشفافية لا تنفع.
في الدول الغربية يمثل المسؤول في السلطة أمام القاضي وبكلّ طيبة خاطر وتقدير للسلطة القضائية. فيا أيّها السياسيون اللبنانيون كفّوا عن التدلّل وامتثلوا للقضاء. المهمّ أن يكون القاضي المعني حرّ الضمير ولا يخشى أحداً إلاّ الله.
قد ينتقل قاضي التحقيق إلى مكان وجود المسؤول السياسي، أمّا قاضي الحكم فلا.
سبق للقاضي حاتم ماضي عندما كان في مركز قاضي التحقيق الأوّل في بيروت أن انتقل إلى قصر قريطم لسماع إفادة الرئيس رفيق الحريري في أحد الملفّات. الوضع هنا مختلف، فالحريري رئيس حكومة، علماً أنّه لو حضر إلى العدلية في توقيت غير معروف إلاّ من حلقة ضيّقة جدّاً، لكان موقفاً تاريخياً لن ينساه أحد.
الثقة بالقضاء تبدأ بما يقوم به القضاة أنفسهم. تماماً مثلما فعلت فاطمة الجوني.. وكثر مثلها يفعلون الأمر نفسه، وما فعلته الجوني علامة خير على أنّ بعض القضاء بخير، والناسُ كلّ الناس، تريد كلّ القضاء أن يكون بخير.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 30 – حزيران 2018- السنة الثالثة)